خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [579]
الحلقة مفرغة
السؤال: فضيلة الشيخ! أفيدكم حفظكم الله بأن والدتي أمد الله في عمرها بالخير والطاعة قد تجاوزت سن الخامسة والستين، وقد انتحل جسمها وضعف إلا أنها والحمد لله تتمتع ببصر جيد وقدرة على المشي أيضاً وأرغب في أداء فريضة الحج نيابة عنها إن شاء الله خاصةً بأنها لا تقوى على الزحام والمشي للمسافات الطويلة وشفقة مني عليها وحباً في عمل الخيرات والتقرب للمولى عز وجل بطاعة الوالدين أرغب في تأدية هذه الفريضة نيابة عنها وأفيدكم إنني وفقت ولله الحمد في أداء الحجة المفروضة علي، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال فهل يجوز أن أؤدي فريضة الحج عنها والحال ما ذكر بارك الله فيكم؟
الجواب: إذا كانت أمك بهذه المثابة لا تستطيع الوصول إلى مكة والقيام بمناسك الحج إلا بِكُلْفَةٍ شديدة فلا باس أن تؤدي عنها الفريضة لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم )، وذلك في حجة الوداع، فلا حرج أن تقضي فريضة الحج عن أمك.
السؤال: عندما كنت في السودان موجوداً للعزاء في والدي رحمه الله وجميع موتى المسلمين ذهب إخوتي وأخواتي صبيحة عيد الأضحى إلى المقابر لزيارة قبر والدي بعد مضي أسبوع من وفاته وطلبت منهم عدم الذهاب بالرغم من حزني على فراقه لنا خاصةً وإنني بعيد منه كما ذكرت فإنني طلبت منهم عدم الذهاب إلى المقابر في أول يوم للعيد؛ لأنه يوم فرح المسلمين ولا يجوز الحزن فيه بل إبداء السرور والإيمان بقضاء الله وقدره وطلبت من إخوتي ومن رافقهم من نسوة بعدم الذهب؛ لأن زيارة النساء عموما للمقابر ليس فيها من الخير بشيء خاصة في زماننا هذا إلا أنهم ذهبوا مع إخواني امتثالاً لما هو شائع من تقاليد وعادات، أرجو من فضيلتكم التكرم إذا كنت محقاً في ما ذكرت لهم بعدم الذهاب إلى المقابر في ذلك اليوم وخاصة النساء جزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحق معك إن شاء الله في هذه المسألة وأنت أديت الواجب عليك من نصحهم، وما ذكرت من أنه لا يجوز للنساء زيارة القبور هو الحق فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، بل لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، وأما زيارة القبور في يوم العيد خاصة فإن ذلك من البدع فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخص يوم العيد بزيارة المقبرة، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزور المقبرة متى سنحت له فرصة، وأمر بزيارة القبور عموما في أي وقت فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت )، وفي رواية: ( تذكر الآخرة ).
السؤال: ذهبنا إلى العمرة وأنا حائض، وبعد أن طهرت أحرمت من البيت فهل يجوز ذلك؟ وإذا كان لا يجوز ماذا عليَّ أن أفعل؟ وما الكفارة مع العلم بأنني لا أعلم بحكم ذلك؟
الجواب: لا يجوز الإحرام من البيت في مكة للعمرة لا لأهل مكة ولا لغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرادت عائشة أن تأتي بعمرة من مكة أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يخرج بها على التنعيم وقال: ( أخرج بأختك من الحرم فلْتُهِلَّ بعمرة )، وعلى هذا فهذه المرأة يجب عليها الآن -على ما ذكره أهل العلم- دم، أي: ذبح شاة بمكة توزع جميع لحمها على الفقراء، ولما كانت جاهلة لا تعلم سقط عنها الإثم لكن الفدية لا تسقط؛ لأنها عن ترك واجب ثم إن المشروع في حقها أنها لما وصلت الميقات أحرمت ولو كانت حائضاً، فإن إحرام الحائض لا بأس به لأن أسماء بنت عميس زوج أبي بكر رضي الله عنهما ولدت في ذي الحليفة عام حجة الوداع فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيف تصنع؟ فقال لها: ( اغتسلي واستثفري بثوب واحرمي )، وعلى هذا إذا دخلت المرأة من الميقات وهي حائض أو نفساء فإنها تغتسل وتحرم كسائر الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر فتطوف ثم تسعى.
السؤال: لدي أبناء وبنات وأهدي لهم بعض النقود ولكن ليس بالتساوي، هذه الهدية على حسب مستواهم أفيدوني بعملي هذا أفادكم الله.
الجواب: الواجب على الإنسان في إعطاء أولاده من ذكور وإناث أن يُعَدِّلَ بينهم فيعطي الذكر مثلي ما يعطي الأنثى يعني: إذا أعطى الأنثى عشرة أعطى الذكر عشرين، هكذا قسم الله تعالى بين الأولاد في الميراث فقال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] ولا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل هذا في غير الحاجة، أما ما أعطاهم من أجل الحاجة والنفقة فكل إنسان يُعطى ما يحتاجه، فإذا قدرنا أن الأنثى تحتاج إلى مائة في اللباس والذكر لا يحتاج إلا إلى خمسين أعطى الذكر خمسيناً وأعطى الأنثى مائة، وإذا كان الأمر بالعكس فإنه يعطي كل واحد منهم ما يحتاجه، فصار الجواب: إذا كانت الهدية تبرعاً محضاً فلا بد من التعديل بأن يعطي الذكر مثلي ما للأنثى، وإذا كانت للنفقة فإن التعديل بينهم أن يعطي كل إنسان ما يحتاجه، لنفرض أن عنده ابنين أحدهما صغير لا يحتاج إلى كتب ولا قرطاس ولا أقلام ولا غيرها، والآخر يدرس فيحتاج إلى كتب وقرطاس وأقلام فيعطي هذا الدارس ما يحتاجه للمدرسة وذاك لا يعطيه شيئاً.
ولعلنا في هذه المناسبة نذكر بعض إخواننا الذين يكون لهم إخوان متعددون فيكبر بعض الأولاد ويزوجهم ويبقى الصغار فتجده يوصي لهم بشيء من ماله يتزوجون به بعد موته وهذا حرام عليه؛ لأن الزواج من النفقة فمن احتاجه قام بحاجته فيه، ومن لم يحتجه فإنه لا يجوز له أن يعطيه شيئاً، وعلى هذا فإذا كان للإنسان ثلاثة أبناء وتزوج اثنان منهم في حياته وبقي الصغير لم يصل إلى حد الزواج ثم إن هذا الأب أوصى للصغير بمقدار المهر الذي أعطاه أخويه فإن ذلك حرام، والوصية باطلة، فإذا مات فإن هذه الوصية ترد في التركة إلا أن يسمح عنه بقية الورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا وصية لوارث ).
السؤال: ما رأيكم في شخص كان يحلف بالطلاق كثيراً وتاب إلى الله توبة نصوحاً، ما رأيكم في حلفه في الماضي هل عليه كفارة؟
الجواب: أكثر العلماء يرون أن الحلف بالطلاق طلاق معلق، فإذا قال لزوجته: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق فدخلت تطلق على كل حال، هذا هو رأي جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد بن حنبل ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا قصد بهذا الطلاق معنى اليمين صار يمينا تَحُلُّهُ الكفارة، بمعنى أنه إذا قال لزوجته: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق يريد بذلك منعها لا يريد طلاقها فدخلت فإنها لا تطلق لكن عليه كفارة يمين، وهذا القول هو الراجح، لكننا في الحقيقة لو شئنا لقلنا: إن الناس إذا تهافتوا فيه وكثر فيهم فينبغي أن يفتوا فيه بقول الجمهور وهو أنه يقع به الطلاق حتى لا يتجاسر الناس على ذلك، وعلى القول بأن هذا يمين وأن الكفارة تحله فإننا نقول: إذا كان هذا الطلاق على أشياء متعددة وجب عليه بكل شيء كفارة، وإذا كان على شيء واحد ولكنه كرر الصيغة فإنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة مثال ذلك إذا قال: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق ثم جاءته تقول له: ائذن لي فقال: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق ثم جاءته فقالت: ائذن لي فقال: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق فهنا لا يلزمه إلا كفارة واحدة، وأما إذا قال: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق وإن زرتي هؤلاء الجماعة فأنت طالق وإن كلمتي فلانا فأنت طالق فهنا يلزمه ثلاثة كفارات وذلك لتعدد المحلوف عليه.
السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] وضحوا لنا بارك الله فيكم هذه الآية؟
الجواب: معنى هذه الآية الكريمة أن الله تعالى أول ما فرض الصوم جعل الخيار للصائم إن شاء صام وإن شاء أطعم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183-184] فكان الإنسان مخيراً بين أن يدفع فدية طعام مسكين لكل يوم وبين أن يصوم ولكن الله تعالى رَغَّبَ في الصيام فقال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] ثم نزلت الآية بعدها: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فنزلت هذه الآية بعدها فأوجبت الصيام عيناً وأنه لا يجوز للإنسان أن يطعم مع قدرته على الصيام كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
السؤال: قبل آخر ركعة من سنة الوتر يجلس الإمام في استراحة ويقول: انووا الصيام بارك الله فيكم، فنقول جميعاً: اللهم إنا نوينا صيام غد من شهر رمضان فتقبله منا، ما حكم ذلك جزاكم الله خيرا؟
الجواب: حكم هذا أنه بدعة، بدعة منكرة، وأمر الإمام به يدل على جهله، والصيام ليست نيته في أول الليل فإنما تكون نيته عند السحور، إذا تسحر الإنسان نوى ثم إنه لا يحتاج إلى التلفظ بالنية؛ لأن التلفظ بالنية بدعة وهو جهل بالله أيضاً، كيف تخبر ربك بأنك نويت أن تصلي أو نويت أن تصوم أو نويت أن تتصدق أو ما أشبه ذلك أليس الله تعالى يعلم ما في قلبك فكلامك هذا لغو، والنية محلها القلب ولا ينطق بها في اللسان أبداً، والنطق بها بدعة سواء كان ذلك سراً أم جهراً.
السؤال: ما رأيكم فيمن يقرض أخاه قرضاً لأجل غير مسمى على شرط أن المقترض يدفع للمقرض كل يوم مائة ريال أو أكثر أو أقل من البضاعة التي يتاجر فيها فما حكم ذلك فتح الله علينا وعليكم؟
الجواب: حكمه أن هذا شرط فاسد ولا يحل للمقرض أن يكتسب شيئاً من وراء هذا القرض لا مالاً ولا عيناً ولا منفعة ولا إجارة ولا شيء أبدا؛ لأن القرض إحسان محض فإذا دخلته المعاوضة والمزايدة صار بيعاً وصار رباً، مثلاً: إذا أعطيتك عشرة ريالات قرضا ثبت في ذمتك عشرة ريالات تعطيني إياها متى تيسر لك ولو كان هذا بيعاً لم يصح، لو قال: بعتك عشرة ريالات بعشرة ريالات ولم يحصل التقابض صار بيعاً فاسداً لكن لما كان الإقراض إحساناً والإحسان مطلوب -وفائدة الإحسان هذه عكس ما يريده المرابون- أحله الشرع، أن تقرض عشرة ويعطيك عشرة، فإذا أشرطت عليه أن يعطيك اثني عشر عن عشرة صار هذا معاوضة ومحاقة ودخل في باب البيوع فصار ربا، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله في هذا قاعدة مفيدة وقالوا: كل قرض جر منفعة فهو ربا.
السؤال: فضيلة الشيخ! مع ارتفاع المهور انتشر الزواج بالبدل دون مهر وحدث أن أحد المتزوجين توفي فقام الثاني يطالب بالمهر فما موقف الشرع من القضية أولاً وأخيراً أرجو توضيح ذلك مأجورين؟
الجواب: أقول: إن نكاح البدل محرم وباطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الشغار، أي: عن نكاح الشغار وقال: ( لا شغار في الإسلام )، فهو عادة جاهلية محضة، وهى محرمة، وليست النساء سلعاً تباع وتشترى حسب هوى البائع والمشتري، وعلى هذا فأنا أحيل هؤلاء إلى المحاكم الشرعية هناك لتحكم بينهم فيما تقتضيه الشريعة.
السؤال: هل يحق لمن وهب هبة أن يرجع فيها؟
الجواب: إذا وهب هبة وقبضها الموهوب له فإنه لا يحل للواهب أن يرجع فيها ولو رجع لم يُمكِّن من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه العائد في هبته بأقبح تشبيه إلا أنه يستثنى من ذلك مسألة واحدة وهي الوالد إذا وهب ولده الذكور أو الإناث شيئاً فإن له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون حيلة مثل أن يهب ولديه الاثنين كل واحد مائة ثم يرجع في هبة أحدهما من أجل أن يفضل الثاني عليه فإن الحيلة على المحرم حرام ولا تنفع.
والخلاصة: أن من وهب هبة وأقبضها للموهوب له، فإنه لا يحل له أن يرجع فيها إلا الأب فيما يعطي ولده ويشترط في رجوع الأب فيما يعطي ولده ألا يكون ذلك على سبيل الحيلة فإن كان على سبيل الحيلة كان حراماً.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3922 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3701 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3656 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3509 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3504 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3488 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3449 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3446 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3426 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3353 استماع |