سلسلة منهاج المسلم - (135)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم؛ ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وقد انتهى بنا الدرس إلى الفصل الثاني من فصول الجهاد [الفصل الثاني: وهو في السباق -والمناضلة- والرياضات البدنية والعقلية: وفيه خمسُ موادٍّ].

أولاً: الغرض المقصود من هذه الرّياضات

[ المادة الأولى: في الغرض المقصود من هذه الرّياضات: إن الغرض من جميع هذه الرياضات التي كانت تعرف في صدر الإسلام بالفروسية] لأنهم كانوا يركبون على الخيل، فكانت تعرف بالفروسية، والآن تعرف بـ(الرياضات)، والغرض من جميع هذه الرياضات التي كانت تعرف في صدر الإسلام على عهد الصحابة وأولادهم وأحفادهم [هو الاستعانة بها على إحقاق الحق ونصرته والدفاع عنه] هذا هو الغرض: الاستعانة بهذه الرياضات على إحقاق الحق ونصرته والدفاع عنه، ألا وهو الجهاد؛ لكي يعبد الله وينصر الإسلام ويدافع عنه وعن أهله [ولم يكن الغرض منها الحصول على المال وجمعه ولا الشهرة وحب الظهور أبداً] ما هو إلا الاستعانة بها على إحقاق الحق وإبطال الباطل ونصرة أهل الحق والدفاع عنهم [ولم يكن الغرض منها -أبداً- الحصول على المال وجمعه، ولا الشهرة وحب الظهور -بين الناس- ولا ما يستتبع ذلك من العلو في الأرض والفساد فيها، كما هي أكثر حال المرتاضين اليوم. إن المقصود من كل الرياضات على اختلافها هو التقوى واكتساب القدرة على الجهاد في سبيل الله تعالى] هذا الغرض السامي الشريف [وعلى هذا يجب أن تفهم الرياضة في الإسلام، ومن فهمهما على غير هذا النحو فقد أخرجها عن قصدها الحسن إلى قصد سيء من اللهو الباطل، والقمار الحرام] على هذا يجب أن تفهم الرياضة في الإسلام، فمقصودها هو: الجهاد ونصرة المجاهدين، ونصر الأمة، ومن فهمها على غير هذا النحو فقد أخرجها عن قصدها الحسن إلى قصد سيء من اللهو والباطل والقمار الحرام [والأصل في مشروعية الرياضة قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ] هذا الأصل في الرياضات كلها، إعداد القوة للجهاد في سبيل الله؛ لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونصرة المظلومين. هذا دليل القرآن الكريم، ودليل السنة النبوية [ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )] فالمؤمن القوي في ركوبه، في طيرانه، في قتاله، في عباداته أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ( وفي كل خير )، فهذا الحديث كالآية يدل دلالة قطعية على أن الرياضة إذا كانت في سبيل الله من أجل أن يقوى المؤمن على الجهاد، فهي من أحب الأعمال [والقوة في الإسلام تشمل السيف والسنان، والحجة والبرهان] يعني: الحديد وما يترتب عليه، واللسان وما يترتب عليه من الحجة والبرهان في الكلام والقول.

ثانياً: ذكر ما يجوز فيه الرهن من أنواع الرِّياضات وما لا يجوز

[المادة الثانية فيما يجوز فيه الرهن من أنواع الرياضات، وما لا يجوز فيه ذلك: تجوز المراهنة وأخذ الرهن بلا خلاف بين علماء المسلمين في سباق الخيل، والإبل، وفي الرماية وهي المناضلة] في ثلاثة أمور تجوز المراهنة وأخذ الرهن بلا خلاف بين علماء المسلمين: أولاً: في سباق الخيل، ثانياً: سباق الإبل، ثالثاً: في الرماية، وهي المناضلة [وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا سَبَقَ إلا في خفٍّ أو حافر أو نصل )] (لا سبق)، أي: لا سباق إلا في خف، والخف: خف البعير، (أو حافر)، الحافر: حافر الفرس، (أو نصل) وهو السنان، فهذا الحديث الكريم يفيد أنه لا مسابقة ولا مراهنة أبداً عندنا إلا في خف أو حافر أو نصل، في ثلاثة أشياء: في سباق الخيل والإبل، والنصل وهي: الرماية [والمراد من السبق بفتح السين والباء معاً هو: ما يوضع رهناً يأخذه الفائز في سباق أو رماية] فالسبق هو: ما يوضع رهناً ويأخذه الفائز في سباقه أو في رمايته على فرس أو بعير أو رماية [وأما ما عدا هذه من أنواع الرياضات كالمصارعة، والسباحة، والجري على الأقدام، أو الدراجات، أو السيارات، وكحمل الأثقال، وكالسباق على البغال والحمير، أو الزوارق البحرية، وكحل المسائل العلمية أو حفظها أو استظهارها، فإنها وإن كانت رياضات جائزةً فإنه لا يجوز فيها وضع رهنٍ، ولا أخذه على الصحيح] ما عدا ما قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ) من أنواع الرياضات كالمصارعة والسباحة والجري على الأقدام أو على الدراجات أو على السيارات وكحمل الأثقال -منهم من يحمل قنطاراً أو قنطارين- وكالسباق على البغال والحمير أو الزوارق البحرية، وحل المسائل العلمية أو حفظها واستظهارها -يضع مسألة علمية يقول: من حلها له ألف ريال أو خمسمائة- فإنها وإن كانت رياضات جائزة، إلا أنه لا يجوز فيها وضع رهن ولا أخذه على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حصرها في ثلاث: ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل )، أما على الأقوال الباطلة فممكن! [ولا يحتج أحد على الجواز بمصارعة الرسول صلى الله عليه وسلم لـركانة بن زيد] صارع الرسول صلى الله عليه وسلم ركانة بن زيد في مكة وانتصر عليه، وكان ذلك قبل التشريع في بداية الإسلام [فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صرعه وغلبه رد عليه غنمه التي جعلها ركانة رهناً للمصارعة] لما غلبه النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الغنم التي كانت رهناً للمصارعة [كما لا يحتج بمراهنة الصديق لقريش وأخذه الرهن منها لما غلبها في مسألة غلب الروم، فإن ذلك كان في صدر الإسلام قبل نزول كثير من التشريع] لما أعلنت الحرب بين فارس والروم فرح المشركون بانتصار المشركين، أما أبو بكر فمنتصر بانتصار الروم؛ لأنهم مؤمنون، وقد نزل بذلك قرآن: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ.. [الروم:1-4]، فجعلوا لذلك رهناً، فغلب أبو بكر الصديق ، فلا نحتج بهذا على أخذ الرهن؛ لأن هذا كان قبل التشريع الإسلامي وهم في مكة.

إذاً: لا يجوز الرهن إلا في ثلاث مسائل فقط: ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل )، أما المضاربة بين فلان وفلان بالرهن فلا يجوز أبداً، والمسابقة على الأرجل لا تجوز، والمسابقة على الحمير لا تجوز أبداً، إن تم ذلك لكن لا رهن فيه، فلا يجوز أخذ الرهن.

[والحكمة في حصر جواز الرهن وأخذه في الثلاثة المذكورة في الحديث فقط هي أن هذه الثلاثة ذات أثر في الجهاد] فالخف والحافر والنصل لا بأس أن يؤخذ الرهن فيها، وما عداها فما ينفع في الجهاد [وأما ما عداها من أنواع الرياضات فلا أثر لها فيه؛ لأن الجهاد يعتمد على ركوب الخيل والإبل وعلى الرماية بالسهام.

وإن قيست الدبابات اليوم والطائرات على الإبل والخيل لصحت المسابقة بينها وجاز أخذ الرهن فيها، لما لها من أثر كبير في الجهاد الذي هو المقصود من سائر الرياضات البدنية، كما أنه لو أذن الشارع في أخذ الرهن من أنواع الرياضات غير الثلاثة المذكورة في الحديث لاتخذ بعض الناس الرياضات مهنة يتعيشون بها، ويكتسبون الرزق بواسطتها] لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصر الرهن في هذه الثلاث لاتخذت الرياضات طريقاً للكسب والعيش -وهم قائمون الآن يفعلون ذلك- فلا رهن أبداً إلا في الثلاثة المذكورة؛ لأن المراد هو الإعداد للجهاد؛ وهذه الثلاث تزيد في قوة الجهاد.

[وعندئذ ينسى الغرض الشريف الذي شرعت الرياضات لأجله وهو التقوي على الجهاد، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل في الأرض؛ وذلك بأن يعبد الله وحده ويستقام على شرعه حتى يسعد الناس في دنياهم وأخراهم، ولا يشقوا] فلو أذن الشارع في أخذ الرهن من أنواع الرياضات في غير الثلاث المذكورة في الحديث لاتخذ بعض الناس الرياضات مهنة يتعيشون بها ويكتسبون الرزق بواسطتها، وعندئذ ينسى الغرض الشريف الذي شرعت الرياضات من أجله وهو التقوي، وإيجاد القوى للجهاد، وإحقاق الحق وإبطال الباطل بأن يعبد الله تعالى بما شرع، وتبطل عبادات الأصنام والأوثان؛ وذلك بأن يعبد الله وحده، ويستقام على شرعه حتى يسعد الناس في دنياهم وأخراهم ولا يشقوا.

ثالثاً: كيفية وضع الرهن في السباق والمناضلة

[المادة الثالثة: في كيفية وضع الرهن في السباق والمناضلة: إن الأولى في وضع الرهن في السباق والمناضلة: أن تضعه الحكومة أو جمعية خيرية أو بعض الأفراد المحسنين] إما أن تضعه الحكومة أو جمعية خيرية أو بعض أفراد الناس المحسنين [وذلك ليخلو من كل شبهة ويتمحض للتشجيع الخالص الذي لا يراد به إلا الترغيب في الإعداد للجهاد. ومع هذا فإنه لا بأس أن يضع الرهن أحدُ المتسابقين أو المتناضلين -في الرماية - كأن يقول أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك مني عشرة أو مائة دينار] إذا كان هناك متسابقان اثنان في الرياضة الجهادية يقول أحدهما للآخر: إن سبقتني فلك مني كذا، يجوز بهذه الصورة [وأجاز الجمهور -جمهور الفقهاء- أن يضع كل من المتسابقين الرهن] كأن تضع أنت مائة وهو يضع مائة [إن أدخلا ثالثاً معهما] فيجوز هذا الرهن إن أدخلا ثالثاً معهما [على أن لا يضع هوَ شيئاً -أبداً- وهذا رأي سعيد بن المسيب، وأباه مالك ورضيه آخرون].

وفي الهامش (حاشية): [هذه المسألة تعرف بمسألة المحلل، والحامل عليها: الخروج بالقضية من شبهة القمار؛ لأنه إن وضع كل من المتسابقين أصبح كل واحد يرجو الغنم ويخاف من الغرم، وهذه حال المقامرين، أما إن أدخلا ثالثاً بينهما لا يضع رهناً فقد بعدتِ الصورة عن صورة القمار، وانتقد هذه المسألة أيضاً ابن القيم -رحمه الله- ورأى أنها خالية من العدل والإنصاف] كما رأى ذلك مالك رحمه الله تعالى.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[ المادة الأولى: في الغرض المقصود من هذه الرّياضات: إن الغرض من جميع هذه الرياضات التي كانت تعرف في صدر الإسلام بالفروسية] لأنهم كانوا يركبون على الخيل، فكانت تعرف بالفروسية، والآن تعرف بـ(الرياضات)، والغرض من جميع هذه الرياضات التي كانت تعرف في صدر الإسلام على عهد الصحابة وأولادهم وأحفادهم [هو الاستعانة بها على إحقاق الحق ونصرته والدفاع عنه] هذا هو الغرض: الاستعانة بهذه الرياضات على إحقاق الحق ونصرته والدفاع عنه، ألا وهو الجهاد؛ لكي يعبد الله وينصر الإسلام ويدافع عنه وعن أهله [ولم يكن الغرض منها الحصول على المال وجمعه ولا الشهرة وحب الظهور أبداً] ما هو إلا الاستعانة بها على إحقاق الحق وإبطال الباطل ونصرة أهل الحق والدفاع عنهم [ولم يكن الغرض منها -أبداً- الحصول على المال وجمعه، ولا الشهرة وحب الظهور -بين الناس- ولا ما يستتبع ذلك من العلو في الأرض والفساد فيها، كما هي أكثر حال المرتاضين اليوم. إن المقصود من كل الرياضات على اختلافها هو التقوى واكتساب القدرة على الجهاد في سبيل الله تعالى] هذا الغرض السامي الشريف [وعلى هذا يجب أن تفهم الرياضة في الإسلام، ومن فهمهما على غير هذا النحو فقد أخرجها عن قصدها الحسن إلى قصد سيء من اللهو الباطل، والقمار الحرام] على هذا يجب أن تفهم الرياضة في الإسلام، فمقصودها هو: الجهاد ونصرة المجاهدين، ونصر الأمة، ومن فهمها على غير هذا النحو فقد أخرجها عن قصدها الحسن إلى قصد سيء من اللهو والباطل والقمار الحرام [والأصل في مشروعية الرياضة قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ] هذا الأصل في الرياضات كلها، إعداد القوة للجهاد في سبيل الله؛ لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونصرة المظلومين. هذا دليل القرآن الكريم، ودليل السنة النبوية [ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )] فالمؤمن القوي في ركوبه، في طيرانه، في قتاله، في عباداته أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ( وفي كل خير )، فهذا الحديث كالآية يدل دلالة قطعية على أن الرياضة إذا كانت في سبيل الله من أجل أن يقوى المؤمن على الجهاد، فهي من أحب الأعمال [والقوة في الإسلام تشمل السيف والسنان، والحجة والبرهان] يعني: الحديد وما يترتب عليه، واللسان وما يترتب عليه من الحجة والبرهان في الكلام والقول.