فتاوى نور على الدرب [644]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل للميت من صدقة بعد موته من قبل أهله؟ وهل الصيام وقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير يهدى إلى الميت علماً بأنني أذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه بأن في كل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وكل تكبيرة صدقة؟ وهل إذا كان التسبيح يجوز إهداؤه للميت هل يعتبر من الصدقات؟

الجواب: الصدقة عن الميت جائزة؛ لأن سعد بن عبادة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيتصدق عن أمه بمخراف له في المدينة فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن رجل سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمه افتلتت نفسها فماتت ولم تتكلم، قال: ( وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم ) فدل هذا على أن الصدقة للميت جائزة وأن الميت ينتفع بها.

وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات وعليه صيام فرض رمضان أو نذر أو كفارة فإن وليه يصوم عنه، يعني: إذا شاء.

وكذلك الحج عن الميت حج الفريضة بنذر أو بأصل الشرع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة: ( أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فقال: حجي عنها ).

واختلف العلماء رحمهم الله فيما عدا ما جاءت به السنة من الأعمال الصالحة: هل يهدى إلى الميت، وهل ينتفع الميت به؟ على قولين، والصحيح أنه جائز، جائز أن يهدى إلى الميت التهليل والتسبيح والتكبير وصدقة المال وغيرها من الأعمال الصالحة، لكن الأفضل عدم ذلك، يعني: الأفضل أن لا يتصدق وأن لا يهلل للميت وأن لا يسبح للميت؛ لأنه لو كان الأفضل ذلك لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه أمته حتى يقوموا به، ولم يكن من عادة السلف أنهم يفعلون هذا على الوجه الذي يفعله الناس اليوم، حتى إن بعضهم ربما يجعل أكثر النوافل التي يقوم بها لأمواته من أم أو أب أو عم أو خال أو ما أشبه ذلك.

وعلى هذا فخلاصة الجواب: أن الدعاء للميت أفضل من الصدقة والتهليل والصلاة والصيام والعمرة والحج، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ) يعني: هو نفسه يفعلها، ( أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، ولم يتعرض للعمل، ما قال: أو ولد صالح يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلي عنه أو يحج عنه أو يعتمر عنه، قال: ( أو ولد صالح يدعو له )، فيكون الدعاء للميت أفضل من الصدقة عنه، لكن لو تصدق فهو جائز ويصل إلى الميت وينتفع به بإذن الله.

السؤال: هل وضع الماء على القبور ينفع الميت؟

الجواب: لا ينفع الميت، ومن فعل ذلك معتقداً هذا فعقيدته هذه غير صحيحة، إنما يرش القبر عند الدفن لئلا تتفرق أجزاء التراب بالريح أو غيره، هذا هو المقصود من رش القبر عند الدفن، وأما أن الميت ينتفع به فالميت لا ينتفع به، والماء أيضاً لا يصل إليه، وجسمه ليس بحاجة إلى الماء.

السؤال: ما هو المد والصاع بالمقاييس الجديدة في الوقت الحاضر؟

الجواب: لا يمكن أن نحدد الصاع بالمعايير الجديدة؛ وذلك لأن المعايير الجديدة إنما هي بالوزن، والوزن لا يمكن انضباطه بالكيل لأنه يختلف، فالشيء الرطب يكون ثقيلاً واليابس يكون خفيفاً، فلا يمكن، لكن لو تسأل الذين يعتنون بهذه المقاييس ربما تجد عندهم علماً من هذا.

السؤال: أسأل عن معنى حديث: ( من جلس مجلساً ولم يذكر الله تعالى تحسر عليه وندم يوم القيامة )، ونحن مجموعة من الأخوات إذا التقينا وجلسنا نبدأ بذكر الله وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ونذكر الصحابة والتابعين والعلماء الذين قد ماتوا رحمهم الله، والذين لا يزالون على قيد الحياة حفظهم الله، والسؤال: هل نثاب عندما نذكر العلماء؟

الجواب: لاشك أن الإنسان إذا جلس مجلساً مع أصحابه ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد خسر هذا المجلس وسيتحسر يوم القيامة كيف فاته في هذا المجلس أن يذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك ينبغي أن لا يخلو المجلس من ذكر الله أو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم سواء ابتداءً أو في أثناء الحديث أو عند اختتام الحديث.

وأما ذكر الصحابة والتابعين لهم بإحسان والعلماء والأئمة فلاشك أن ذكرهم يحيي القلوب ويوجب محبتهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، لكن كوننا نقول إن هذا أمر مطلوب؛ يحتاج إلى دليل.

السؤال: حديث: ( مَنْ نظر إلى سوءة أخيه المسلم فهو ملعون )، السؤال: هل إذا نظر شخص إلى سوءة أخيه بدون قصد هل يكون آثماً؟

الجواب: هذا الحديث ضعيف، ويرويه بعض الناس بلفظ: ( لعن الله الناظر والمنظور )، ولكن لا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة أخيه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة )، ويجب عليه إذا رأى أخاه كاشفاً عورته يقضي حاجته مثلاً يجب عليه أن يكف بصره، ولا يحل له أن ينظر إليها؛ لأن في ذلك امتهاناً لأخيه وإثارة للفتنة، فقد يصور له الشيطان هذه العورة بصورة ليست على ما هي عليه ويحصل بهذا فتنة للناظر والمنظور، ولكن على الإنسان أيضاً أن يحفظ عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، وعليه أن يلبس الثياب الساترة.

وبهذه المناسبة أود أن أنبه ما يفعله بعض الناس من لباس سراويل قصيرة تغطي نصف الفخذ ثم يلبس فوقها ثوباً شفافاً لا يستره فإن ذلك حرام عليهم، ولا تصح صلاتهم في هذا السروال القصير الذي ليس عليه إلا ثوب رهيف؛ لأن الواجب على المصلي الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة بثوب ساتر.

السؤال: هل هذا الكلام من الحديث النبوي: ( أبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، وأحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما

الجواب: هذا روي حديثاً لكنه لا يصح، أما معناه فصحيح، يعني: أنه لا ينبغي للإنسان أن يفرط في الحب فإنه ربما كان هذا الحبيب يوماً من الأيام بغيضاً لك، ومن المعروف أن الإنسان إذا أفرط في الحب أفضى إلى حبيبه بكل ما عنده من سر وأخبره بكل حالاته، فإذا قدر أنه صار بغيضاً له يوماً من الأيام فإن هذا البغيض سوف يفشي سره ويبينه للناس.

ثم إن المحبة المفرطة غالباً ما تفضي إلى بغض مفرط؛ لأن المحبة المفرطة توجب لصاحبها أن يكون حساساً بالنسبة إلى حبيبه، فيغار إذا رأى أحداً إلى جنبه أو أحداً يكلمه أو ما أشبه ذلك وتكون الحبة عنده من هذا الحبيب قبة، وحينئذٍ لقوة الغيرة والمحبة تنقلب هذه المحبة بغضاء، وكذلك بالعكس: قد يبغض الرجل الإنسان بغضاً شديداً ثم يقلب قلبه مقلب القلوب فيحبه بعد ذاك حباً شديداً، لهذا لا ينبغي للإنسان أن يفرط في المحبة ولا في البغضاء.

فإن قال قائل: المحبة لا يملكها الإنسان والبغض أيضاً لا يملكه الإنسان، يعني: لا يملك أن يجعل محبته خفيفة أو ثقيلة أو بالعكس.

فالجواب: أن الأمر كذلك، ولكن يجب عليه أن يقلل من آثار هذه المحبة ومن آثار هذا البغض، بحيث لا يسرف في الملازمة عند المحبة ولا في المباعدة عند البغضاء، وهذا يمكن للإنسان أن يتصرف فيه، وكذلك لا يسرف في بذل المال لمن أحبه ولا في تقديمه على نفسه وما أشبه ذلك من مقتضيات المحبة التي يمكن للإنسان أن يتصرف فيها.

السؤال: في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلاً، وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت، وهذا يحدث لي كثيراً ولا أقول بأني أعلم الغيب حاشا فلا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، ولكن هل تعتبر هذه مكرمة لي من الله؟

الجواب: هذه ليست مكرمة وليست علم غيب، ولكنها ظن يقع في قلب الإنسان أن يكون كذا وكذا فيكون ولا سيما إذا كان هذا الإمام قد اعتاد أنه إذا قرأ خواتيم سورة البقرة قرأ خواتيم سورة التوبة فإن سامعه يتوقع أنه بعد قراءته لخواتيم سورة البقرة أن يقرأ خواتيم سورة التوبة، وليس كل ظن يقع كما ظنه الظان يكون كرامة للإنسان أو علم للغيب؛ لأن الكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله تبارك وتعالى على يد ولي من أوليائه، وهذا الظن الذي يستفاد من القرائن ليس بأمر خارق للعادة.

السؤال: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة ) هل هذا الحديث صحيح؟

الجواب: ليس بصحيح، ولكن لاشك أن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير للمرء فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر: أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فأكثر من ذكر الله وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك خير، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191].

السؤال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من لم يتغنى بالقرآن ) فما معنى التغني بالقرآن هنا؟

الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في معنى قوله: ( لم يتغن بالقرآن ) فقيل المعنى: أن يستغني به عن غيره؛ لأن من لم يستغن بالقرآن عن غيره واتبع غير القرآن على خطر عظيم، ربما خرج من الإسلام بذلك.

وقيل المعنى: من لم يحسن صوته بالقرآن احتقاراً للقرآن فليس منا، ومن المعلوم أنه ليس على ظاهره، بمعنى: أن من لم يقرأ القرآن على صفة الغناء فليس من الرسول في شيء، ليس هذا مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً.

السؤال: سائلة تقول: أنا مؤمنة بكل نعم الله عز وجل ولكن الثوم لا تهواه نفسي، فأنا من عائلة لا أحبه، فعندما أشم رائحته فقط أتضايق وأحس في قلبي وصدري حرارة ويضيق تنفسي بسببه ولكن عائلتي لا تستغني عنه فحرمته عليهم، فقامت العائلة بشراء حبوب ثوم من الصيدلية ليس لها رائحة وقيمة هذه الحبوب أضعاف ما نشتريه بالكيلو، والسؤال يبقى: هل علي إثم في ذلك علماً بأن ذلك ليس بيدي؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: إذا كان في هذا تضييق على العائلة فإنه لا يحل لها أن تمنعهم من ذلك، وإن لم يكن فيه تضييق فلا بأس أن تقول لهم: إن هذا يضرني ويؤذيني وإني أحرمه عليكم، يعني: أمنعكم منه، ولكن لو فرض أنهم لم يمتثلوا وأنهم أكلوا الثوم وقد حرمته عليهم وجب عليها كفارة يمين؛ لأن تحريم ما أحل الله بقصد الامتناع منه حكمه حكم اليمين، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] فجعل الله تحريم ما أحل الله يميناً حيث قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2].