فتاوى نور على الدرب [596]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز رفع اليد والدعاء أثناء السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم باتجاه بيته؟

الجواب: إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستحبة، وهي أولى وأول ما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( زوروا القبور، فإنها تذكر بالآخرة )، ولكن يجب على الإنسان حين زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعتقد أنها عبادة لله، وليس عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً، يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، فهذه حقيقة حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فالأمر كله إلى الله عز وجل، فالنفع والضر للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره كله لله عز وجل، وهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، وهو صلى الله عليه وسلم يمسه الضر كما يمس غيره، ولهذا قال: وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، ولكنه صلى الله عليه وسلم يمتاز عن غيره بأنه نذير مبين لقوم يؤمنون، ولقد قاله الله تعالى له وأمره أن يعلن أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لأحد ضراً ولا رشداً، كما قال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا [الجن:21]، وأمره أن يعلن شيئاً آخر، فقال: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى [الأنعام:50].

فالواجب على من زار قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يؤمن بذلك، أي: بما وصف الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يتجاوزه غلواً، وأن لا يتأخر عنه تقصيراً، فللرسول صلى الله عليه وسلم ما له بما جعله الله عز وجل له، وللرب عز وجل ما اختص به نفسه سبحانه وتعالى، ثم إذا سلم فلا يطيل، لأن الإطالة مخالفة لهدي السلف الصالح، يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبر، فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل وسلم عليه، واجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ثم يخطو عن يمينه خطوة ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً، ثم يخطو خطوة أخرى عن يمينه ليكون أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً، أو كلمات نحوها، ثم ينصرف، ولا يقف يدعو عند القبر، وينبغي أن لا يكثر من هذه الزيارة، خلافاً لمن يجعلها -أي: هذه الزيارة -كلما صلى فريضة جاء فزار، أو كلما صلى الفجر جاء فزار، فإننا نعلم -والله- علم اليقين أننا لسنا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحبه الصحابة، ولا نعظمه أكثر مما يعظمونه، وإذا كانوا لا يفعلون مثل هذا، فهم أسوتنا وقدوتنا، قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، فرضى الله عز وجل عمن كانوا بعد المهاجرين والأنصار لا يكون إلا لمن اتبعهم بإحسان، أي: أخذ بطريقتهم غير مقصر فيها ولا متجاوز لها.

وإنك لتعجب من قوم يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أكثر من تعظيم الصحابة له، لكنهم يخالفونه في الأعمال، تجد عندهم تقصيراً في كثير من السنن التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعبد الناس بها لربهم جل وعلا، بل إنك تجدهم مقصرين في الواجبات، بل ربما تجد فيهم انتهاكاً للمحرمات، ربما يكون فيهم من يحلق لحيته، ربما يكون فيهم من يشرب الخمر، وربما كان فيهم من يتتبع النساء بالمغازلة أو بالنظر المحرم أو ما أشبه ذلك، فعجباً لهؤلاء أن يخالفوا السلف من الجهتين؛ في الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي التقصير في سنته وهديه، وليس تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقف عند قبره لنزوره زيارة غير مشروعة، وإنما تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بمحبته واتباعه ظاهراً وباطناً، واعتقاد أن سنته خير السنن، وأن هديه أكمل الهدي، وألا نتجاوز ما شرعه لا تقصيراً ولا إفراطاً، هذا هو تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولقد تحدى الله تعالى قوماً ادعوا أنهم يحبون الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزل الله على رسوله، وأن لا يغلوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الغلو الجائر الذي يحرمون به خير سنته وخير هديه، ولقد يعجب المرء أن يقف بعض الناس أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم متجهاً إلى قبره، حانياً رأسه، مغمضاً عينيه، جاعلاً يديه على صدره كما يفعل في الصلاة، بل هو أشد خشوعاً من وقوفه بين يدي الله عز وجل، وهذا لا شك من الجهل العظيم، وأستغفر الله إن كان هذا من تفريط العلماء، وعدم بيان الحق لهؤلاء العامة الذين لا يفعل أكثرهم ما يفعل إلا أنه يظن أنه محسن، ولكنه ليس بمحسن.

السؤال: أرى قلة من المصلين بعد الانتهاء من الصلاة وعند الخروج يمسحون أيديهم بالجدار المحيط ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمسحون صدورهم ووجوههم، هل هذا من البدع؟ وإذا كان من البدع أرجو النصح لمثل هؤلاء؟

الجواب: نعم هذا من البدع بلا شك، لأنه لا يشرع مسح شيء في الدنيا من البنايات إلا مسح ركنين؛ الأول: الحجر الأسود، والثاني: الركن اليماني، وكلاهما في الكعبة المشرفة، ولقد رأى ابن عباس رضي الله عنهما معاوية رضي الله عنه وهو يمسح جميع الأركان فأنكر عليه، فقال له معاوية : ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح من الأركان إلا الركنين، يعني: بذلك الحجر الأسود والركن اليماني، فكف معاوية رضي الله عنه عن مسح جميع الأركان، فتجد ابن عباس رضي الله عنهما أنكر على معاوية رضي الله عنه مسح جوانب الكعبة التي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسحها، فما بالك بجدران أخرى.

والحكمة من كون الركنين اليمانيين في الكعبة يمسحان دون الركنين الآخرين، أن الركنين الآخرين ليسا على قواعد إبراهيم، لأن الكعبة كانت أكثر امتداداً نحو الشمال مما كانت عليه الآن، ولكن قريشاً لما أرادوا أن يعمروها قصرت بهم النفقة، فرأوا أن يبنوا هذا الجزء وأن يدعوا الجزء الآخر، واختاروا أن يكون المتروك الجزء الشمالي، لأنه ليس فيه الحجر، وبذلك نعرف أن الحِجر الموجود الآن ليس كما يزعم العامة حِجر إسماعيل، فإن هذا الحِجر إنما أحدث أخيراً في عهد الجاهلية، فكيف يكون حِجراً لإسماعيل، لكنه يسمى الحجر والحطيم، ولا يضاف إلى إسماعيل إطلاقاً، ونصيحتي إلى هؤلاء القوم الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعبدوا الله بما شرعه لا بأهوائهم، فإن الله تعالى يقول: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المؤمنون:71]، وكل إنسان يعبد على خلاف شريعته فإنه عمل مردود عليه، وهو آثم به إن كان عالماً بأنه مخالف للشريعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما صح عنه: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وفي لفظ: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، أي: مردود عليه.

السؤال: إذا قام شخص بقراءة القرآن أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هل عليه إثم في ذلك؟

الجواب: ليس عليه إثم في ذلك، فإن مد الرجلين إلى اتجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج فيه، ولا يحتاج أن أقول: بشرط أن لا يكون مستهيناً بالرسول صلى الله عليه وسلم أو محتقراً له، لأن هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، فمد الرجلين إلى نحو قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأس به، وهذا يقع كثيراً، كالذين يكونوا في الصف الأول في المسجد النبوي فإنهم يستندون إلى الجدار القبلي، وحينئذ تكون أرجلهم -إن مدوها- ممدودة إلى نحو القبر.

السؤال: قال الله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص:41]، السؤال: تفسير هذه الآية، هل النصب والعذاب الذي يصيب المؤمنين يكون مصدره الشيطان؟ وكذلك أليس الأنبياء والرسل مبرءون من مس الشياطين؟

الجواب: قوله تبارك وتعالى عن أيوب: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص:41]، فقال الله تعالى: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42]، النصب التعب، والعذاب الهم والحزن، ومس الشيطان له لا نعلم كيفيته، لكن يجب علينا أن نصدق به، والشيطان لا يمكن أن يتسلط على الأنبياء بفعل منكر يفعلونه، لأن الأنبياء معصومون من الذنوب، وما يقع منهم من الذنوب فإنهم لا يقرون على الاستمرار عليه، وهم -أي: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- معصومون من كل ما يخل بجانب الرسالة، وأما ما لا يخل بجانب الرسالة فإنه قد يقع منهم ولكنهم لا يقرون عليه، بل لابد أن يوفقوا للتوبة فيتوبون فيتوب الله عليهم.

السؤال: يقول: أنا شاب أبلغ من العمر الثامنة عشرة تقريباً، أحب الله وأحب الرسول، وأبذل جهدي للابتعاد عن المعاصي قدر المستطاع، وأحافظ على الفرائض التي فرضها الله تبارك وتعالى، ولكن ينتابني وسواس يشككني -وأنا متيقن منه- يشككني في عقيدتي، هذا الوسواس سبب لي القلق الشديد، فأرجو التعليق أو كيف السبيل للخلاص من هذه الوساوس؟

الجواب: الوساوس التي تعتري الإنسان من الشيطان دليل على قوة إيمانه، وعلى أن إيمانه خالص، لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب العامر ليدمره، وإلى القلب المتيقن يشككه، وهذه الوساوس لا تغني شيئاً، أي: لا تضر الإنسان شيئاً، ودواؤها بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تستعيذ بالله، وأن تنتهي عنها، وتعرض عنها، وتتلهى عنها، ولا تهمك، وسرعان ما تخبو وتزول، والذي أصاب هذا الشاب قد أصاب الصحابة رضي الله عنهم وشكوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمرهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينتهوا عن هذا، فإذا استعمل من وقعت فيه هذه الوساوس ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الدواء الناجع، ولا دواء أنفع مما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقول لهذا الشاب: أبشر فإنك بخير، مادام قلبك متيقناً، وأن هذه طوارئ تطرأ عليه، فإن هذه من الشيطان ولا تضره شيئاً.

السؤال: أرجو أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالاً أو أعمالاً أو اعتقادات، بحيث أعبد الله على بصيرة، كما أرجو أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد؟

الجواب: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة وهي أن الذي يخرج من الملة يدور على أمرين: إما الإنكار وإما الاستكبار، يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئاً أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكماً من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها، أو الاستكبار: وهو أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله، فتارك الصلاة مثلاً كافر، مع أنه يؤمن بالله، ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، بل إذا تركها متهاوناً بلا عذر ولا جهل منه -إذا كان بعيداً عن المدن الإسلامية- فإنه في الحقيقة مستكبر، فجميع أنواع الردة تعود إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جداً، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد.

أما أحسن كتاب في التوحيد، فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل، ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم إذا تلقى الإنسان شيئاً فالعقيدة التدمرية، ثم إذا تلقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لـابن القيم رحمه الله وغير ذلك، والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: يدعو الإنسان في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، ما المقصود بفتنة الممات؟

الجواب: فتنة المحيا هي أن يفتتن الإنسان بالدنيا وينغمس فيها وينسى الآخرة، وهذا ما أنكره الله تعالى على العباد في قوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْر وَأَبْقَى [الأعلى:16-17]، ومن فتن الدنيا الشبهات، أن يقع في قلب الإنسان شك وجهل فيما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، أما فتنة الممات فتشمل شيئين؛ الأول: ما يحدث عند الموت، والثاني: ما يحدث في القبر، فأما الأول وهو الذي يحدث عند الموت، فإن الشيطان -أعاذنا الله منه- أحرص ما يكون على إغواء ابن آدم عند موته، لأنها هي الساعة الحاسمة، فيحول بين المرء وقلبه، بمعنى أنه يوقع الإنسان في تلك اللحظة فيما يخرجه عن دين الإسلام، وليست هذه الحيلولة كحيلولة الله عز وجل التي ذكر الله تعالى في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]، لكنه -أي: الشيطان- يحرص حرصاً كاملاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة، وقد ذكروا عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان حين احتضاره يغمى عليه فيسمعونه يقول: ليس بعد ليس بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله ! ما قولك: ليس بعد ليس بعد؟ قال: إن الشيطان يتمثل أمامي يقول: فتني يا أحمد فتني يا أحمد ، فأقول له: ليس بعد ليس بعد. يعني: لم أفتك، لأن الإنسان لا ينجو من الشيطان إلا إذا مات، إذا مات انقطع عمله، ولا رجاء للشيطان فيه إن كان مؤمناً، فيقول: إني أقول: لم أفتك؛ لجواز أن يحصل من الشيطان فتنة عند موت الإنسان، ولكنني أبشر إخواني الذين آمنوا بالله حقاً، واتبعوا رسوله صدقاً، واستقاموا على شريعة الله، أبشرهم أن الله بفضله وكرمه لن يخذلهم، ولن يختم لهم بسوء الخاتمة؛ لأن الله تعالى أكرم من عبده، فمن صدق مع الله فليبشر بالخير، لكن تكون سوء الخاتمة فيما إذا كان القلب منطوياً على سريرة خبيثة، فإنه قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار نعوذ بالله من ذلك، فهذه من فتنة الموت، وإنما سميت فتنة الموت لقربها منه.

أما الثاني مما يتناوله فتنة الموت، فهو فتنة الإنسان في قبره، فإن الإنسان إذا مات ودفن وتولى عنه أصحابه، أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فأما المؤمن -أسأل الله أن يجعلني ومن استمع منهم- فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، ويوسع له في قبره، وأما الكافر والعياذ بالله أو المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، يطمس عليه حتى وإن كان في الدنيا يعرف ذلك، يقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، وقلبه والعياذ بالله لم يدخله الإيمان، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ووالله إنها لفتنة عظيمة نسأل الله أن يقينا وإخواننا المسلمين إياها، فهذا معنى قول الداعي: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، فهذه فتنة الممات المذكورة في هذا الحديث تشتمل على هذين الشيئين.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3341 استماع