خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
جنة الدنيا [1]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] هذا الإيمان والعمل الصالح هو سبب الحياة الطيبة وهو سبب السعادة والسكينة والطمأنينة التي يحس بها المؤمن، ونعمة الإيمان عظيمة.. فهي منة من الله تعالى.
فما هو أثر الإيمان في حياة الإنسان؟
هذه مسألة ينبغي أن نقف أمامها -أيها الإخوة- وأن نتدبر فيها لنستشعر نعمة الله تعالى علينا.
ما هو الفرق بين المؤمن وبين غيره؟ ما هو الفرق بين حياة المؤمن وحياة غيره؟ ما هي ميزته على غيره؟
إن الحياة الطيبة: أن يعلم المؤمن أن الله خلقه وسخر له ما في السماوات وما في الأرض .. سخرها من أجله أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20] إن المؤمن يعلم بأن الله قد اصطفاه وكرمه، إن الله خلق آدم على صورته، قال العلماء: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإن الله تعالى خلقه حياً عالماً قادراً متكلماً سميعاً بصيراً حكيماً وهذه صفات الرب جل وعلا فإن الله خلق آدم على صورته.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: " اعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرمه وفضله وشرفه، وخلقه لنفسه وخلق له كل شيء، وخصه من معرفته ومحبته وقربه وإكرامه بما لم يعط غيره، وسخر له ما في سماواته وأرضه وما بينهما حتى ملائكته الذين هم أهل قربه استخدمهم له -أي: للإنسان- وجعلهم حفظة له في منامه ويقظته وضعنه وإقامته، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسل إليه رسله، وخاطبه وكلمه منه وإليه فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات ".
يشعر المؤمن بالعزة التي سجلها الله في كتابه وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] ويشعر بأن الله أعطاه الكرامة التي بها يعلو ولا يُعلا، ويسود ولا يساد كما قال عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141] ويشعر المؤمن بأنه في ولاية الله البر الكريم ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11].
يشعر المؤمن بأنه في معية الله الذي يكلؤه دوماً بعينه التي لا تنام سبحانه وتعالى، ويحرسه في كنفه الذي لا يرام ويمده بنصره الذي لا يقهر وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19].. وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
ويشعر المؤمن بأنه في حماية الله القوي القدير يذود عنه ويرد عن صدره سهام المعتدين إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].
كل هذه المعاني وغيرها لا يشعر بها الكفار على الإطلاق، هل رأيت الكفرة في الشركة والجامعة والمصنع؟ يا عبد الله! إن لك ميزة عليهم أنك تشعر بمقتضيات الإيمان وهم لا يشعرون بشيء منها؛ فجعلك الله إنساناً عزيزاً كريماً كبير النفس لا يحني رأسه لمخلوق، ولذلك لا عجب أن ترى بلال بن رباح ذلك العبد الحبشي الأسود لما أشرب قلبه الإيمان كان يستعلي على المستكبرين فخراً، ويرفع رأسه عالياً؛ لأن الإيمان قد جعله أرفع عند الله ذكراً وأسمى مقاماً فهو ينظر إلى سيده أمية بن خلف ، وإلى أبي جهل بن هشام وغيرهما من زعماء قريش وصناديد مكة نظرة البصير للأعمى، ونظرة السائر في النور إلى المتخبط في الدجى أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].
إذا رأيت الكافر أمامك فاعلم أنه أعمى وأنت بصير.
إن الإيمان يولد عزاً يفوق ما عند الكفار من ألوان النعيم.
ولذلك كان الأعرابي الأمي البدوي ربعي بن عامر رضي الله تعالى عنه الذي لف سيفه بخرقة ودخل على رستم قائد قواد الفرس وهو في هيله وهيلمانه وأبهته وسلطانه دخل غير مكترث له، ولا عابئ به، ولا بما حوله من الخدم والحراس، ولا بما يتوهج في خيمته من ألوان الذهب والفضة والحلي والحرير، وقال له تلك العبارة التي خلدها التاريخ: [نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام].
إن الإيمان أيها الإخوة: يجعل المؤمن في درجة عالية لا يصلها غيره وهي درجة العبودية لله.
ومما زادني شرفاً وعزاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا |
ما أعظم الفرق بين رجلين: يعيش أحدهما وهو يعتقد في نفسه أنه مجرد حيوان يسعى للذاته ويهيم فيها، ويعيش الآخر في الطرف الآخر وهو يعتقد أن الله قد استخلفه في الأرض، وأمره بعمارتها، وإقامة منهج الله فيها، والجهاد للدفاع عن هذا المنهج، إنه يحس أنه صاحب رسالة، وأنه مكلف بإقامة العدل، والدعوة إلى الدين، وبإقامة صرح الإسلام في الأرض.
بينما الكافر يحس ماذا؟ يحس أنه حيوان يسعى في لذاته وبهيميته وظلمه للناس، واضطهاده للمستضعفين، وامتصاص الخيرات والهيمنة والسيطرة؛ لأجل لذاته، ولأجل جيبه وأمواله وهكذا الفرق العظيم بين الرجلين.
أيها الإخوة! إن أثر الإيمان في حياة الإنسان عظيم، إنه يجلب له السعادة التي يبحث عنها الناس شرقاً وغرباً؛ وبعض الناس يذهبون في الرحلات السياحية، ويغيرون الأجواء، ويغيرون أثاث البيت، ويدخلون المطاعم المختلفة الشرقية والغربية، ويلبسون الثياب المختلفة باحثين عن السعادة وهي عند المسلم في نفس المؤمن.
جرب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية والشهوات الحسية فما وجدوا السعادة فيها، بحثوا في رخاء العيش، ووفرة النعيم، ورفاهية الحياة، ومستوى المعيشة المرتفع، بحثوا فيها فلم تزدهم إلا ضيقاً وانحباساً، ولم تزدهم إلا شقاءً وخوفاً وتعاسة، بل أدت بهم إلى الاضطرابات النفسية والعصبية.
هاأنت ترى بلداً مثل السويد مثلاً؛ لا يشعر سكانها بخوف من فقر، أو شيخوخة، أو بطالة، أو كارثة؛ لأن الدولة تضمن لهم كل شيء؛ هناك إعانات دورية ضخمة يستحق السويدي معاشاً وإعانة مرض، ومعاش عدم الصلاحية وإعانة غلاء معيشة، وإعانة مسكن، وإعانة للعمى تصرف نقداً، وعلاجاً مجانياً في المستشفيات، وتدفع إعانة أمومة لكل النساء شاملة مصاريف الولادة والرعاية الطبية في المستشفى، وإعانة إضافية لكل مولود، وللطفل مخصص شهري حتى يبلغ ستة عشر عاماً، ومصاريف انتقال مجانية في الإجازات، ومدارس رياض الأطفال برسوم تافهة، والتعليم مجاني في جميع مراحله، وإعانة ملابس، وللطلبة المجتهدين، وتأثيث منازل العرسان وغيرهم، فماذا جلبت عليهم؟ إن معدل الانتحار في السويد من أعلى معدل الانتحارات في العالم! لماذا وعندهم كل هذا النعيم، وعندهم كل هذا الرخاء، وكل هذه الرفاهية؟
وهذه البلد الأخرى الكبيرة لم يحقق الغنى لأبنائها السعادة على الرغم من ناطحات السحاب، ومراكب الفضاء، وتدفق الذهب من فوقهم ومن تحت أرجلهم حتى قال قائلهم: إن الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء.
إن السعادة ليست بكثرة المال والأولاد، وصدق الله إذ يقول في وصف الكفار الذين نراهم اليوم: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [التوبة:55].. وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:85] قال عليه الصلاة والسلام: (من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) هكذا هُم في هَمٍ لازم، وتعب دائم وحسرة لا تنقضي، مهما نال الشخص منهم شيئاً منها طمحت نفسه إلى ما فوق، وهكذا في عذاب دائم .. لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً. حالهم في الدنيا كحال شارب الخمر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً.
ثم إن أولادهم كثيراً ما يجلبون عليهم التعاسة والشقاء؛ في عقوقهم وكفرانهم لنعمة آبائهم، وإذا لم يكن الولد مؤمناً تقياً براً كريماً فإنه يكون سبب تعاسة لأبوية.
أرى ولد الفتى ضرراً عليه لقد سعد الذي أمسى عقيما |
فإما أن يربيه عدواً وإما أن يخلفه يتيما |
وإما أن يوافيه حمام فيترك حزنه أبداً مقيما |
وهكذا أحس هذا الشاعر بأن العقم هو السعادة من جراء ما رآه من تعاسة الأولاد.
ليست السعادة في وفرة المال، ولا سطوة الجاه، ولا كثرة الولد، ولا نيل المنفعة، ولا العلم المادي، ولا المخترعات، ولا الآلات؛ إنها شيء لا يرى بالعين، ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدينار، ولا الجنيه والدولار؛ السعادة: شيء يحسه الإنسان بين جوانحه إنها صفاء نفس، وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير.
قال زوج لزوجته: لأشقينك، فقالت له بهدوء: لا تستطيع ذلك أبداً كما أنك لا تملك أن تسعدني، فقال في حنق: وكيف لا أستطيع؟ فقالت في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون فقال: وما هو؟ فقالت في يقين: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه إلا ربي.
هذه هي السعادة التي أحس بها المؤمنون الصالحون فقال قائلهم: إننا نجد سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف؛ لأنهم يبحثون عنها أشد البحث.
وقال الآخر وهو في جنة ذكره في الدنيا وخلوته بربه: إنه لتمر علي ساعات أقول فيها: لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه لكانوا في عيش طيب.
هؤلاء الذين يعيشون في جنة الإيمان وواحته في الدنيا، هؤلاء هم المغمورون في السعادة حقاً.
يا عباد الله! لا نجحد أن للجانب المادي أثراً في تحقيق السعادة للإنسان، ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة وذكر منها أموراً دنيوية: كالدار الواسعة، والمركب الهنيء) ولكنها ليست كل شيء، ليست في المكان الأول، إن المكان الأول إنما هو للإيمان الذي هو حقيقة السعادة، السعادة الحقيقية فيه أنه يحس بسكينة النفس.
قال أحد الأطباء اللامعين في أمريكا: وضعت مرة وأنا شاب جدولاً لطيبات الحياة المعترف بها، فكتبت رغباتي الدنيوية: الصحة والموهبة والقوة والثراء والشهرة، ثم أطلعت حكيماً من الحكماء عليها، فقال: يبدو أنك أغفلت العنصر المهم الذي بدونه يعود جدولك عبئاً لا يطاق، فقلت ما هو: فضرب على الجدول كله وكتب كلمتين: سكينة النفس وهي ما يبحثون عنها، ثم قال: وقد وجدت يومئذ أن من الصعب أن أتقبل هذا، ولكن الآن بعد نصف قرن من الزمن والتجربة الخاصة والملاحظة الدقيقة؛ أصبحت أدرك أن سكينة النفس هي الغاية المثلى للحياة الرشيدة، لقد رأيت السكينة تزهر بغير عون من المال، وبغير مدد من الصحة، بل إنها تحول الكوخ إلى قصرٍ رحب، كما تحول القصر قفصاً وسجناً.
فلا سكينة -أيها الإخوان- بلا إيمان، السكينة التي يبحثون عنها أين هي؟
إنها في الإيمان بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، لقد علمتنا الحياة أن أكثر الناس قلقاً واضطراباً وشعوراً بالتفاهة والضياع هم المحرومون من نعمة الإيمان؛ انظر إليهم في المخدرات، وانظر إليهم في حالات الانتحار، وانظر إليهم في عيادات الأطباء النفسانيين، إن حياتهم ليس لها طعم ومذاق وإن حفلت باللذائذ والمرفهات؛ لأنهم لا يدركون لها معنى ولا يفقهون لها سراً، ولكن المؤمن سكينته في نفسه روحٌ من الله ونور، يسكن إليها إذا خاف، ويطمئن عندها إذا قلق، ويتسلى بها إذا حزن، ويستروح بها إذا تعب، ويقوى بها إذا ضعف لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع على الله وجمع القلب وتوحد النية والتوجه والفرار إلى الله، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً ".
عباد الله! إن الإيمان الذي حرم منه الكفرة والملاحدة قادهم إلى شقاء؛ لأن الواحد منهم لا يعرف الحكمة من خلقه، ولا السبب في وجوده في هذه الحياة، يولدون ويعيشون كالبهائم ويموتون كالهمل، لقد قال قائلهم:
لعمرك ما أدري وقد أذن البلى بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي |
وأين محل الروح بعد خروجـه عن الهيكل المنحل والجسد البالي |
فأجابه مؤمن:
وما علينا من جهلك إذا كنت لا تدري إلى أين ترحالك؛ فإننا ندري إلى أين المصير، قال الله تعالى إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم [الانفطار:13-14].
لقد حاولوا أن يحلوا أسرار الوجود، وقام فلاسفتهم فتكلموا، وقام الذين تبعوهم من بعدهم فتكلموا؛ فإلى أي شيءٍ انتهوا؟
لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسرحت طرفي بين تلك المعالم |
فلم أر إلا واضعاً كف حـائر على ذقن أو قارعاً سن نادم |
وتمنى أحدهم لو رزق إيماناً كإيمان العجائز كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ [الأنعام:71] حيران: هو الوصف الدقيق البليغ لهذا الوضع كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [الأنعام:71].
إن الذي لا يؤمن لا يثبت على قرار ولا يدوم على وجهة أو طريق.
كريشة في مهب الريح طـائرة لا تستقر على حال من القلق |
إن أمرهم يعيش بين ضياع عن معرفة الهدف من الخلق وشعور بالجبرية، فتجد مذهب الجبرية في كلامهم، وهذه قصيدة الخيام التي غنتها من يقول بعض الناس: إن غناءها عفيف بينما فيه الكفر والإلحاد:
لبست ثوب العمر لم أستشـر وحرت فيه بين شتى الفكر |
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المفر |
وقال المعري الملحد في قديم أمره:
نفارق العيش لم نظفر بمعرفـة أي المعاني بأهل الأرض مقصود |
وقال:
سألتموني فأعيتني إجابتكم من ادعى أنه دارٍ فقد كذبا |
تحطمنا الأيام حتى كأننا زجاج ولكن لا يعاد له سبكا |
ولذلك امتنع هذا عن الزواج حتى لا يجني الشقاء على ذريته كما جناها عليه أبوه وأمه، وقال:
وأرحت أولادي فهم في نعمة الـ عدم التي فضلت نعيم العاجل |
فأراحهم في نعيم العدم من الشقاء الذي رآه.. وقال الآخر معبراً عن عقيدة الجبرية التي يحس بها من لا إيمان له:
جئنا على كرهٍ ونرحل رغَّماً ولعلنا ما بين ذلك نجبر |
والملحد الحديث الذي يقول:
جئت لا أعلـم من أين ولكني أتيت |
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت |
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت |
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري |
وطريقي ما طريقي أطويل أم قصيـر |
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور |
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير |
أم كلانا واقف والدهر يجري لست أدري |
أتراني قبل ما أصبحت إنسانا سويا |
كنت محواً ومحالاً أم تراني كنت شيا |
ألهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا |
لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري |
لكن المؤمن يدري؛ لأن الغاية عنده واضحة والطريق أمامه واضح أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] ما أعظم الفرق بين رجلين: أحدهما عرف الغاية التي من أجلها خلق فهو يسعى لتحقيقها فيطمئن ويستريح، والآخر ضال يخبط في عماية ويمشي إلى غير غاية.
إن المؤمن لما عرف الغاية وسار في طريقها استعذب كل عذاب، واستهان بكل صعب، ولما اجتمع عليه الكافرون ليشمتوا فيه، ويظهروا الحرب النفسية، ويرشقونه بالسهام، وهم يظنون أن أعصابه ستنهار في ذلك الموقف قال معبراً عما يدين به:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان في الله مصرعي |
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزعِ |
ألا ترى إلى الرجل من الصحابة ومن تبعهم بإحسان يخوض عباب الموت والموت يبرق ويرعد وهو يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] ألا تسمع إلى أحدهم وهو حرام بن ملحان رضي الله عنه وقد نفذ الرمح في صدره وهو يقول: فزت ورب الكعبة.
وفي غزوة الأحزاب لما ابتلي المسلمون ابتلاءً شديداً، وزلزلوا زلزالاً عظيماً وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10] كان للمؤمنين موقفٌ آخر: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] من الذي وهب السكينة لهم فأعانهم على الثبات؟ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [الفتح:4].. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]
لماذا تنخلع قلوب العالم الآن؟ كثيرٌ من الناس في اهتزاز، شخصياتهم في اهتزاز، أفكارهم مشوشة ومضطربة، الأمراض النفسية؛ لأن القلوب لم تطمئن بذكر الله، فظهر المرض النفسي الخطير مرض التوحد، الذي يشبهه الأطباء النفسانيون -يشبهون صاحبه- بشخصٍ في غرفةٍ جميع جدرانها مرايا، فأينما ينظر لا يجد إلا نفسه، وليس لهذه الغرفة أبوابٌ ولا نوافذ، هكذا يعيشون، ويقول أحد أطبائهم: إن مرض إحساس الإنسان بوحدته لمن أهم العوامل الأساسية للاضطرابات العقلية، وبحثوا وبحثـوا وأجروا التجارب وفي النهاية قالوا: لا حل إلا بالرجوع إلى الدين.
كيف يشعر بالتوحد من يقرأ في كتاب الله وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] كيف يشعر بالتوحد من يقرأ قول الله ويعتقد به: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]
إنه شعور موسى عليه السلام لما قال لبني إسرائيل: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وهو مشاعر محمد صلى الله عليه وسلم لما قال لصاحبه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]
فالسكينة والطمأنينة في الإيمان، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الإيمان، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وبك مؤمنين، وعليك متوكلين، وبك واثقين، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أعطى كل شيء خلقه وهداه، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله! إن من الأسباب التي تجعل المؤمن يعيش في أمان وطمأنينة، وراحة نفسية، وحياة طيبة، كما قال الله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] إن من الأسباب: مسألة رضا المؤمن بالله، ورضاه عن الله، ورضا الله عنه، ولذلك كان الساخط إنساناً دائم الحزن، دائم الكآبة، ضيق الصدر، تضيق الدنيا به على سعتها كأنها سم الخياط، والمؤمن راض بأمر الله تعالى، يكتنفه في قضية القدر أمران: الاستخارة قبل وقوع الشيء، والرضا بعد وقوعه، إنه إذا احتار فإن السبيل أمامه واضحة: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فيسره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به.
يتمنى الكفار لو وجدوا شيئاً كهذا؛ لأنهم يحتارون كما نحتار، ولكن لا سبيل عندهم لمعرفة الاختيار، وأما المؤمن فإنه يلجأ إلى الله، راضٍ بالله (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) رواه الإمام أحمد ومسلم.
المؤمن راض عن نفسه، وراض عن ربه، وهو يشعر بأنه -ولو كان فقيراً ولو كان ما كان حاله- لا يزال يتقلب في نعم الله، أولها نعمة خلقه: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2] ويتملى كذلك في حسن خلقه وتفضيله على غيره: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].
وثالث النعم: نعمة الإدراك والعلم اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:3-5].. وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
ورابع النعم: نعمة البيان النطقي والخطي الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4].
وخامسها: نعمة الرزق يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فاطر:3] نعمة النَّفَس نعمة، ومن وقع في مرض الربو وغيره عرفها.
والنعمة الخاصة بالمؤمن: نعمة الإيمان والهداية وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7].
والسابعة: نعمة المحبة والأخوة التي يعرفها المتآخون في الله، المجتمعون على طاعة الله، قلوبهم متحدة برباط الأخوة وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103].
إن المؤمن راضٍ عن ربه دائماً وأبداً، فإذا ختم طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا، وإذا اكتسى ثوباً قال: الحمد لله أنت كسوتني، اللهم لك الحمد أنت كسوتني، وإذا ركب دابة قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا [الزخرف:13] وإذا استيقظ من نومه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإذا قضى حاجته في الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، وإذا رأى مبتلىً في حواسه قال: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به، وإذا تم له ما يريد قال: الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وإذا لم يتم له ما يريد قال: الحمد لله على كل حال، فهو لا يزال يتقلب في رضا الرب ويحمد ربه في جميع أحواله.
إن قضية الرضا مسألة عظيمة لا يعرفها إلا المؤمنون، لقد كتب أحد الكفرة إف إس بودلي يقول: في عام 1918م أوليت ظهري للعالم الذي عرفته -للغرب- طيلة حياتي ويممت شطر إفريقيا الشمالية الغربية حيث عشت بين الأعراب في الصحراء، وقضيت هناك سبعة أعوام، أتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم، وآكل من طعامهم، وأتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغناماً، وأنام كما ينامون في الخيام، وقد كانت تلك الأعوام التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سنين حياتي وأحفلها بالسلام والاطمئنان، والرضا بالحياة، لقد تعلمت من عرب الصحراء التغلب على القلق، فهم بوصفهم مسلمين، يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان وأخذ الحياة مأخذاً سهلاً ليناً، فهم لا يلقون أنفسهم بين براثن الهم والقلق إنهم يؤمنون بأن ما قدر يكون، ولا يصيب الواحد منهم إلا ما كتب الله تعالى، وليس معنى ذلك أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفو الأيدي .. كلا. دعني أضرب مثلاً لما أعني: هبت ذات يومٍ عاصفة عاتية، حملت رمال الصحراء وكانت عاصفة حارة شديدة الحرارة، حتى أحسست كأن شعر رأسي ينتزع من منابته لفرط وطأة الحر، وأحسست من فرط القيظ كأنني مدفوعٌ إلى الجنون، ولكن العرب لم يشكوا إطلاقاً، فقد هزوا أكتافهم وقالوا كلمتهم المأثورة: قضاء مكتوب، ولكنهم ما إن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتها، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء فعلوا هذا كله في صمتٍ وهدوء دون أن تبدوا من أحدهم شكوى، وقال رئيس القبيلة: لم نفقد الشيء الكثير فقد كنا خلقاء بأن نفقده، وبأن نفقد كل شيء، ولكن حمداً لله وشكراً، فإن لدينا نحو أربعين بالمائة من ماشيتنا وفي استطاعتنا أن نبدأ بها من جديد.
شهادة شهد بها ذلك الكافر على الرضا بالقضاء عند المسلمين، الرضا بما كتب الله، والرضا بما قسم الله وكثيرٌ من الناس يفقدونه، تأمل قول الله تعالى: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طـه:131] إنها تعلم القناعة، والرضا بما قسم الله تعالى، وتأمل قول الله: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] فبين لهم أن هناك أمراً لا يمكن تغييره، وهو أن يصبح الرجل امرأة، أو المرأة رجلاً وإن قاموا بعملية لتحويل الخنثى، لكن تحويل رجل كامل الذكورة إلى امرأة كاملة الأنوثة لا يتمنى هذا هذا، ولا هذا هذا، والشيخ إذا ولى شبابه لا يتمنى ولا يحقد على الشاب، وإنما هو مستريحٌ بقضاء الله تعالى.
هذه حياة المؤمن أيها الإخوة! وهذا طرفٌ من الحياة الطيبة التي يشيعها الإيمان في جنبات الإنسان، ومن تدبر عرف، والقضية أهلٌ للتدبر والتأمل والتفكير، والمقارنة بين حال المؤمن وحال غيره هي التي تجعلك تشعر بنعمة الله عليك.
اللهم إنا نسألك الأمن والأمان، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الفزع الأكبر، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وأهلك عدونا، واستر عيوبنا.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأخيار، نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم اجعلنا في حياتنا مطمئنين، وفي الألحاد من الآمنين، ويوم القيامة من الفائزين يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.