خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=11734"> سلسلة الآداب الإسلامية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
آداب الطعام [1، 2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فحديثنا في هذه الليلة أيها الإخوة عن أدبٍ آخر من الآداب الشرعية، وهو أدبٌ نحتاج إليه باستمرار، ألا وهو: (أدب الأكل)، أو: (آداب الطعام)، وهذا الأدب من الآداب التي أطال العلماء في شرحها؛ نظراً لكثرة الآثار الواردة فيها والأحاديث والنصوص الشرعية، وقد سبق أن قلنا: إن الشريعة تهتم بجميع نواحي حياة الإنسان، وكلما كانت الناحية أكثر وجوداً في حياة الشخص المسلم، كانت الشريعة أكثر تطرقاً لما يتعلق بهذا الأدب من التفصيلات.
أما بالنسبة إلى هذا الأدب فإننا نحتاج أن نلخص بعض فروعه قبل أن نبدأ في تفصيله، فنقول: والله المستعان.
إن آداب الطعام، أو آداب الأكل كثيرة؛ فمن آداب الأكل:
أولاً: غسل اليدين قبله، لما رواه النسائي بإسنادٍ صحيح ورجاله رجال الشيخين، غير محمد بن عبيدة وهو صدوق، كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه) وهذا حديثٌ عزيزٌ جيد في هذه المسألة.
ثانياً: تسمية الله سبحانه وتعالى قبل الطعام، كما دلت عليه أحاديثٌ كثيرة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (يا غلام! سم الله) وقد جاء صريحاً بلفظ: (يا غلام! إذا أردت أن تأكل فقل: باسم الله).
ثالثاً: أن يأكل بيمينه: لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( وكل بيمينك).
رابعاً: أن يدنوا من الطعام: لقوله عليه السلام في حديث الغلام أيضاً: (ادن يا بني).
خامساً: أن يأكل مما يليه: لقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: (وكل مما يليك).
سادساً: الاجتماع على الطعام، وعدم الأكل متفرقين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه) وينتج عن ذلك أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة.. كما رواه ابن ماجة وهو حديثٌ صحيح.
سابعاً وثامناً: ألا يمسح يده بالمنديل أو بغيره حتى يَلعِقها، أو يُلعقها كما جاء عند النسائي وهو حديثٌ صحيح: (إذا أكل أحدكم الطعام فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعِقها، ولا يرفع الصفحة حتى يلعقها فإن آخر الطعام فيه البركة) وهذا هو الأدب الثامن، والذي قبله لعق الأصابع، والثامن: لعق الإناء. فإن آخر الطعام فيه البركة.
تاسعاً: إذا سقطت اللقمة ألا يتركها لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده، فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان).
عاشراً: انتظاره حتى يذهب فوره ودخانه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنه أعظم للبركة) يعني: الطعام الذي ذهب فوره.
الحادي عشر: عدم النفخ في الطعام، وقد يكون لهذا أضرار لا نعلمها.
الثاني عشر: الأكل من جوانب الطعام كما قال عليه الصلاة والسلام: (كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها -أي وسطها- يبارك لكم فيها) وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا باسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها) وقال أيضاً في الحديث الصحيح: (إن البركة وسط القصعة فكلوا من نواحيها ولا تأكلوا من رأسها).
الثالث عشر: أن يجلس على الأرض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد؛ فإنما أنا عبد) وقال أيضاً في الحديث الآخر: (آكل كما يأكل العبد، فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء).
الرابع عشر: إذا أتاه خادمه بالطعام أن يناوله منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه؛ فليجلسه معه -يعني إجلاس الخدم معهم- فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين).
إذاً: بما أن الخادم قد شق عليه عمل الطعام، وهو الذي قد جاءه من حره ودخانه فمن المكافأة له وقد اشتهاه أن يجلسه معه، وهذا أيضاً فيه تواضع، بالإضافة إلى المكافأة على ما حصل له.
الخامس عشر: أنه إذا لم يعجبه شيءٌ من الطعام فإنه لا يتأفف ولا يتذمر وإنما يتركه فقط، كما جاء في الحديث: (إن اشتهاه أكله وإلا تركه) (ولما قدم الضب للنبي صلى الله عليه وسلم ترك أكله، وقال: إنه لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه).
السادس عشر: تفتيش التمر من الدود: فقد جاء في حديثٍ صحيح رواه أبو داود وغيره: (عن
السابع عشر: ما ذكره صلى الله عليه وسلم في مسألة ما يقال بعد الأكل ولهذا أذكارٌ كثيرة سنأتي عليها إن شاء الله، ومنها: الحمد لله، وما يقال أيضاً: لصاحب الوليمة، إذا دعاك فأجبت دعوته وطعمت عنده فماذا تقول له؟ وهذا سيكون إن شاء الله في موضوع: آداب الوليمة، وإجابة الدعوة، لكن في آداب الأكل سنتطرق إلى الصيغ الواردة في حمد الله تعالى لأنها كثيرة.
الثامن عشر: أن الإنسان إذا طبخ لحماً مثلاً فإن عليه أن يكثر المرق ويغرف منه للجيران، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا طبختم اللحم فأكثروا المرقة، فإنه أوسع وأبلغ للجيران) وقال أيضاً: (إذا طبخ أحدكم قدراً فليكثر مرقها ثم يناول جاره منها) يعني من هذا المرق ومن هذا الطعام.
التاسع عشر: ماذا يفعل إذا وقع الذباب في الإناء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن أدبٍ يتعلق بذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) وفي رواية: (وإنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء، فإذا غمسه كله ذهب ذلك).
العشرون: كف الجشاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كف عنا جشاءك) وفي راوية: (أقصر من جشائك) وهو: الصوت الغليظ الصادر من الفم كما سبق بيانه.
الحادي والعشرون: تنظيف اليدين من بقايا الطعام، خصوصاً إذا أراد أن ينام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمرٍ -وهو رائحة اللحم ودسامة اللحم وزهومته ودهنه- فلم يغسل يده فأصابه شيءٌ فلا يلومن إلا نفسه) .
الثاني والعشرون: أنه إذا وضع العَشاء وحضرت صلاة العِشاء، فإنه يقدم العَشاء ولا يعجل عن طعامه.
الثالث والعشرون: في طريقة الجلسة، أن يجلس ناصباً اليمنى جالساً على اليسرى، أو يجلس القرفصاء كما جاء أيضاً في رواية، ولا يجلس متكئاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما أنا فلا آكل متكئاً).
الرابع والعشرون: النهي أن يأكل الرجل منبطحاً على بطنه لأنه قد ورد في الحديث الصحيح أيضاً: (النهي أن يأكل الرجل منبطحاً على بطنه) .
الخامس والعشرون: عدم الشبع: لقوله في الحديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، حسب ابن آدم لقيماتٌ يقمنَ صلبه) وذم التوسع في ألوان الطعام والشراب.
السادس والعشرون: الأكل بثلاثة أصابع: فإنه قد ورد في الحديث الصحيح: (أنه عليه الصلاة والسلام كأن يأكل بثلاثة أصابع، وكان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث) .
السابع والعشرون: ألا يقرن بين تمرتين خصوصاً إذا شاركه غيره، لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الإقران) وهو الجمع بين تمرتين ونحوها من الفواكه أو من الثمار التي تكون مفردة، فإنه لا يجمع بين حبتين منها، إلا أن يأذن له صاحبه، لأن في الحديث قوله: ( إلا أن يستأذن الرجل أخاه ).
الثامن والعشرون: النهي عن الجلوس على المائدة التي فيها محرم، وهذا من الأحكام، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على مائدةٍ يشرب عليها الخمر).
التاسع والعشرون: الاعتدال في الطعام، حتى في أنواعه، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا) وهذا يدل على اعتداله صلى الله عليه وسلم في أنواع الأطعمة التي كان يتناولها.
الثلاثون: عدم أكل الثوم والبصل والكراث، ولا يقربن المسجد إذا أكل الثوم والبصل والكراث، وعدم أكله لمن أراد أن يأتي المسجد.
الواحد والثلاثون: الاعتناء بما دلت الشريعة على فضله من الأطعمة كالتمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بيتٌ لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه) وفي حديثٍ آخر: (بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله) وكذلك قال: (كلوا الزيت وادَّهنوا به) فالتمر إذاً قد ورد الاعتناء به، وكذلك زيت الزيتون المعروف، وكذلك الخل فقد قال: (نعم الإدام الخل) وما راق للإنسان أكله من الأطعمة بعد ذلك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم -مثلاً- يعجبه الذراع والدباء -القرع- وهذا عائد إلى النفس.
وفي الاعتناء بالأطعمة التي ورد الشرع بها أيضاً: إكرام الخبز -عدم القائه والاستهانة به- فإنه قد قال: (أكرموا الخبز) ولم يصح النهي عن قطعه بالسكين، وإنما الذي ورد إكرامه، فلذلك لا يلقى، والإنسان لو رآه يعتني به أكثر من غيره، للأمر بالاعتناء بإكرامه، فإذا رآه ملقىً مثلاً أخذه فوضعه أو جعله في مكان مرتفع أو أطعمه للدواب أو نحو ذلك.
فهذه طائفة من آداب الطعام وشيء من الأحكام المتعلقة بها، وما يتعلق بالوليمة وآداب الدعوة والضيف، هناك أشياء مرتبطة بها مثل: الأطعمة ومثل: عدم سؤال صاحب الدعوة عن طعامه إذا كان مسلماً، كأن يقول: من أين هذا؟ ومن أين اشتريته؟ من جهة الشك فيه أو في أمانته، أو ربما أتى له بأشياء محرمة، فإذا كان عدلاً لا يسأل عن طعامه من أين أتى به، أو هل هو حلالٌ أم لا؟ أو هل هو مذكى أم لا؟ ولعل هذا سيأتي إن شاء الله في آداب الدعوة والوليمة.
أما بالنسبة لبعض التفاصيل المتعلقة بالموضوع فلعلنا نبدأ بحديث التسمية على الطعام، حيث إن هذا من أول ما يكون في الطعام، وإن كان غسل اليدين مثلاً يكون قبله بالترتيب المنطقي لكن نبدأ بهذا الحديث، فإنها كانت أول وصية في حديث: (يا غلام سم الله) وقد عقد الأئمة رحمهم الله في كتبهم أبواباً لهذا الأدب العظيم، ولا تخلو الكتب الستة وغيرها من بابٍ أو كتابٍ عن آدب الأكل.
وأيضاً: بوبوا في الأطعمة، فإن العلماء يذكرون في مصنفاتهم آداب الأكل وأحكام الأطعمة.. والصيد والذبائح ماذا يحل منها؟ وماذا يحرم؟ وهناك بعض الاشتراك، لكن الذي يهمنا نحن الآن التركيز عليه هو قضية آداب الأكل.
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت تلك طعمتي بعد) .
صيغة التسمية عند الطعام
والمراد بالتسمية على الطعام قول: باسم الله، والبسملة قول: بسم الله الرحمن الرحيم، وقد ورد هذا صريحاً حيث قال: ( سم الله ) لكن الكلمة قد جاء مصرحاً بها كما جاء عند أبي داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعاً: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليأكل باسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) وهذا أدب يلحق بالتسمية أصلاً أو تبعاً لها، فهذا الحديث بين صفة التسمية.
وهناك حديثٌ آخر أيضاً رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في السلسلة : عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم _حِحر وحَجر كلاهما صحيح- وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! إذا أكلت فقل باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
قال الشيخ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، وقد ذكرت طرقه وخرجته في الإرواء ، وإنما خرجته هنا من طريق الطبراني بهذا اللفظ؛ لعزته وقلة وجوده في كتب السنة المتداولة.
وفي الحديث دليلٌ على أن السنة في التسمية على الطعام، إنما هي: باسم الله فقط، فإذاً: جاء الحديث بلفظ ( سم الله ) وجاء في حديث: (اذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه) وجاء النص على الكلمة التي تقال وهي: باسم الله.
حكم زيادة الرحمن الرحيم التسمية
( وأما ما ذكره الغزالي من آداب الأكل في كتابه الإحياء: أنه لو قال في كل لقمة: باسم الله كان حسناً، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى: باسم الله، ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم، فلم أر في استحباب ذلك دليلاً ).
إذاً السنة: باسم الله، والزيادة عليها غير محمودة؛ لأنها زيادة على السنة، ولذلك ذكر الشيخ الألباني في بعض كلامه العيب على من يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا قلت له: باسم الله فقط، فإنه يجيبك وماذا فيها؟ يعني: لو زدنا ماذا في هذه الزيادة؟
وقد سبق بيان أن كلمة العامة: زيادة الخير خيرين، أنها ليست بصحيحة على إطلاقها، وأن الزيادة على السنة توقع في البدعة، وأن مجاوزة ما جاء به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه فتح الباب، والخطير من ذلك: الاستدراك على الشريعة، لأنه كأنه يقول: ما جاءت به الشريعة فهناك ما هو أفضل منه، ويحكم رأيه فيقول: عندي وفي رأيي أن: بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من باسم الله؛ لأن فيها ذكر كلمة: الرحمن والرحيم، وهما اسمان من أسماء الله عظيمان.
فنقول: ليست المسألة بالاستحسان العقلي، المسألة بالدليل، ما دام أنه قد ورد النص على باسم الله، فنلتزم به.
وواضح من كلام ابن حجر رحمه الله أن التسمية مرة واحدة فقط في بداية الطعام، وأنه لا يكرر ذلك في اللقم المختلفة. لكن لو نسي قال: باسم الله في أوله وآخره. لكنه يقولها مرة واحدة.
وهذا الحديث وهو: حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه وهو صحابيٌ صغير، ولكنه حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث ونقله، وهو أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فجلس وكانت يده تطيش في الصحفة ومعنى تطيش: تتحرك في نواحي الصحفة المختلفة ولا تقتصر على موضعٍ واحد يميناً وشمالاً، وكذلك معناها: تسرع.. فالطيشان في الصحفة إذاً: الإسراع والتجول فيها يميناً وشمالاً، وعدم الالتزام بمكانٍ معين، أو الالتزام بالأكل مما يليه.
وأما بالنسبة للصحفة فهي: التي تشبع الخمسة وهي أكبر من القصعة.
حكم الإتيان بالتسمية
فمنهم من قال: إنه للاستحباب ومنهم من قال: إنه للوجوب، وقد اقترنت المسألة -مسألة سم الله- بمسألة لا شك بوجوبها وهي: قضية الأكل باليمين، لأنه قال: (سم الله، وكل بيمينك) ولا شك أن من القرائن التي يستدل بها على وجوب أمرٍ من الأمور أن يكون مقترناً بشيءٍ آخر الأمر فيه للوجوب قطعاً، ولا شك أن الأكل باليمين واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من أكل بشماله، فقال: (لا استطعت) وقال لمن رآها تأكل بشمالها: (أخذها طاعون غزة) وفعلاً بعد سنواتٍ مرت بـغزة وكانت فيها طاعون فماتت منه.
إذاً: هذه قرينة تدل على أن التسمية واجبة، وصيغة الأمر واردة في الحديث في جميع الأوامر (سم الله) (كل بيمينك) (كل مما يليك) ونص الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب: الأم على الوجوب، ولكن أكثر الشافعية حملوه على الندب وبذلك جزم النووي رحمه الله تعالى، هذا بالنسبة لقول: باسم الله.
عنون البخاري عليه: باب التسمية على الطعام والأكل باليمين.
والمراد بالتسمية على الطعام قول: باسم الله، والبسملة قول: بسم الله الرحمن الرحيم، وقد ورد هذا صريحاً حيث قال: ( سم الله ) لكن الكلمة قد جاء مصرحاً بها كما جاء عند أبي داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعاً: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليأكل باسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) وهذا أدب يلحق بالتسمية أصلاً أو تبعاً لها، فهذا الحديث بين صفة التسمية.
وهناك حديثٌ آخر أيضاً رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في السلسلة : عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم _حِحر وحَجر كلاهما صحيح- وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! إذا أكلت فقل باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
قال الشيخ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، وقد ذكرت طرقه وخرجته في الإرواء ، وإنما خرجته هنا من طريق الطبراني بهذا اللفظ؛ لعزته وقلة وجوده في كتب السنة المتداولة.
وفي الحديث دليلٌ على أن السنة في التسمية على الطعام، إنما هي: باسم الله فقط، فإذاً: جاء الحديث بلفظ ( سم الله ) وجاء في حديث: (اذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه) وجاء النص على الكلمة التي تقال وهي: باسم الله.
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث بعد أن ذكر الرواية التي تنص على قول: باسم الله قال: ( أما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار: إن صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: باسم الله، كفاه وحصلت السنة، فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً ).
( وأما ما ذكره الغزالي من آداب الأكل في كتابه الإحياء: أنه لو قال في كل لقمة: باسم الله كان حسناً، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى: باسم الله، ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم، فلم أر في استحباب ذلك دليلاً ).
إذاً السنة: باسم الله، والزيادة عليها غير محمودة؛ لأنها زيادة على السنة، ولذلك ذكر الشيخ الألباني في بعض كلامه العيب على من يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا قلت له: باسم الله فقط، فإنه يجيبك وماذا فيها؟ يعني: لو زدنا ماذا في هذه الزيادة؟
وقد سبق بيان أن كلمة العامة: زيادة الخير خيرين، أنها ليست بصحيحة على إطلاقها، وأن الزيادة على السنة توقع في البدعة، وأن مجاوزة ما جاء به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه فتح الباب، والخطير من ذلك: الاستدراك على الشريعة، لأنه كأنه يقول: ما جاءت به الشريعة فهناك ما هو أفضل منه، ويحكم رأيه فيقول: عندي وفي رأيي أن: بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من باسم الله؛ لأن فيها ذكر كلمة: الرحمن والرحيم، وهما اسمان من أسماء الله عظيمان.
فنقول: ليست المسألة بالاستحسان العقلي، المسألة بالدليل، ما دام أنه قد ورد النص على باسم الله، فنلتزم به.
وواضح من كلام ابن حجر رحمه الله أن التسمية مرة واحدة فقط في بداية الطعام، وأنه لا يكرر ذلك في اللقم المختلفة. لكن لو نسي قال: باسم الله في أوله وآخره. لكنه يقولها مرة واحدة.
وهذا الحديث وهو: حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه وهو صحابيٌ صغير، ولكنه حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث ونقله، وهو أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فجلس وكانت يده تطيش في الصحفة ومعنى تطيش: تتحرك في نواحي الصحفة المختلفة ولا تقتصر على موضعٍ واحد يميناً وشمالاً، وكذلك معناها: تسرع.. فالطيشان في الصحفة إذاً: الإسراع والتجول فيها يميناً وشمالاً، وعدم الالتزام بمكانٍ معين، أو الالتزام بالأكل مما يليه.
وأما بالنسبة للصحفة فهي: التي تشبع الخمسة وهي أكبر من القصعة.
وأما بالنسبة لحكم التسمية، لما قال: (يا غلام! سم الله) فادعى النووي رحمه الله إجماع العلماء على استحباب التسمية، ولكن ادعاؤه ذلك فيه نظر كما بين الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، والأصل أن الأمر للوجوب، قال يا غلام: (سم الله) وهذا فعل أمر؛ فهو يفيد الوجوب، لكن لابد أن نقول: إن العلماء قد اختلفوا في ذلك.
فمنهم من قال: إنه للاستحباب ومنهم من قال: إنه للوجوب، وقد اقترنت المسألة -مسألة سم الله- بمسألة لا شك بوجوبها وهي: قضية الأكل باليمين، لأنه قال: (سم الله، وكل بيمينك) ولا شك أن من القرائن التي يستدل بها على وجوب أمرٍ من الأمور أن يكون مقترناً بشيءٍ آخر الأمر فيه للوجوب قطعاً، ولا شك أن الأكل باليمين واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من أكل بشماله، فقال: (لا استطعت) وقال لمن رآها تأكل بشمالها: (أخذها طاعون غزة) وفعلاً بعد سنواتٍ مرت بـغزة وكانت فيها طاعون فماتت منه.
إذاً: هذه قرينة تدل على أن التسمية واجبة، وصيغة الأمر واردة في الحديث في جميع الأوامر (سم الله) (كل بيمينك) (كل مما يليك) ونص الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب: الأم على الوجوب، ولكن أكثر الشافعية حملوه على الندب وبذلك جزم النووي رحمه الله تعالى، هذا بالنسبة لقول: باسم الله.
وفاتنا شيءٌ أن نذكره في بداية الحديث وهو: هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل عموماً ملخصاً فلعلنا نرجع إليه الآن قبل أن يفوتنا ذكره ونحن شرعنا في التفاصيل.
لقد ذكر ابن تيمية رحمه الله طائفة عامة من هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام، وكذلك ابن القيم رحمه الله تعالى ذكر طائفة عامة من هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام، فلنعد إلى ذلك قبل أن نسترسل في التفاصيل:
فقد ذكر الإمام تقي الدين أحمد بن عبد السلام رحمه الله تعالى في موضوع آداب الطعام ما يلي:
قال: وأما الأكل واللباس فخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان خلقه في الأكل أنه يأكل ما تيسر إذا اشتهاه ولا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فكان إذا حضر خبزٌ ولحمٌ أكله، وإن حضر فاكهةٌ وخبزٌ ولحمٌ أكله، وإن حضر تمرٌ وحده أو خبزٌ وحده أكله، وإن حضر حلوٌ أو عسلٌ طعمه أيضاً، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان يأكل القثاء بالرطب، فلم يكن إذا حضر لونان من الطعام يقول: لا آكل لونين -ربما بعض الصوفيين الذي يدعون الزهد، إذا حضر بين يديه لونان من الطعام قال: لا آكل لونين ارفع واحداً حتى آكل- ولا يمتنع من طعام لما فيه من اللذة والحلاوة بحجة أنه يشغل عن العبادة أو أنه منافٍ للزهد، فإنه يأكله ولو كان مشوياً لذيذاً يأكله -مادام حضر، ما دام حلالاً طيباً- وكان أحياناً يمضي الشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار، ولا يأكلون إلا التمر والماء، وأحياناً يربط على بطنه حجراً من الجوع، وكان لا يعيب طعاماً فإن اشتهاه أكله، وإلا تركه، وأكل على مائدته لحم ضبٍ فامتنع عن أكله وقال: (إنه ليس بحرام، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه).
وقال رحمه الله تعالى: كذلك في مسألة أكل الطيبات.
بعد ما أتى بحديث الإنكار على الثلاثة الذين حرموا ما أحل الله على أنفسهم، وقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، قال عليه الصلاة والسلام: (لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) طبعاً هذا فيه رد على النباتيين الذين يأكلون الأشياء النباتية من باب الزهد، يقولون: لا نأكل اللحم؛ لأن أكل اللحم منافٍ للزهد، فإذاً هؤلاء مبتدعة ومن أنواع البدع البدع التركية؛ لأنه يترك أشياء لم تأمر الشريعة بتركها، مثل أكل اللحم تزهداً وتقرباً، فهذه من أنواع البدع، لكن إن تركه؛ لأنه يضر به، أو لوصية الأطباء واقتصر على أكل الفاكهة والخضار، فإنه ليس بمبتدعٍ والسبب في ذلك نيته، فإن نيته في الحالة الأولى: تركه تقرباً إلى الله، وفي الحالة الثانية: تركه لأنه يضر به.
فقال رحمه الله: وقد كان اجتمع طائفةٌ من أصحابه على الامتناع من أكل اللحم ونحوه وذكر الحديث... ثم قال: وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] فأمر بأكل الطيبات والشكر لله، فمن حرم الطيبات كان معتدياً، ومن لم يشكر كان مفرطاً مضيعاً لحق الله.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها) وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر) فهذه الطريق التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أعدل الطرق وأقومها والانحراف عنها إلى وجهين، ملخص الوجهين:
أولاً: قومٌ يسرفون في تناول الشهوات.
ثانياً: قومٌ يحرمون الطيبات.
فإذاً الانحراف في هذا سيأتي من هذين الطريقين، الطريق الأول: قوم يسرفون في تناول الشهوات، والله يقول: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31].
الطريق الثاني: قومٌ يحرمون الطيبات والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة:87].
وقال ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب زاد المعاد : وكذلك كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قرب إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريمٍ وما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
كما ترك أكل الضب لما لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة بل أكل على مائدته وهو ينظر، كما جاء في الحديث فاجتره خالد -الضب اجتره خالد- وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما.
وذكر ابن القيم رحمه الله طائفة مما أكل عليه الصلاة والسلام فقال: وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج.. كما سيأتي في حديث الرجل الذي تنزه عن أكل لحم الدجاج؛ لأنه رآه يأكل شيئاً منتناً فدعاه أبو سعيد وقال: أكله النبي عليه الصلاة والسلام، دعاه إلى أكل الدجاج.
وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور والضأن والدجاج، ولحم الحبارى، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر الذي أتى به أبو عبيدة ، وأكل الشواء والرطب والتمر وشرب اللبن خالصاً ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر -طبعاً هذا ليس بمسكر- وأكل الخزيرة وهي: حساءٌ يتخذ من اللبن والدقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الإقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد -وهو الخبز باللحم- وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك -الشحم المذاب- وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد -اللحم المجفف- وأكل الدباء المطبوخة، وكان يحبها، وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحب التمر بالزبد، ولم يكن يرد طيباً ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر، حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وكان طعامه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة، وكان لا يأكل متكئاً والاتكاء على ثلاثة أنواع:
أحدها: الاتكاء على الجنب.
الثاني: التربع.
الثالث: الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة -هذا رأيه رحمه الله- وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه ويحمده في آخره، فيقول عند انقضائه: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍ ولا مودعٍ ولا مستغنٍ عنه ربنا -غير مكفي: من الكفاية، ولا مودع: أي غير متروك الطلب- فإنه دائماً يطلب وربما قال: الحمد لله الذي يطعم ولا يُطعم... إلى آخر الألفاظ التي ذكرها رحمه الله.
وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، وكان أكثر شربه قاعداً وذكر موضوع الشرب، والشرب ستأتي له آدابٌ خاصةٌ به إن شاء الله تعالى.
ونعود إلى موضوع الآداب لنأخذ أدباً أو جزئية أخرى فقط من الجزئيات فيما تبقى من الوقت.
وهي مسألة الأكل مما يليه: والأكل مما يليه قد جاء في الحديث: ( كل مما يليك ) وفي هذه المسألة عنون البخاري رحمه الله: باب الأكل مما يليه، وقال أنس -جاء بحديث معلق- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذكروا اسم الله وليأكل كل رجلٍ مما يليه) لأن مسألة الأكل مما يليه واضحة وينبغي أن يجمع بين الأشياء، بين الأكل مما يليه وبين إلعاق الإناء، فإن قال: الإنسان كيف يكون ذلك؟
نقول: إنه يأكل مما يليه بحيث يظهر قاع الصحفة فيلعقها، يعني: الناس عندما يأكلون، بعضهم يأكل أفقياً ويتوسع، وبعضهم يأكل عمودياً تقريباً، فأيها الأقرب للسنة في الجمع بين لعق الإناء وبين الأكل مما يليه؟
لا شك أنه إذا أكل مما يليه دون أن ينتشر يميناً وشمالاً بحيث إذا ظهر قاع الصحفة لعق ما يليه، وليس المقصود أنه يلعق كل الإناء أو (التبسي) فهذا قد لا يتيسر بل ربما انبشم ولما يلعقه كله، فإذاً يأكل مما يليه حتى إذا ظهر قاعها لعقه، فإنه ينظفه ويأتي عليه بأصابعه فيكون مكان أكله محفوظاً عن الانتشار.
وكذلك فإنه مما يشكل في الموضوع حديث تتبع الدباء من حوالي القصعة، فقد يظهر في بادئ الأمر تعارضاً بين حديث تتبع الدباء في القصعة وبين قضية الأكل مما يليه، وحديث تتبع الدباء رواه البخاري عن أنس : (أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعه، قال
فإنه قال رحمه الله: بابٌ من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه الكراهية، وهذا القيد في قوله: إذا لم يعرف منه الكراهية مهم؛ لأن تتبع الأشياء كثيراً مما يكرهه الناس، إذا كان يأكل مع جماعة فتتبع مما عن يمينه وشماله فإنه يأكل مما عن يمين غيره وعن شمال غيره من هاهنا ومن هاهنا، لكن إذا كان يعلم أنهم لا يعيبون ذلك ولا يكرهونه، فهل يحق له أن يأخذ منه إذا علم ذلك؟
فظاهر فعل البخاري رحمه الله وصنيعه في هذه الترجمة أنَّ له ذلك.
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى، أن الجواب عن هذا التعارض يمكن أن يقال: إن المسألة فيها تفصيلٌ: أنه إذا كان لوناً واحداً فلا يتعدى ما يليه، وإذا كان أكثر من لون فيجوز.
وقد حمل بعض الشراح هذا الحديث على ذلك فقال: إن كان الطعام مشتملاً على مرقٍ ودباءٍ وقديد، فكان يأكل مما يعجبه وهو الدباء، ويترك ما لا يعجبه وهو القديد، وبعضهم قال: هذا يحمل على ما إذا كان يأكل لوحده فيجوز له أن يتتبع الشيء الذي يريده، وقد جاء في بعض طرق الحديث أن الخياط تركه يأكل وذهب لعمله، أو أنه محتاج للذهاب فذهب، وإذا كان يأكل لوحده من صحن بناءً على ذلك، فإنه لا يكون هناك محذور في كراهية الآخرين لتتبعه لشيءٍ معين، فيمكن أن يكون الجمع بهذه الطريقة أيضاً، فإذاًً نقول:
أولاً: إذا كان يعلم أن غيره لا يكره ذلك.
ثانياً: إذا كان الطعام ألواناً وأصنافاً، فأمامه -مثلاً- رز أبيض، وفي الناحية الأخرى رز أحمر وهو يريد الأحمر فإنه إذا أخذ مما هو بعيدٍ عنه مما يلي غيره لا بأس بذلك.
وثالثاً: أن نقول: إنه إذا كان يأكل لوحده جاز له أن يتتبع ما يريد، وبهذا يكون الجواب على هذه المسألة.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحدٌ ليتقذر صنيعه أو يكره منه فعله، فكون يده جالت في الطعام لأجل ذلك فإنه لا يكون قد آذى غيره مطلقاً، بل هناك أمر أدق من هذا ألا وهو: أنهم كانوا يتبركون بلعابه صلى الله عليه وسلم، وبريقه الذي يمسه يده، ولذلك لو أكل من أمام غيره لربما كان ذلك فيه إكرام له، من هذه الجهة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
سبق أن تكلمنا -أيها الإخوة- عن موضوع آداب الأكل، وعددنا بعض الآداب مع ذكر بعض الأدلة في ما يتعلق بكل أدبٍ من الآداب، وسنكمل إن شاء الله الكلام عن الموضوع في هذه الليلة، وسبق أن ذكرنا أن الناس يقعون في الطعام في محذورين، وأن الانحراف في مسألة الأكل يحدث من جهتين:
الجهة الأولى: الإسراف فيه.
والثانية: تحريم ما أحل الله منه.
وهذا هو الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الناس يقعون في الأكل في انحرافين أو هم على طرفين: الإسراف فيه، وتحريم ما أحل الله منه.
وهناك بعض القصص التي ذكرها الذهبي رحمه الله في كتاب: سير أعلام النبلاء التي تبين بعض ما وقع فيه هؤلاء.
قال في ترجمة أحد الزهاد: أنه عمل له خلوةً فبقي خمسين يوماً لا يأكل شيئاً، وقد قلنا: إن هذا الجوع المفرط لا يسوغ، فإذا كان سرد الصيام والوصال قد نهي عنهما فما الظن؟ -يعني فما الظن بالامتناع عن الطعام هذه الفترة الطويلة- وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) ثم قلَّ من عمل هذه الخلوات المبتدعة إلا واضطرب وفسد عقله، وجف دماغه، ورأى مرأى، وسمع خطاباً لا وجود له في الخارج -يعني: الذي يجوع هذا الجوع المفرط، فإنه يسمع أشياء لا وجود لها في الحقيقة، لكن من شدة الجوع يتراءى له ويتخيل- فإن كان متمكناً من العلم والإيمان فلعله ينجو بذلك من تزلزل توحيده، وإن كان جاهلاً بالسنن وبقواعد الإيمان، تزلزل توحيده وطمع فيه الشيطان، وادعى أنه وصل إلى مرتبة عالية ونحو ذلك، وبقي على مزلة قدم وربما تزندق وقال: أنا هو، كما يقول: هؤلاء الصوفية ، يقول: أنا هو، يعني أنا الله سبحانه وتعالى.
وقال: نعوذ بالله من النفس الأمارة ومن الهوى، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا إيماننا. آمين.
ثم قال في ترجمة رجلٍ آخر من الزهاد قال: صام طائر أربعين يوماً أربعين مرة، فآخر أربعين عملها صام على قشر الدخن؛ فليبسه قرع رأسه واختلط في عقله، قلتُ: -الذهبي يقول- فعل هذه الأربعينات حرامٌ قطعاً، فعقباها موتٌ من الخور أو جنونٌ واختلاط، أو جفافٌ يوجب للمرء سماع خطاب لا وجود له أبداً في الخارج، فيظن صاحبه أنه خطابٌ من الله سبحانه وتعالى، مع أنه في الحقيقة من الجوع.
وفرقٌ بين هذا وبين ما يحصل من زهد بعض الزهاد، أو أنهم كانوا لا يفرطون في الشبعة، فرق بين هذا المغرق في ترك الطعام، وبين من يترك الشبع ولا يترك الطعام.
ولذلك لما نقل عن الشافعي رحمه الله، قال أبو عوانة الإسفرائيني : حدثنا ربيع قال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذُ ستة عشر سنة إلا مرةً فأدخلت يدي فتقيئتها، يعني: مما وجد عليه من الأذى فيها.
فقول الشافعي : ما شبعتُ منذُ ستة عشر سنة إلا مرة، لا يدل على أنه تارك للطعام، وإنما يدل على أنه كان يقل منه، ولأن الإكثار منه والنهم فيه ربما يسبب الأضرار، وقد مات أحد من ترجم لهم الذهبي رحمه الله في السير بسبب أنه كان أكولاً.
قال: كان فلان أكولاً، فقال أحد رفقته لما قدموا مكاناً معيناً: أهدي إليه فالوذج لم ينضج، يعني: لم يكن مطبوخاً طبخاً جيداً، فقلنا له: يا فلان لا تأكله فإنا نخاف عليك، فلم يعبأ بكلامنا وأكله، فلما استقر في معدته شكى وجع بطنه وانسهل إلى أن وصلنا إلى المدينة ولا نهوض له، فتفاوضنا في أمره، ولم يكن لنا سبيلٌ إلى المقام عليه لأجل الحج، ولم ندر ما نعمل في أمره، فعزم بعضنا على القيام عليه وترك الحج، وبتنا فلم نصبح حتى أوصى ومات فغسلناه ودفناه.
فإذاً: النهم قد يكون أحياناً سبباً في الموت، وربما مات بعضهم فعلاً من كثرة الطعم.. انبشم ومات.
وينبغي أن يكون الطعام -كما ذكرنا- من الحلال؛ ولذلك فإن أكل الحلال من أسباب إجابة الدعاء وقد أطعم أبا بكر غلامه طعاماً من كهانة تكهن بها وهو لا يحسن الكهانة، فلما علم أبو بكر قاء ما في بطنه.
وأكل معمر من عند أهله فاكهة، ثم سأل فقيل: هدية من فلانة النواحة، هذه امرأة تعمل بالنياحة وتأخذ أجرة على النياحة، وأهدتهم فاكهة، فلما علم أن الفاكهة من فلانة النواحة قام فتقيأ، وذلك لأنه لا يدخل بطنه إلا الحلال.
وكذلك فإن صاحب الأكل اليسير الحلال لا يحتاج إلى الأطباء، ولا تعرض له كثير من الأمراض التي تعرض للأكولين، عن ابن سيرين أن رجلاً قال لـابن عمر : أعمل لك جوارش؟ قال: وما هو؟ قال: شيءٌ إذا كظك الطعام فأصبت منه سهل -إذا صار عندك كظة الطعام وأضر بك وازدحم عليك؛ عملنا لك هذا فسهل- فقال: ما شبعتُ منذُ أربعة أشهر، وما ذاك ألا أكون له واجداً، ليس لأني لا أجد الطعام، ولكن عهدت قوماً يشبعون مرة ويجوعون مرة، فكان يقتدي بهم رضي الله تعالى عنه.
فإذاً ينبغي أن يكون الإنسان في مسألة الطعام معتدلاً غير مكثرٍ منه ولا مفرطاً فيه.. ولا يكون في ذات الوقت تاركاً له بالكلية بحيث يضر بصحته وببدنه، وعليه أن يتحرى الحلال، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجوع فترةً طويلة؛ لأنه كان لا يجد عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان لزهده في الدنيا لا يطلب ما لا يجد وإنما كان عليه الصلاة والسلام إن وجده أكله وإلا لم يتطلبه ولم يتكلفه، وعلى الآكل أن ينوي بأكله الاستعانة على طاعة الله تعالى.
إذا أردنا أن نقسم الأكل حسب الأحكام الخمسة فيمكن أن نقسمه إلى واجبٍ ومندوبٍ ومباحٍ ومكروهٍ ومحرم.
الأكل الواجب
الأكل المندوب والمباح والمكروه
الأكل الحرام
وهناك أطعمة يستحب الأكل منها، كالأضحية والعقيقة بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأكل كل رجلٍ من أضحيته) فأمر بذلك.
وهناك مأكولاتٌ لا يجوز أكلها مطلقاً كالخنزير والميتة.
وهناك مأكولاتٌ يجوز أكلها لبعض الناس دون بعض، كالكفارات والنذور، فالذي يخرج الكفارة، أو أنه نذر أن يذبح ذبيحةً للفقراء لا يجوز له أن يأكل منها، بينما يجوز للفقير أن يأكل منها.
ومن الأطعمة التي يستحب الأكل منها كذلك، الأكل مع الضيف إيناساً له، إجابة الوليمة والأكل من وليمة النكاح.
هذا ما يتعلق ببعض الأحكام العامة في الأكل، وسبق أن ذكرنا بعض الآداب، ونتابع الكلام في تفصيل بعض هذه الآداب، من آداب ما قبل الأكل التي ذكرناها تسمية الله سبحانه وتعالى، وذكرنا بعض التفاصيل المتعلقة بذلك، ومما يضاف أيضاً إلى ما سبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره).