خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [612]
الحلقة مفرغة
السؤال: كيف يكون المسلم محققاً لشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً واعتقاداً، بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
الجواب: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أن يفهم الإنسان معناها أولاً، ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها: لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهاً، كما قال تعالى: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [هود:101]، وقال تعالى: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الإسراء:39]، وقال المشركون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ص:5]، لكن هذه الآلهة ليست حقاً بل هي باطل؛ لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدةً وقولاً وعملاً لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله، فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: ألا يعبد إلا الله، فلا يتذلل، ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله عز وجل، ومقتضى هذا أيضاً ألا يعبد الله تعالى إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق وما سواه فهو باطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا بد أيضاً من تحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله عز وجل من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى، قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256].
وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فلا بد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله عز وجل، أو تحوكم إليه من دون الله.
السؤال: كيف يضمن المسلم لنفسه النجاة من الخلود في النار؟
الجواب: لا يمكن لأحد أن يضمن لنفسه ذلك؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء، لكن المؤمن يرجو الرحمة والنجاة من النار بما قام به من عبادة الله وحده لا شريك له، وامتثال أمر الله، واجتناب نهي الله، كما قال الله تبارك وتعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].
فالإنسان إذا قام بما أوجب الله علية، وترك ما حرم الله إليه مخلصاً لله في ذلك متبعاً لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه يرجو أن ينجيه الله بذلك من النار وبدخلة الجنة، وينبغي له في هذه الحال أن يحسن الظن بالله، وألا يكون آيساً من رحمة الله عز وجل، لكن مع ذلك كل إنسان يخاف ألا يكون قبل عمله؛ لأن الإنسان بشر، قد يكون في قلبه من الإعجاب بعمله ما يهدم عمله، وقد يكون في قلبه شيء من الرياء، وقد يكون في عمله شيء من البدعة، فالضمان غير حاصل على سبيل التعيين، لكن على سبيل العموم نقول: قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
السؤال: عندما أغضب من شيء أتلفظ بألفاظ غير سوية، وعندما يهدأ الغضب أندم وأستغفر الله، فهل يكون علي إثم في ذلك؟
الجواب: ينبغي أن نذكر هذا السائل بما ثبت في صحيح البخاري : ( أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب )، فنوصي هذا السائل ألا يغضب، وأن يضغط على نفسه ويتحمل الصبر حتى يكون هادئ البال بعيداً عن الغضب الذي قد يحدث من جرائه ما لا تحمد عقباه، وليمرن نفسه على ذلك، فرُبّ إنسان غضوب كان إنساناً راضياً، وأما أن يمهل لنفسه ويطلق العنان لها فيغضب عند أقل شيء ويحصل منه من الكلام أو الأفعال ما لا تحمد عقباه، فهذا خلاف الحزم، وخلاف الشهامة والرجولة، فإن قال قائل: ما دواء ذلك؟ يعني: إذا ثار به الغضب فما دواؤه؟ نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بعدة أدوية: منها: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، بأن يقول الإنسان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومنها: أنه إذا كان قائماً فليجلس، فإن كان جالساً فليضطجع؛ لأن تنقل الإنسان من أعلى إلى أدنى تنكسر به حدة النفس وحدة العلو فيزول الغضب.
ومنها: أي: من أسباب زوال الغضب أن يتوضأ؛ لأن الوضوء عمل تلهو به النفس؛ ولأن الوضوء يبرد حرارة الدم فيهبط الغضب، ومن ذلك أيضاً: أن يبعد عن المكان، فإذا أغضبته زوجته في البيت مثلاً، ولم يتمكن من الوضوء وما ذكرناه آنفاً، فليخرج من البيت حتى لا يقع المحذور.
السؤال: ما حكم لبس أسنان الذهب بالنسبة للرجل وذلك للضرورة؟
الجواب: لبس أسنان الذهب للضرورة لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الرجل الذي ذهبت أنفه في القتال أن يتخذ أنفاً من ذهب، فإذا انكسرت سن الإنسان واحتاج إلى أن يجعل بدلها قطعةً من الذهب فلا بأس، لكن لو جعل بدلها شيئاً من السن الصناعي لكان أحسن وأقرب إلى تلاؤم الأسنان، وعدم التشويه.
السؤال: حصل خلاف بيني وبين أقرباء لي، وكنت أنا المخطئ، فقاطعوني لمدة سنة، وبعدها حصلت المسامحة، إلا أنني لاحظت بأنهم لا يقومون بزيارتي في بيتي ولا زال في نفوسهم بعض الشيء، فبماذا تنصحونني؟ علماً بأنني نادم على ما حصل مني وجهوني فضيلة الشيخ؟
الجواب: الذي ننصحك أن تحاول إزالة ما في قلوبهم من الشره عليك، وذلك بكثرة زياراتهم، أو دعواتهم إلى البيت وإكرامهم في البيت، أو الهدايا التي تذهب بها السخيمة، أو غير ذلك من أسباب المودة وإزالة الجفوة، وهذا أمر يسير على من يسره الله عليه، ولكن لا تنبش ما مضى، ولا تبحث فيه، واجعل نفسك من أبناء اليوم؛ لأن البحث فيما مضي يؤدي إلى النزاع وإعادة التشويش كما هو مجرب ومشاهد، لكن إذا تنوسي ما مضى وابتدأ الإنسان حياته من جديد بالنسبة لمعاملة هؤلاء فإنه يزول بالكلية إن شاء الله تعالى.
السؤال: من هم الصابئة هل هم الذين خرجوا عن دين الله؟
الجواب: هؤلاء اختلف فيهم العلماء رحمهم الله فقيل: إن الصابئة من خرجوا عن دين قومهم، وقيل: إن الصابئة: من لا دين لهم، ولم يترجح عندي أي القولين أصح، فالله أعلم.
السؤال: لي صديق لا يصلي ولا يصوم وهو في العشرين من العمر، وأنا أحبه وأقدره؛ لأنه زميل مخلص لي، وأنا أحافظ على الصلوات والحمد لله، فما حكم زمالتي له؟
الجواب: أقول: أولاً: ما دام صديقاً لك فله حق عليك أن تناصحه، وأن تؤكد عليه أن يصلي، وأن تخوفه من عقوبة الله عز وجل إذا لم يصل، وأن تصطحبه معك إلى المسجد وإلى مجالس الذكر ومجالس الإيمان من الأصحاب والخلان، لعل الله أن يهديه على يدك فتكون أهديت له أهم هدية، فإن حصل هذا المطلوب فهو المطلوب، وإن لم يحصل فلا أرى أن تصاحبه ولا أن تماشيه؛ لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
السؤال: ما حكم الدعاء أثناء الأذان؟
الجواب: متابعة المؤذن وإجابته أفضل من الدعاء، فإذا قال: الله أكبر، فقل: الله أكبر، وإذا قال: أشهد أن لا اله إلا الله، فقل: أشهد أن لا اله إلا الله، وإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقل: أشهد أن محمداً رسول الله، وإذا قال: حي على الصلاة، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: الصلاة خير من النوم في الأذان الأول لصلاة الفجر، فقل: الصلاة خير من النوم، وإذا قال: الله أكبر، فقل: الله أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله فقل: لا إله إلا الله، وهذا أفضل من الدعاء، وأفضل من قراءة القرآن؛ لأنه ذكر خاص يفوت بفوات وقته، ولكن إذا فرغ المؤذن فقل: اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، ثم ادع الله تعالى بما شئت، فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد.
السؤال: ما صحة حديث ( أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر )؟
الجواب: لا يحضرني سند هذا الحديث، ولا أدري ما سنده، لكن اختلف العلماء رحمهم الله في معناها، فمنهم من قال: أسفروا بالفجر أو بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، قال: المعنى: أخروا صلاة الفجر حتى يكون الإسفار التام، ومنهم من قال: أسفروا بالصبح أي: لا تتعجلوا حتى يتبين الصبح؛ لأن الصبح يكون خفياً أول ما يطلع؛ ولهذا لم يرتب الله تعالى الأحكام علي طلوع الصبح، بل على تبين الصبح، حيث قال تعالى في الصيام: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].
وهذا القول أعني أن المراد به تحقق طلوع الفجر هو الصواب؛ لأن السنة بينت ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بغلس.
السؤال: من نسي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ماذا يلزمه؟
الجواب: هذا ينبني على حكم الصلاة على النبي في التشهد الأخير، فمن قال: إنها سنة، قال: لا يلزمه شيء؛ لأن ترك السنن في الصلاة لا يلزمه به شيء، ومن قال: إنها واجب، قال: إن تعمد تركها بطلت صلاته، وإن نسيها جبرها بسجود السهو، ومن قال: إنها ركن قال: إن تعمد تركها بطلت صلاته، وإن نسيها فلا بد أن يأتي بها، وعليه سجود السهو، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن لا تصح الصلاة إلا به.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3648 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3497 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3479 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3439 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3343 استماع |