فتاوى نور على الدرب [598]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل ورد في فضل الإمامة بالناس في الصلاة والخطبة بهم يوم الجمعة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يؤجر المسلم إذا فعل مثل هذا؟

الجواب: لا أعلم نصاً خاصاً في فضيلة الإمامة في صلاة الجمعة وخطبتها، لكن النصوص العامة وإيمائها وإشارتها تدل على فضل الإمامة، سواء في الجمعة أو غيرها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله )، وأما الخطبة فهي من الدعوة إلى الله ونشر شريعة الله في عباد الله، فتدخل في عمومات الأدلة الدالة على فضيلة العلم، ونشر العلم والدعوة إلى الله عز وجل، فمن كان عنده قدرة على الخطبة التي تكون مبنية على ما يرقق القلب، ويوقظ الهمم على وجه مؤيد بالأدلة من الكتاب والسنة، فهذا خير بلا شك، وعلى خطيب الجمعة أو من تكلم بكلام عام في محاضرة أو ما أشبه ذلك، أن يتحرى ما يحتاج الناس إليه في مجتمعهم، ويبين حكمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: عندنا إمام بالقرية يضع شريط قرآن ويؤذن حسب توقيت صلاة المسجل، وبعد ذلك يغلق المسجل ويقيم الصلاة، هل هذا صحيح؟

الجواب: هذا ليس بصحيح -أعني: الأذان من مسجل- ولا يجوز الاعتماد عليه؛ لأن صوت المسجل ليس صوت مؤذن يباشر الأذان، وإنما هو حكاية صوت مؤذن ربما يكون قد مات، والأذان عبادة مقصودة بذاتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا )، يعني: ثم لم يجدوا سبيلاً إلى الوصول إليه إلا بالقرعة لاقترعوا على ذلك، وهذا يدل على فضيلة الأذان، وكونه يسمع من مسجل لا فرق بينه وبين أن يقال: حان وقت الصلاة؛ لأنه لم يقم الأذان المتعبد به في هذا المكان، وعلى هذا فنقول: إن هذا العمل لا يصح، ولا تبرأ به الذمة في إقامة الأذان المشروع، وسبحان الله أن يلعب الشيطان بعقول بني آدم، وإلا فما الفرق بين أن يؤتى بالمسجل ثم يفتح عليه الكهرباء ثم يشغل، أو رجل من المسلمين يقف ويؤذن؟! والأذان يصح حتى ممن لم يبلغ، لكن العجز والشيطان يعلب ببني آدم، نسأل الله السلامة والعافية.

السؤال: قريبي يبني منزلاً خاصاً به، وقد أقرضته مبلغاً كبيراً من المال، وعليه ديون كثيرة من جراء هذا البناء، وأعرف حالته المادية، ومضى على ذلك ما يقارب من سنتين ولم أخرج زكاة عن تلك الأموال، هل فيها زكاة؟

الجواب: هذا القرض لا تجب فيه الزكاة عليك؛ لأنه عند غير قادر على الوفاء، والديون نوعان: نوع عند شخص قادر على الوفاء متى طلبته منه أعطاك، فهذا الدين تجب فيه الزكاة على من له هذا الدين، فإن شاء زكاه مع ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضه ثم يزكيه لما مضى، والثاني: دين على معسر أو على مماطل لا تتمكن من مطالبته، فهذا لا زكاة فيه إلا إذا قبضته فإنك تزكيه سنة واحدة عن ما مضى، ولو طالت المدة، هذا هو أقرب الأقوال في مسألة الدين.

السؤال: ما حكم قص الشعر إذا لم يكن في القص تشبه بالرجال، ولم يكن هناك سبب يجعل المرأة تضطر إلى قص شعرها، مثل تساقط الشعر وغير ذلك، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب: قص المرأة شعر رأسها في حج أو عمرة نسك من مناسك الحج والعمرة، فتقصر من كل قرن قدر أنملة، وهذا لا إشكال فيه، وقص المرأة شعرها لحاجة لا إشكال في جوزاه أيضاً، وقص المرأة رأسها لغير حاجة اختلف فيه أهل العلم: فمنهم من قال: إنه مكروه، ومن أصحاب الإمام أحمد من حرمه، ولكن لا دليل على هذين القولين، والذي نراه في هذه المسألة: أن الأفضل للمرأة إبقاء رأسها على ما كان، وأن لها أن تقصه بشرط: أن لا تقصه قصاً بالغاً بحيث يكون كشعر رأس الرجل، وأن لا تقصه على وجه يشبه قص نساء الكفار.

أما دليل الشرط الأول: أن لا يكون مشابهاً لرأس الرجل؛ فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال )، وأما الدليل الثاني؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.

وليعلم أن التشبه لا يكون بالقصد، وإنما يكون بالصورة، بمعنى أن الإنسان إذا فعل فعلاً يختص بالكفار، وهو من ميزاتهم وخصائصهم، فإنه يكون متشبهاً بهم، سواء قصد بذلك التشبه أم لم يقصده، وكثير من الناس يظن أن التشبه لا يكون تشبهاً إلا بالنية؛ وهذا غلط لأن المقصود هو الظاهر، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار كما في الحديث الذي ذكرناه آنفاً، قال العلماء: ومن تشبه بهم في الظاهر أوشك أن يتشبه بهم في الباطن، ولا سيما إذا كان هذا التشبه بقصد تقليدهم الدال على تعظيم في النفس، وعلى أنهم أهل لئن يكون أسوة، فإن ذلك على خطر عظيم.

السؤال: عندي والدة حفظها الله كلما طلبت مني أمراً لبيت طلبها بسرعة، ولا أتأفف أمامها، ولا أظهر لها التضجر، ولكن عندما أذهب إلى بعض أخواتي في الله أشكو لهن من والدتي بأن ما تطلبه والدتي كثير جداً، فهل يعتبر هذا من عقوق الوالدين؟

الجواب: أرى أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه غيبة للوالدة، وإذا كانت هذه المرأة ترضي والدتها بما تطلب ابتغاء وجه الله، فإنه لا يجوز أن تمن بذلك، أو أن تؤذي أمها بذلك بسبها عند صاحباتها، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تقلع عنه في المستقبل، وأن ترجو بذلك -أي: بإرضاء والدتها بما تطلب- وجه الله عز وجل، وأن تسأل لها الهداية.

السؤال: حفظت القرآن الكريم والحمد لله، ولكنني نسيت بعضاً منه، وكلما أحاول الحفظ أنساه، فماذا أفعل؟ أرجو منكم أن تدلوني على طريقة أراجع فيها القرآن الكريم ولا أنساه، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: من المعلوم أن النسيان من طبيعة البشر، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون)، والناس يختلفون في الحفظ سرعة وبطئاً، وكذلك يختلفون في بقاء ما حفظوا سرعة وبطئاً، وفضل الله يؤتيه من يشاء، لكن نقول لهذه المرأة: إذا كانت سريعة النسيان فلتكثر تعاهد القرآن، فلقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها)، وهي إذا تعاهدته مستعينة بالله راجية ثواب الله وأن يحفظ الله لها ما حفظت فإن الله تعالى سوف يعينها، لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني).

السؤال: اختلاط الرجال بالنساء خصوصاً في المناطق الريفية حيث يعتبرون كأسرة واحدة، وعادات المناطق الريفية تختلف عن المناطق الحضرية، فنرجو الإفادة؟

الجواب: هناك ثلاثة أمور: الأمر الأول: السفر بالمرأة وحدها بدون محرم، والثاني: الخلوة بالمرأة بغير محرم، والثالث: الاختلاط في المجامع. فأما الأول: وهو سفر المرأة بلا محرم فإنه محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب الناس: ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )، ولا فرق بين سفر العبادة وسفر العادة؛ لعموم الحديث، فلا يحل للمرأة أن تسافر للعمرة بلا محرم، ولو كان معها نساء، ولو كانت كبيرة السن، ولو كانت ممن لا تتعلق بها أطماع الرجال؛ لعموم الحديث، ولا يحل لها أن تسافر لصلة رحم أو زيارة صديق أو ما أشبه ذلك، ولا يحل لها أن تسافر سفر نزهة أو تجارة، كل هذه الأسفار بجميع أنواعها لا يحل لها أن تقوم بها إلا بمحرم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك؛ ولأن سفرها بدون محرم عرضة لتعلق الأطماع بها، وربما تحتاج إلى شيء فلا تجد عندها محرم يعينها أو يكفيها المؤونة.

الثاني: الخلوة بالمرأة بلا محرم محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة )، وفي حديث آخر: ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان )، وهذا يدل على التحذير البالغ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن شخصين ثالثهما الشيطان لا تؤمن عليهما الفتنة والزلة، ولا فرق بين أن يكون الذي خلا بها قريباً من غير المحارم أو غير قريب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت )، وهذه الجملة تفيد التحذير البالغ من خلوة الحمو الذي هو قريب الزوج بامرأته، وإن بعض الناس يتهاون في مثل هذا الأمر، فتجد أخوين في بيت واحد ولأحدهما زوجة يخرج هذا الزوج إلى عمله، ويبقي زوجته مع أخيه في البيت، وهذا من أخطر الأمور، وما أكثر المآسي التي نسمع بها من جراء ذلك، ولا فرق في الخلوة بين أن تكون في منزل أو في سيارة ونحوها؛ لأن العلة الموجودة في الخلوة في المنزل موجودة في الخلوة في السيارة، والشريعة الإسلامية لا تفرق بين شيئين متماثلين أبداً، وتهاون بعض الناس في هذا الأمر خطير جداً؛ لأن بعض الناس يرسل ابنته الشابة مع السائق إلى المدرسة، أو يرسل زوجته مع السائق إلى المدرسة وليس معهما أحد، وهذا خطير جداً، وكثيراً ما نسمع قضايا مزرية من جراء ذلك، فعلى الإنسان أن يتقي ربه عز وجل، وأن يحفظ محارمه، وأن يكون فيه غيرة على أهله ونسائه.

القسم الثالث: الاختلاط العام، فهذا إذا كان في السوق، فمن المعلوم أن المسلمين تمشي نساؤهم في أسواقهم مع الرجال، ولكن يجب هنا التحرز من المماسة والمقاربة، بمعنى: أنه يجب على المرأة وعلى الرجل أيضاً أن يبتعد أحدهما عن الآخر، ويحسن جداً أن يكون معها محرم إذا نزلت إلى السوق، ولا سيما إذا كثر الفساد.

القسم الرابع: عام ولكنه في الحقيقة فيه نوع من الخصوصية، وهو: الاختلاط في المدارس والجامعات والمعاهد، وهذا أخطر من الاختلاط في الأسواق؛ وذلك لأن الرجل والمرأة يجلسان مدة طويلة للاستماع إلى الدرس، ويخرجان جميعاً إلى أسياب المدرسة أو المعهد أو الكلية، فالخطر فيه أشد، فنسأل الله أن يحمي شعوب المسلمين من كل سوء ومكروه.

السؤال: أنا عندي سيارة نقل وهي المصدر الأساسي لدخلي، وأنقل البضاعة على 280 كيلو متر، هل يجوز قصر الصلاة فيها؟ وكم المدة من الأيام؟

الجواب: يجوز قصر الصلاة في مسافة 280 كيلو، إذا كان يبقى في البلد الآخر الذي سافر إليه يومين أو ثلاثة أو نحوها، وله أن يقصر حتى يرجع إلى بلده ولو طالت المدة، لكن يجب التنبه إلى شيء يهمله كثير من الناس جهلاً أو تهاوناً، وهو الصلاة مع الجماعة؛ فإن الواجب على المسافر إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة أن يحضر إلى الجماعة؛ لأن السفر ليس من مسقطات وجوب صلاة الجماعة، بل قد أوجب الله الجماعة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في السفر في حال الخوف، فقال تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، فأوجب الله صلاة الجماعة حتى في هذه الحال، فكيف بحال الأمن؟! ومن توهم أن المسافر ليس عليه جمعة ولا جماعة وهو في نفس البلد فلا وجه لوهمه هذا.

السؤال: إذا غلب على الظن بأن الميت لا يصلي، فهل يمتنع المسلم من الصلاة عليه؟

الجواب: لا يمتنع من الصلاة عليه، ولو غلب على ظنه أنه لا يصلي ما لم يتيقن أنه لا يصلي، ولكن إذا كانت غلبة الظن مبنية على قرائن قوية، فإنه إذا أراد الدعاء له يقيد ذلك فيقول: اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه إلى آخر الدعاء، والدعاء بالشرط قد جاء به الكتاب والسنة، فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية اللعان في شهادة الرجل على امرأته بالزنا: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6-9]، فهذا دعاء بشرط، وفي حديث الثلاثة: الأبرص والأقرع والأعمى حين ابتلاهم الله عز وجل، وفي القصة أن الملك أتى الأبرص والأقرع كل منهما في صورته التي كان عليها، وقال له- أي الملك-: أنا فقير وعابر سبيل، أسألك يعني: أن يمده بشيء يتبلغ به في سفره، فقال كل منهما: الحقوق كثيرة، وإنما ورثت المال هذا كابراً عن كابر، فقال له الملك: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت. فقيد هذا الدعاء بالشرط، وفي دعاء الاستخارة يقول الرجل: اللهم! إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي. فإذا قدم الميت الذي يغلب على الظن أنه لا يصلي بدون يقين أنه لا يصلي، فإن الإنسان يقول: اللهم! إن كان هذا مؤمناً فاغفر له وارحمه. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن أشياء مشكلة عليه: منها: أنه يقدم جنائز للصلاة عليها يشك الإنسان في أنه مبتدع لا يصلى عليه، أو متمسك بالسنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: عليك بالشرط يا أحمد، والشرط أن يقول: اللهم إن كان مؤمناً على السنة فاغفر له وارحمه... إلخ.

أما إذا علمت أنه لا يصلي فإنه لا يحل لك أن تصلي عليه، لا أنت ولا غيرك؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فنهى الله تعالى أن يصلى على هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.