فتاوى نور على الدرب [721]


الحلقة مفرغة

السؤال: عندي طفل مولود صغير عمره ستة أيام، قبل العقيقة بيوم توفي ولم أكن أنا موجوداً وقت الدفن، فدفن بدون الصلاة عليه ولم أسمه، هل عليَّ شيءٌ في ذلك؟ وإذا كان علي شيء ماذا أفعل الآن، وقد مضى عليه ثلاث سنين؟

الجواب: الواجب في حق هذا الطفل أن يغسل ويكفن ويصلى عليه، سواءٌ كان أبوه حاضراً أم غائباً، والقضية أن هذا الطفل لم يصلَ عليه، ولا أدري هل غسل وكفن أم لا؟ لكن على كل حال بالنسبة للصلاة، إذا كان أبوه يعلم مكان قبره فليذهب إلى قبره وليصلِ عليه ولو بعد ثلاث سنوات، فإن لم يعلم قبره صلى عليه صلاة الغائب؛ لتعذر حضوره بين يديه، فإن قال قائل: لماذا لا تقولون: يذهب إلى المقبرة ويجعل القبور كلها بين يديه ويصلي؟ قلنا: لا نقول هذا؛ لأنه حتى لو فعل هذا الفعل، قد يكون محاذياً لوسط القبور، وابنه في اليمين أو الشمال فلا يتمكن من محاذاته، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يصلى عليه صلاة الغائب.

أما بالنسبة للتسمية فليسمه الآن ولا حرج، وأما بالنسبة للعقيقة فليعق الآن؛ لأن كون العقيقة في اليوم السابع سنة فقط، ولو ذبحت في غير اليوم السابع أجزأت، والعقيقة الأفضل أن تكون عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة، وإن اقتصر في الذكر على شاة واحدة أجزأت، لكن الثنتان أفضل.

السؤال: متى تنتهي وقت صلاة الضحى؟ وما عدد ركعاتها؟

الجواب: وقت صلاة الضحى يكون من ارتفاع الشمس قيد رمح، أي: من حين ثلث ساعة بعد طلوعها تقريباً، وانتهاء وقتها قبيل الزوال، أي: قبل الزوال بعشر دقائق تقريباً، كل ما بين هذين الوقتين وقتٌ لصلاة الضحى، والأفضل أن تكون في آخر الوقت، إن صلاها في أول الوقت فلا حرج، بمعنى: أنه يدرك الفضيلة. أما عدد ركعاتها فأقلها ركعتان، وأكثرها ما شاء الإنسان، ليس هناك حد، فليصل ما شاء، وينبغي أن يحافظ عليها، ولا سيما من لا يتهجد في الليل؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام )، وإنما أوصاه بذلك؛ لأنه رضي الله عنه كان في أول الليل يراجع محفوظاته من الأحاديث، فينام متأخراً ولا يقوم في آخر الليل، فلهذا أوصاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يوتر قبل أن ينام، والمحافظة على صلاة الضحى حتى ممن يتهجد في الليل فيها فائدة عظيمة، وذلك أنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة وكل يوم تطلع فيه الشمس فعلى كل عضوٍ من أعضاء الإنسان صدقة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )، وهذه فائدة عظيمة أن تؤدي عن كل عضوٍ من أعضائك، ويكفي عنها ركعتان يركعهما من الضحى.

السؤال: هل الدعاء قبل السلام يكون بدعاءٍ واحد، أم للإنسان أن يدعو بعدة أدعية؟

الجواب: الدعاء قبل السلام بما شئت، هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سواءٌ فيما يتعلق بأمور الدين أو بأمور الدنيا، أو من الأمور الخاصة بك أو العامة للمسلمين أو التي لك ولأقاربك أو لأبويك، المهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحدد، قال: ( فليتخير من الدعاء ما شاء )، لكن من المعلوم أنه لا يجوز أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم.

السؤال: اشتريت قطعة أرضٍ داخل حدود الحرم، وبنيت عليها عمارة، ولكن عند البدء في العمل قلعت من الأرض شجرة، فهل علي شيء في ذلك؟

الجواب: لا يحل للإنسان أن يقطع شيئاً من شجر الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ذلك، ومن قطع شيئاً جاهلاً فإن أمكن رد الشجرة إلى مكانها ردها، وإن لم يمكن فليس عليه شيء.

والذي يظهر من حال السائل أنه كان يجهل كون هذا حراماً، بمعنى أنه يعرف أن قطع الشجرة محرم، لكن يظن أنها إذا كانت في مكانٍ يريد البناء عليه فهو جائز، فعلى كل حال أرجو الله سبحانه وتعالى أن لا يكون على هذا الرجل شيء، ولا سيما وأن الظاهر أنه تاب إلى الله وندم مما صنع.

السؤال: هل يجوز حرق الذباب وسائر الحشرات الضارة في البيت بالآلة الكهربائية أم لا؟

الجواب: كأنه يريد ما يستعمله الناس الآن ويعلقونه كالنجفة، وهي تصطاد البعوض والذباب وما أشبه ذلك، وجوابنا على هذا أنه لا بأس أن نضع هذه الأشياء؛ لأن موت هذه الحشرات بها عن صعقٍ لا عن إحراق، وإذا كان عن صعقٍ لا عن إحراق فلا بأس، بل لو فرض أنه عن إحراق وأنه لا يندفع شرها إلا بهذا فلا بأس، بدليل ما حدث به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نبيٍ من الأنبياء أنه لسعته نملة، فأمر بإحراق قرية النمل كلها، فقال الله تعالى: هلا نملةً واحدة. فهذا يدل على أنه إذا لم يتمكن من دفع هذه المؤذيات إلا بالإحراق فلا بأس به؛ لأن الإنسان لم يقصد تعذيبها، وإنما قصد إهلاكها، ولا سبيل له إلا ذلك.

السؤال: أنا طالبة في الكلية التي تبعد عن المنزل حوالي خمسة وعشرين كيلو أو ثلاثين كيلو، ولا أجد أحداً من محارمي ليسافر معي، وأخشى أن أكون عاصية لله بسفري هذا، ولكنني أحرص على أن أتعلم وأحصل على شهادة جامعية تمكنني من نفع المسلمين وخدمتهم، مثل أن أكون طبيبة أو معلمة، فهل يجوز لي السفر، خاصةً بأن وقت السفر يستغرق من ساعة ونصف إلى الساعتين، أم أني أكون عاصية في مثل هذه الحالة؟

الجواب: أنها تكون عاصية إذا سافرت بلا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تسافر امرأةٌ إلا مع محرم ). قال ذلك وهو يخطب الناس يعلمهم، ( فقام رجلٌ وقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انطلق فحج مع امرأتك )، ومعلومٌ أن تعلم المرأة لما ينفعها في دينها ودنياها أمرٌ مطلوب، لكن ما لم تكن الوسيلة إليه محرمة، فإن كانت الوسيلة إليه محرمة كانت الوسيلة محرمة باقية على تحريمها، فإما أن يذهب بها زوجها إن كانت متزوجة، وإما أن تتزوج شخصاً ويكون محرماً لها، وإما أن تكتفي بما تسمعه من المسجلات مثل هذه الدروس، وتطلب أن يكون اختبارها اختبار منازل، أي: بانتساب.

السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة )، أرجو تفسير هذا الحديث؟ وهل الذي يترك الصلاة تهاوناً أو تكاسلاً يخلد في النار؟

الجواب: معنى هذا الحديث: أن من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة؛ لأنه إذا قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه فلا بد أن يقوم بعبادة الله؛ لأن معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقٌ إلا الله، وإذا كان معناها لا معبود حقٌ إلا الله، فقالها بلسانه ولم يعبد الله، صار كلاماً لا فائدة منه، كيف تقول: لا معبود حقٌ إلا الله ثم لا تعبده؟! هذا غير صحيح، ولهذا من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه لزم أن يقوم بعبادة الله، وإلا فهو غير صادق، فمعنى الحديث: ( من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة )، أي: خالصاً من قلبه، وحينئذٍ يبقى النظر، هل يمكن لمن قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أن يدع الصلاة ويحافظ على تركها كسلاً وتهاوناً؟! لا يمكن أبداً، وكيف يمكن أن يدع الصلاة ويحافظ على تركها وهو يعلم ما فيها من الفضل والشرف والثواب، حتى إن الرجل ليتوضأ في بيته فيسبغ الوضوء، ثم يخرج إلى المسجد للصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، والوضوء والذهاب إلى المسجد من وسائل الصلاة، وليس صلاةً، ويدل لأهميتها أن الله افترضها على نبيه بدون واسطة، وفي ليلةٍ هي أشرف الليالي للرسول عليه الصلاة والسلام، وفي مكانٍ هو أرفع ما وصل إليه بشر فيما نعلم، ثم فرضها خمسين صلاةً، مما يدل على أهميتها، وأن الإنسان لو أمضى أكثر وقته فيها فهي جديرة به، فكيف يتركها، أين الإسلام؟! ولهذا كان القول الراجح الذي تؤيده دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح: أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً، ولو أقر بوجوبها فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ويكون يوم القيامة مخلداً في النار، ويحشر مع فرعون، وهامان ، وقارون ، وأبي بن خلف ، ولا يقر على ذلك بل يقتل، وإذا قتل فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، بل يخرج به غير مكرمٍ ولا محترم، ويحفر له في البر حفرة يرمس فيها رمساً؛ لئلا يتأذى الناس برائحته، ولا أهله برؤيته.

كل الأحاديث التي احتج بها من قال: إنه لا يكفر، كلها إما ضعيفة، أو لا دلالة فيها، أو عامةٌ خصت بترك الصلاة، أو قيدت بقيدٍ لا يمكن معه ترك الصلاة، أما أن تجد حديثاً يقول: إن تارك الصلاة لا يكفر ولا يخلد في النار، فهذا لا يوجد إطلاقاً، فأنهى تقدير أن نقول: هي عامة وخصت بأدلة كفر تارك الصلاة، هذا أنهى ما يقال، وقد بسطنا هذا في عدة إجاباتٍ في نورٍ على الدرب، وفي أجوبة الهاتف فيما أظن، وألفنا في ذلك رسالة ذكرنا فيها الأدلة الدالة على كفره، ثم الأدلة التي احتج بها من قالوا بعدم كفره، وأجبنا عنها، ولا تستعظم يا أخي المسلم أن تكفر من كفره الله ورسوله، الأمر إلى الله عز وجل، من كفره الله فهو أعلم بأنه كافر، فلنكفره، ويجب علينا أن نكفره، ومن لم يكفره الله حرم علينا أن نكفره، وإن ظننا أن فعله كفر، فإنه لا يحل أن نكفره بمجرد الظن حتى يقوم دليلٌ واضح على كفره، وإني أقسم بالله! لولا أن الأدلة عندي واضحة وضوح الشمس في كفر تارك الصلاة ما كنت أقولها أبداً، وكلما أمكن أن نحمل الكفر على كفر النعمة أو على كفر دون كفر فهو الواجب، لكنه لا يمكننا في أدلة كفر تارك الصلاة، فماذا نعمل؟ الأمر كله لله والحكم كله لله، والكافر من كفره الله، والمؤمن من حكم الله بأنه مؤمن.

السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل التوحيد لا يخلدون في النار، فمن هم أهل التوحيد؟

الجواب: أهل التوحيد الذين عبدوا الله تعالى وحده، أي: قاموا بالعبادة مخلصين بها لله متبعين فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم أهل التوحيد، ولا يختصون بطائفةٍ دون أخرى في أي بلادٍ كان الإنسان، ومن أي قبيلةٍ كان، ومن أي جنسٍ كان، إذا قام بعبادة الله عز وجل وحده متبعاً في ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو من أهل الجنة.

السؤال: إذا ابتلع الصائم بعضاً من بقايا الطعام التي توجد في فمه، هل يفسد صومه؟

الجواب: إذا كان ذلك بغير اختياره فلا يفسد صومه، أو ابتلعه ظناً أنه لا يفطر فلا يفسد صومه، وأما إذا كان يعلم أنه يفطر وابتلعه قصداً وعمداً، فإنه آثم إذا كان الصوم واجباً وعليه قضاؤه، وأما إذا كان تطوعاً فهو غير آثم، لكن لا يصح صومه ذلك اليوم.

السؤال: أهدي إلينا طعام من مال حرام وهو مال ربا، فرددناه إلى صاحبه فرده إلينا، فاستحيينا وأخذناه، فهل نعطيه للفقراء أم يجوز لنا أن نأكله؟

الجواب: يجوز لكم أن تأكلوه، وسبحان الله كيف ورد في ذا السؤال؟! -لا تأكلونه وتعطونه الفقراء- المهم أن من في ماله حرام إذا أهدى إلى أحدٍ شيئاً فقبول الهدية لا بأس به، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هدية من اليهود، واليهود عامتهم يأكلون الربا والسحت، ولم يردها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يستفصل، كما أنه صلى الله عليه وعلى آله سلم بايع اليهود، فقد مات صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة بطعامٍ اشتراه لأهله عند يهودي، وهذه خذها قاعدة: كل من اكتسب مالاً محرماً فإنه حرامٌ عليه وحده، أما على الآخرين إذا أخذوه بطريقٍ مشروع فليس حراماً عليهم، ما لم نعلم أن هذا مال شخصٌ معين، فإننا لا نأخذه، مثل: أن يهدي إلينا السارق ما سرقه، ونحن نعلم أنه سرقه، فهذا لا يجوز لنا قبوله؛ لأنه محرمٌ لعينه، وهذه قاعدة إذا علمها الإنسان زالت عنه الإشكالات، وتيسرت له الأمور.