فتاوى نور على الدرب [615]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما صحة حديث: إن الأمة لا تجتمع على ضلالة؟

الجواب: هذا الحديث لا يصح بهذا اللفظ: أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، لكن قد دلت الأدلة على أن إجماع الأمة حجة، وأن الأمة معذورة بالعمل به، وما كان ضلالةً فإنه لا عذر للأمة بالعمل به، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، فإن ظاهر قوله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، يدل على أنه إذا حصل الاتفاق فإن قولهم كالذي قام به الدليل من الكتاب والسنة.

ومن الأدلة على ذلك -أي: على أن إجماع المؤمنين حجة- قول الله تبارك وتعالي: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، وعلى هذا فيكون إجماع الأمة المراد به إجماع علماء الأمة المجتهدين، ويكون دليلاً صحيحاً يؤخذ به في الأحكام، لكن الغالب أن ما أجمع عليه العلماء من الأحكام يكون قد دل عليه الكتاب والسنة، إما بطريق المنطوق، أو المفهوم، أو الإشارة، وقد يكون الدليل معلوماً لعامة العلماء، وقد يكون خفياً على بعض العلماء.

السؤال: ما صحة هذا الحديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق؟

الجواب: هذا أيضاً ليس بصحيح وهو ضعيف، لكن الطلاق لا شك أنه خلاف الأولى، وقد أمر الله تعالى بالصبر على المرأة، وكذلك جاء في السنة، فقال الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وهذه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يصبر على المرأة ولو كره منها ما كره، وفي السنة: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبغضها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يطلق إلا عند الحاجة الملحة أو الضرورة، وكذلك إذا سألت هي الطلاق لتضررها من الزوج أو تأذيها أو ما شبه ذلك من الأسباب، فإنه ينبغي للزوج أن يوافقها على طلبها، وإن كان من النساء من تطلب الطلاق لسبب يسير لكن عند الغضب تطلب الطلاق من أجله، فإذا وقع الطلاق ندمت ندماً عظيماً، ورجعت إلى زوجها تطلب منه المراجعة، وقد يكون ذلك بعد فوات الإمكان، وقد تكون هي الطلقة الثالثة، فيطلق الزوج استجابةً لرغبة الزوجة، ثم يحصل الندم منه ومنها، وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحتين:

النصيحة الأولى إلى الزوج وهي: ألا يسرع في إجابة الزوجة إذا طلبت الطلاق؛ لأن المرأة ناقصة العقل والتفكير، فتفكيرها لا يتجاوز قدمها، فقد تطلب الطلاق في حال غضب ثم تندم ندماً عظيماً إذا وقع، فليكن الزوج أوسع منها صدراً، وأبعد منها نظراً، وليمنعها ولا يجيبها إلى ما سألت، وإذا ضيقت عليه فليخرج من البيت ثم يرجع مرةً أخرى، فلعلها تكون قد بردت عليها ثورة الغضب، المهم ألا يتسرع؛ لأنه إذا تسرع في هذه الحال لا عذر له، حتى إن بعض الأزواج يقول: أنا أُكرهت على الطلاق؛ لأنها طلبت مني ذلك وألحت علي؛ أو لأن أباها طلب ذلك وألح علي أو ما أشبه ذلك، وهذا لا يعد إكراهاً، ولا عذر له فيه، والطلاق واقع.

أما النصيحة الثانية فهي للزوجة: لا تتسرع في طلب الطلاق من الزوج، بل عليها أن تصبر وتتحمل المرة تلو الأخرى، حتى إذا أيست من الصلاح والإصلاح فلا بأس؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل ضيقٍ فرجاً، لكن كونها تتسرع وتريد من الزوج أن يكون على هواها في كل شيء لا ينبغي لها ذلك، وأكثر ما يقع هذا فيما إذا تزوج الزوج بزوجة أخرى، فإنها حينئذٍ تسارع إلى طلب الطلاق والإلحاح به، وتندم حين لا ينفع الندم، فنصيحتي لها: أن تصبر وتحتسب الأجر من الله عز وجل على صبرها وتحملها الأذى، وسيجعل الله تعالى لها فرجاً ومخرجاً.

السؤال: يستفسر أيضاً عن صحة هذا الحديث: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع… الحديث؟

الجواب: هذا أيضاً لا يصح، لكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بالجار خيراً، كما هو في القرآن وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه )، والأحاديث في هذا كثيرة، وللجار حق حتى ولو كان كافراً، وهو حق الجوار، فإنه ينبغي للإنسان أن يحسن إلى جيرانه ولو كانوا أعداءً له في الدين، ولو كانوا أعداءً له عداوةً شخصية لا مبرر لها، امتثالاً لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] إلى قوله: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ).

وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الجار وإن كان كافراً بعيداً في النسب، يعني: ليس من أقاربك فله حق الجوار، وإن كان مسلماً فله حق الجوار والإسلام، درجة وإن كان قريباً فله حق الجوار والإسلام والقرابة.

السؤال: يستفسر عن صحة هذا الحديث: ( إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج

الجواب: هذا الحديث غير صحيح، ولكن لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسوية الصفوف، وكان عليه الصلاة والسلام يمر بالصف ويمسح صدورهم ومناكبهم ويأمرهم بالتسوية، وقد خرج ذات يوم وقد عقلوا عنه تسوية الصفوف فرأى رجلاً بادياً صدره -أي: متقدماً- فقال: عليه الصلاة والسلام: ( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )، وفي رواية: ( بين قلوبكم ) والمعنى: حتى تكونوا أعداءً متباغضين، وهذا وعيد لمن ترك تسوية الصف، وهو دليل على وجوب التسوية كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، وما نشاهده الآن من التهاون في تسوية الصف بالنسبة للإمام وبالنسبة للمأمومين أمرٌ يؤسف له، فإن كثيراً من الأئمة يلتفت يميناً وشمالاً يقول: استووا اعتدلوا، سووا صفوفكم، وربما كان يرى الصف غير مستوٍ، ولا يقول: يا فلان تقدم أو يا فلان تأخر، مما يُفهِم الناس أن هذه كلمةٌ كاسطوانةٍ تجر عليها إبرة وتحدث صوتاً -أي: أنه لا قيمة لهذه الكلمة عند الناس الآن- لأنهم لا يشاهدون فعلاً يؤكد هذه الكلمة، والذي ينبغي في حق الإمام أن يلتفت يميناً وشمالاً وأن يستقبل الناس بوجهه، وإذا رأى شخصاً متأخراً قال: تقدم يا فلان، أو متقدماً قال: تأخر يا فلان، حتى يحس الناس بأن هذه الكلمة استووا اعتدلوا لها معنى، كذلك أيضاً المأمومون تجد أنهم لا يبالون، فقد يكون الرجل إلي يمين صاحبه أو إلى يساره متقدماً عليه أو متأخراً عنه، ومع هذا لا يحاول أن يسوي الصف وهذا من الغلط، وكذلك أيضاً أهمل كثير من الأئمة وكثيرٌ من المأمومين مسألة التراص، فتجد الصف تكون فيه الفرج الكثيرة لا يسدها أحد وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتراص، وأخبر: ( أن الملائكة عند الله عز وجل يتراصون )، وبعض الناس فهم فهماً خطأً في كون الصحابة رضي الله عنهم يلصق الرجل كعبه بكعب أخيه، ومنكبه بمنكبه، فجعل يفرج بين رجليه تفريجاً بالغاً حتى يلصق كعبه بكعب أخيه، ومابين الأكتاف منفرج انفراجاً بقدر انفراج الرجلين، وهذا من الغلط ومن فهم النصوص على غير مرادها، فليس المراد مجرد وضع الكعب أو إلزاق الكعب بالكعب، بل المراد المراصة حتى يلزق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، فإلصاق الكعب بالكعب ليس مقصوداً لذاته، بل هو مقصودٌ لغيره وهو التراص والتسوية، لكن المشكل أن بعض الناس يفهم الشيء فهماً خاطئاً ثم ينشره بين الناس، ثم يشيع وكأنه هو السنة التي أرادها الصحابة رضي الله عنهم.

كذلك أيضاً يخطئ كثيرٌ من الناس في كيفية التسوية، فبعض الناس يظن أن التسوية هي: استواء الأصابع، وهذا فهم خاطئ، والتسوية استواء الأكعب حتى يكون كعب الإنسان مساوياً لكعب جاره، فلا يتقدم عليه ولا يتأخر، وأما الأصابع فقد تكون رجل الرجل طويلة وتتقدم أصابعه على أصابع الرجل التي تكون قدمه قصيرة، وهذا لا يضر، المساواة إنما هي بالأكعب؛ لأن الكعب هو الذي عليه اعتماد الجسم، حيث إنه في أسفل الساق، والساق يحمل الفخذ والفخذ يحمل الجسم، فليس التساوي بأطراف الأصابع بل بالأكعب، أكرر ذلك لأني رأيت كثيراً من الناس يجعلون مناط التسوية رءوس الأصابع، وهذا غلط.

هناك أمر آخر يخطئ فيه المأمومون كثيراً ألا وهو: تكميل الصف الأول فالأول، ولا سيما في المسجدين: المسجد الحرام والمسجد النبوي، فإنهم لا يبالون أن يصلوا أوزاعاً أربعة هنا وأربعة هناك، أو عشرة هنا وعشرة هناك، أو ما أشبه ذلك، وهذا لا شك أنه خلاف السنة. والسنة إكمال الأول فالأول، حتى إن الرجل لو صلى وحده خلف الصف مع أن الصف لم يتم فإن صلاته غير صحيحة بل هي باطلة يجب عليه أن يعيدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، وقال: لا صلاة لمنفرد خلف الصف ).

فإن قال قائل: إذا كنت لو ذهبت إلى طرف الصف فاتتني الركعة، فهل أصلي وحدي خلف الصف اغتناماً لإدراك الركعة؟ نقول: لا، اذهب إلى طرف الصف ولو فاتتك الركعة، ولو كانت الركعة الأخيرة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وأنت مأمور بتكميل الأول فالأول، فافعل ما أمرت به وما أدركت فصل، وما فاتك فاقضه، هذه تنبيهات أرجو الله سبحانه وتعالى أن تجد آذان صاغية من إخواننا الأئمة والمأمومين، ذكرتها تعليقاً على قول السائل: إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج وهو حيث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: شخص رأى عمالاً يشتغلون في وقت الصلاة وهو في طريقه إلى المسجد، فوقف عندهم وأمرهم بالصلاة ونصحهم ثم فاتته تكبيرة الإحرام بسبب تأخره عند هؤلاء العمال، فهل يعطى أجر من حضر تكبيرة الإحرام أم لا؟

الجواب: بل يعطى أجراً أكثر ممن حضر تكبيرة الإحرام؛ لأن حضور تكبيرة الإحرام إنما هو سنة، وأما نصح هؤلاء وأمرهم بالمعروف فإنه واجب، فهو يثاب على ذلك أكثر مما يثاب على إدراك تكبيرة الإحرام.

السؤال: السائق الذي يسير بسرعة كبيرة ثم حدث له حادث أدى به إلى الموت ومن معه، هل يأثم بموت هؤلاء؟

الجواب: لاشك أنه يأثم بذلك، لكن هل يأثم إثم المتعمد الذي تعمد القتل؟ والذي قال الله تعالى فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، أو يأُثم إثماً دون ذلك؟ الجواب: يأثم إثماً دون ذلك؛ لأن هذا الرجل لم يقصد بإسراعه أن يقتل نفسه ومن معه، وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يتأنى في سيره ويتمهل فيه، وإذا قدر أنه يقطع المسافة في ساعتين مثلاً، فليقطعها في ساعتين ونصف، وليسلم نفسه ومن معه من الهلاك، ولا سيما إذا كانت الخطوط وعرة، أو كان في الخطوط مقاطع كثيرة فإن الواجب عليه أن يتأنى تأنياً تحصل به السلامة.

السؤال: أريد أن أعرف مدى صحة هذا الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( آتاني آتٍ من ربي فأخبرني أو قال: فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق )، وسؤالي: ما صحة هذا الحديث؟ وما معناه بالتفصيل؟

الجواب: هذا الحديث صحيح، ومعناه: أن الإنسان إذا مات على الإسلام فإنه يدخل الجنة ولو زنى وسرق، ولكن لا بد أن يعذب على ذنوبه بما شاء الله عز وجل إلا أن يغفر الله له، وهذا الحديث لا يعني أننا نتساهل في المعاصي والكبائر، بل هذا الحديث يرغب في تحقيق الإسلام، وأن الإسلام يمنع من الخلود في النار، ولكن على الإنسان أن يعلم أن المعاصي كما قال العلماء: بريد الكفر، وأن المعاصي لا تزال بالرجل حتى يصل إلى حد الكفر والعياذ بالله؛ لأن الطاعات للقلب بمنزلة سقي الماء للشجرة، إذا داوم الإنسان عليه وثابر عليه بقيت الشجرة حيةً نضرة، وأن المعاصي بمنزلة قطع أغصان الشجرة كلما قطع الإنسان منها غصناً ضعفت ونقصت حتى تذهب أغصانها وربما يكون في ذلك ذهاب أصلها، فعلى الإنسان أن يحمي إيمانه بطاعة الله عز وجل، واجتناب معصيته، لكن لو فرض أنه فعل من المعاصي ما لا يقتضي الكفر، فإن مآله إلى الجنة إن شاء الله تعالى.

وقولنا: فإن مآله إلى الجنة ليس معناه أن فعل العاصي يؤدي إلى دخول الجنة، لكن معناه: أن العاصي مهما بلغت ذنوبه من العظم إذا لم تصل إلى حد الكفر لا بد أن يكون مآله إلى الجنة، بعد أن يعذب بما يقتضيه ذنبه إلا أن يعفو الله عنه.

السؤال: هل بين الخطبتين ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص؟ وهل يدعو الإمام بين الخطبتين؟

الجواب: ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص لكن يدعو الإنسان بما أحب؛ وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( أنها ما بين خروج الإمام -يعني: دخوله المسجد- إلى أن تقضى الصلاة )، فهذا الوقت وقت إجابة، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وكذلك يقال بالنسبة للإمام فله أن يدعو بين الخطبتين لكن دعاءً سرياً بما يريده من أمر الدنيا والآخرة، وكذلك أيضاً في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء، وكذلك أيضاً في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به.

السؤال: عندما أسمع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في موضع غير مشروع، كأن يقول المؤذن بعد الأذان: الحمد لله رب العالمين، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فهل علي أن أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا؟

الجواب: أما قول المؤذن: الحمد لله رب العالمين، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فإن هذا قولٌ مبتدع، ولا يجوز للمؤذن أن يتخذه عادةً، بل ولا أن يقوله أحياناً؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين والصحابة المهديين، وكفى بالأذان دعوة إلى الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: ( هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: أجب )، والمؤذن يقول للناس: حي على الصلاة، فلا حاجة أن يأتي بذكر آخر.

هذا بالنسبة لما يقوله المؤذن من هذا القول أو غيره بعد الأذان، أما بالنسبة لسامع المؤذن الذي يقول هذا القول: فإنه لا يلزمه أن يتابعه في ذلك، لكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن جبريل قال له: رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل: آمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين )، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنه متى سمع الإنسان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يصلي عليه؛ لئلا يقع فيه هذا الدعاء الذي دعا به جبريل وأمَّنَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أتى إليه يسأله عن الدين؟ فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والزكاة والصيام، وبعد أن انتهى، قال الرجل: ( والله لا أزيد على هذا ولا انقص. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق )، وبين ما ورد بالوجوب والذي يأثم تاركه من النوافل مثل تحية المسجد وغير ذلك؟

الجواب: نقول: إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبداً؛ ولهذا قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له الصلوات الخمس: ( هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع )، فلا شيء من النوافل يكون واجباً أبداً، لا تحية المسجد ولا غيرها, وإن كان بعض العلماء قال: بوجوب تحية المسجد، وكذلك بجوب صلاة الكسوف، ومن العلماء من قال: إن صلاة الكسوف فرض كفاية وهو أقرب الأقوال إلى الصواب، لكن ليس هناك شيء من النوافل، بل ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجباً، اللهم إلا بسبب كالنذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه )، لكن هذا سبب عارض يكون من فعل المكلف، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، لكن قد يقول قائل: إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكر في الحديث، فالجواب: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تتحقق فيه، وإما أن يقال: إن هذا كان قبل وجوب ما لم يذكر؛ لأن واجبات الدين لم تأت دفعة واحده، وإنما أتت بحسب الحكمة التي تقتضيها.