فتاوى نور على الدرب [538]


الحلقة مفرغة

السؤال: كثر الكلام في موضوع الحجاب والنقاب، واختلفت آراء المشايخ والفقهاء، فمنهم من يرى أن كشف الوجه واليدين من المرأة حرام، ومنهم من لا يرى ذلك، إلا إذا خشيت الفتنة، والغريب أن كل فريق استند إلى بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والفريق الذي يرى أن ذلك حرام استند لآيات الحجاب في سورة النور وغير ذلك، والفريق الذي لا يرى أن ذلك حرام استند إلى أن الله عز وجل أمر المؤمنين بغض البصر، وقالوا بأن غض البصر لا يأتي إلا عند كشف المرأة عن وجهها، فكيف يكون غض البصر والمرأة تغطي وجهها، وكيف تغض المرأة من بصرها عن الرجال، وهل تغطي وجهها، فما رأيكم في هذا الموضوع، وما ورأيكم في الاختلافات في مثل هذا الموضوع وغيره، وماذا يجب علينا نحن المسلمين في هذه الاختلافات، ولا سيما وأن كل فريقٍ يستند على آياتٍ وأحاديث صحيحة؟

الجواب: هذا السؤال سؤالٌ مركزٌ وجيد، ويعجبني سياقه على هذا الوجه؛ لأنه يدل على أن هذا الرجل السائل قد اعتنى بهذه المسألة، ألا وهي مسألة كشف المرأة وجهها لغير المحارم والزوج، وهذه المسألة لا شك أن العلماء اختلفوا فيها، وأن كل واحدٍ منهم أدلى بحججه ولكن لدينا ميزانٌ أمرنا الله تعالى به، أي: بالرجوع إليه، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حينما قال تبارك وتعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] وبتأمل الإنسان للأدلة التي استدل بها كل واحدٍ من الطرفين يتبين له أن الأدلة تؤيد من قال بوجوب ستر الوجه عن الرجال غير المحارم والزوج، وفي ذلك أدلة سقناها في كتاب، بل في رسالةٍ صغيرة لنا أسميناها: الحجاب، وبينا فيها الأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم والزوج، وأجبنا عن أدلة القائلين بالجواز بجوابين، أحدهما مجمل، والثاني مفصل.

فأما المجمل فإننا ذكرنا أن النصوص الواردة والتي فيها ما يدل على جواز كشف الوجه لغير المحارم والزوج يمكن أن تحمل على أحد أمرين، إما على أنها قبل وجوب الحجاب؛ وذلك لأن المسلمين كان لهم حالان: الحال الأولى: حالٌ قبل الحجاب وفيها كشف الوجه والكفين، والحال الثانية: حالٌ بعد الحجاب وفيها الأمر بستر الوجه والكفين، وهذا جوابٌ مجمل.

ومن الجواب المجمل: أنه يكون هناك قضايا معينة فيها أسباب خاصة ظاهرها جواز كشف الوجه لغير المحارم والزوج.

وكذلك أجبنا عن أدلة القائلين بالجواز على وجه التفصيل، فيحسن بالأخ السائل أن يرجع إلى هذه الرسالة، وإلى غيرها مما كتبه أهل العلم، ولا سيما كتاب عودة الحجاب، فإنه كتابٌ مطول، وفيه ما يشفي العليل، ويروي الغليل.

وإني أقول لهذا الأخ السائل: إنه على فرض أن لا يكون هناك دليلٌ على وجوب ستر الوجه عن الرجال غير المحارم أو الزوج، أو أن الأدلة متكافئة: أدلة وجوب الستر، وأدلة جواز كشفه، فإن الحال اليوم تقتضي إلزام النساء بستر الوجه، وذلك لكثرة الفتن، وضعف الدين، فإنه كلما كثرت الفتن وضعف الدين فإنه يجب أن يجعل هناك روادع وزواجر تمنع من الوصول إلى ما تكون به الفتنة، ولهذا أصلٌ في الشريعة، فقد قال الله عز وجل: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فنهى عن سب آلهة المشركين؛ لأننا لو سببنا آلهتهم لسبوا إلهنا وهو الله عز وجل، ونحن إذا سببنا آلهتهم فهي أهلٌ للسب، ولكنهم إذا سبوا الله عز وجل فإنهم يسبون الله تعالى عدواً بغير علم، فسد الله تعالى هذا الباب الذي يكون وسيلةً أو يكون ذريعةً إلى سب الله عز وجل مع أنه محمود، أي: أننا نؤمر بأن نسب آلهة المشركين وأن نبين بطلانها، لكن إذا كان ذلك يفضي إلى سب من لا يستحق السب وهو الله عز وجل لكمال صفاته فإننا نمنع من سب آلهتهم، ولما كثر شرب الخمر في المسلمين بعد كثرة الفتوح في زمن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة كيف يجعل عقوبته بعد أن كانت عقوبته نحواً من أربعين جلدة، فأشاروا إليه أن يرفع هذه العقوبة إلى أخف الحدود إلى ثمانين جلدة، وأخف الحدود هو حد القذف، فإن حد القذف ثمانون جلدة، فأشار الصحابة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يرفع عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جلدة فرفعها، فزاد في العقوبة نظراً لكثرة شربها من الناس، ولما استهان الناس بأمر الطلاق الثلاث في مجلسٍ واحد، وهو من اتخاذ آيات الله هزواً، رأى عمر رضي الله عنه أن يلزم من طلق ثلاثاً بما ألزم به نفسه، وأن يمنع من الرجوع إلى زوجته، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فلما تتايع الناس فيه قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد تتابعوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم) فعلى فرض أن النصوص في جواز كشف المرأة وجهها لغير المحارم والزوج أو عدمه متكافئة، فإنه في هذا الزمان يجب أن يسار في الطريق الأحوط والأمثل؛ لمنع الفتنة والشر والفساد، وهو إلزام المرأة بالحجاب، أي: بستر وجهها.

ولا يخفى علينا جميعاً ما حصل للبلاد التي استباح أهلها كشف الوجه والكفين من التهتك في ذلك حتى كشفت المرأة ذراعيها، وعنقها وشيئاً من رأسها، أو رأسها كله كما هو مشاهدٌ في البلاد الأخرى، فالمرأة لن تقف أبداً على الحد الذي هو موضع الخلاف، وهو كشف الوجه والكفين فقط، بل ستهتك الستر فيما وراء ذلك، لهذا نرى أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم والزوج، ولنا في ذلك أدلة، وكما قلت إنه لو فرض تكافؤ الأدلة في ذلك لكانت القواعد الشرعية تقتضي منع النساء كشف وجوههن في هذا العصر.

أما النقاب فالنقاب لا شك أنه جائز، وأنه على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرمة لا تنتقب، وهذا يدل على أن النقاب كان معروفاً بينهم، ولكن النقاب المعروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نقابٌ بقدر الحاجة، أي: أن المرأة لا تنتقب إلا بمقدار ما ترى الطريق فتفتح لعينيها فتحة تكون بقدر العين فقط، لكن النقاب اليوم توسع فيه كثيرٌ من النساء، فصارت المرأة تنتقب بنقابٍ واسع تخرج منه كل العين، بل والحاجب وطرف الجبهة وطرف الخد، وربما تتوسع النساء في ذلك إلى أكثر، فلهذا نرى منعه من باب السياسة وعدم التجاوز في حد النقاب المباح، ولسنا نرى منعه لأن الأدلة تدل على منعه، بل الأدلة تدل على جوازه، ولكن الجائز إذا كان يفضي إلى شيء محرم لا يمكن انضباطه، فإن من الحكمة منعه درءاً للمفسدة التي تترتب على القول بإباحته.

وأما قول السائل: إن الله تعالى أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم، وهذا يدل على أن هناك شيئاً ينظر إليه، فيقال: إن هذه الآية إن لم تكن دليلاً ضد قول من قال بجواز كشف الوجه فليست دليلاً له؛ لأن أمر الله سبحانه تعالى بالغض من البصر لا يستلزم أن تكون المرأة كاشفة وجهها، إذ إن الإنسان قد ينظر إلى المرأة من حيث حجم جسمها ولباقته وما أشبه ذلك، ثم إنه قد يكون للمرأة نظرةٌ أولى حينما يواجه المرأة وجهاً لوجه قبل أن تعلم به، أو قبل أن يعلم بها، ولهذا جاء في الحديث: ( لك النظرة الأولى وليس لك النظرة الثانية ) فإذا صادف أن رجلاً واجهته امرأة وهي كاشفةٌ وجهها فإن الواجب عليه أن يغض البصر، وهي يجب عليها في هذه الحال أن تستر وجهها.

وأما موقف الإنسان من خلاف العلماء فنقول: إذا كان الإنسان طالب علم، يمكنه أن يجتهد وينظر في أدلة الفريقين فيحكم بما يرى أنه أقرب إلى الصواب، فهذا هو الواجب عليه، وأما إذا كان الإنسان عامياً لا يعرف، فإن الواجب عليه أن يتبع من يظنه أقرب إلى الصواب في علمه وفي دينه وأمانته، كما أن الإنسان لو اختلف عليه طبيبان، وهو مريض بوصفة الدواء، فإنه بمقتضى الفطرة سيأخذ بقول من يرى أنه أحذق وأقرب إلى الصواب، وهكذا مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب، إما لغزارة علمه وإما لثقته وأمانته ودينه، فإن لم يعلم: أيهما أرجح في ذلك فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير إن شاء أخذ بقول هذا.

وإن شاء أخذ بقول هذا، وقال بعض العلماء: يأخذ بما هو أحوط، أي: بالأشد؛ احتياطاً وإبراء للذمة.

وقال بعض العلماء: يأخذ بما هو أيسر؛ لأن ذلك أوفق للشريعة، إذ إن الدين الإسلامي يسر كما قال الله تبارك تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وكما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن الدين يسر )، وقال وهو يبعث البعوث: ( يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) أي: أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح فإنك تأخذ بالأيسر لهذه الأدلة، ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته، والأصل عدم ذلك، وهذا القول أرجح عندي، أي: أن العلماء إذا اختلفوا على قولين، وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين، فإنك تأخذ بالأيسر منهما.

وأعني بالأخذ بالقول الأيسر أي: فيما يتعلق بنفس الإنسان، أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة فإنه يمتنع من ذلك على وجه الإعلان، يعني: معناه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه، مثال هذا: لو قدرنا أن الرجل ترجح عنده أن المرأة يجوز لها أن تكشف وجهها لغير المحارم والزوج، لكنه في بيئة لا ترى ذلك، ونساؤها ملتزماتٍ محتجبات، ففي هذه الحال لا يسمح لامرأته بأن تخرج كاشفة الوجه في مجتمعٍ أخذوا بالقول الثاني، وهو وجوب ستر الوجه؛ لما في ذلك من المفسدة على غيره؛ لأن من عادة الناس أن يتبعوا ما هو أسهل، سواءٌ كان صواباً أم غير صواب إلا من عصم الله، وعلى هذا فنقول: القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر ما لم يتضمن ذلك مفسدة، فإن تضمن ذلك مفسدة فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط.

السؤال: نقرأ ونسمع عن أهل الكلام والمتفلسفة من كثيرٍ من العلماء، فمن هم هؤلاء، وما هو الكلام المنسوب إليهم؟

الجواب: أهل الكلام هم الذين اعتمدوا في إثبات العقيدة على العقل، وقالوا: ما اقتضى العقل إثباته من صفات الله عز وجل والعقيدة فهو ثابت، وما لم يقتض العقل إثباته فإنه لا يثبت، ويسلكون في ذلك إحدى طريقين، فإن كان يمكنهم الطعن في هذا الدليل أي في ثبوت هذا الدليل طعنوا فيه، فلو كان هناك حديث يدل على صفةٍ من صفات الله، وهم لا يثبتونها حاولوا أن يطعنوا في الحديث؛ حتى يقولوا إنه غير صحيح، ولا يعتمد على غير الصحيح.

والطريق الثاني: إذا صح الدليل من حيث الثبوت حاولوا إنكاره من حيث التأويل، فأولوه بأنواعٍ من التأويلات الباردة التي لا تغني من الحق شيئاً، فمثلاً: هناك مبتدعة لا يثبتون أن الله تعالى موصوفٌ بالرحمة، ومعلومٌ أن القرآن مملوءٌ من هذه الصفة لله عز وجل، مثل قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ [الأنعام:133] ومثل قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107] والآيات في هذا كثيرة، فيقولون: إن الله تعالى ليس له رحمة، ولا يجوز أن يوصف بالرحمة، والمراد برحمة الله تعالى إحسانه إلى الخلق فقط، فيفسرون هذه الصفة بآثارها دون اتصاف الله تعالى بها، أو يقولون: المراد بالرحمة إرادة الإحسان إلى الخلق، ومعلومٌ أن إرادة الإحسان ثمرةٌ من ثمرات الرحمة، فهؤلاء لا يمكنهم إنكار رحمته من حيث الثبوت، لكن أنكروها من حيث التأويل، وقالوا: المراد بها كذا وكذا، وكذلك قالوا في قوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ [الفجر:22] أن المراد جاء أمر الله؛ لأن الله تعالى لا يمكن أن يأتي، فلا يمكنهم أن يردوا هذا الدليل من حيث الثبوت لأنه في القرآن، لكن حاولوا رده من حيث التأويل، ولا شك أن التأويل الذي لا دليل عليه يسمى تحريفاً، هذا هو الأحق به؛ لأنه صرف كلام الله ورسوله إلى غير ما أراد الله ورسوله، فيكون ذلك تحريفاً للكلام عن مواضعه، فالمتكلمون هم الذي أثبتوا عقائدهم فيما يتعلق بالله تعالى وفي أمور الغيب بالعقول لا بالمنقول.

أما المتفلسفة فهم الذين انتحلوا ملة الفلسفة الموروثة عن اليونان والفرس ونحوهم، وهي أيضاً بعيدةً من الحق، لكن ما وافق الحق منها فهو حق، ولا ينبغي أن ينسب إلى آراء هؤلاء المتفلسفة، بل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وما كان منها باطلاً فلا خير فيه.

السؤال: كيف نحكم على نواهي النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نواهي تحريم أو نواهي كراهية؟

الجواب: هذا أيضاً موضع خلاف بين الأصوليين: هل النهي للتحريم أو للكراهة، فمنهم من يرى أنه للتحريم، ومنهم من يرى أنه للكراهة، ومنهم من فصل في ذلك فقال: إن كان النهي يتعلق بالعبادات فهو للتحريم، وإن كان النهي يتعلق بالآداب فهو للكراهة، وليس هناك في الواقع ضابطٌ شامل لكل نهيٍ يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنك تمر بك مناهٍ حملها العلماء على الكراهة، ومناهٍ أخرى حملها العلماء على التحريم، وعلى هذا فينظر الإنسان في كل نهي بعينه، هل هذا النهي يقتضي التحريم بمقتضى قواعد الشريعة، أو يقتضي الكراهة بمقتضى قواعد الشريعة.

وخلاصة الجواب أن نقول: للعلماء في مقتضى النهي ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه للتحريم مطلقاً، وعلى هذا من صرف نهياً لغير التحريم طولب بالدليل.

والقول الثاني: أنه للكراهة مطلقاً، وعلى هذا فمن صرف نهياً للتحريم طولب بالدليل.

والقول الثالث: التفصيل، فإن كان النهي فيما يتعلق بالآداب والأخلاق فهو للكراهة، وإذا كان فيما يتعلق بالعبادات فهو للتحريم.

السؤال: أعيش في عائلة يجتمع فيها الرجال والنساء الغير متحجبات، ويحدث بينهم مزاح وضحك وما أشبه ذلك، وعندما سألت عن ذلك قيل لي بأن ذلك لا يجوز، ولا يجوز لي: أيضاً الجلوس معهم، أو أن أشاركهم حتى على الوجبات، غير أن ذلك يسبب لي المضايقات، وأظل طول الوقت الذي هم فيه يجتمعون أقوم بالاختلاء في غرفتي وحيدة، فبماذا تنصحونني؟

الجواب: النصيحة لك ولأمثالك ممن تجري عليه هذه القضية هو تقوى الله عز وجل بقدر المستطاع؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .

ثانياً: النصيحة لهؤلاء والموعظة بالتي هي أحسن لعل الله يهديهم على يد الإنسان.

ثالثاً: أن يكون الإنسان مرناً واسع الصدر فيما يجري فيه الخلاف بين العلماء من غير دليلٍ قاطعٍ فاصل، فإنه لا يلزم الإنسان، بل ولا يجوز للإنسان أن يلزم الناس بما يرى، وأن ينقلهم عما يرون، فما دامت المسألة مسألة اجتهاد، وليس فيها نصٌ قاطعٌ فاصل، فإن لكلٍ من الناس اجتهاده، فيترك الناس واجتهادهم، وحسابهم على الله عز وجل، فمثلاً هذه المرأة إذا كانت في بيئةٍ يرى أهلها أنه يجوز كشف وجه المرأة لغير المحارم والزوج فإنه لا يلزمها أن تلزمهم بما ترى من وجوب الحجاب، بل ولا يجوز لها أن تلزمهم بذلك، لكن لها أن تناظرهم في هذه المسألة، وأن تناقشهم في هذه المسألة حتى يصل الجميع إلى ما تقتضيه الأدلة الشرعية.

السؤال: منذ سنوات فهمت عن جهلٍ مني بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي مثل الصلاة العادية ركوع وسجود وخلاف ذلك، وصليت عدة ركعات ظناً مني بأن الله عز وجل قد أمرنا بذلك فهل علي إثمٌ في ذلك؟

الجواب: لا إثم عليك في ذلك؛ لأنك جاهل، ولكن الواجب على المرء أن يسأل أهل العلم إذا كان لا يعلم؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43] فعملك الذي كنت عملته سابقاً عملٌ مردودٌ باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) لكنك مثابٌ إن شاء الله على نيتك، وقد يكون هناك تقصيرٌ منك بعدم سؤال أهل العلم عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.