ثروات لا تقدر بثمن - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
هل فكرت يومًا أنك تمتلك ثروات لا يمكن أن تقدر بثمن؟!هل شعرت من قبل أنك مليونير، بل ربما ملياردير رغم أن راتبك قد لا يكفيك أحيانًا حتى آخر الشهر؟!
هل تخيلت أبدًا أن مال قارون بل وأضعافه ربما لا يمثل لك شيئًا لو كان في حيازتك، وأنك مستعد لو امتلكته يومًا أن تنفقه عن آخره في سبيل الإبقاء على ثرواتك، التي قد لا تكون لاحظت أصلاً امتلاكك لها؟!
هناك للأسف من يأتي إلى الدنيا ويرحل عنها دون أن يلاحظ وجود تلك الأشياء أو يدرك تلك الحقيقة، حقيقة القيمة الفعلية للأشياء التي لا تشترى، حقيقة النعم التي نألفها ونتعايش معها، ونغفل عن ملاحظة قيمتها الغالية وثمنها الباهظ، لو صح أصلًا أن تقدر بثمن!
لكن هناك من يلاحظ ويدرك وينتبه، وهناك من يُبتلى ليلاحظ ويدرك وينتبه فقط حين يشعر أن تلك الأشياء مهددة بالزوال، فإنه عندئذ يعرف قدرها وقيمتها، كم من نعمة لا يلقي المرء لها بالاً، ولا يعرف قيمتها الحقيقية حتى إذا زالت، أو كادت أن تزول، علم قدرها وأدرك مدى الثراء والغنى الذي طالما كان يتقلب فيهما دون أن يشعر..
حينئذ يدرك أن ثمة أشياء لا تشترى!
أشياء لو أنه امتلك خزائن قارون، بل وملء الأرض من مثل تلك الخزائن، ثم طلب منه أن ينفقها بكاملها كي لا تنزع منه تلك الأشياء، لأنفقها عن طيب خاطر، من هنا يعي أن قيمة الأشياء ليست بثمنها المادي، أو بالتسعيرة المكتوبة عليها، ولكن بما هو على استعداد لدفعه طمعًا في استردادها، أو أملاً في الإبقاء عليها ومنع زوالها..
أشياء أنت مستعد لإنفاق مال الدنيا وكنوزها لأجل الإبقاء عليها، أو رفع الأذى عنها، أوليست قيمتها في الحقيقة تساوي هذا المال بل وتزيد عليه؟! ضحكة طفلك التي تكاد تتوارى خلف غيوم الألم والمرض، دعوة من قلب أم حانية أو نصيحة مشفقة من والد محب..
لحظات سعادة وصفاء، راحة بال، عافية وستر..
أو ليست تلك أشياء لا تشترى؟! أو ليست النتيجة معروفة إذا تفكر من يستمتعون بتلك الثروات السالف ذكرها في الثمن الذي هم على استعداد لدفعه، حتى يدوم استمتاعهم بها؟! أو ليست هذه هي القيمة الحقيقة وذاك هو الثمن؟!
لا تتسرع في الإجابة عن تلك الأسئلة قبل أن تتفكر جيدًا، وترقب حالك ومآلك، وتتلمس ثرواتك الحقيقية، التي ستعرفها حين تتخيل القيمة التي أنت مستعد لدفعها فقط، كي تبقى ولا تزول..
وأصعب شيء أن تفاجأ بزوالها قبل أن تدرك قيمتها الحقيقية!
من هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من زوال النعمة، وفجاءة النقمة قائلاً: «اللهمَّ إنَّي أعوذُ بك من زوالِ نعمَتِك، وتَحَوُّلِ عافيَتِك، وفجْأةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِك» (صحيح الجامع).
إن الحكيم المسدد هو من تفكر في كل تلك النعم مبكرًا، ولم ينتظر حتى تفاجئه النقم أو يعاجله البلاء فيما يحب أو من يحب، ليعرف حينئذ أنه كان ثريًا لم يرع ثروته حق رعايتها، ولم يقدرها حق قدرها، بل عرف نعمة الله مبكرًا ولم ينكرها أو يجحدها، مع من أنكرها وجحدها مهما كانت الظروف قاسية والشواغل كثيرة.
الحكيم المسدد هو من علم قيمة النعم قبل أن تزول، وأدى شكرها وأقر لمنعمها بالفضل وأدرك ابتداءً أن ثمة أشياء..
لا تشترى.