فتاوى نور على الدرب [621]


الحلقة مفرغة

السؤال: الاستغفار والدعاء الجماعي والتسبيح الجماعي هل هو بدعة مع أنه ذكر لله؟

الجواب: نعم ذلك بدعة إذا كانوا يقولون ذلك بفم واحد, مثل أن يتقدمهم شخص فيقول: لا إله إلا الله فيقولون هم بفم واحد: لا إله إلا الله, أو يتفقوا على أن يقولوا هم بفم واحد: لا إله إلا الله, فهذا بدعة, وإنما كان بدعة لأن هؤلاء القوم يفعلون ذلك تعبداً وتقرباً إلى الله عز وجل, وهذه القربى بهذه الصفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, وحينئذٍ تكون بدعة, أما لو كانوا يقولون ذلك وكلٌ يذكر الله بنفسه لكن أصواتهم مختلطة فهذا لا بأس به, وهذا هو الواقع فإن الناس بعد صلاة الفريضة يذكرون الله تعالى ويسبحونه ويحمدونه ويكبرونه بأصوات مرتفعة, كما هو المشروع وتختلط أصواتهم لكنهم ليسوا بصوت واحد, وبهذا علم أن اجتماع الناس على الذكر, أو قراءة القرآن, أو ما أشبه ذلك بصوت واحد من البدعة, هذا إذا قصدوا بهذا التعبد والتقرب إلى الله, أما إذا كان للتعليم, مثل أن يقوم شخص يعلم الصبيان قراءة القرآن فيقرأ أمامهم ثم يقرءون القرآن جميعاً بصوت واحد فإن هذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصدون بهذا التعبد, وإنما يقصدون بذلك التعليم, والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

السؤال: البيت الذي بني في المقبرة ما حكم الصلاة فيه؟

الجواب: أولاً: لا يجوز أن يبنى بيت في المقبرة؛ لأن المقبرة مسبلة موقوفة لغرض معين, فلا يجوز أن يفعل فيها ما يخالف هذا الغرض, ومن المعلوم أنه إذا بني بها بيت فإنه سوف ينفرد صاحب البيت بمنفعته ولا يدفن فيه, وعلى هذا فإذا بني بيت في المقبرة وجب هدمه, ولا يجوز السكنى فيه، وإذا لم تجز السكنى فيه لم تجز الصلاة فيه.

السؤال: ما حكم قراءة القرآن عن ظهر غيب بالنسبة للحائض طلباً للأجر أو للرقية الشرعية؟

الجواب: المرأة الحائض إذا قرأت القرآن لغرض سوى مجرد التلاوة فلا بأس, فإذا قرأت القرآن للاستشفاء به, أو للأوراد التي كانت تقرأه من أجلها, أو للتعليم أو للتعلم فلا بأس بذلك؛ لأنها تقرؤه لسبب, وأما إذا كانت تقرؤه لمجرد التعبد فلا تقرأه, وذلك؛ لأن كثيراً من العلماء قال: إن قراءتها في هذه الحال محرمة. أي: في حالة كونها حائضاً.

ومن العلماء من رخص في قراءة الحائض القرآن مطلقاً, وقالوا: إن القرآن ذكر ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن الحائض لا تقرأ القرآن, فإذا جاز لها الذكر بالإجماع فالقرآن من الذكر لكن من باب الاحتياط نقول: إن احتاجت لقراءة القرآن من أجل أنه ورد, أو من أجل أن تعلم غيرها أو أن تتعلم فهذا لا بأس بقراءتها إياه وإن كان لمجرد التلاوة وحصول الأجر فلا تقرأه.

السؤال: ما حكم السفر بالطائرة بدون محرم, علماً بأن محرمي ودعني في المطار الأول ثم استقبلني المحرم الثاني لي في المطار الثاني وذلك بأن سفري كان ضرورياً؟

الجواب: لا أرى جواز السفر, أعني: سفر المرأة بلا محرم لا في الطيارة ولا في السيارة, لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ). فإن قال قائل: إن الطائرة لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلنا: نعم هي غير معروفة, لكنها معلومة عند الله عز وجل, ولو كان الحكم يختلف لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً إما تصريحاً أو إشارة, فلما لم يستثن شيئاً من ذلك علمنا بأن سفر المرأة بلا محرَم مُحرَّم بالطائرة وغيرها.

وأما قول: بعضهم: إن الطائرة بمنزلة الأسواق التي يجتمع فيها والنساء الرجال بدون محرم فجوابه أن يقال: السوق ليس بسفر, والحكم الشرعي معلق بالسفر, فما دام ركوب الطائرة من بلد إلى بلد يسمى سفراً فهي مسافرة.

وأما تعلل بعضهم بأنها في الطائرة آمنة لكون محرمها يشيعها حتى تركب والآخر يستقبلها إذا وصلت فهذا ليس بصحيح، أي: ليس تعللاً صحيحاً:

أولاً: أن المحرم المشيع الغالب أنه لا يصل معها إلى باب الطائرة, وأنها تبقى في صالة الانتظار ثم تركب مع الناس.

ثانياً: أنه على فرض أنه أوصلها إلى باب الطائرة وركبت أمام عينه فإن الطائرة قد يعتريها ما يمنعها من الإقلاع إما لخلل فني أو لتغير جوي أو لأي سبب, وهذا يقع، فإذا قيل للركاب: تفرقوا فمن الذي يؤويها, وإذا قدر أنها قامت وأقلعت في الوقت المحدد فهل استمرار سيرها مضمون إلى المطار الذي قصدته؟ لا.. غير مضمون, قد يحدث في الجو في أثناء طيرانها ما يمنع هبوطها في المطار الذي قصدته وقد يكون فيها خلل فني كتعذر نزول الكفرات مما يجعلها تذهب يميناً وشمالاً إلى مطارات أخرى, فإذا ذهبت إلى مطارات أخرى وهبطت في المطار فمن الذي ينتظرها هناك, ثم إذا سلمنا وفرضنا أنها وصلت إلى المطار المقصود بسلام فمحرمها الذي يقابلها هل نحن نضمن أن يأتي في الوقت المحدد؟ لا نضمن ذلك في الواقع, قد يعتريه نوم أو مرض أو خلل في سيارته أو زحام في الطريق أو ما أشبه ذلك من الموانع, فلا يأتي في الوقت المحدد, وتبقى إذا نزلت المطار تبقى أين تذهب؟ فيحصل بذلك شر, وهذه المسائل وإن كانت نادرة وبالألف مرة واحدة أو بعشرة آلاف مرة واحدة, لكن ما الذي يمنعنا أن نقول: لا تركب الطائرة إلا بمحرم امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال:( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ). ونسلم من هذه التقديرات كلها, فنصيحتي لأخواتي ولإخواني المسلمين أيضاً, أن يتقوا الله عز وجل, وأن يمنعوا نساءهم من السفر إلا بمحرم, والحمد لله الأمر متيسر حتى لو كان لمحرمها شغل, يمكنه أن يركب بهذه الطائرة ويؤديها إلى أهلها أو إلى المكان الذي تريده, ثم يرجع بطائرة أخرى, أو يكون المحرم الثاني مستقبلاً لهما يأخذه معه وهذا يرجع بطائرته.

السؤال: اشترك مجموعة من الأقارب واشتروا سيارة شحن صغيرة, وأخذ أحدهم يعمل عليها ويوزع الربح على الشركاء حسب رأس المال والسؤال: هل هناك زكاة على هذه السيارة, علماً بأن ثمنها -يعني رأس المال- يقل في كل عام؟

الجواب: ليس على هذه السيارة زكاة, كما لو كانت لرجل واحد فالسيارات العاملة التي تستخدم لصالح الشخص نفسه, أو تستخدم لاستغلالها في الأجرة ليس فيها زكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ). أي: ليس عليه في ذلك زكاة, وكل شيء يستعمل لخاصة الإنسان أو للتأجير فلا زكاة فيه, إلا شيئا واحدا وهو الحلي من الذهب والفضة, فإن الأدلة تدل على وجوب الزكاة فيه مطلقاً إذا بلغ النصاب.

السؤال: إذا كنت لا أملك مالاً لأزكي به عن ذهب الزينة هل أبيع من هذا الذهب لأزكى عنه؟

الجواب: إذا كان عند المرأة حلي فيه الزكاة ولكن ليس عندها نقود تزكي فإنها تزكي من الحلي, إما أن تخرج شيئاً منه بقدر الزكاة, كما لو كان عندها خواتم تبلغ النصاب وفيها خاتم بقدر زكاة هذه الخواتم فتخرجه لأهل الزكاة, وإما أن تقدر قيمة ما عندها وتخرج ذلك من القيمة فمثلاً: تقدر ما عندها من الحلي بعشرة آلاف وتخرج زكاة عشرة آلاف, ولكن كلامنا إذا لم يكن عندها شيء نقول: تبيع من هذه الحلي بقدر الزكاة وتخرجها, فإذا قال قائل: إذاً ينفد ما عندها من الحلي على ممر السنين, قلنا: هذا فرض غير صحيح؛ لأنه إذا بلغ إلى حد ينقص فيه عن النصاب لم يكن فيه زكاة وحينئذٍ لابد أن يبقى عندها شيء دون النصاب.

السؤال: ما هو آخر وقت لصلاة العشاء, هل هو نصف الليل, أم ثلث الليل, وإذا صلت المرأة بعد نصف الليل بقليل ساعة أو ساعتين هل عليها إثم في ذلك؟

الجواب: وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل, والوقت الأفضل فيها ما بين الثلث والنصف, فيجوز تقديمها على الثلث من حين أن يغيب الشفق الأحمر, ولا يجوز تأخيرها عن النصف, والأفضل ما بين الثلث والنصف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ). فإذا كانت المرأة في البيت وتضمن لنفسها أن تبقى إلى نصف الليل فالأفضل أن تؤخر الصلاة إلى ثلث الليل, وإن كانت لا تضمن أن تبقى مستيقظة إلى نصف الليل فلتصل في أول الوقت.

وأما ما بعد نصف الليل فليس وقتاً لصلاة الفجر, ليس وقتاً ضرورياًولا وقتاً اختيارياً؛ لأن جميع النصوص كلها حددت وقت العشاء بنصف الليل, ولم يرد فيما أعلم إلى ساعتي هذه أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر, وهذا الذي قررته هو صريح الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ظاهر القرآن الكريم لقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]. أي: إلى نصفه؛ لأنه هو غاية الغسق, إذ ما قبل النصف الشمس قريبة من الأفق الغربي. وما بعد النصف الشمس قريبة من الأفق الشرقي, ومنتهى غاية الغسق انتصاف الليل, فيقول عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]. هذا وقت ممتد من زوال الشمس وهو نصف النهار إلى نصف الليل, وفيه أربع صلوات: الظهر: وقتها من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله, فيدخل وقت العصر مباشرة, العصر: من ذلك الوقت إلى أن تصفر الشمس وهو وقت اختيار, ثم إلى غروبها وقت ضرورة. ويدخل وقت المغرب فوراً, إلى وقت العشاء وهو مغيب الشفق الأحمر, فيدخل وقت العشاء فوراً إلى نصف الليل, ثم قال الله عز وجل: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]. فاستأنف لصلاة الفجر ولم يجعلها مع الصلوات الأخرى, لم يقل: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوعها بل قال: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]. فوقت وحدد, ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]. ففصل الفجر عما سبقه من الأوقات وقال: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] .

السؤال: جرت العادة عندنا أن يأتي الخاطب ويرى المخطوبة قبل الاتفاق على أي شيء دون خلوة, فإن أعجبته اتفق مع أهلها وإلا تركها، والسؤال: ماذا يباح له أن يرى منها في هذه الحالة وإذا طلب رؤيتها عدة مرات قبل عقد النكاح فما الحكم في ذلك مأجورين؟

الجواب: الخاطب يسن له أن يرى مخطوبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك؛ ولأنه أحرى إلى أن يسعد الزوجان في حياتهما, فيرى منها كل ما يدعوه إلى الإقدام على خطبتها والاستمرار فيها كالوجه, والرأس, والكفين, والقدمين, والرقبة؛ لأن هذا كله مما يدعوه إلى الاستمرار في خطبتها, ولها هي أيضا أن تنظر إليه ما ظهر منه, كوجهه, وكفيه, وقدميه, ورقبته, ورأسه, إذا لم يكن عليه ساتر؛ لأن كلا الطرفين يحتاج إلى نظر الآخر, لكن بشرط أن لا يكون خلوة, وأن لا يكون شهوة, وأن ينظر إليها نظر المستام إلى سلعته التي يسومها, وإذا طلب أن ينظر إليها مرة أخرى فله ذلك, إذا لم يكن استقصى في النظرة الأولى.

السؤال: امرأة كبيرة في العمر كثيراً، عمرها ما يقارب من خمسة وستين سنة, توفي زوجها وقد كان هذا الزوج عاجزاً ومريضاً فلم تعتد عليه, وإنما كانت تخرج من بيتها عند أولادها؛ لأنها لا تستطيع البقاء لوحدها في البيت, علماً بأنها كانت لا تتزين ولا تتطيب والسؤال: هل تأثم في ذلك؟ وماذا عليها؟

الجواب: المرأة التي مات عنها زوجها تجب عليها العدة, وهي أربعة أشهر وعشرة أيام من موته, أو وضع الحمل, ويجب عليها في هذه العدة أن تبقى في بيتها ولا تخرج منه إلا لعذر شرعي, فمن الأعذار الشرعية أن تمرض وتحتاج إلى الخروج إلى المستشفى, أو أن يحتاج إليها القاضي في حصر الوراثة مثلاً, أو غير ذلك من الأسباب التي يسوغ لها أن تخرج, أما بدون سبب فلا يجوز, وعلى هذا فلا يجوز أن تخرج لزيارة جيرانها أو أقاربها أو لصلاة العيد أو ما أشبه ذلك, بل تبقى في بيتها, لكن لو اضطرت إلى الخروج بأن كانت تخشى على نفسها إذا بقيت في البيت, أو جاءت أمطار غزيرة يخشى أن ينهدم عليها البيت, أو أصاب البيت حريقا لا يمكنها أن تبقى معه فحينئذ تخرج, ولو في الليل, وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن لها أن تخرج لحاجتها نهاراً, مثل: أن تخرج لشراء حاجاتها في بيتها إذا لم يكن لها أحد يشتري لها, وكذلك يحرم على المرأة التي توفي عنها زوجها أن تتطيب, أو أن تكتحل, أو أن تتورس, أو أن تتمكيج, أو أن تلبس ثياب زينة, أو أن تلبس حلياً, كل هذا حرام عليها حتى تنجلي العدة, وأما مكالمة الرجال ومخاطبتهم والرد على الهاتف والرد على قارع البيت وما أشبه ذلك فهذا حلال لا بأس به, وكذلك أيضاً لا حرج عليها أن تغتسل كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو لا تغتسل إلا عند الحيض, فليس لها حكم يختص بها في مسألة الاغتسال, وكذلك لها أن تصلي في أول الوقت وآخره سواء صلى الناس أم لم يصلوا.

السؤال: إذا لم أعلم بوفاة الزوج إلا بعد فترة أكثر من ستة أشهر فمتى أعتد؟

الجواب: الاعتداد يبتدئ من الوفاة لا من علم المرأة, فمثلاً: إذا قدرنا أنه توفي في أول يوم من محرم ولم تعلم إلا في أول يوم من صفر, فابتداء العدة من أول يوم من محرم, وعلى هذا تعتد بثلاثة أشهر وعشرة أيام الذي هو تكميل العدة, ولو قدر أنه مات زوجها وهي حامل ولم تعلم بموته إلا بعد وضع الحمل, فقد انتهت العدة, وهذا يقع كثيراً, يكون الزوج في سفر ويموت وزوجته حامل ثم لم تعلم بموته إلا بعد أن وضعت, فحينئذٍ تكون عدتها قد انتهت, ولا يحتاج إلى إعادة العدة.