خالد بن الوليد في حروب الردة
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
للفريق طه باشا الهاشمي رئيس أركان الجيش العراقي
(لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في بدني شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير! فلا نامت أعين الجبناء)
خال بن الوليد
نسبة القبائل: من المفيد أن نذكر نسبة القبائل وقرابة بعضها
لبعض. اكثر القبائل التي ارتدت عدنانية تنتسب إلى مضر ماعدا قبيلة بني حنيفة فهي من ربيعة والقبائل العدنانية تنسب إلى شعبين كبيرين وهما: مضر وربيعة وشعب مضر ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية فالقسم الأول: قيس، ومنها غطفان وهوازن وسليم، والى غطفان تنسب فزارة وعبس وذبيان، وإلى هوازن تنسب ثقيف والقسم الثاني قبيلة طابخة، واليها ينتسب بنو تميم، والقسم الثالث مدركة، واليها ينتسب بنو أسد، ومنها كنانة، واليها تنتسب قريش أما شعب ربيعة فاشتهرت منه القبائل الآتية: عنترة وعبد قيس وبكر وتغلب وبنو حنيفة وينتسبون إلى بكر بن وائل الموقف قبل الحركات: التقت فلول غطفان بن فزارة وعبس وذبيان بطليحة بعد انهزامها في ذي القصة والربذة، واجتمعت مع بني أسد في بزاخة.
وقد مال إليهم فرقتان من طيء وهما جديلة وغوث على ما ذكرناه سابقاً، ولم تترك هاتان الفرقتان حيهما، بل اجتمعتا في أكناف جبل سلمى، اعني بالقرب من موقع طابه في الجنوب الغربي من فيد أما الباقي من بني طيء فظل على الحياد بسعي عدي بن حاتم. وأما قبائل بني عامر بن صعصعة وهي في الشمال الشرقي من جبل شمر فكانت تراقب مجرى القتال، وتنتظر عاقبة المعركة لترى رأيها بعد ذلك أما بنو تميم فلم يوحدوا كلمتهم، بل كانوا منقسمين على بعضهم.
وبينما كانت القبائل المرتدة على هذا النحو من تفرق الشمل واختلاف المقصد، كان خالد بن الوليد على رأس جيش متجانس صقلته الغزوات والحروب وحنكته التجارب، متأهباً للحركة عند أول أمر يصدره قائده وكان هذا الجيش قليل العدد، غير إن كفاية قائده ضمنت له الفوز.
وكلما أحرز فوزاً ازدادت قوته بانضمام المحايدين إليه، لأن الغلبة كانت تأتى لهم، وقد تم ذلك فعلاً.
ويزعم بعض المؤرخين إن قوة جيش خالد كانت تبلغ ثلاثة آلاف مقاتل حين تقدم نحو طليحة.
فلما تقدم نحو مسيلمة أصبحت عشرين ألفاً الحركات: يقول ابن حبيش نقلاً عن الواقدي إن جيش خالد بدأ بالحركات من ذي القصة في اليوم السابع والعشرين من الشهر، وهذا الشهر، أما جمادي الآخرة وأما رجب.
لأن الرسول توفي في شهر ربيع الأول، وان جيش أسامة قضى في حملته شهرين، واجل حركته في الجرف مدة من الزمن، والمعلوم أن معظم قوة أسامة الفت جيش خالد فتكون المدة التي انقضت من وفاة الرسول إلى حين حركة خالد من ذي القصة ثلاثة اشهر على اقل تقدير فزمن الحركة أما أن يقع في منتصف شهر سبتمبر وأما في منتصف شهر أكتوبر من سنة 632 ب.
م واستعرض أبو بكر جيش المسلمين في ذي القصة وخطب في رجاله وأبان لهم الطريقة المثلى التي يجب أن يسيروا عليها، ولفت نظر خالد إلى خطورة الاستطلاع، واخذ الحيطة عند الهجوم على أهل اليمامة، وان يجرى الحركات على التعاقب، فلا يبدأ بحركة ما لم يظفر بالتي سبقتها وان يستعمل الرمح في مكافحة الرمح، والسيف في مكافحة السيف، ثم طلب منه مراعاة المهاجرين والأنصار والرفق بمن معه وكانت قوة الجيش تتفاوت بين أربعة آلاف وخمسة آلاف، وكان عدد الأنصار منه يربى على الخمسمائة.
وكانت قوة جيش طليحة في بزاخة تزيد على خمسة آلاف، ومعظمها من بني أسد والباقي من غطفان، وكان عيينة بن حصن على رأس هذا الباقي. وكانت فرقتنا جديلة وغوث من طيء في أكناف جبل سلمى متأهبتين للالتحاق بطليحة في بزاخة، وتبلغ قوتهما زهاء ألف مقاتل.
وكان بنو تميم على ما نعلم مشغولاً بعضهم ببعض، فمنهم من التحق بسجاح ومنهم من خالفها.
أما بنو حنيفة فكانوا في ديارهم باليمامة معتصمين بجبالهم ومعتزين بنبيهم مسيلمة يراقبون الحوادث في نجد خطة خالد بن الوليد إن الطريق الأقصر الذي ينتهي بجيش المسلمين إلى بزاخة هو الطريق الذي يخترق وادي الرمة.
وبزاخة واقعة في المنطقة حيث تكون أحياء طيء وأسد قد قرب بعضها من بعض فكل حركة من ذي القصة على هذا الطريق الأقصر تشجع قبائل طيء على الالتحاق بطليحة في بزاخة.
ومن عادة القبائل انه إذا لم يهدد الخطر حيها تواً تتركه وتسرع إلى نجدة الأحياء الأخرى متى أغار عليها الأعداء كذلك درس خالد الموقف وقرر أن يسلك طريقاً يهدد به بلاد طيء، فأما أن يلجأ أهلها إلى الحياد وأما أن يستميلهم إلى جانبه، وإذا ما تقدم رأساً نحو بزاخة يكون قد ترك بلاد طيء إلى جانبه الأيمن وخاطر بالهجوم على بزاخة أما إذا ضمن حياد طئ أو استمالهم إلى جانبه فيكون قد هيأ أسباب الفوز على طليحة والأخبار تدل على أن خالداً صارح أبا بكر بخطته هذه في ذي القصة فأقرها أبو بكر وسبق أن قال لخالد: (اعلم انك إذا قاتلت اسداً وغطفان فان رجالاً منهم معك ينتظرون النصر وإذا ما رأوه حليفك كانوا معك على عدوك) ولكي يجعل العدو يقنع بأن المسلمين قاصدون بلاد طيء قبل بزاخة يقول ابن الكلبي إن أبا بكر أمر خالداً أن يصمد لطليحة وعيينة بن حصن وهما على بزاخة، واظهر أنه ملاق خالداً بمن معه من نحو خيبر مكيدة وقد أرعب مع خالد الناس، ولكنه أراد أن يبلغ ذلك العدو فيرعبه ثم رجع أبو بكر إلى المدينة ثم هناك خبر آخر مفاده أن أبا بكر أمر خالداً أن يبدأ بطيء على الاكناف، ثم يكون وجهه إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح (بني تميم) واظهر انه خارج إلى خيبر منصب عليه منها حتى يلاقي خالداً بالأكناف، اكناف سلمى، فخرج خالد فازورعن بزاخة وجنح إلى أجأ واظهر انه خارج إلى خيبر ثم منصب على طيء فهذه الأخبار تريك الخطة بوضوح إن بلاد طيء جبلية وفيها سلستان وعرتان ممتدتان على موازاة خط الحركات بين المدينة وبلاد بني أسد، وسلسلة سلمى وجبل رمان في الجنوب، وسلسلة أجأ في الشمال.
والأكناف الواردة في الجنوب المذكورة هي أكناف هذه الجبال.
أما أهل البلاد فمنهم من تأهب لمعونة طليحة ومنهم من بقي في أرضه يتربص وكان اعظم رئيس في القسم الأخير عدى بن حاتم مع قبائل طيء ومن الأخبار ما يؤيد أن أبا بكر بعث عدياً إلى طيء قبل حركة خالد ليدركهم والواضح أن خالداً بخطته هذه أراد أن يسهل خطة عدي بن حاتم وان إشاعة أبي بكر في الجيش مشيره نحو خيبر يقصد الحركة نحو بلاد طيء، مما يجعل القسم المتحفز لمعونة طليحة من طيء يرجع إلى أرضه للدفاع عنها أو للبقاء على الحياد مع الباقين من طيء والحقيقة أنها خطة ناجحة تدل على بعد نظر خالد في قيادة الجيش.
والخطة تجمع بين الناحية السياسية والناحية العسكرية.
وكان عيينة بن حصن الفزاري رئيس بني فزارة كما سبق يسعى لإعادة الحلف الجاهلي بين بني أسد وبني غطفان وطئ محرضاً جماعته على ذلك بقوله (والله لئن نتبع نبياً من الحلفين احب إلينا من أن نتبع نبياً من قريش) وإذا ما تم هذا الحلف يكون أمام المسلمين قوة كبيرة يصعب التغلب عليها وينحصر التدبير السياسي في إيفاد أحد رؤساء طيء البارزين لإقناع القبائل بأن يتركوا جانب طليحة ويميلوا إلى جانب المسلمين ولتسهيل هذه المهمة والقيام بحركة إغفال بالتظاهر بالهجوم على بلاد طيء وكان التدبير العسكري يرمى إلى فصل طيء عن بني أسد وغطفان والهجوم بعد ذلك على قواتهم فتناولت الخطة إذن الأمور التالية: - 1 - القيام بحركة إغفال من المدينة في اتجاه خيبر بقصد إقناع طيء أن المسلمين متوجهون نحو بلادهم 2 - تقدم جيش خالد على الطريق الأقصر نحو بزاخة لتظل قوات طليحة في محلها حتى لا تساعد طيئاً 3 - ترك هدف بزاخة في منتصف الطريق والانعطاف نحو بلاد طيء لإرغام قبائل طيء على الالتحاق بالمسلمين قبل أن ينجدها طليحة 4 - بعد الوثوق من التجاء (دخالة) طيء والاستفادة من قواتهم، التقدم بجميع القوات نحو بزاخة لضرب جيش طليحة الحركة: وبعد عودة أبي بكر إلى المدينة وإشاعة خبر مسيره من المدينة بالباقي من المسلمين نحو خيبر نظم خالد قواته وجعل على كل قسم منها قائداً، وكان ثابت ابن قيس على الأنصار وتحرك خالد من ذي القصة في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) أو شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة622 ماراً بربذة ووادي الركبة ومنحدراً إلى وادي الرمة، وقبل أن يصل إلى منتصف الطريق مال إلى اليسار يريد بلاد طيء، ولقد نجحت حركة الإغفال التي أشاعها أبو بكر لأن طيئاً التي كانت تستهزئ بالخليفة وتكنيه بابن الفصيل صارت تخشى بأسه لما سمعت خبر تقدم جيشه نحوها، فأقنع عدي بن حاتم قبيلته وحذرها سوء العاقبة قائلاً لبني قومه: (لقد أتاكم قوم ليبيحن حريمكم).
فطلبوا منه أن يؤخر تقدم جيش خالد حتى يسترجعوا من لحق بطليحة في بزاخة وهم جديلة وغوث وآخرون وكانوا يعلمون انهم إذا خالفوا طليحة بينما بنو جديلة وبنو غوث في بزاخة يبقيهم عنده رهائن ويجبر طيئاً على الالتحاق به وكانت حجتهم عند طليحة طلب إخوانهم من بزاخة، لأن خالداً قادم نحوهم فهم يريدون أن يستنجدوا بهم للدفاع عن بلادهم قبل أن يصل جيش المسلمين وخرج عدي إلى خالد ولاقاه في السح، فطلب منه أن يبقى فيها مدة قصيرة حتى يتخلى من في بزاخة عن طليحة ويعود إلى بلاده فوقف خالد في السح فتفرقت غوث من بزاخة وعادت إلى بلادها فأراد خالد أن يتقدم إلى الأنسر ليلجئ جديلة إلى ترك طليحة أيضاً بيد أن عدياً طلب منه أن يتريث حتى لا يفسد عليه ما دبره فعادت جديلة أيضاً إلى بلادها وهكذا تم لخالد ما أراده فانفصلت طيء تماماً عن المرتدين وجددت إسلامها وأمدت خالدا بألف مقاتل وهكذا طبق القسم الأول من الخطة يتبع طه الهاشمي