شرح كتاب التوحيد [33]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي البخاري عن قتادة : قلت لـابن المسيب : رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال : لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه.

وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر.

قال ابن القيم : النشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بمثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن ، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز ].

قال رحمه الله: (وفي البخاري عن قتادة قلت لـابن المسيب : رجل به طب) يعني: به سحر.

(أو يؤخذ عن امرأته) يعني: يمنع عن امرأته.

(أيحل عنه أو ينشر؟ قال : لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه.

وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر.

قال ابن القيم : النشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل بسحر بمثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن ، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني : النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز).

تقدم الكلام على حل السحر، وأن حل السحر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: حل السحر بسحر مثله، وهذا لا يجوز، وهو محرم، وتقدمت الأدلة على ذلك، وأن ( من أتى كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ).. إلى آخره، تقدمت الأدلة على ذلك، وأيضاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً؛ ولأن الشيطان من الجن لا يخدم الإنسي إلا بالكفر بالله عز وجل أو بالشرك، إما السجود أو بالذبح أو بإهانة المصحف أو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم.. إلى آخره.

والقسم الثاني من النشرة: حل السحر بالأدعية المباحة وبالقراءات والأدوية والتعوذات، فهذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر رقاه جبريل ورقته عائشة ، وأما ما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها وفيه قولها للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هلا تنشرت )، فالمقصود بذلك: النشرة المباحة.

وأيضاً ما جاء عن ابن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته. يعني يمنع من جماعها، أيحل عنه أو ينشر.. إلى آخره، فالمقصود بذلك: يحمل كلام ابن المسيب رحمه الله على المقصود: أن به النشرة المباحة، هذا الذي يظهر، والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في التطير ].

التطير: مصدر تطير يتطير، والطيرة: اسم مصدر من تطير طيرة، والتطير في اللغة: التشاؤم، وأما في الاصطلاح: فهو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم، وهذا التشاؤم سمي تطيراً لأن العرب كثيراً ما كانوا يتشاءمون بالطير، فسمي هذا التشاؤم تطيراً.

ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن من أقسام التطير ما هو شرك، سواء كان شركاً أكبر، أو كان شركاً أصغر، فهذا مما ينافي أصل التوحيد أو ينافي كماله.

وأما مناسبته لما قبله: فإتيان السحرة والكهنة... إلى آخره، هذا كله من باب التعلق بالأمور الموهومة، ومثله أيضاً التطير، هذا من باب التعلق بالأمور الموهومة التي لا حقيقة لها.

قال رحمه الله: [ باب ما جاء في التطير.

وقول الله تعالى: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:131] ].

(ألا): أداة تنبيه. (إنما): أداة حصر. (طائرهم) يعني: ما قضي عليهم وقدر لهم. (عند الله): يعني: إنما جاءهم الشؤم عند الله من قبله، وبحكمه سبحانه وتعالى الكوني القدري بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسلهم: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:131] عدم العلم هو الجهل، فهذا وصف لهم بالجهالة.

وقوله: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19] يعني: حظكم، حظكم وما أصابكم من شر معكم.

فقوله: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19] يعني: بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم لمن نصحكم.

أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ [يس:19] أي: من أجل أنا ذكرناكم قابلتمونا بقولكم: إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ [يس:18].

مناسبة هاتين الآيتين: في الآية الأولى وفي الآية الثانية بين الله سبحانه وتعالى أن التطير من عمل أهل الجاهلية، ففي الآية الأولى: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131]. يدل على أنهم يتطيرون، وأن التطير من عمل الجاهلية.

و قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19]. أيضاً هذا التشاؤم من عمل الجاهلية، والقاعدة في التفسير: أن الله سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبد بخير فإنه يطلب منا أمران:

الأمر الأول: أن نحبه، والأمر الثاني: أن نقتدي به وأن نتابعه في هذا الأمر الذي أثنى الله عز وجل عليه بالخيرية بسببه؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما أثنى عليه بالخير ومدحه، إنما يريد منا أن نتبعه في هذا الأمر.

وإذا أثنى الله عز وجل على عبد بالقرآن بشر، فإنه يطلب منا أمران:

الأمر الأول: أن نبغضه.

والأمر الثاني: أن نتجنب هذا الفعل، والله سبحانه وتعالى وصف هؤلاء المشركين بالتطير، فهذا يطلب منا أن نتجنب هذا العمل، ففي هذا أنه من عمل أهل الجاهلية وأهل الكفر، والله سبحانه وتعالى ذمهم بذلك، فنترك هذا العمل ونتجنبه.

قال رحمه الله: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا عدوى ) ].

العدوى: اسم من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره.

وهنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا عدوى ) هل هو نفي للسبب أو نفي لذات العدوى؟ العدوى سبب، لكن المقصود: أنها لا تعدي بذاتها، وإنما كل شيء بقضاء الله وقدره، فالذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم ما يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى تسري بطبعها دون قضاء الله وقدره، يعني: بذاتها تعدي، والصحيح: أنها لا تعدي بذاتها، ولا تسري بطبعها، وإنما كل شيء بقضاء الله وقدره، فهي سبب من الأسباب، لكن هذا السبب لابد له من إذن الله الكوني القدري، فالذي نفاه أن تكون معدية بذاتها، لم ينف أن تكون سبباً من الأسباب؛ لأن الواقع يدل لذلك وأنها سبب، ومحو الأسباب قدح في العقل لا شك.

قال: [( ولا طيرة )] الطيرة: هي التشاؤم. تقدم تعريفها.

قال: [( ولا هامة )] الهامة: هي البومة، وكان العرب يتشاءمون بها، فجاء الشرع بإبطال ذلك.

[( ولا صفر )]، أيضاً الصفر، قيل: بأنه الشهر المعروف، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به في الزواج، وقيل: إن صفر هذه حية تكون في البطن تصيب الماشية.

قال: [وزاد مسلم : ( ولا نوء )] والنوء: هو النجم، وسيأتينا إن شاء الله في باب التنجيم.

[( ولا غول )] الغول: جنس من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم الطريق، هذه الغول يزعمون أنها تضلهم الطريق وتهلكهم.

الشاهد من هذا: أن الشارع نفى الطيرة، نفى التشاؤم، وأنه من باب التعلق بالأوهام.

قال رحمه الله: [ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل )] يعجبني: يسرني وأستحسن الفأل.

وفسر الفأل قال: [قالوا: وما الفأل؟ قال: ( الكلمة الطيبة )] يعني: أن يسمع الكلمة الطيبة فيستبشر ويستحسن، لكنه لا يتشاءم ويترك، فالتشاؤم هو أن يسمع الكلمة القبيحة ويترك، وسيأتينا في أقسام التطير.

الشاهد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الطيرة، وأن الطيرة ليست من الأسباب التي جاء الشرع بإثباتها، أو دل الواقع على إثباتها، أو التجربة والحس على أنها سبب، وإنما هو تعلق بالموهوم، فجاء الشارع بإبطال هذا السبب بالكلية.

قال: [ ولـأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ) ].

وقوله: ( لا ترد مسلماً ) ] بخلاف الكافر، فإن الكفار يتعلقون بالأشياء الموهومة.

( اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت) والطيرة لا تأتي بالحسنات، ولا تدفع السيئات، وقد تقدم لنا أن الطيرة ليست سبباً صحيحاً، فهي ليست من الأسباب التي أثبتها الشارع، وكذلك ليست من الأسباب التي أثبتتها التجربة والحس والواقع.

قال: [( ولا يدفع السيئات إلا أنت )] يعني: المصائب، الحسنات: الخير من مال وصحة وغير ذلك، والسيئات: المصائب والفقر.. إلى آخره.

[( ولا حول )] الحول: هو التحول والانتقال من حال إلى حال.

[( ولا قوة )] يعني: لا إعانة على ذلك.

[( إلا بك )] إلا بك وحدك يا الله.

وهذا الحديث الذي ذكره المؤلف فيه ضعف.

أولاً نفهم قاعدة، وهي: أن التطير ليس من الأسباب الصحيحة، وإنما هو من الأسباب الموهومة، فلم يدل الدليل على إثباته لا من الشرع، ولا من الحس والواقع والتجربة، فهو من الأسباب الموهومة، وإذا كان كذلك فنقول بأن التطير ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يتشاءم ويترك العمل، وهو محرم وشرك أصغر؛ لأنه تعلق بسبب موهوم لم يدل عليه الشرع، ولم تدل له التجربة والحس والواقع، فإذا سمع مثلاً كلمة قبيحة، أو رأى منظراً قبيحاً ترك العمل، فنقول: بأن هذا شرك أصغر.

القسم الثاني: أن يترك العمل مع اعتقاد أنه مؤثر بذاته، فهذا شرك أكبر.

القسم الثالث: لم ترده الطيرة، لكنه يمضي وفي قلبه شيء من القلق، هذا ليس شركاً؛ لأنه ما اعتمد على السبب، لكن هذا نقص بالتوحيد.

القسم الأخير: أن يمضي وقلبه مطمئن سالم، وهذا تمام التوحيد.

والله أعلم، وصلى الله وسلم.