آداب السواك


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعـــد:

ففي هذه المجموعة الثانية من الآداب الشرعية نتحدث -إن شاء الله- عن أدب السواك.

قال أهل اللغة: السِّواك بكسر السين، وهو يطلق على الفعل -فعل التسوك- وعلى العود -الآلة- الذي يتسوك به. وهو مذكر وتؤنثه العرب أيضاً. قاله الأزهري.

والسواك فعلك بالسواك، يقال: ساك فمه يسوكه سوكاً، وجمع سواك ليس مساويك.. جمعه سوك، مثل: كتاب كُتُب، سواك سُوك، وقيل: السواك مأخوذ من ساك إذا دلك، وقيل: من جاءت الإبل تساوك أي تمايل.

وأما في اصطلاح العلماء فإن السواك هو: استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها -عن الأسنان-.

ويقال: ساك فمه بالعود يسوكه إذا دلكه. وهناك تخليل الأسنان، والفرق بين هذا وبين السواك أن تخليل الأسنان هو إخراج ما بينها من فضلات بالخلال، مثل العود ونحوه، فالفرق بين الاستياك والتخليل أن التخليل خاص بإخراج ما بين الأسنان، أما السواك فهو لتنظيف الفم والأسنان واللسان بنوعٍ من الدلك، فهو مطهر للفم عموماً، وأما التخليل بالعود وغيره فهو لإخراج البقايا المنحشرة بين الأسنان.

وأما حكمته: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عنه: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) أي: سبب لتطهير الفم، وسبب لمرضاة الرب عز وجل، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي علقه البخاري ووصله أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).

وأما بالنسبة للأحاديث الواردة للحث عليه فهي كثيرة، منها هذا الذي تقدم في الحكمة منه، ومنها: حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي -أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) لأمرتهم بالسواك، أي: باستعمال السواك.

وقوله: (مع كل صلاة) جاء في رواية: ( عند كل صلاة ) وجاء في رواية: ( مع كل وضوء ) .

وقوله: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ) فانتفى الأمر لثبوت المشقة؛ لأن (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، فامتنع الوجوب، لوجود المشقة، فهذه (لولا) في اللغة حرف امتناع لوجود، أي: يمتنع شيء لوجود شيء آخر .. لولا كذا لحصل كذا.

وهذا فيه دليل على أن السواك في الأصل ليس بواجب؛ لأن المشقة في إيجابه نفت وجوبه، إذ الندب في هذه الحالة هو المفهوم.

وقوله في حديث آخر: (لفرضت عليهم) بدل ( لأمرتهم ) يبين هذا، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم، شق عليهم به أو لم يشق.

إذاً: القول بعدم وجوبه صار قول أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة. عند الصلاة يكون واجباً، وعن داود الظاهري أنه واجب للصلاة ولكنه ليس شرطاً، وأما إسحاق فإنه قال: هو شرط، واحتج من قال بوجوبه بالأمر به، كما جاء في حديث ابن ماجة : (تسوكوا) وفي الموطأ : (عليكم بالسواك) لكن قال ابن حجر رحمه الله: ولا يثبت منها شيء. أي: هذه الأوامر لم تثبت في أحاديث صحيحة.

إذاً: القول بالندب هو قول المذاهب الأربعة، وأما من قال بالوجوب كـإسحاق وداود ، واحتج بظاهر الحديث فليس قوله بقوي.

ومن العلماء من قال بكراهته للصائم بعد الزوال، أي: إذا استاك الصائم بعد الزوال، كما هو عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، ولكن هذا القول ليس بقوي، وأكثر العلماء -وهو التحقيق- أنه لا يكره في الصيام لا قبل الزوال ولا بعد الزوال، وعمدة الذين يقولون بالكراهة بعد الزوال قالوا: لأنه يزيل الخلوف الذي هو من مميزات الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. فأجيب عن هذا: بأن هذا الخلوف من خلو المعدة، والسواك لا يزيل ما يخرج من المعدة ولا يدخل المعدة، فمصدر الخلوف من المعدة، وهذا السواك للأسنان، فهو يزيل وسخ الأسنان ولا يزيل الخلوف الذي بسبب خلو المعدة من الطعام.

ثم استدل بعضهم بقوله: ( عند كل صلاة ) على استحبابه للفرائض والنوافل؛ لأن قوله: ( عند كل صلاة ) يشمل كل الصلوات، الفريضة والنافلة، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعاً لغيرها، بمعنى: أنه إذا كان قبل الظهر أربع وبعدها اثنتان، فيصليها مباشرة، فالسواك لهذه كلها واحد، فيتسوك سواكاً واحداً للصلاة في السنة الراتبة والفريضة والسنة التي بعدها، وكذلك سنة المغرب لا تحتاج إلى سواك منفصل، وسنة العشاء، لكن هب أن هناك سنة منفصلة عن الفرض لا علاقة لها به، مثل صلاة العيد، فعند ذلك يكون السواك لها وجيهاً؛ لأنها صلاة نافلة ليست تبعاً لغيرها.

وجاء في رواية عند أحمد : (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون) وفي رواية: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك) فسوى بينهما.

وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إذا طال الفصل كما قال بعضهم، أو قالوا: لا يندب الوضوء إلا إذا دخل وقت الصلاة الجديدة؛ فلذلك لا يندب أن تتوضأ إذا لم ينتقض وضوءك بعد الظهر مثلاً إلا إذا دخل وقت صلاة العصر، فعند ذلك يكون تجديد الوضوء سنة ومستحباً، ولا يشرع لك ولا يندب أن تجدد الوضوء من غير ناقض داخل وقت الصلاة الواحدة.

فإذا ربطنا السواك بالوضوء سنخرج بنتيجة أيضاً: أن السواك للصلاة الفريضة وما يتبعها من تحية المسجد والسنن النوافل -مثلاً- لا يندب كالوضوء، ويمكن أن يقال: إن الوضوء أشق من السواك.

وقد جاء عند ابن ماجة من حديث ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك) وإسناده صحيح، لكن هذا بالبحث -كما ذكر ابن حجر رحمه الله- يتضح أنه مختصر من حديث طويلٍ رواه أبو داود، بين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نومٌ، أي: أن حديث ابن ماجة المذكور هنا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك) فيه اختصار من حديثٍ آخر يبين أنه تخلل الانصراف من الركعتين والسواك نوم، فلما قام من النوم صار هناك وجاهة للسواك، كما أنه إذا قام من النوم سيتوضأ.

والحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة: كون الصلاة مناجاة للرب عز وجل، فاقتضى أن تكون على حال كمال ونظافة إظهاراً لشرف العبادة وهي الصلاة.

ومن الفوائد أيضاً: أن الأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي؛ فإنه قد جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم: (أن الإنسان إذا قام فتسوك وتطهر وصلى وقرأ القرآن، لا يزال الملك يدنو منه حتى يضع فاه على فيه -حتى يضع الملك فاه على فم المصلي- فلا يخرج منه قرآن إلا دخل في جوف الملك).

إذاً: حتى يكون الملك غير متأذٍ، فإن السواك يفيد بالإضافة للأدب مع الرب الأدب مع الملائكة.

وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه قد أكثر علينا في السواك فقال: (أكثرت عليكم في السواك) أي: بالغت في تكرير طلبه منكم وإيراد الأخبار المرغبة فيه؛ فحقيق أن تفعلوا.. ما دام أني قد أكثرت عليكم ورغبتكم فالمتوقع منكم أن تفعلوا، وحديث: (أكثرت عليكم في السواك) رواه البخاري رحمه الله تعالى.

إذاً: السواك عند كل صلاةٍ مندوبٌ إليه.

السواك من سنن الفطرة

أما بالنسبة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وفي رواية: (عند كل وضوء) فنحتاج أن نعرف متى يستعمل السواك.

اتفق أهل المذاهب الأربعة على أن السواك سنة عند الوضوء، لكن اختلفوا هل هو من سنن الوضوء، أم سنة منفصلة عن الوضوء؟ وهذا التفريق ليس من ورائه طائل كبير .. فذهب الحنفية والمالكية وهو رأي عند الشافعية: أن الاستياك سنة من سنن الوضوء؛ لأنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) وفي رواية: (لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء).

وقال الحنابلة -وهو الرأي الأوجه عند الشافعية-: أن السواك سنة خارجة عن الوضوء، متقدمة عليه وليست منه، إذاً: متى تفعل؟ تفعل قبل الوضوء، والمذاهب الأربعة متفقة على أن السواك قبل الوضوء.

ماذا يترتب على هذا الخلاف؟

ذكرنا أن هناك خلافاً هل هو من سنن الوضوء، أم هو منفصل عن الوضوء، فماذا يترتب على الخلاف من الناحية العملية؟

العلماء متفقون على أنه قبل الوضوء، لكن لو كان من سنن الوضوء فمعنى ذلك أن نقول: باسم الله، ونتسوك ثم نغسل الكفين، ولو أنه ليس من سنن الوضوء فنتسوك ثم نقول: باسم الله، ثم نغسل الكفين.

فهل هو قبل التسمية أو بعدها؟ هذا هو فائدة الخلاف أو ثمرة الخلاف من الناحية العملية، والمسألة سهلة إن شاء الله.

فإذا قلنا: إنه خارج عن الوضوء -سنة منفصلة- فإنك إذا أردت أن تطبق السنة وتأخذ أجر تطبيق السنة فتستاك أولاً، ثم تسمي الله، ثم تشرع في غسل الكفين.

وماذا لو تيمم أو اغتسل؟

إذا كان التيمم بديلاً عن الوضوء فأن الاستياك يشرع حتى ولو تيمم، وتبعاً لهذا فإنه يستاك قبل التيمم؛ قبل أن يبدأ بضرب الكفين على الأرض، وكذلك في الغسل قبل أن يفيض الماء عليه.

وماذا بالنسبة للصلاة؟

ذكرنا قبل قليل أن الاستياك للصلاة فرضها ونفلها، وذكرنا التفصيل في قضية الوقت، ولو نسي قبل الفريضة وتذكر قبل الراتبة التي بعد الفريضة فماذا يفعل؟ أي: واحد نسي التسوك قبل الفريضة، ولما انتهى من الفريضة وأراد أن يصلي السنة الراتبة التي بعد الفريضة -بعد المغرب أو العشاء أو الظهر- فإنه يستاك بعد الفريضة وقبل الراتبة.

وهناك أمورٌ أخرى يستحب لها السواك، مثل: قراءة القرآن ولو كان خارج الصلاة، وألحق العلماء بهذا الأمر قراءة الحديث أو حضور مجالس العلم، حتى قال بعضهم: يستحب في سجدة التلاوة؛ لأنها من جنس الصلاة، وقد اشترطوا لها الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة -وهم الجمهور- قياساً على الصلاة، فقالوا: حتى إذا أراد أن يسجد للتلاوة يستاك، لكنهم قالوا: محلها بعد فراغ الآية وقبل سجدة التلاوة، لذا كان خارج الصلاة، فالسواك قبل الصلاة.

ويستحب عند ذكر الله عموماً، قال بعضهم: يندب أن يزيل وسخ الفم وقلح الأسنان بالسواك لذكر الله تعالى، والملائكة تحضر مجالس العلم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كانوا يحضرون مجالس العلم فإن السواك من آداب مجالس العلم، ولأن الملائكة يحضرون الميت قالوا: لو تسنى للمحتضر أن يستاك فليستك، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام تسوك قبيل موته، فقالوا: إذا تمكن المحتضر من الاستياك أو أشار أن يعطوه سواكاً فليعطوه قبل الموت، فالملائكة تحضر، حتى قالوا: إنه يسهل خروج الروح ونحو ذلك، وهذا الله أعلم به وهو من أمور الغيب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه استاك وهو يحتضر.

ويستحب كذلك الاستياك عند قيام الليل، وسيأتي الحديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويستحب -أيضاً- الاستياك لمجامع الناس؛ فإن الإنسان إذا أراد أن يذهب إلى الناس، خصوصاً إذا كان قادماً من سفر وهناك معانقة كأن يسلم على عالم مثلاً، ويقترب منه، ويضع وجهه قبل وجهه، أو سائل يسر إلى عالمٍ بشيء أو نحو ذلك.

وكذلك عند الذهاب إلى المسجد، فإنه من تمام الزينة، والمسجد فيه اجتماع الملائكة واجتماع الناس، وتطييب الرائحة فيه مؤكد.

وقالوا أيضاً: إن السواك مستحب للالتقاء بالأهل، ودليله قوي وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك) الحديث رواه مسلم .. فيتزين للقاء زوجته وأهله كما يحب أن تتزين له، ولذلك قالوا: حتى عند الجماع؛ لأن فيه ملامسة الرجل المرأة والاقتراب منها، وكذلك عند القيام من النوم لتغير رائحة الفم، وإذا تغير بعطشٍ أو جوعٍ أو اصفرار أو غير ذلك، ويستعمل السواك عند الفراغ من الطعام أيضاً.

وعموماً حديث: (السواك مطهرةٌ للفم مرضاة للرب) معناه: في أي وقتٍ من ليل أو نهار يمكن أن يستعمله.