فتاوى نور على الدرب [623]


الحلقة مفرغة

السؤال: قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال: وهو عن الحكم الشرعي في زيارة القبور عامة, والتبرك بها, من قبور الأولياء والصالحين خاصة, هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا.

الجواب: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها, وكان صلى الله عليه وعلى اله وسلم قد حرمها من قبل, ولكنه أمر بها في ثاني الحال, فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور, ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة )، وفي لفظ: ( فإنها تذكر الموت ).

والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون, يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين, نسأل الله لنا ولكم العافية, اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم, واغفر لنا ولهم, وله أن يزور قبراً خاصاً من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له تبارك وتعالى, واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له.

وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة, والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل, ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل, وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة, ولا يجوز أيضاً دعاء صاحب القبر, بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل, وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا, ولسنا محتاجين إليهم, هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم, وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم, وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقاً, وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده, ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي, أو قبر من يظن أنه ولي صالح, الكل سواء, حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة, نعم الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه, لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقاً, حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وقال: إني لا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك, وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها, أنه لا بركة في الأحجار أبداً مهما كانت, ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود, وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل.

ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها, وأن يجعلوها كغيرها من القبور, يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم, ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً, إذا كان هذا الميت لو كان حياً ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن. وإذا كان حياً لا يستعان به, لأنه لا يعين فكيف إذا كان ميتاً؟! لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله, وقد قال الله عز وجل: في كتابه أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8].

السؤال: كيف تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: تحقق محبه الرسول ومحبة الله عز وجل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم, فكل من كان أتبع لرسول الله كان أحرى بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله, يقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سنته فيتبعها, ولا يزيد في ذلك, ولا ينقص, وعلى هذا فالذين يبتدعون بدعاً تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم يدعون أن ذلك من محبته وتعظيمه هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه, وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع أثاره, وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه, وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله ورسوله قاصرة بلا شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تتقدم بين يدي الله ورسوله, قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:1-2].

السؤال: هل يجوز أن أدفع الزكاة لأقاربي مع أنهم يقصرون في أداء الصلاة مع الجماعة, حيث يصلون في البيت؟

الجواب: نعم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا بأس أن تدفع زكاتك إليهم بشرط أن لا تكون نفقتهم واجبة عليك, فإن كانت نفقتهم واجبة عليك فالواجب أن تنفق عليهم من مالك, وربما يكون دفعك الزكاة إليهم سبباً في هدايتهم, وهذا الحكم فيما إذا كانوا يصلون لكن لا يصلون مع الجماعة, أما إذا كانوا لا يصلون مطلقاً فإنه لا يحل لك أن تدفع إليهم الزكاة؛ لأنهم كفار والكافر لا يحل دفع الزكاة إليه إلا مَن كان مؤلفاً والمؤلف هو الكافر الأصلي الذي كان على كفره فتألفه على الإسلام, أما المرتد فإنه إما أن يرجع إلى الإسلام, وإما أن يقتل وليس ثمّ خيار أخر.

السؤال: ما هي أحسن وسيلة لتلقي العلم النافع, جزاكم الله خيرا؟

الجواب: الوسائل مختلفة, وهي كثيرة والحمد لله في وقتنا الحاضر, فمن الوسائل أن تتلقى العلم على شيخ مأمون في علمه ودينه, وهذه أحسن الوسائل, وأقوى الوسائل, وأقرب الوسائل إلى تحصيل العلم.

ومنها أن تتلقى العلم من الكتب المؤلفة, التي ألفها علماء مأمونون, موثقون في علمهم ودينهم.

الثالث: أن تستمع إلى الأشرطة المثبوتة المنشورة من العلماء الموثوق بعلمهم وأماناتهم.

هذه ثلاث طرق يمكن أن يحصل بها العلم, وأهم شيء هو الاجتهاد والمثابرة, وحسن القصد, فإن ذلك من أسباب حصول العلم.

السؤال: لقد حجيت أول مرة في عمري ولم أكن أعرف عمن واجبات الحج, ولا عن أركانه, وأنا لا أقرأ ولا أكتب, ولبست النقاب وفوق ذلك غطوة، وعندما وصلنا منى مشطت شعري ليلاً فما الحكم في حجتي هذه؟

الجواب: حجتك هذه صحيحة, ما دام أن الإخلال الذي حصل منك هو هذا؛ لأن غاية ما فيه أنك فعلت هذه الأشياء الممنوعة جهلاً منك, والجاهل لا يؤاخذه الله عز وجل بما فعله بجهله, لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. فقال الله: قد فعلت. وهذه قاعدة عامة في جميع المحظورات في العبادات: أن الإنسان إذا تركها ناسياً أو جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بذلك, وليس عليه في ذلك فدية ولا كفارة ولا إثم, وهذا من تيسير الله تعالى على عباده ومن مقتضى حكمته جل وعلا ورحمته، وكون رحمته سبقت غضبه.

السؤال: زوجي توفي وعندي أطفال وأغنام, وعندما لبثت الحداد كنت أخرج للبر لهذه الأغنام, وأعطيها الماء والأكل وأذهب بها إلى المراعي؛ لأنه لم يكن هناك من يقوم بها غيري, وأنا متحجبة حجاباً كاملاً فما الحكم جزاكم الله خيراً؟

الجواب: الحكم أنه لا بأس في هذا؛ لأن خروجك كان في النهار حسب ما فهمت من السؤال، وخروج من اعتدت عدة وفاة في النهار إذا كان لحاجة فلا بأس به.

السؤال: في أثناء الحداد وفي العدة, وهي أربعة أشهر وعشرة أيام, أشك بأنني قد زدت يوما أو أكثر, وذلك في انقضاء العدة فلم أخلع لباسي إلا في اليوم الثاني ليلاً وما الحكم أيضاً في ذلك؟

الجواب: لا بأس في هذا.

السؤال: أيهما أفضل في الذكر بعد السلام قول: سبحانه الله, والحمد لله, والله أكبر, أو سبحانه الله ثلاثاً وثلاثين, الحمد لله ثلاثاً وثلاثين, الله أكبر ثلاثاً وثلاثين؟

الجواب: الذكر بالتسبيح والتحميد والتكبير بعد صلاة الفريضة له عدة صفات, منها أن يقول: الإنسان سبحانه الله, والحمد لله, والله أكبر ثلاثاً وثلاثين, فهذه تسع وتسعون. ويقول تمام المائة: لا اله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

ومنها أن يقول: سبحانه الله ثلاثاً وثلاثين, والحمد لله ثلاثاً وثلاثين, والله أكبر أربعاً وثلاثين, ولا يقول سوى ذلك.

ومنها أن يقول: سبحانه الله، سبحان الله عشر مرات, الحمد لله عشر مرات. الله أكبر عشر مرات.

ومنها أن يقول: سبحانه الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, خمس وعشرون مرة, فهذه مائة, هذه كلها وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبأيها جاء الإنسان أجزأه ذلك, والأحسن إذا كان يحفظها جيداً أن يقول: هذا مرة وهذا مرة.

مداخلة: استخدام السبحة في التسبيح ما رأيكم فيها؟

الشيخ: استخدام السبحة جائز, لكن الأفضل أن يسبح بالأنامل أو بالأصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات ). ولأن حمل السبحة يكون فيه شيء من الرياء؛ ولأن الذي يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه؛ لأنه يسبح بالمسبحة وهو ينظر الناس يميناً وشمالاً, فالأصابع هي الأفضل والأولى.

السؤال: ما حكم التنطع في الإسلام, وضحوا لنا ذلك من الكتاب والسنة؟

الجواب: التنطع في الإسلام معناه: التشدد في الإسلام, والتعمق, والتقعر, وحكمه أنه هلاك للمرء, لقول النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم: ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ). ودين الله سبحانه وتعالى الحق بين الغالي فيه والجافي عنه, فالتعمق والتنطع وإلزام النفس بما لا يلزمها هذا كله هلاك, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: هل نقرأ التحيات في الركعة الثانية وذلك بزيادة الصلاة الإبراهيمية, وما الدليل على ذلك نريد التفصيل وجزاكم الله خيرا؟

الجواب: التشهد الأول في الثلاثية والرباعية يقتصر فيه على قول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمد عبده رسوله, هذا هو الأفضل وإن زاد وقال: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فلا بأس, ومن العلماء من استحب هذه الزيادة, لكن الأقرب عندي هو الاقتصار على الحد الأول, وإن زاد فلا بأس لاسيما إذا أطال الإمام التشهد, فحينئذٍ يزيد الصلاة التي ذكرناها.