آداب البشارة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أما موضوع البشارة: فإن البِشارة يعرفها العلماء بأنها ما يُبِشِر به الإنسان غيره من أمر، وهي بكسر الباء (البِشارة) والبُشارة بضم الباء ما يُعطاه المُبشِّر بالأمر, أي: إذا بشرك إنسان فأعطيته شيئاً فهذه العطية تسمى: بُشارة, والأمر الذي بشرك به يسمى: بِشارة.

قال ابن الأثير رحمه الله: البُشارة بالضم ما يعطى البشير, وبالكسر الاسم، وسميت بذلك من البشر وهو السرور؛ لأنها تظهر طلاقة وجه الإنسان، وهم يتباشرون بذلك الأمر، أي: يبشر بعضهم بعضاً, والبِشارة إذا أطلقت فهي للبشارة بخير, هذا هو الأصل, ويجوز استعمالها مقيدة في الشر, كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] وقد جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه, وإن الكافر إذا حضره الموت بُشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ...).

فالآيات التي فيها التبشير أو البشارة بالعذاب الأليم للكفار كثيرة, واستعمال البشارة في الخير هو الأصل, وقد ورد في القرآن في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101] وقال سبحانه: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] وبشرت مريم بكلمة من الله, والبشارات التي ذكرت في القرآن كثيرة.

إذاً: إذا استعملت البِشارة في الشر فلا بد من استعمالها مقيدة، مثلاً: بشر بعذاب ونحو ذلك, ولا يقال: بشر فقط بدون أن يذكر المبشر به.

والبشارة تكون من المخبر الأول بخلاف الخبر, فإنه قد يكون من الأول والثاني والثالث وكلهم مخبرون, أما البشارة فهي من المخبر الأول, فإذا جاء واحد وكررها فلا تكون بشارة, وكذلك الخبر قد يكون صادقاً أو كاذباً، أما البشارة فإنها تختص بالخبر الصادق السار غالباً.

والبُشارة ما يعطى المبشر، وهي تشبه الجعل الذي يعطى على عمل معين, لكن الجعل قبل العمل, فهو يقول: من فعل لي كذا أعطيته كذا.. والبُشارة تعطى بعد الإخبار بالأمر السار ولو لم يقل: من بشّرني بكذا أعطيته.

والتبشير بالخير والشيء الطيب السار والأمر المفرح من السنة, وهو من الآداب الإسلامية العظيمة, فأما أعظم ما نبشر به المؤمن فهو البِشارة بما أعد الله له، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] وكذلك فإن الله سبحانه قد بشر المؤمنين بالملائكة، قال سبحانه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ [الأنفال:9-10].

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر بالأمور الدينية كثيراً، فليس فقط لمن جاءه ولد أو مال أو هدايا أو نحو ذلك, بل كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يبشر بالأمور الدينية, وقد جاءه أعرابي كما في صحيح البخاري في كتاب المغازي فقال: (ألا تنجز لي ما وعدتني؟ -قيل: إنه وعده وعداً خاصاً، أو إنه وعده أن يعجل له نصيبه من الغنيمة- فقال له: أبشر، فقال: قد أكثرت من أبشر -الأعرابي لم يقبل أبشر أبشر كلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم- فأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال: رد البشرى فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا, ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجّ فيه ثم قال: اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا, فنادت أم سلمة من وراء ستر: أن أفضلا لأمكما -لأنها: أم المؤمنين- فأفضلا لها منه طائفة) ولا شك أن هذا كان خيراً لهما من كل مال وغنيمة، ولكن الأعرابي لا يفقه.

والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بنو تميم قال: (يا بني تميم! أبشروا، قالوا: بشرتنا فأعطنا) هؤلاء أيضاً أعراب لا يفهمون البشرى إلا في الأمور المادية, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اقبلوا البشرى) يريد أن يعلمهم شيئاً ينفعهم في معادهم وآخرتهم: (فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أهل اليمن فقال: يا أهل اليمن ! اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم, قالوا: قبلنا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم عن بدء الخلق والعرش..) إلى آخر الحديث.

وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بأن صلاة العشاء عند نصف الليل خير عظيم، قال: (أبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم).

فهذه كلها بشارات دينية عامة، وهناك بشارات دينية خاصة لبعض الصحابة, مثل قصة ثابت بن قيس لما غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: (يا رسول الله! أنا أعلم لك علمه, فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه فقال: ما شأنك؟ فقال: شر, كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عملي، فأتى الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال: كذا وكذا.. -فقال موسى بن أنس الراوي: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة- فقال: اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة) فهذه بشارة عظيمة جداً، ولا أعظم من أن يبشر الإنسان بأنه من أهل الجنة.

الرؤيا الصالحة من البشارات

كذلك من البشائر الدينية الشرعية الرؤيا الصالحة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن النبوة تذهب، ولكن تبقى المبشرات بعده عليه الصلاة والسلام، وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له, وقال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : (الرؤيا الصالحة من الله) ثم قال في آخر الحديث: (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر، ولا يخبر إلا من يحب).

المدح على العمل الصالح من البشارات

ومن البشائر الدينية التي بشر بها المسلم أنه إذا عمل عملاً صالحاً ثم تكلم الناس عن هذا العمل وتحدثوا به ونشروه وحمدوه عليه, وهو لا يقصد إلا وجه الله, لكن اطلع عليه الناس أو أن الناس تناقلوا ذلك الخبر فهذا الحمد لا ينقص من أجره ولا يجعله عرضة للعذاب أبداً, وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت الرجل يعمل العمل بالخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن) بوب عليه النووي رحمه الله "باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره".

والبشرى تكون في مناسبات كثيرة منها:

المريض, فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم أم العلاء , قالت: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود، وهو حديث صحيح, والبشارة للمريض وردت في أكثر من حديث.

تبشير طالب العلم

تبشير أهل المصائب بالأجر العظيم

كذلك من الناس الذين يبشرون بالأجر: أهل المصائب، مثل من مات له ولد, كما جاء عند الترمذي وهو حديث حسن قال: حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: (دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر, فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان ؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم, فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد).

وينبغي أن تكون نفسية التبشير للآخرين والفأل الحسن وانشراح الصدر والوجه الطلق هي سمة المؤمن, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا).

ولذلك يجب على الخطيب ألا يكون حديثه ووعظه للناس في صفة النار وحال أهلها فقط دون أن يخبرهم بصفة الجنة, وما أعد الله لأهلها وما فيها من النعيم المقيم وأنواعه, بل عليه أن يجمع بين الترغيب والترهيب، وينبغي أن نراعي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (إن رحمتي سبقت غضبي).

البشارة في الفتوح

أيضاً من مواطن البشارة التي وردت في السنة، البشارة في الفتوح، كما بوب البخاري في كتاب الجهاد والسير: باب البشارة في الفتوح, إذا فتح بلد وانتصر المسلمون فلا بد أن ينقل الخبر على أنه بشارة لعموم المسلمين, ويخبر المسلمون بذلك وينشر. وهذا من البشائر السارة كما جاء في حديث جرير بن عبد الله في البخاري قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ -وكان بيتاً في خثعم يسمى: كعبة اليمانية, وهو من أوثان المشركين- قال: فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس وكانوا أصحاب خيل, فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني لا أثبت على الخيل فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري فقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً) فانطلق إليها فكسرها وحرقها، فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره، أي: عند الفتح. وكان المسلمون يرسلون البشائر إلى أبي بكر وعمر وعثمان بالفتوح.

البشارة عند الموت

كذلك من المواطن التي يبشر فيها الشخص عند الموت, إذا كان من أهل الصلاح والخير، فإنه عند نزول الموت به ينبغي أن يبشر بثواب الله إذا كان حاله حال أهل الصلاح، حتى يموت وهو يحسن الظن بربه, ولذلك لما طعن عمر رضي الله عنه دخل عليه شاب من الأنصار فقال: [أبشر -يا أمير المؤمنين- ببشرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت, ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله, فقال عمر: ليتني -يا بن أخي- أنجو كفافاً..] الحديث.

وكذلك ولد عمرو بن العاص عند وفاة عمرو بن العاص قال له: ألم يقل لك النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا..؟ ألم يبشرك بكذا وكذا..؟

البشارة بموت الطاغية

ومن البشائر المتعلقة بالدين البشرى بموت الطاغية, فإذا مات طاغية أو إنسان مجرم جبار ظالم أو قتل فالبشرى بموته وقتله أيضاً مما ورد في هذه الشريعة, والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه في قصة ذلك الصحابي الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لقتل أبي رافع الذي كان يهجو النبي عليه الصلاة والسلام ويؤذي المسلمين, فلما ضربه بالسيف ووضعه في بطنه وسمع صوت العظم خرج دهشاً قال: [ حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية, فلما كان الصبح صعد الناعية فقال: أنعى أبا رافع , فقال: فقمت أمشي ما بي قلبة, فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا ] أي: كانت رجله مكسورة, لكنه لحق أصحابه، وكان انتظر طوال الليل إلى الصباح ليسمع الناعي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيبشروه.

إذاً: فالبشرى بموت طاغوت أو طاغية من آداب هذه الشريعة.

كذلك من البشائر الدينية الشرعية الرؤيا الصالحة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن النبوة تذهب، ولكن تبقى المبشرات بعده عليه الصلاة والسلام، وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له, وقال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : (الرؤيا الصالحة من الله) ثم قال في آخر الحديث: (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر، ولا يخبر إلا من يحب).

ومن البشائر الدينية التي بشر بها المسلم أنه إذا عمل عملاً صالحاً ثم تكلم الناس عن هذا العمل وتحدثوا به ونشروه وحمدوه عليه, وهو لا يقصد إلا وجه الله, لكن اطلع عليه الناس أو أن الناس تناقلوا ذلك الخبر فهذا الحمد لا ينقص من أجره ولا يجعله عرضة للعذاب أبداً, وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت الرجل يعمل العمل بالخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن) بوب عليه النووي رحمه الله "باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره".

والبشرى تكون في مناسبات كثيرة منها:

المريض, فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم أم العلاء , قالت: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود، وهو حديث صحيح, والبشارة للمريض وردت في أكثر من حديث.