{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
مع شدة الابتلاء ، وغربة المؤمن في الدنيا ، واشتياقه إلى الجنة ، وافتقاده للنعيم المقيم، وتشوقه إلى الحور العين ..ينزل الدواء الرباني بلسمًا شافيًا: يا عبد الله إذا اشتدت بك الأمور فالصبر دواء والصلاة شفاء.
فيهما كنزك، فلا تزول المحن وتهون المصاعب وتنتهي الشدائد إلا بالافتقار إلى الله والقرب منه.
وهنا تتحول المحنة إلى منحة وعطاء، قال تعالى:
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ .
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:45-46].
قال العلامة السعدي رحمه الله:
"أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور {وَإِنَّهَا} أي: الصلاة {لَكَبِيرَةٌ} أي: شاقة {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فإنها سهلة عليهم خفيفة..
لأن الخشوع ، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها، منشرحًا صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه، والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته، وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه، ذلًا وافتقارًا، وإيمانًا به وبلقائه.
ولهذا قال: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} أي: يستيقنون {أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} فيجازيهم بأعمالهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه".