طمأنينة اليأس
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
طمأنينة اليأسكم خِلْتُم أن يدومَ عمر الاضطهاد؟ ثم على وتيرة اليأس كم كان لزغاريد انتفاضة الروح في أنها تأبى قيود المذلة؟
ثم كم خلتم أن العسر سيطول عمره؟ وهل خلتم بالمرة أنَّ يُسر النجاح والفرحة عمره قصير؟
ستحتوي أذهانكم افتراضية أن الظلم غالب، والقهر مسيطر، والاحتقار دائم، قد يكون جوابًا لأسئلة محيرة، أين الحق من الباطل؟ وأين الصالح من الفاسد؟ وأين المخرج لظلمة القهر؟!
في ميزان الشرعية الحياتية هي معفاة من الإجابة، وفي تصريح الشرعية القانونية هي محظورة من التدخل عن مخالفة لقانون العدالة، إذًا من بقي في ركن الاتهام؟ بقي لنا خيانة الضمير والمندسين خلف جدران الخوف والجبن، لكن الأتقياء لا يختبئون ولا يخافون، إذًا مَن هي فصيلة الضعف والحماقة؟!
هم أناس تسلَّل الشيطانُ إلى قلوبهم وعقولهم بالكامل، حتى أضحى الإيمان لا يجد له مكانًا من الركون؛ إذ هم أولياء الشيطان ذوو الإرادات الهشة، والتي تنكسر من أول هبوبٍ لرياح النفاق، لكن سيمتعنا الحديث عن الشجاعة، وعدم التولّي من الزحف، ليس زحف القوة فقط، وإنما زحف الحروف المقدامة، وهي تجر عربة التنقيط والتشكيل في رحلة على أسطر الورق، هي لا تخاف؛ لأن القلمَ جرَّدها من سلاسل النحو والصرف حتى لا تغير الاتجاه إلى مواطن السجع المنمق، والوصل الممتد بعرق المداد؛ علّه يدخل الرضا والقَبول لدى النقاد من بعد تصحيحات تقويمية، ولكن هيهات لإرسالية المخ أن يستقبلَها منظمو العقيدة في سكن الخلايا الفكرية الراقية والمنمقة بالأمل المفدّى بأسمى عبارات التقدير، لا ننسى في ذلك ارتجالية الإحساس الصادق والموصول مع الله - سبحانه وتعالى.
إذًا، بعد هذه الطمأنينة هل ستمتد رقاب النفاق إلى غير مواضع الاستضافة؟ فالكل يرفض استضافة الغريب في بلد الأصل والأصالة، ولو أن لأهل الكرم منازل لعابري السبيل، يبقى غريب الديار أعمى ولو بصيرًا، فأين هي نقطة التلاقي؟!
فيها حسابات ذهنية لفرز معطيات النقاء من شوائب النفاق، لكن الكم الهائل من الصفاء هو في جعبة كلِّ مَن لم يرض في يوم من الأيام الاستئناس بظل الصمت الخائن، فليس كل صمت حكمة، وليس كل حكمة هي في الصمت؛ لأن هناك من الصمت ما هو قاتل، ولكن الله لا يوفق سعيًا يخالف ضوابط الحِلم والمودَّة والرِّفق.
فللوسطية شأن آخر حتى تحقق طمأنينة في قمة اليأس، وفي أوج الإحباط، وهو ما يعجِزُ عن تحقيقه الكثيرُ من ذوي الشخصيات المزدوجة تؤمِنُ صباحًا وتكفُرُ مساءً؛ مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي الرجلُ مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيعُ دِينَه بعَرَضٍ من الدنيا قليلٍ)).
ما هو مطلوب هو عملة من الإيمان الصادق، وجملة من البطولات، مع كل ما يزعزع هَرَم المبادئ، هي بوتقة الحفاظ على كل ما هو عريق، وللعطاء دورٌ ممتاز في الإقبال على فعل الخير ولو ضمن ساعات اليأس مع محبطي الإرادة الفذة، فتلك القوة التي لا تقهر وإن أضيف لها جمال الروح، تصبح قوتين في رصيد المكتسبات الداعمة للحق في كل مكان، وعلى مر الأزمان، يا ليت صوت الرصاص يكف عنا صرخات امتدت للعالي، ولكن بالسفلي من الاحتواء في احترافية غير مبررة ولا مسنودة إلى مرجعية سليمة ومعترف بها عالميًّا.
فعلى المؤمن أن يبادر قدر المستطاع بالأعمال الصالحة؛ فقد يخطفه الموت فجأة، أو يبتلى بمرض يضعف عليه قوته فلا يستطيع الإتيان بمعروف، أو يبتلى بالهَرَم فتعجز الصحةُ عن العطاء، لكن اليقين أن لدى المؤمن عزيمة تولدها طمأنينة اليأس، هو يأس من العباد السلبيين، ولكنها طمأنينة مع خالق العباد بكل طباعهم، فخير لك يا روح أن تمتدي فوق قوى الشر لتكسري خواطرَ كاذبة، وتُصحِّحي مواقف هدّامة، واصنعيه صرحًا متينًا في طمأنينة وتريث، فلجميل الصنع إتقان بملامس الرفق وبطمأنينة من بعد يأس، فالله يجعل بعد العسر يسرًا، وللتأكيد هو على منوالين: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].