فتاوى نور على الدرب [704]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي الأمور الشرعية التي يجب على المؤمن أن يتعلمها مأجورين؟

الجواب: الأمور الشرعية التي يجب على الإنسان أن يتعلمها هي كل ما أوجب الله عليه من طهارةٍ، وصلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحج، وبرٍ للوالدين، وصلةٍ للأرحام، وغير ذلك مما يتعلق بأمور دينه، فيجب على الإنسان أن يتعلم أمور دينه قبل كل شيء، قال الله تبارك وتعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، قال البخاري رحمه الله: فبدأ الله تعالى بالعلم قبل العمل، فمثلاً: إذا أراد الإنسان أن يتوضأ للصلاة فلا بد أن يعرف كيف يتوضأ، وإذا أراد أن يصلي يجب عليه أن يعرف كيف يصلي، وماذا عليه لو أخل بكذا أو كذا حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وهذا معنى قول الإنسان: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أي: دلنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم الذي يوصلنا إليك يا ربنا، أما ما لا يحتاج إليه من الأمور فلا يلزمه تعلمه، إلا أن يكون فرض كفايةٍ عليه، يعني مثلاً: تعلم المعاملات، تعلم البيع الصحيح والإجارة الصحيحة، والرهن الصحيح، والوقف الصحيح، ليس بواجب على كل أحد، بل يجب على من أراد أن يتعامل بهذا، وأما غيره فلا يجب عليه إلا إذا قدرنا أنه ليس في العالم من يعرف هذا فإنه يكون فرض كفاية -ولم يقم به أحد- فيجب على الإنسان.

السؤال: هل التسبيح والتحميد والتكبير مرتبط بعد كل صلاة، أم على الإنسان أن يسبح ويحمد ويكبر في كل وقت؟

الجواب: الإنسان يسن له أن يسبح ويكبر ويهلل ويحمد كل وقت، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]؛ ولقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191]، وأما الذكر عقب الصلاة فإنه مشروعٌ بما جاءت به السنة، فإذا سلم الإنسان من صلاة الفريضة استغفر ثلاثاً وقال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ذكر الله تعالى، ثم سبح وحمد وكبر.

والتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة له أربع صفات: الصفة الأولى أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، فهذه تسعة وتسعون، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

والصفة الثانية أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، فهذه مائة، كل واحد وحده، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، حتى يتم ثلاثاً وثلاثين، وكذلك التحميد والتكبير.

الصفة الثالثة أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات.

الصفة الرابعة أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه مائة مرة، فليفعل هذا مرة وهذا مرة، يعني: مرة يقول بالصفة الأولى، ومرة بالثانية، ومرة بالثالثة، ومرة بالرابعة، وإن اقتصر على واحدة منها فلا حرج، يعني: لو كان دائماً يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر دائماً فلا حرج، أو كان يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ويتم ذلك بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لو فعل ذلك دائماً فلا حرج، لكن الأفضل أن ينوع كما جاءت به السنة.

السؤال: في فصل الصيف هناك شباب يصطادون بعض الطيور، وهذه الطيور لها فراخ فتموت جوعاً فنهيتهم عن ذلك؟

الجواب: ظاهر الحكم الشرعي أنه جائز، ولكن الأفضل إذا كان في زمن إفراخها ألا يصيدها، إلا إذا كان يعرف مكان أفراخها ثم صادها وذهب إلى أفراخها وأخذها ثم ذبحها وانتفع بها.

السؤال: يقول: أعرض عليكم مشكلتي مع زوجتي، فقد تزوجت بعد وفاة الوالد رحمه الله بسنتين، وترك الوالد أمانةً في عنقي، وهم أمي وإخوتي الصغار القصر، وأنا المعيل الوحيد بعد الله عز وجل لهم، تقدمت لخطبة زوجتي بشرط أن لا أستقل ببيتٍ لها لظروفي الخاصة كما ذكرت، ووافق أهل زوجتي على شرطي وتم الزواج، وبعد ستة أشهر من الزواج بدأت زوجتي تخلق المشاكل لأجل بيتٍ مستقلٍ لها، وهي تعلم جيداً أنني لا أستطيع لظروفي ولدخلي المحدود؛ حيث أنني أعمل براتب قدره ألف ريال شهرياً، وخيرتني بين أمي وبينها، وذهبت إلى بيت أهلها دون أي اعتبارٍ بمشاعري، ورزقني الله منها بولد، وحرموني من زيارته، وأنا أحاول أن أعيدها إلى بيتي بشتى الطرق ولكن دون جدوى، والآن أنا محتار يا فضيلة الشيخ هل أختار أمي التي ربتني أم هذه الزوجة أم ولدي أفيدوني؟

الجواب: ما دام بينكما الشرط عند العقد: أن لا تجعل لها بيتاً مستقلاً فأمركم إلى القاضي، والقاضي هو الذي يحكم بينكما، أسأل الله الهداية للجميع، وينبغي لك أن تعرف ما هي المشاكل التي حصلت بين أمك وزوجتك، وتحاول حلها بقدر الاستطاعة؛ لأنها قد تكون مسألة سهلة يسيرة، ولكن الشيطان ينزغ بين الناس، فأرى قبل الوصول إلى التحاكم أن تنظر في المشكلة، إذا أمكن حلها فهذا أحسن، وإذا لم يمكن فليس هناك إلا التحاكم إلى القاضي ونسأل الله للجميع التوفيق.

السؤال: كيف يشير المصلي في الرد على السلام هل برأسه أم بيده؟

الجواب: يشير بيده، يعني إذا سلم عليه أحد وهو يصلي أشار بيده، ثم إن بقي المسلم حتى انتهى من الصلاة، أي بقي عنده رد عليه السلام باللفظ، وإن ذهب كفى الرجل الإشارة.

السؤال: ما حكم لبس الحذاء ذي الكعب العالي سواءٌ كان عالياً أم لا؟

الجواب: الكعب إذا لم يكن عالياً ملفتاً للنظر فلا بأس به، وإن كان عالياً ملفتاً للنظر فإن أقل أحواله أن يكون مكروهاً، ولو قيل: إنه محرمٌ لكان له وجه؛ لأنه من التبرج بالزينة، ثم إنه حسب كلام الأطباء مضرٌ بالرِّجل؛ لأن الله تعالى خلق الرجل متساوية، فإذا كان الملبوس ذو كعبٍ عالٍ لزم أن يكون العقب مرتفعاً، وحينئذٍ يختل توازن الأعصاب التي في القدم، فتتضرر المرأة بذلك.

ولهذا نصيحتي لأخواتي أن يدعن هذا اللباس سواءٌ قلنا: إنه مكروه أو حرام؛ لما فيه من الضرر البدني على المرأة.

ثم إني أنصح أخواتي عن اتباع كل موضة كلما جاء شيء من الثياب أو السراويل أو الفنائل أو النعال أو الخفاف ذهبت المرأة تشتريه، ولو كان الذي عندها صالحاً للاستعمال، وهذا من نقص العقل، والسفه، وفيه إضاعةٌ للمال، وفيه تعلقٌ القلب بكل ما يأتي من جديد، وليعلم أن أعداءنا قد يقصدون بتنويع هذه الأشياء إلهاء المسلمين عن شئون دينهم ودنياهم التي هي أنفع من ذلك، ويكون الإنسان ليس له هم إلا تلقف ما يأتي من موضات، والاشتغال بتبديلها وتغييرها، وربما الإنسان يكون قليل ذات اليد فيستدين لهذا الغرض، هذا مع أن في ذلك إثراءً لاقتصاد أعدائنا؛ لأنه كلما كثر بيعهم كثر مالهم، فكنا نثري اقتصادهم، ونضر اقتصادنا.

السؤال: هل يبلغ الوضوء لو وضع الإنسان يده أو رجله تحت الصنبور دون المسح عليها؟

الجواب: نعم يحصل الوضوء، إذا عم الماء جميع الرجل فإنه يكفي، لكن إذا دلكها أي: الرجل أو اليد فهو أحسن، خصوصاً إذا كان فيها أثر دهنٍ أو زيت؛ لأن أثر الدهن أو الزيت يجعل الماء يتفرق، وربما لا يصيب بعض الأماكن، فالغسل هو الفرض، والتدليك ليس بفرض.

السؤال: في فتوى لفضيلتكم ذكرتم بأن المرأة التي تنزل معها السوائل باستمرار يجب عليها الوضوء لكل صلاة، وأنا أخجل أن أخبر بهذا الحكم لكل امرأة أصادفها، علماً بأنني لا أعلم هل هذه المرأة تنزل معها السوائل أم لا مع أنني أحاول في كثيرٍ من الأحيان إخبار النساء اللاتي أعرفهن؟

الجواب: المرأة التي تنزل منها السوائل دائماً لا ينتقض وضوؤها إذا خرج هذا السائل، لكنها على المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، يعني مثلاً: إذا دخل وقت الظهر تتوضأ لصلاة الظهر، لكن بعض العلماء يقول: لا يجب عليها أن تتوضأ إلا أن يوجد ناقضٌ غير هذا السائل، مثال ذلك: امرأة توضأت الساعة الحادية عشرة صباحاً، والخارج يخرج منها باستمرار نقول: وضوؤها صحيح تصلي ما شاءت، فإذا دخل وقت الظهر وجب عليها الوضوء عند الحنابلة رحمهم الله، وقال بعض العلماء: إنه لا يجب عليها أن تتوضأ لصلاة الظهر؛ لأنها قد توضأت من قبل، وهذا الحدث دائم وهو لا ينقض الوضوء، فإذا كان لا ينقض الوضوء فمن الذي قال: إن دخول وقت الصلاة ينقض الوضوء، بل نقول: إنها تصلي بالوضوء الذي قامت به الساعة الحادية عشرة، إلا إن وجد ناقضٌ آخر، كخروج ريحٍ من الدبر، أو ما أشبه ذلك من نواقض الوضوء فهنا تتوضأ لوجود الناقض، وهذا القول ليس بعيداً من الصواب، وكنت فيما سبق أجزم بما عليه الفقهاء الحنابلة وأوجب الوضوء لكل صلاة، وبعد الاطلاع على هذا القول الثاني وهو: عدم الوضوء وقوة تعليله فإني أرجع عن كلامي الأول إلى الثاني، وأقول: ليس عليها الوضوء إلا أن يحصل حدث آخر غير هذا الخارج السائل، وأرجو الله تعالى أن يكون ما ذهبت إليه أخيراً صواباً وموافقاً لشريعة الله عز وجل.

السؤال: قرأت في كتابٍ للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الوضوء يقول فيه بأن من شروط الوضوء الاستجمار أو الاستنجاء قبله فهل يعني ذلك بأنه لا يصح الوضوء إلا بالاستنجاء أو الاستجمار قبله دائماً؟

الجواب: مراد الشيخ رحمه الله أن الإنسان إذا بال أو تغوط ثم توضأ قبل أن يستنجي فوضوءه غير صحيح يعني: لا بد أن يستنجي أولاً ثم يتوضأ، وأما إذا لم يكن بول ولا غائط فإنه لا يجب الاستنجاء، بل يتوضأ بدون ذلك، مثاله: رجل بال في الساعة الحادية عشرة صباحاً ولم يتوضأ، ثم أذن لصلاة الظهر، فهنا نقول: يتوضأ بدون استنجاء؛ لأنه استنجى أولاً، ولا حاجة لإعادته هذا معنى كلام الشيخ رحمه الله.

السؤال: عندما أرى منكراً لا أعلم الحكم الشرعي له تماماً، وذلك بأنني لا أنهى صاحب هذا المنكر فهل أنا على صواب أم لا؟

الجواب: نعم على صواب، إذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الفعل الواقع من شخصٍ ما منكر فإنه لا يجوز أن ينكره؛ لأنه لو أنكره وهو غير منكر في دين الله لكان قد قال على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم محرم تحريماً شديداً، حتى إن الله تعالى قرنه بالشرك به، فقال جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، لكن لو فرض أن الإنسان قد قيل له: إن هذا منكر، فهنا لا بأس أن يقول لفاعله: يا فلان! أنت فعلت كذا وكذا وقد قيل لي إنه منكر، فلو سألت عنه حتى يكون عملك على بصيرة، هذا لا بأس به، أما شيءٌ ليس عند الإنسان فيه علم لا من قبل نفسه، ولا من قبل غيره فلا يجوز أن ينهى عنه.