سلسلة منهاج المسلم - (127)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات ومعاملات، وها نحن مع [ الفصل الرابع عشر: في الأضحية والعقيقة ] في الأضحية التي هي يوم العيد الأكبر، والعقيقة يوم يولد المولود ويبلغ سبعة أيام فيعق عنه [ وفيه مادتان: المادة الأولى: في الأضحية: ].

[ أولاً: تعريفها: الأضحية هي الشاة تذبح ضحى يوم العيد تقرباً إلى الله تعالى ] الأضحية شاة تذبح يوم العيد؛ للتقرب إلى الله بها، هذه هي الأضحية، فهي تذبح بعد الصلاة لا قبل الصلاة وذلك إلى الظهر أو المساء، تذبح من أجل التقرب إلى الله، لنقرب من ربنا فيحبنا ويكرمنا ويرحمنا، لا لغرض آخر سوى هذا الغرض، وهي قطعاً تزكي النفس وتطهرها، والذي زكت نفسه وطهرت يحبه الله عز وجل ويقربه.

[ ثانياً: حكمها: الأضحية سنة واجبة على أهل كل بيت مسلم ] فهي سنة واجبة، هذا جمع بين كونها واجبة وبين كونها سنة على خلاف الأئمة، منهم من يقول: واجبة، ومنهم من يقول: سنة مؤكدة. إذاً: هي سنة مؤكدة أو واجبة على حدٍ سواء [ قدر أهله عليها ] استطاع أهل البيت أن يذبحوها، فهي ليست على كل فرد من الأسرة، بل الأسرة ولو فيها خمسون نفس أو إنسان فالأضحية واحدة، أهل البيت يكثرون ويقلون نساءً ورجالاً كباراً وصغاراً يذبحون يوم العيد شاة واحدة إذا كانوا قادرين على ذلك، فإن لم يستطيعوا فلا شيء عليهم، أما إذا كانوا مستطيعين قادرين، فهذه سنة مؤكدة، هذا واجب لا ينبغي تركه أبداً إلا في حال العجز والضعف.

إذاً: الأضحية سنة واجبة على أهل كل بيت مسلم، أما بيت الكافر والمنافق فلا دخل لنا في هذا، بيت مسلم قدر أهله عليها واستطاعوا فإن عجزوا ولم يقدروا فلا شيء عليهم [ وذلك لقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ] هذه آية من سورة الكوثر، أمر الله تعالى رسوله أن يصلي الضحى وينحر أي: يذبح، وذلك يوم العيد [ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد) ] من كان ذبح الأضحية قبل صلاة العيد فليعدها، فلا يجوز أن تذبح الأضحية قبل صلاة العيد، هذا كزكاة الفطر لا ينبغي أن تخرجها بعد الصلاة، بل أخرجها قبل الصلاة، كذلك الأضحية اذبحها بعد الصلاة لا قبل الصلاة، وقوله: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد) هذه صيغة أمر، صيغة وجوب: (فليعد)، لم يقل: عفا الله عنه، أو: لا بأس به. وإنما قال: (فليعد). [ وقول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته) ] هذا الصحابي الجليل يقول: كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي بيننا يذبح الرجل الشاة عنه وعن أهل بيته، لا تتكرر أو تتعدد، حتى لو كان البيت فيه عشرون رجالاً ونساء فالأضحية واحدة.

[ ثالثاً: فضلها ] ما هو فضل الأضحية؟ إن لها فضلاً عظيماً [ يشهد لما لسنة الأضحية من الفضل العظيم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً ) ] من سمع هذا لا يستطيع أن يتأخر عن هذا أبداً، حتى ممكن يستقرض [ وقوله صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له: ( ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم ) ] إبراهيم قاد إسماعيل ليذبحه أضحية في منى، وفداه الله بكبش أملح [ ( .. قالوا: ما لنا منها؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة ) ].

[ رابعاً: حكمتها: من الحكمة في الأضحية:]

أولاً: التقرب إلى الله تعالى بها

[أولاً: التقرب إلى الله تعالى بها ] نتقرب بها إلى الله تعالى، هذه من الحكمة؛ لنتقرب بها إلى الله عز وجل ليقربنا منه ويرضى عنا [ إذ قال سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]، والنسك هنا هو الذبح تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى ] والشاهد في قوله: (وَنُسُكِي) لله، والنسك هو الذبح تقرباً إلى الله وليس مجرد ذبح للأكل والبيع، وإنما للتقرب إلى الله عز وجل، أي: لتقرب من ربك ويقربك منه ويرضى عنك.

ثانياً: إحياء سنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام

[ ثانياً: إحياء سنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام ] إمام الموحدين هو إبراهيم [ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه؛ قال تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107] ] (وَفَدَيْنَاهُ) أي: إسماعيل (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ). ولهذا ينبغي أن تكون الشاة سمينة، كبيرة، قوية، لا أن تكون مريضة أو هزيلة، وإنما: بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107].

ثالثاً: التوسعة على العيال يوم العيد

[ ثالثاً: التوسعة على العيال يوم العيد ] من حِكم الأضحية التوسيع على العائلة يوم العيد [ وإشاعة الرحمة بين الفقراء والمساكين ] لأن الأضحية لا يأكلها أهل البيت وحدهم، يوزعون منها على الفقراء والمساكين وعلى الأقارب ما استطاعوا. وهذه حكاية امرأة جاء من يخطبها فقالت لمن يخطبها: في كم تأكلون اللحم أنتم، في الشهر أم في السنة؟ إن كان من السنة إلى السنة فلن أقبل، أو من الموسم إلى الموسم فلن أقبل، فجاءت امرأة محتالة وقالت لها: من العيد للعيد، قالت: إذاً هذا سأتزوجه، سحرتها بكلمة: من العيد للعيد، مع أن من العيد للعيد عام كامل، لكن باللطيفة هذه: من العيد للعيد، قالت: إذاً هذا أتزوجه.

والآن الحمد لله اللحم يؤكل يومياً عند كثير من الناس، الحمد لله، قولوا: الحمد لله، الحمد لله.

رابعاً: شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام

[ رابعاً: شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام ] لو كانت الشاة كالعقرب فمن يستطيع أن يذبحها؟! أو كانت كالثعبان فمن يقوى عليها؟ أو كانت كالذئب فمن يستطيعها؟! لكن الله سبحانه ذللها وسخرها، فتأتي تحلبها وتذبحها وتأكل منها، هذه نعمة تشكر بهذه الأضحية [ قال تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] ] أي: من أجل أن تشكروا، والشكر رأسه: الحمد لله [ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] ] لا إله إلا الله! سبحان الله العظيم! عندما تتقونه وتعبدونه وتتقربون إليه هذا الذي يناله الله عز وجل، أما اللحم والدم لا يناله شيء منه.

[أولاً: التقرب إلى الله تعالى بها ] نتقرب بها إلى الله تعالى، هذه من الحكمة؛ لنتقرب بها إلى الله عز وجل ليقربنا منه ويرضى عنا [ إذ قال سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]، والنسك هنا هو الذبح تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى ] والشاهد في قوله: (وَنُسُكِي) لله، والنسك هو الذبح تقرباً إلى الله وليس مجرد ذبح للأكل والبيع، وإنما للتقرب إلى الله عز وجل، أي: لتقرب من ربك ويقربك منه ويرضى عنك.

[ ثانياً: إحياء سنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام ] إمام الموحدين هو إبراهيم [ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه؛ قال تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107] ] (وَفَدَيْنَاهُ) أي: إسماعيل (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ). ولهذا ينبغي أن تكون الشاة سمينة، كبيرة، قوية، لا أن تكون مريضة أو هزيلة، وإنما: بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107].