فتاوى نور على الدرب [628]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل استنشاق البخور في نهار رمضان يفطر أم لا؟

الجواب: المفطرات التي تفطر الصائم لابد أن يكون عليها دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وإلا فالأصل أن الصوم صحيح غير باطل، والمفطرات معروفة في القرآن والسنة. إن كان يصل إلى باطن الجوف فإنه حرام أعني: الاستنشاق ومفطر لمن كان يعلم أنه محرم وأنه يفطر الصائم، وأما إذا كان الإنسان جاهلاً لا يدري فإنه لا يفطر بذلك، وهذه قاعدة في جميع المفطرات: كل المفطرات إذا فعلها الإنسان وهو لا يدري أنها مفطرة فإنه لا يفطر بها، لقوله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا أن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وقوله: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم طلعت الشمس ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ونُقل إلينا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يؤخر البلاغ عن وقت الحاجة إليه، وإذا بَلَّغَ فلا بد أن ينقل؛ لأنه إذا بَلَّغَ صار من شريعة الله وشريعة الله محفوظة. المهم: أن الصحابة حين أفطروا في يوم الغيم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء كان ذلك دليلاً على أن من كان جاهلاً فإنه لا قضاء عليه، وأما النسيان فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ).

وعلى هذا فنقول للسائل: لا تستنشق البخور وأنت صائم، ولكن تبخر به ولا حرج، وإذا طار إلى أنفك شيء من الدخان بغير قصد فلا يضر، ونقول أيضاً: إذا كنت لا تدري أنه مفطر وكنت تستعمله من قبل، أي: تستنشق البخور حتى يصل إلى جوفك فلا شيء عليك؛ لأن جميع مفطرات الصوم لا تفطر إلا إذا كان الإنسان عالماً بها وعالماً بتحريمها وذاكراً لها.

السؤال: هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب؟

الجواب: يقول العلماء رحمهم الله: إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها أو أصر على صغيرة، وعللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5] فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفراً ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب.

السؤال: ما حكم سجود التلاوة؟ وهل السجدة التي في سورة ص تعتبر سجدة أم لا؛ لأنني سمعت بأنها لا تعتبر سجدة لأنها بلفظ الركوع؟

الجواب: سجود التلاوة سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعها، وليست بواجبة، والدليل على أنها ليست بواجبة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ ذات جمعة على المنبر آية فيها سجدة فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد وقال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وهذا قاله رضي الله عنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد، فدل هذا على أن سجود التلاوة ليس بواجب.

أما السجود في سجدة ص فالصواب أنه سجود مشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ).

السؤال: في بعض القرى يبنون غرفاً تحت الأرض ويضعون فيها الموتى ولا يدفنونهم، وفوق هذه الغرفة هناك أرض زراعية هل يجوز ذلك أم لا؟

الجواب: هذا ليس موجوداً عندنا والحمد لله ولكنه ربما يوجد في بلاد أخرى، وعلى السائل أن يوجه السؤال إلى علماء تلك البلد.

السؤال: هل الإنسان عندما يصلي مثلاً إذا أراد السجود وهو ما زال واقفاً هل يكبر ثم يسجد؟ أو يسجد ثم يكبر؟ أو يكبر وهو نازل للسجود؟

الجواب: تكبير الانتقالات من ركن إلى آخر يكون فيما بين الركنين، فإذا أراد السجود فليكبر ما بين القيام والسجود، وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام، هذا هو الأفضل، وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط فلا بأس، وكذلك لو ابتدأه في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس.

السؤال: أنا أملك أرضاً منذ ست سنوات هل تجب فيها الزكاة؟

الجواب: لا زكاة في الأرض ولا زكاة في البيت ولا زكاة في السيارة التي يستعملها، وإنما الزكاة في ما أعد للتجارة من هذه الأشياء أو غيرها، وعلى هذا فالأرض التي ملكتها السائلة ليس فيها زكاة إلا إذا نوتها للتجارة، فإن نوتها للتجارة وجبت عليها زكاتها إذا بلغت قيمتها نصاباً أو ضمت القيمة إلى ما عندها من جنس القيمة وبلغ النصاب.

السؤال: هل يجوز لي تقليم أظافري في فترة الحيض؟

الجواب: نعم، تقليم الأظافر سنة في أي وقت وعلى أي حال، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم لتقليم الأظافر وحف الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك فوق أربعين يوماً، وبهذا نعرف خطأ بعض الناس الذين يبقون هذه الأشياء أكثر من أربعين يوماً، فتجد أظفاره تطول طولاً فاحشاً لا يقصها، وكذلك شاربه، وكذلك إبطه، وكذلك عانته. والذي ينبغي للمسلم أن يتقيد بما قيده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يترك هذه الأشياء فوق أربعين يوماً.

السؤال: اشرحوا لنا سجود السهو مع ذكر الأمثلة؟

الجواب: سجود السهو سببه واحد من أمور ثلاثة: إما الزيادة، وإما النقص، وإما الشك. والمراد بالزيادة هنا: الزيادة الفعلية، فمن ركع مرتين في ركعة واحدة ناسياً وجب عليه سجود السهو ويكون محله بعد السلام؛ لأنه كان عن زيادة، ومن صلى خمساً في رباعية ناسياً لم تبطل صلاته لكن عليه سجود السهو بعد السلام، ومن قام عن التشهد الأول ناسياً لم تبطل صلاته لكن عليه سجود السهو ويكون قبل السلام، ومن ترك قول سبحان ربي الأعلى في السجود أو سبحان ربي العظيم في الركوع وجب عليه سجود السهو ويكون قبل السلام.

وأما الشك وهو السبب الثالث لسجود السهو فهو التردد، بأن يتردد الإنسان هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، والحكم في ذلك أن يقال: إن كان الإنسان كثير الشكوك لا يكاد يصلي صلاة إلا شك فيها فلا عبرة بشكه وليلغه ولا يلتفت إليه، وإن كان معتدلاً ليس فيه وسواس وليس فيه شكوك نظرنا: هل يغلب على ظنه ترجيح شيء فليأخذ بما غلب على ظنه وليتم عليه ثم يسجد سجدتين بعد السلام، وإن قال: ليس عندي ترجيح، قلنا: ابنِ على اليقين وهو الأقل وتمم عليه ثم اسجد قبل السلام. مثال ذلك: رجل شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً فقلنا له: ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: يغلب على ظني أنها ثلاث، نقول: ائت بالرابعة واسجد بعد السلام.

إنسان آخر شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً وقلنا له: ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: ليس عندي غلبة ظن، الشك عندي متساوي، نقول: اجعلها ثلاثاً؛ لأنها الأقل ثم ائت بالرابعة واسجد سجدتين قبل السلام.

السؤال: سيدة تعاني من آلام في المفاصل وتصلي وهي قاعدة، فهل يجب عليها في مثل هذه الحالة في حالة السجود أن تضع شيئاً أمامها لتسجد عليه أم ماذا تفعل في حالة السجود؟

الجواب: أولاً: أنا لا أرى أن يطلق كلمة سيدة على المرأة؛ لأن هذا اسم مستحدث أتانا من قِبَل الغربيين الذين يقدسون النساء ويعطونهن مرتبة فوق المرتبة التي جعلها الله لهن، وإنما يقال: امرأة، أنثى، فتاة.. وما أشبهها، هذه هي الألفاظ التي جاءت في الكتاب والسنة، ولا ينبغي أن نعدل عما جاء به الكتاب والسنة لا سيما إذا كانت هذه الكلمة فيها إشعار بتقديس المرأة وتنزيلها فوق منزلتها.

وأما سؤالها عن الآلام التي في مفاصلها وأنها لا تستطيع القيام فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى عمران بن حصين فقال له: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب )، فإذا كانت لا تستطيع القيام قلنا: صلي جالسة وتكون في حال القيام متربعة كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت إيماءً أكثر من إيماء الركوع، وليس من السنة أن تضع مخدة تسجد عليها، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ).

السؤال: هل صلة الرحم تشمل أبناء الخالات الرجال أم النساء فقط؛ لأنني منقبة لا أجالس الرجال إلا محارمي، ماذا أفعل تجاه من مات وكنت لا أصله هل تكفي التوبة والاستغفار والتصدق عنه وأداء العمرة له؟

الجواب: الرحم التي تجب صلتها هي القرابة من قبل الأم أو من قبل الأب، فالأعمام والأخوال كلهم يجب على الإنسان أن يصلهم، ولكن إذا كانت الأنثى ليست محرماً لهم فلا يحل لها أن تذهب وتسلم عليهم بالمصافحة وكشف الوجه؛ لأن ذلك حرام عليها مع غير محارمها، لكن تسأل أهل البيت من النساء: كيف أنتم، كيف الرجال، كيف النساء، كيف الأولاد، وما أشبه ذلك.

وأما من ماتوا وهي لم تصلهم فإنها تتوب إلى الله عز وجل من القطيعة التي حصلت منها وتستغفر لهؤلاء الذين ماتوا فإن هذا من صلتهم بلا شك.