فتاوى نور على الدرب [614]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز أن أقرأ القرآن من المصحف في صلاة الليل؛ لأنني لا أحفظ إلا جزء عم؟ ثم ما هو الورد اليومي من القرآن؟

الجواب: لا حرج على الإنسان أن يقرأ في الصلاة من المصحف إذا كان لا يحفظ ما يريد أن يقرأه، وقد ورد في ذلك أثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أما إذا كان لا يحتاج إلى القراءة في المصحف فإنه لا ينبغي له أن يقرأ منه؛ وذلك لأن القراءة من المصحف تحتاج إلى حمل المصحف وإلى حركات متعددة لا داعي لها، وإلى فوات سنة، وهي وضع اليدين على الصدر، لكن لا بأس بذلك عند الحاجة، وكذلك فيما يظهر لو كان الإنسان يخشع خشوعاً أكثر إذا قرأ من المصحف فلا بأس، أما الورد الذي يقرأ من القرآن فهذا لم ترد به سنة، لكن ينبغي للإنسان ألا يدع القرآن بلا قراءة، إما أن يجعل القراءة نصف شهرية بمعنى أن يختم القرآن كله في نصف شهر، أو في عشرة أيام، أو في الشهر مرة، المهم ألا يدع القرآن؛ لأن القرآن كله خير.

السؤال: هل المسح على الرأس يكون شاملاً للجوانب، وإذا مسحت من الأمام إلى الخلف ثم قمت بإرجاع يدي إلي الأمام سوف أضطر إلى إرجاعها مرةً أخرى إلى الخلف؛ لأن شعري سيكون منقوشاً، فهل هذا صحيح؟

الجواب: الواجب في مسح الرأس في الوضوء أن يكون شاملاً لجميع الرأس من الجبهة إلى العنق، ومن الأذن إلى الأذن، ويكفي في المسح أن يُمِرَّ الإنسان يديه على رأسه من ناصيته إلى عنقه ماراً بجوانبه، ولكن الأفضل أن يمر بيديه من الناصية إلى الخلف ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وحينئذٍ لا حرج على المرأة إذا انتفش شعرها أن تمر يديها عليه لا تعبداً ولكن من أجل تسكين الرأس.

السؤال: فتاة تعاني من معاملة والدها القاسية، ومن ظلمه وقهره وجبروته، لدرجة أنها أحياناً تشك في أبوته مما تراه منه وتسمعه من كلامه الجارح، تقول: ولا أخفي عليكم فإنني أكرهه كثيراً، ولكني في نفس الوقت أدعو له بالهداية دائماً، وكثيراً ما أقع في سبه والكلام في غيبته، وأتدارك فعلي هذا بالاستغفار له وبالدعاء له، ولا أحب أن أواجهه بل أتهرب منه، وهو أيضاً لا يسأل عني ولا يهتم بأمري، ولكنني أحاول بقدر الإمكان أن أقوم بطاعته إذا أمرني، وقد حاولت مراراً تقديم النصيحة له لكنني لم أجد الجرأة الكافية، وهو أيضاً لا يعطي لأحدنا فرصة لمواجهته، ولا يستجيب لا لأهله ولا لغيرهم، بل يفعل ما يمليه عليه رفقاء السوء دون أن يفكر هل ما يفعله صحيحاً أم خطأ، ودون النظر لعواقب الأمور، وأفيدكم علماً بأنه مثقف ودائماً ما يردد بعض الأحاديث، والعجيب أن تلك الأحاديث تناقض فعله، وسؤالي يا فضيلة الشيخ محمد : هل علي إثم في عدم محادثته والتهرب منه حيث أن ذلك رغم إرادتي؟ وجهوني في ضوء ذلك، وهل يعتبر ذلك من العقوق؟

الجواب: من المعلوم أن للوالدين حقاً وللأولاد حقاً، للوالدين حق على أولادهم من ذكور وإناث، وللأولاد حق على آبائهم وأمهاتهم، ولكن حق الوالدين على الأولاد أعظم من حق الأولاد على الوالدين؛ لهذا أنصحك أولاً: بالصبر على ما يحصل من أبيك من الأذية والجور والظلم، وأرجو لك -بذلك الصبر والاحتساب- ثواباً من عند الله عز وجل، ثانياً: لا تقاطعيه إذا حصل منه هذا الشيء، بل صليه وبري به وأنت الرابحة.

أما بالنسبة للأب فإني أنصحه بأن يكون عوناً لأولاده من ذكور وإناث على بره، وأن يتلطف إليهم، وأن يكون رفيقاً بهم، وليعلم أن التعسف والجور والظلم على البنات من أعمال الجاهلية، فإن أهل الجاهلية هم الذين يكرهون الإناث ويكرهون وجودهن حتى إن أحدهم وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58-59].

كانوا في الجاهلية من كراهتهم للنساء إذا ولد للإنسان مولودة ذهب يحفر لها ويدفنها وهي حية والعياذ بالله، حتى ذكروا أن بعضهم كان يدع البنت إلى أن تميز أو تكون قريبة من التمييز ثم يخرج بها إلى البر ويحفر لها الحفرة فإذا أصاب لحيته شيء من التراب جعلت تنفض لحيته، وتنقيها من التراب وهو يحفر لها الحفرة ليدفنها والعياذ بالله ثم يدفنها، وأن بعضهم تستغيث به ابنته إذا رأته ألقاها في الحفرة قائلة: يا أبتي! يا أبتي! ولكنه لا يرق لها بل يرمسها والعياذ بالله، وهذه القلوب أقسى من الحجارة، وكل إنسان يكره النساء ويعاملهن المعاملة السيئة ففيه شبه من أهل الجاهلية.

فنصيحتي لهذا الأب: أن يتقي الله عز وجل فيما رزقه الله من الإناث، وأن يعلم أنه إذا صبر عليهن وأدبهن كن له حجاباً من النار، كما جاءت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليرفق بهن، لعل الله أن يرفق به إذا لاقاه يوم القيامة.

السؤال: حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هل يشترط لتحقيق ذلك كمية معينة؟

الجواب: ظاهر الحديث أنه لا يشترط لذلك كمية معينة، لكن أهل العلم قالوا: إنه ينبغي للإنسان أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه، أي: يملأ بطنه منه، ولا شك أن ماء زمزم ماء مبارك، وأنه: ( طعام طعم وشفاء سقم )، بإذن الله عز وجل.

السؤال: هل يشترط أن يكون شرب ماء زمزم في مكة؟

الجواب: لا يشترط؛ ولهذا كان بعض السلف يأمر من يأتي به إليه في بلده فيشرب منه، وهو أيضاً ظاهر الحديث ( ماء زمزم لما شرب له )، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة.

السؤال: إذا أوصت المرأة بنصف أموالها بأن تنفق في سبيل الله، فهل تأثم في ذلك؟ مع العلم بأن وارثيها ليسوا بحاجة إلى أموالها وأنهم ليسوا بفقراء؟

الجواب: لا يحل للرجل ولا للمرأة أن يوصي بأكثر من الثلث؛ وذلك لأنه ثبت في الصحيحين وغيرهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص من مرض كان به فقال له: يا رسول الله! إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: أتصدق بالشطر أي: بالنصف؟ قال: لا، قال: أتصدق بالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس )؛ ولهذا يحرم على الإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث، فلو قُدِّرَ أنه فعل ذلك إما جهلاً، وإما تهاوناً وتساهلاً فإن للورثة من بعده أن يأخذوا ما زاد على الثلث، ولا ينفذوا إلا الثلث فقط، وعلى هذا فنقول لهذه المرأة: إياك أن توصي بأكثر من الثلث، أوصي بالثلث وفيه خير؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان )، فالذي يحب أن يتصدق يتصدق وهو صحيح شحيح، قبل أن يمرض وقبل أن يموت، ويسلم من التبعة من وجه، وتطمئن نفسه إلى أنه وضع المال فيما يريده من وجه آخر؛ لأنه ربما يوصي بشيء ويتهاون الورثة بهذا، ولا يؤدونه كما يريد الموصي.

السؤال: جاءت في قريتنا جنازة في وقت العصر، فصلوا صلاة الجنازة ولم يصلوا العصر إلا قبل المغرب، فهل يجوز لهم ذلك؟

الجواب: هذا شيء عجيب أن يبدؤوا بصلاة الجنازة قبل صلاة الفريضة، لكن لعل هذا وقع لسبب من الأسباب، لا ندري ما هو، ولكننا نجيب على حسب السؤال، فنقول: إذا جاءت الجنازة إلى المسجد فإنه يبدأ بصلاة الفريضة قبل ثم يصلى على الجنازة، ولا يبدأ بالجنازة؛ لأنه إذا صلي على الجنازة قبل صلاة الفريضة فإن الذين يشيعونها سيبقون مترددين: هل يصلون مع الناس أم يذهبون بالجنازة لدفنها؟ أما إذا صليت الفريضة ثم صلي على الجنازة صار الناس أحراراً.

السؤال: هل يجوز المشي بالجنازة بصوت مرتفع؟

الجواب: الجنازة ينبغي للمشيعين لها أن يكونوا متأملين متفكرين في مستقبلهم، وأنهم سوف يحملون على الأعناق كما حمل هذا الميت إن عاجلاً وإن آجلاً، وحينئذٍ يهتمون بأمورهم، ويوطنون النفس على الأعمال الصالحة؛ ولهذا كره العلماء أن يتحدث المشيعون بأمور الدنيا، أو أن يضحكوا وكأنهم في مجلس نزهة وطرفة.

وأما الذكر معها بأصوات عالية أو قول: اذكروا الله أو وحدوا الله، فهذا كله من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على اتباع الجنائز، فإن النبي صلي الله وعليه وسلم قال: ( من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين )، وفي رواية: ( أصغرهما مثل أحد ).

السؤال: هل ورد في السنة أن يقوم رجل بتلقين الميت بعد الدفن؟

الجواب: لم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فيه حديث عن أبي أمامة : ( أنه يلقن ويُدعى بأمه، ويقال له: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) إلى آخره، ولكن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما السنة جاءت بأن يقف على القبر ويستغفر للميت ويسأل الله له التثبيت، فيقول: اللهم أغفر له، اللهم أغفر له، اللهم أغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل )، ويكون هذا الدعاء أفراداً بمعنى: أن كل واحد يدعو به الميت دون أن يكون بصوت واحد.

السؤال: هل ورد في السنة قراءة سورة يس بصوت مرتفع في المقبرة بصورة جماعية؟

الجواب: لم يرد ذلك في السنة لا بصوت مرتفع ولا بصوت منخفض، ولا بصوت مجتمع عليه، ولا بصوت منفرد، وإنما جاء في الحديث: ( أقرءوا على موتاكم يس )، وهذا الحديث ليس متفقاً على صحته ولا على حسنه بل فيه خلاف هل هو صحيح أو ضعيف؟ والمراد به إن صح: أن يقرأ على المحتضر سورة يس، يعني: إذا علمنا أن رجلاً احتضر أو أن امرأة احتضرت فإنه يقرأ عليه يس بصوت يسمعه المحتضر لما في ذلك من ذكر مآل المؤمن، وذكر الجنة والنار، وذكر شيء من آيات الله عز وجل، وهذا قد يكون سبباً لحسن الخاتمة بالنسبة لهذا الميت الذي قرأنا عليه هذه السورة.