فتاوى نور على الدرب [730]


الحلقة مفرغة

السؤال: نحن نعلم بأن خير الأسماء ما حمد وعبد كما قال عليه الصلاة والسلام، ولكن هناك من يكون اسمه عبد النبي، وعبد الرسول، فما الحكم في هذه الأسماء، كما نعلم أن العبد يكون عبداً لله وليس سواه؟

الجواب: قول السائل وفقه الله: نحن نعلم أن خير الأسماء ما حمد وعبد، ثم استدل بما نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن خير الأسماء ما حمد وعبد، فأقول: هذه المعلومة خطأ، ليس خير الأسماء ما حمد وعبد.

ثانياً: نسبة ذلك إلى الرسول أنه قال: خير الأسماء ما حمد وعبد خطأ عظيم؛ لأن هذا الحديث موضوع، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا تجوز نسبته إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام ).

وعلى هذا فنقول: ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله، ثم ما أضيف إلى أي اسم من أسماء الله، كعبد الرحيم وعبد الوهاب وعبد العزيز وعبد اللطيف وعبد الخبير وعبد البصير وما أشبهه، وأما عبد النبي وعبد الرسول وعبد جبريل وعبد فلان أو فلان، فهذا محرم، قال ابن حزم رحمه الله: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، حاشا عبد المطلب، وإنما استثني ذلك لأن بعض أهل العلم قال: لا بأس بعبد المطلب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب )، ولكن من العلماء من حرم عبد المطلب، وقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك خبراً وليس إنشاءً، فهو عبد المطلب لأن جده سمي بذلك، ولا يمكن تغييره، فهو خبر لا إنشاء، وعلى هذا فلا يجوز أن يسمى أحد بعبد المطلب، وهذا وجه قوي لا إشكال في قوته، وعلى هذا فأقول: إذا أردت يا أخي أن تسمي ابنك فسمه بأحسن الأسماء، وأحب الأسماء إلى الله ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد العزيز، عبد الوهاب، عبد السميع، عبد اللطيف، عبد البصير، عبد الحكيم، وهكذا.

السؤال: إذا أراد العبد من ربه حاجة ثم اتجه إلى ربه يدعوه، وقال: يا رب! لك علي عهد إذا حققت طلبي ألا أفعل كذا أو كذا، ثم حقق الله لعبده الحاجة، وندم العبد على ما عاهد الله عليه، لأن في ذلك العهد مضايقة له، هل يجوز ترك هذا العهد مع الله؟

الجواب: لا بد أن نعلم ما الذي عاهد الله عليه أن يتركه، إن كان شيئاً مباحاً، مثل أن يقول: فعلي عهد الله ألا آكل الطعام الفلاني، فهنا نقول: كله وكفر عن نذرك، لأن هذا نذر مباح، وأما إذا كان شيئاً محرماً، قال: علي عهد الله ألا أغتاب الناس، فإنه يجب عليه ألا يغتاب، وتكون الغيبة عليه محرمة من وجهين؛ الوجه الأول: أنها في الأصل محرمة بل من كبائر الذنوب، والثاني: أنه عاهد الله على تركها إذا تحققت له الحاجة الفلانية وقد تحققت، وليعلم أن النذر في أصله مكروه أو حرام، بمعنى أنك لا تقل: لله على نذر أبداً، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النذر، وقال: ( إنه لا يأتي بخير )، فإذا اجتمع نهي ونفي الخير فهذا يدل على كراهته كراهة شديدة، بل بعض العلماء قال: إنه حرام، وما أكثر الذين ينذرون ويتأسفون فيما بعد، وما أكثر الذين ينذرون ثم لا يوفون، والناذر إذا نذر طاعة ولم يوف وهذا النذر مقيد بشيء حققه الله له فإنه يخشى عليه من النفاق، قال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، فأنهى إخواني عن النذر كما نهاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وأقول: إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء، المقضي سيكون والخير سيكون بدون نذر إذا كان الله أراده، بعض الناس إذا كان عنده مريض وطال المرض أو كان شديداً أو يئس من برئه، قال: لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أفعل كذا وكذا، فيشفى المريض ثم لا يوفي، أو يوفي بمشقة شديدة ما ألزمه الله به وما لزمه إلا بالنذر، فليتق الله امرؤ ولا يخاطر، وليرفق بنفسه، وليعلم أن ما أراد الله قضاءه فسيكون سواء نذر أم لم ينذر، وما لم يرد الله لن يكون ولو نذر.

السؤال: كيف النجاة من فتنة القبر؟

الجواب: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام، فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله، لأنه إذا سئل من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فسيجيب بالصواب، وحينئذ ينجو، فإن مات على نفاق نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق، فإنه لن يجيب، إذا سئل من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فهذا لا ينجو من الفتنة، ويعذب في قبره والعياذ بالله.

السؤال: يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عز وجل؟

الجواب: أهل السنة والجماعة جعلنا الله منهم أشد الناس تعظيماً لله عز وجل، وأشد الناس احتراماً لنصوص الكتاب والسنة، فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله عز وجل، فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه، وإن حارت العقول فيه، وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته، مثال ذلك: إن الله عز وجل فوق كل شيء أزلاً وأبداً، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق في كل وقت وحين، فوق سماواته فوق مخلوقاته مستوٍ على عرشه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيأتي الشيطان للإنسان ويقول: كيف ينزل وعلوه لازم له، كيف ينزل؟ فنقول: هذا يحار فيه العقل، لكن يجب علينا أن نصدق، ونقول: الله أعلم بكيفية هذا، نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية، عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، ولهذا قال بعضهم: إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول لا بما تحيله العقول، فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها، والإيمان بها، وأنها حق، وإن حارت عقولنا في كيفيتها، فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه سواء في القرآن أو في السنة فإنه يجب الإيمان به وتصديقه، قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]، يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول: كيف يجيء؟ فنقول: يجيء على الكيفية التي أراد الله، الكيف مجهول، يجب عليك أن تؤمن بهذا، حتى لو حار عقلك به، أنت مأمور بأن تصدق على كل حال، ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته، فأنكروا ما أثبته الله لنفسه، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59]، أي: استولى على العرش، فسبحان الله، كيف يقول عز وجل: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59]، أفيمكن أن نقول: إنه قبل ذلك ليس مستوياً عليه، هذا أمر ينكره العامي فضلاً عن طالب العلم، لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقع على الخبر المحض ضل وزل، ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون: استوى بمعنى استولى، أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش، أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم عز وجل، وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله أو بناء على ما تقتضيه أهواؤهم وعقولهم، إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليهم، ويوفقهم للحق فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله عز وجل، وكذلك أيضاً من قالوا: إن الله ليس عالياً بذاته فوق المخلوقات، وقالوا: لا يجوز أن نقول: إن الله فوق، فنقول: توبوا إلى ربكم، أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق، وتمدون أيديكم أيضاً إلى فوق، دعوكم وفطرتكم فقط، واتركوا عنكم الأوهام، والأشياء التي تضلكم، وإذا أنكرتم علو الله، وقلتم: إنه بذاته في كل مكان، فكيف يليق هذا، أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة، ألا فليتق الله هؤلاء، وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة، أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا.

السؤال: كتب التفسير تحدثت عن تأويل بعض هذه الصفات، طالب العلم الذي يريد أن يقرأ التفسير بماذا ترشدونه؟

الجواب: أرشده إلى أن يتجنب جميع الكتب التي فيها التحريف، ثم إذا ترعرع فيما بعد وأحب أن يطلع ويرى ما ابتلي به بعض الناس من التحريف فلا حرج، أما في بداية الأمر فأخشى عليه الضلال، إذا طالع الكتب التي فيها التحريف، كتحريف استوى بمعنى استولى، وجاء ربك بمعنى جاء أمر ربك، وبل يداه مبسوطتان أي: نعمتاه، وما أشبه ذلك من التحريف الباطل، هذا لا يمكن أن يقرأه المبتدئ، لأنه يضل ويهلك، ونحن نؤمن بأن الله يجيء نفسه، لأن الله أضاف الفعل إلى نفسه جاء ربك، وأنه استوى على عرشه حقاً، وبأن له يدين حقيقتين، قال الله عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، فالأمر واضح ولله الحمد، الأمر مثل الشمس في رابعة النهار، لكني أقول: من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

السؤال: ما معنى حديث: ( وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ

الجواب: والله لا أدري عن صحة هذا الحديث، ولا أستطيع أن أتكلم عن معناه، وأنا لا أدري عن صحته، إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وذكر منهم: رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ).

السؤال: ما هو الفاسق في الشريعة الإسلامية؟

الجواب: الفاسق: هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك، مثال الأكبر: قول الله تبارك وتعالى في سورة ألم تنزيل السجدة: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة:18-20]، هذا الفسق بمعنى الكفر، وفسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر، ومثله قوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات:7]، فذكر الله الكفر وحده، والفسوق وحده، والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده، وقول الفقهاء رحمهم الله في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر.

السؤال: هل يجب أن يقول الإنسان الأذكار بصوت مسموع، أم يكفي أن يتلفظ بها بلسانه؟

الجواب: يكفي أن يتلفظ بها بلسانه ما دام أخرج الحروف، وأما إمرارها على القلب فلا يكفي، لكن هنا مسألة وهي الجهر بالذكر بعد الصلوات المفروضة سنة، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كثير من الناس الآن أهملوا هذه السنة، فلا تجدهم يجهرون بذلك، ولكن الحق أحق أن يتبع، الجهر هو الأفضل إلا إذا كان إلى جنبك رجل يقضي ما فاته وتخشى إن رفعت صوتك أن تشوش عليه، فهنا لا تفعل لا ترفع الصوت.

السؤال: إذا دخلت المسجد بعد العصر هل أصلي تحية المسجد أم أنه وقت كراهة؟

الجواب: إذا دخلت المسجد بعد صلاة العصر فصل تحية المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وهذا عام في كل وقت، ثم إني أعطي السائل والسامع قاعدة صحيحة شهدت لها النصوص بالصحة، وهي أن كل نفل له سبب فليس عنه نهي، كتحية المسجد، وسنة الوضوء، وصلاة الكسوف لو كسفت الشمس بعد العصر، وما أشبه ذلك، فالقاعدة: أن كل نفل له سبب فليس عنه نهي، وبهذا تجتمع الأدلة، وهو القول الراجح، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، ورواية عن أحمد بن حنبل رحمه الله.

السؤال: يقول البعض في ختام المجلس وبعد دعاء الختام: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وكذلك سورة العصر، فهل هذا سنة أم بدعة؟

الجواب: هذا ليس بسنة، السنة في ختام المجلس: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وأما ما ورد عن بعض الصحابة أنهم لا يتفرقون حتى يقرأ بعضهم على بعض سورة العصر، فهذا لعله وقع من بعضهم، ولكني لا أعلمه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.