فتاوى نور على الدرب [583]


الحلقة مفرغة

السؤال: والدتي لا تصلي إلا في رمضان ونصحتها كثيراً بالمداومة على أداء الصلاة وذلك من خلال الأشرطة الدينية والكتيبات والأحاديث من ترغيب وترهيب، وحاولت بشتى الوسائل، ولكنها لا تستجيب لهذا النصح وتقول بأن عملي في البيت لا يسمح لي؛ لأنني ربة بيت، ولا يوجد من يساعدني في متطلبات المنزل من أمور الطهي والغسيل والكي إلى آخره، وربما لا تصلي إلا أثناء وجودي وعند سفري تتهاون وتترك بعض الأوقات من الصلاة ما توجيهكم لها ولي أنا ماذا أفعل معها هل أقاطعها وأترك مراسلتها؟

الجواب: نصيحتي لهذه المرأة: أن تتقي الله عز وجل وأن تقوم بما أوجب الله عليها من الصلوات الخمس في أوقاتها؛ لأن من ترك الصلاة بلا عذر فإنه يكون كافراً مرتداً عن دين الإسلام، وإن تركها لعذر حتى خرج وقتها مثل النوم أو الغفلة -أي: النسيان- فإنه يصليها متى ذكرها ومتى استيقظ.

أقول لهذه المرأة: اتقي الله في نفسك فإنك إن مت على ترك الصلاة مت كافرة، وحشرت مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وحرم الله عليك الجنة، فإن القرآن والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم كلها تدل على أن تارك الصلاة كافر، أما القرآن فقوله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] ، ووجه الدلالة من هذه الآية: أن الله اشترط لثبوت الأخوة الدينية ثلاثة شروط: الأول: التوبة من الشرك، والثاني: إقامة الصلاة، والثالث: إيتاء الزكاة.

فأما التوبة من الشرك: فهي شرط لثبوت الأخوة الإيمانية بإجماع المسلمين، إذ لا أخوة بين المشرك والمؤمن إطلاقاً حتى ولو كان أخاه من أبيه وأمه فإنه ليس أخاً له في الحقيقة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى لنوح عليه الصلاة والسلام حين قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45] قال الله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] ، فنفى الله تعالى أن يكون من أهله مع أنه ابنه؛ لأنه كافر، وأعظم بينونة وفرقة ما تكون بين المسلم والكافر.

وأما إقام الصلاة: فإن ظاهر الآية الكريمة أنها لا تثبت الأخوة في الدين إلا إذا أقام الصلاة، ومفهومه إذا لم يقم الصلاة فلا أخوة في الدين، ولا تنتفي الأخوة في الدين بمجرد المعاصي وإن عظمت بل لا يكون انتفاء الأخوة في الدين إلا بالكفر، وعلى هذا فتكون الآية دالة على أن من لم يقم الصلاة فهو كافر.

وأما إيتاء الزكاة: فنقول فيه كما قلنا في إقام الصلاة: أن من لم يؤتِ الزكاة فهو كافر خارج عن الملة، وقد قال بذلك بعض أهل العلم أي: إن ترك إيتاء الزكاة كفر مخرج عن الملة، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو ظاهر الآية الكريمة، لكن هذا معارض بما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )، فكونه يرى سبيله إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر، إذ لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة، وعلى هذا فيكون إخراج إيتاء الزكاة من هذه الآيات الكريمة ثابت بالسنة.

وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: فقد ثبت في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة )، وفي السنن، عن بريدة بن حصين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).

وأما أقوال الصحابة فقد نقل عبد الله بن شقيق -وهو من التابعين المعروفين- عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، ونقل إجماعهم إسحاق بن راهوية -أي: إجماع الصحابة- على أن تارك الصلاة كافر، وهناك دليل رابع يدل على كفر تارك الصلاة: وهو الدليل النظري: فإنه ليس من المعقول أن يحافظ الإنسان على ترك الصلاة مع عظمها وشرف مرتبتها في أركان الإسلام وعلو شأنها وهو مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر هذا محال، وبناءً على ذلك نحذر هذه الأم التي لا تصلي إلا في رمضان من ترك الصلاة، والعجب أنها تعتذر بشؤون البيت ولا أدري كيف تكون شئون البيت شاغلةً لها عن الصلاة في غير رمضان، وغير شاغلة لها في رمضان؟ فلتجب عن هذا السؤال؟ ثم نقول: إن الصلاة لا تستوعب وقتاً طويلاً يعني: أن الصلاة كلها بوضوئها إذا كان وضوءاً عادياً لا تستوعب أكثر من ربع ساعة أو عشر دقائق، ولكن الشيطان يلعب بعقول بني آدم حتى يجعل السهل اليسير عسيراً عليهم، ولا سيما إذا عظمت منزلة هذا الشيء في دين الله فإن الشيطان يحرص غاية الحرص على أن يثبط الإنسان عنه؛ لأن الشيطان كفر بترك سجدة لله عز وجل حين أمره أن يسجد لآدم فاستكبر وكان من الكافرين، وهو يريد من بني آدم أن يكفروا كما كفر هو، كما أن أعداء المسلمين من الكفار أيضاً يودون أن يكفر المسلمون كما كفروا، كما قال الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] ، فعلى هذه الأم أن تتقي الله عز وجل في نفسها وأن تستعين بالله، وهي إذا قامت بالصلاة فإن الصلاة تعينها على شئون البيت، قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] والوقت الذي ينقضي بفعل الصلاة وما يلزم لها من طهارة ونحوها، يجعل الله تعالى في بقية الزمن بركة يحصل فيه من الأعمال ما لا يحصل فيما لو نزعت البركة.

أما بالنسبة للولد فإن الولد قد قام بواجبه حين كان ينصح أمه ويحذرها ويخوفها ولكنها لم تفعل، وأما مقاطعته إياها فيُنظر إن كان في مقاطعته إياها مصلحة بحيث تتوب إلى الله عز وجل وتخجل مما كانت عليه فليقاطعها لعلها تتوب، وإن كانت مقاطعته إياها لا تزيدها إلا تمادياً وطغياناً فلا يقاطعها.

السؤال: فتاة تبلغ من العمر التاسعة عشرة تقول: مشكلتي أنني قبل سبع سنوات مرضت وكان ذلك في أول شهر رمضان، ونتيجة لذلك المرض أجريت عملية ولم أصم من الشهر إلا حوالي خمسة أو ستة أيام، فأنا لا أدري كم بالتحديد لصغر سني في ذلك الوقت فهو أول شهر يجب علي الصوم فيه، فهل يجب علي صوم الشهر كاملاً متتالياً دون انقطاع أو تفرق؟ وهل أصوم ذلك أو أترك الأيام التي ظننت أنني صمتها وجهوني في ضوء هذا السؤال؟

الجواب: الأيام التي صامتها لا يجب عليها قضاؤها؛ لأنها وقعت موقعها وأجزأت، والأيام التي يغلب على ظنها أنها لم تصمها يجب عليها أن تقضيها متتابعة؛ لأنها أخرت القضاء، وإن صامتها متفرقة فلا شيء عليها، ولا سيما مع مشقة التتابع عليها، ونصيحتي لها ولغيرها ممن يسمع ألا يتهاونوا في سؤال أهل العلم فيؤخروا السؤال إلى سنوات، بل الواجب على الإنسان أن يسأل، أولاً: قبل أن يعمل ليتبين له ما يجوز له من العمل وما لا يجوز، وما يجزئ وما لا يجزئ حتى يعبد الله على بصيرة، ثم إذا قُدر أنه فعل بدون سؤال وتبين أن في عمله خللاً فإن الواجب عليه أن يبادر بسؤال أهل العلم وألا يتأخر؛ لأن التأخير له آفات، فقد يمرض الإنسان ولا يستطيع فعل ما فاته، وقد يموت، وقد يلحقه أعمال لا يتمكن معها من الفعل وما أشبه ذلك.

فالمهم أن الواجب على الإنسان الذي يتق الله عز وجل أن يسأل قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وذُكر له أن في عمله خلل فالواجب أن يبادر بالسؤال، أما أن يبقى سنوات ثم بعد ذلك يتفطن هذا غلط، نعم ربما يكون بعض الناس لم يطرأ على باله أن في عمله خللاً فهو ساكت حتى يعرض بحث فيه بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين أو يسمع من العلماء ما يدل على خللٍ في عمله فهذا يكون معذوراً؛ لأنه لم يؤخر السؤال عن عمد.

السؤال: تسلفت من شخص مبلغاً من المال ووافته المنية قبل أن أرد له هذا المال وله أبناء صغار وكبار ماذا أفعل في هذا مأجورين؟

الجواب: إذا توفي الإنسان وله أموال على الناس فإن هذه الأموال تنتقل إلى الورثة قَلَّت أو كثرت، فهذا الرجل الذي أقٌرضك ثم توفي يكون المال الذي عندك لورثته، فعليك أن تخبرهم به ثم تسلمه للجميع، إلا أن يكون لهم وكيل خاص قد ثبتت وكالته شرعاً فلك أن تعطيه إياه وحده، وهو يقسمه بين أهل الميراث.

وهذا السؤال يجرنا إلى شيء آخر: وهو أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتهاون بالدين ويتهاون بقضاء الدين، أما التهاون بالدين فإن بعض الناس يستدين لأمور كمالية لا حاجة له بها، بل قد يستدين لأمور محرمه تلحقه بالمسرفين، والله تعالى لا يحب المسرفين، وهذا غلط وسفه في العقل وضلال في الدين، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد الرجل الذي طلب منه أن يزوجه، ولم يكن عند هذا الرجل مهر فقال: ( التمس ولو خاتماً من حديد فقال: لا أجد )، ولم يقل له: استقرض من الناس، وإنما قال له: ( هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. قال: زوجتك بما معك من القرآن )، هذا مع أن الزواج أمر ضروري، وأمر مشروع، فهو ضروري من حيث الفطرة ومشروع من حيث السنة، ومع ذلك لم يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يستقرض، وبعض الناس يستهين بالدين من حيث القضاء، فتجده قادراً على الوفاء لكنه يماطل، ويقول لصاحب الحق: ائتني غداً وإذا جاء قال: ائتني غداً وإذا جاء قال: ائتني غداً حتى يمل صاحب الحق، وربما يدع صاحب الحق حقه لكثرة الترداد على من عليه الحق، وربما لا يتيسر له أن يرفع الأمر إلى المحاكم، إما لكون الشيء زهيداً أو لقرابة بينه وبين المدين يخشى أن تنقطع الصلة بينهما إذا رفعه إلى الحاكم، أو لكون الحاكم لا يحكم إلا بالهوى فيضيع حقه، ثم إن المتهاون بقضاء الدين إذا مات بقيت نفسه معلقة بالدين حتى يقضى عنه، والمبادرة بقضاء الدين عن الميت في وقتنا هذا قليلة جداً فأكثر الورثة والعياذ بالله إذا مات صاحبهم -الذي ورثهم المال والمال كان ماله- وعليه الدين تباطأ الورثة في قضاء الدين وتواكلوا كل يكل الأمر إلى الآخر، فتنعموا بالمال وصاحبه شقي في قبره، وهذا حرام عليهم، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على الورثة الإسراع في قضاء الدين حتى قال بعضهم: ينبغي أن يقضى دينه قبل أن يُصلى عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يفتح الله عليه بالمال إذا قدمت إليه الجنازة وعلى الميت دين ليس له وفاء تأخر عن الصلاة عليه، فقُدم إليه رجل ذات يوم فلما خطى خطوات قال: ( هل عليه دين قالوا: نعم يا رسول الله ديناران فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة : يا رسول الله الديناران علي قال: حط الغريم وبرئ منه المدين قال: نعم يا رسول الله فتقدم وصلى عليه )، وهذا يدل على أهمية الدين.

فنصيحتي لإخواني: أولاً: ألا يتهاونوا بالدين ابتداءً، وأن يسددوا ويقاربوا وأن لا يحاولوا أن لا يكونوا كالأغنياء في مآكلهم ومشاربهم، وملابسهم ومواطنهم، ومراكبهم ليلغوا الفرق بين الغني والفقير، وأن يقتصروا على ما تدعو الضرورة إليه فيما يستدينونه من الناس، وأقول: على ما تدعو إليه الضرورة دونما تدعو إليه الحاجة؛ لأن الإنسان إما أن يستدين لحاجة أو لضرورة أو لإسراف فليجتنب الاستدانة للإسراف وللحاجة ولا يستدين إلا للضرورة، والمراد بالاستدانة هنا ليس الدين المعروف عند الناس والذي هو التلاعب بأحكام الله عز وجل فيما يعرف عندهم بالدين، ولكن المراد بذلك الدين الحلال الذي دلت السنة على جوازه، فلا يستدين إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وإلا فليستعفف وليقتصر على أدنى ما يسد ضرورته، وإذا أغناه الله عز وجل فليفعل ما يليق بحاله، فإنه أيضاً من التطرف أن يكون الغني كالفقير في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه، ومن التطرف أيضاً أن يكون الفقير كالغني ويحاول أن يلحق بالغني، فكلاهما محظور، فإن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه، وفق الله الجميع لما فيه الخير.

السؤال: هل التدخين محرم؟ أم أنه مكروه وهل على البائع إثم؟

الجواب: التدخين محرم بدلالة القرآن والسنة والنظر الصحيح:

أما القرآن: فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العظيم: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ومن المعلوم أن تناول الدخان يلحق أضراراً بالجسد، وقد تكون قريبة الظهور وقد تكون بعيدة الظهور، وهذا أمر متفق عليه بين الأطباء اليوم بعد أن تقدم الطب ووصل إلى درجة عالية، فالأطباء مجمعون على ضرر التدخين، والتدخين مشوه للأسنان والشفاه، وربما يكون مشوهاً للوجه أيضاً، عموماً فإن صاحب الدخان يظهر أثر الدخان على صفحات وجهه، ولا سيما على جدران أنفه حيث تراه عندما تراه وكأنه مدهون بدهن، وهذا وحده يقتضي تحريم شرب الدخان، ومن الأدلة القرآنية على تحريمه: قول الله تبارك وتعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] ، فبين الله تعالى الحكمة من إتيان المال وهي أن الله تعالى جعله قياماً تقوم به مصالح ديننا ودنيانا، ومن المعلوم أن صرف المال في السجاير لا تقوم به مصالح الدين ولا الدنيا بل بالعكس.

ومن أدلة السنة على تحريمه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال، وإضاعة صرفه في غير فائدة، ومن المعلوم أن المال في الدخان صرف له فيما لا فائدة فيه بل بما فيه مضرة.

وأما النظر الصحيح فإن العقل يقتضي ألا يتناول الإنسان ما يضره ويفني ماله، ولاسيما وهو مؤمن؛ لأنه سيحاسب على ذلك، إذ العقل الصريح يقتضي أن يفعل العاقل ما ينفعه وأن يدع ما يضره؛ ومن كمال ذلك أن يدع ما لا ينفعه، فالأمور ثلاثة: نافع، وضار، وما لا نفع فيه ولا ضرر، فالأول: مطلوب، والثاني: مذموم، والثالث: الكمال ألا يفعله وإن فعله فلا شيء عليه.

السؤال: ماذا يفعل الشخص إذا حضر إلى الصلاة متأخراً فوجد أنه الوحيد في الصف الثاني ماذا يفعل؟

الجواب: إذا حضر الإنسان إلى المسجد ولم يجد مكاناً في الصف فإنه يصلي وحده، يعني: يصلي خلف الصف تبعاً للإمام ولا حرج عليه في ذلك وصلاته صحيحة؛ وذلك لأنه أتى بما يقدر عليه من الواجب، وقد قال الله تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا الرجل الذي وجد الصف تاماً لا تخلو حاله من أحوال أربع: الأولى: إما أن يقف وحده خلف الصف، والثاني: أن يجذب إليه أحداً يصف معه، والثالث: أن يتقدم إلى الإمام فيصلي معه، والرابع: أن يدع الصلاة مع الجماعة ويصلي وحده، فلننظر أيها أولى؟

أما جذبه أحداً من الصف فهذا غلط وفيه محذور بل محاذير: فهو إذا جذبه حتى يتأخر فقد حرمه من البقاء في الصف الفاضل، وشوش عليه صلاته، وفتح فرجة في الصف لا تنسد إلا بتحرك الصف كله لسدها هذه واحدة.

وإذا تقدم إلى الإمام فصفَّ معه فإن كانت الصفوف كثيرة لزم من ذلك أن يتخطى رقاب الناس ويشوش عليهم، وإن لم يكن إلا صف واحد فإن هذا الصف سوف يتأذى به إذا تخلخل من بين الرجل ليكون مع الإمام، ثم إن وقوفه مع الإمام خلاف السنة، إذ أن السنة أن يكون الإمام وحده في صفه، ثم إنه إذا وقف مع الإمام وجاء آخر بعده وقلنا له: تقدم وكن مع الإمام صاروا ثلاثة ثم إذا جاء آخر صاروا أربعة، ثم إذا جاء آخر خمسة وهكذا حتى يبقي الإمام وكأن لا إمام في هذه الجماعة، لكن بقي عندنا الآن حالان:

الحالة الأولى: أن يدع الصلاة مع الجماعة وهي الحال الثالثة بالنسبة للمجموع، وحينئذٍ تفوته فضيلة الجماعة، وإما أن يقف وحده في الصف متابعاً لإمامه وحينئذٍ يدرك الجماعة وتفوته المصافة؛ لأنه عاجز عنها وقد قال الله تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهذا الذي قلته هو القول الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله وهو أيضا مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن الإمام أحمد ، بل وإن مذهب الأئمة الثلاثة أنه لو صلى وحده ولو مع بقاء مكان له في الصف فإن صلاته صحيحة وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف )، على نفي الكمال، لكن الصواب: أن المصافة واجبة، وأن من صلى وحده منفرداً خلف الصف وهو يمكنه أن يقوم في الصف فإن صلاته باطلة وعليه الإعادة، لكن إذا كان لعذر كتمام الصف فإنه يسقط عنه وجوب المصافة.