خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8855"> فتاوى نور على الدرب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فتاوى نور على الدرب [556]
الحلقة مفرغة
السؤال: لدي كمية من الذهب، عاهدت الله تعالى أن أجمع عليه وأبني به مسجداً، وأن لا أبيع منه شيئاً إلا عند حلول موعد البناء، لأبني به المسجد وكنت أزكي عليه كل عام، ولكن علمت قريباً بأن الوقف لا زكاة فيه، فلم أزكِ هذا العام، فهل يعتبر ما لدي وقف لا زكاة فيه؟ والشيء الآخر فضيلة الشيخ: هل يجوز لي التصرف في هذا الذهب للمتاجرة فيه مثلاً حتى يزداد؛ لأنني قد تركت العمل لأسباب قهرية، مما جعل وزن هذا الذهب كما هو عليه منذ سنتين أفتوني مأجورين؟
الجواب: هذا السؤال يتطلب مني شيئين؛ الشيء الأول: الإجابة على نفس السؤال، والشيء الثاني: حكم المعاهدة مع الله عز وجل على الأعمال الصالحة، وأبدأ بهذا أولاً، فأقول: معاهدة الله سبحانه وتعالى على الأعمال الصالحة هي النذر، والنذر نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال: ( إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء )، وكثير من الناس ينذر لله عز وجل، أو يعاهد الله عز وجل على فعل الطاعات ليحمل نفسه على فعلها، فكأنه يريد إرغام نفسه على أن تفعل، وقد نهى الله عز وجل عن مثل هذا في قوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ [النور:53]، يعني عليكم طاعة معروفة، أي: أن تطيعوا الله سبحانه وتعالى بنفوس مطمئنة غير مضطرة إلى فعل ما أمرت به، ثم إن عاقبة النذر أحياناً تكون وخيمة، إذا نذر الإنسان شيئاً لله في مقابلة نعمة، ثم حصلت تلك النعمة فلم يف بما عاهد الله عليه، فإن العاقبة وخيمة جداً، كما قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، وما أكثر الناذرين الذين ينذرون أشياء في مقابلة نعمة من الله أو اندفاع نقمة ثم يندمون، وربما لا يوفون، تجد الإنسان إذا أيس من شفاء المرض قال: لله علي نذر إن شفاني الله من هذا المرض أو شفى أبي وأمي أن أفعل كذا وكذا من العبادات، بعضهم يقول: أن أصوم شهرين، وبعضهم يقول: أن أصوم يومي الإثنين والخميس، وبعضهم يقول: أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وبعضهم يقول: أن أصوم سنة كاملة وما أشبه ذلك، ثم إذا حصل ما نذر عليه ندموا، وقاموا يطرقون باب كل عالم لعلهم يجدون الخلاص، لهذا ننصح إخواننا المسلمين عموماً، وهذا السائل خصوصاً، أن لا ينذروا شيئا لله عز وجل، ونقول: أطيعوا الله تعالى بلا نذر، اشكروا الله تعالى على نعمه بلا نذر، اشكروا الله على اندفاع النقم بلا نذر.
أما الأمر الثاني، وهو الجواب، بل الأمر الأول الذي جعلناه أخيراً وهو الجواب عن السؤال، فنقول: إن هذه المرأة نذرت بمعاهدتها لله عز وجل أن تجعل ما يحصل لها من الذهب في بناء مسجد، فيجب عليها أن تجمع ما يأتيها من الذهب لتبني به المسجد، ولا يحل لها أن تتصرف بهذا الذهب تصرفاً يخل بالنذر، أما إذا كان تصرفاً لمصلحة النذر مثل أن تتجر بالذهب حتى ينمو ويسهل عليها إنفاذ ما عاهدت الله عليه، فهذا لا بأس به، إذا كان يغلب على ظنها السلامة والربح، وأما ما ذكرت من أن الوقف ليس فيه زكاة فهذا صحيح، لكن هذا الذهب ليس وقفاً الآن، هي لم توقف الذهب، ولكنها عاهدت الله أن تجمع لتبني به مسجداً، فهو الآن في ملكها فعليها زكاته، كما كانت تزكيه من قبل.
السؤال: من المعلوم أن مسح الرأس يبدأ من الأمام إلى الخلف ثم الرجوع باليدين إلى الأمام، لكنني عندما أريد العودة باليدين من الخلف إلى الأمام لا تنسحب يدي إلى الأمام، وإنما يعرقلها الشعر فكيف العمل؟
الجواب: يعرقلها الشعر إذا ضغطت على الرأس، أما إذا مسحت مسحاً خفيفاً فإن الشعر لا يعرقلها فيما يظهر، وعلى كل حال فالواجب مسحه مرة واحدة من الأمام إلى الخلف، وكذلك من الجانبين فإذا استوعبت الرأس بالمسح على أي صفة كانت فقد أبرأت الذمة، لكن الرجوع إلى الوراء ثم الرجوع إلى قدام هذا من باب السنة، وليس من باب الواجب.
السؤال: تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم وهم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان على هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة، جزاكم الله خيرا؟
الجواب: نرد على هؤلاء بما ذكره الله تعالى في سورة الطور: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36]، فنسألهم أولاً: هل هم موجودون بعد العدم أو موجودون في الأزل وإلى الأبد؟ والجواب: بلا شك أن يقولوا: نحن موجودون بعد العدم، كما قال الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، فإذا قالوا: نحن موجودون من العدم قلنا: من أوجدكم؟ أوجدكم أبوكم أو أمكم أوجدتم هكذا بلا موجد؟ سيقولون: لم يوجدنا أبونا ولا أمنا؛ لأن الله تعالى يقول: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة:58-61]، إذا قالوا: وجدنا من غير موجد، نقول: هذا مستحيل في العقل؛ لأنه ما من حادث إلا وله محدث، وحينئذٍ يتعين أن يكون حدوثهم بمحدث وهو الله عز وجل الواجب الوجود، وكذلك يقال في السماوات والأرض، نقول: من أوجد السماوات والأرض هو الله عز وجل، لكن كانت السماوات والأرض ماء تحت العرش، كما قال الله تبارك وتعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7]، فخلق الله عز وجل السماوات والأرض من هذا الماء، قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]، أي: فصلنا ما بينهما: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، فهذا جواب على هؤلاء الملاحدة، فإن أبوا إلا ما كانوا عليه فهم مكابرون، ويحق عليهم قول الله تعالى في آل فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14].
السؤال: تعلمون أن هناك أجزاء من الأرض لا تطلع الشمس عليها إلا وقتاً يسيراً ثم تحتجب، فبماذا يكون ميقات الصلاة والفطر للصائم الذي يذهب إلى هناك؟ مع العلم بأن أهل تلك البلاد كفرة لا يعرفون مواقيت وتحركات الشمس في الأيام التي تظهر فيها عليهم، وجهونا مأجورين؟
الجواب: نعم، هؤلاء القوم لهم حكم من يأتي عليهم زمن الدجال، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدث أصحابه عن الدجال، وقال: ( إنه يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم )، فبادر الصحابة رضي الله عنهم يسألون عن الأمر الديني المتعلق بهذا الاختلاف في جريان الشمس، فقالوا: ( يا رسول الله! أرأيت اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا، أقدروا له قدره )، وعلى هذا فيكون اليوم الذي كسنة فيه صلاة سنة كاملة، ويقدر له قدره، بحسب السنة التي يكون فيها الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة، وعلى هذا فنقول لهؤلاء القوم الذين أشار إليهم السائل: أقدروا قدر الصلوات والشهور المعتادة، ثم ابنوا عباداتكم على هذا التقدير، ولكن على أي شيء يقدرون؟ على خط مكة، أو على خط الاستواء، بحيث يقدرون الليل واثنتي عشرة ساعة والنهار اثنتي عشرة ساعة، أو على خط أقرب البلاد إليهم مما يكون فيها ليل ونهار، كل هذا قال به بعض العلماء، فمن العلماء من قال: يقدرون حسب خط الاستواء، الذي يكون فيه الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة لكل منهما في كل السنة، ومنهم من يقول: يعتبرون بخط مكة؛ لأن مكة أم القرى، وهي وسط الأرض، ومنهم من يقول: يقدرون بأقرب البلاد إليهم، سواء طال ليلها أم قصر، مادام يوجد فيها ليل ونهار خلال أربعاً وعشرين ساعة، وهذا القول عندي أقرب؛ لأنه أقرب لطبيعة الأرض، فإن من حولهم أقرب إلى ميقاتهم ممن كان بعيداً منهم.
ثم إني أقف لأبين الفرق بين منهج الصحابة رضي الله عنهم في تلقي الشرع، وبين منهج من بعدهم، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما حدثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الدجال يبقى في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع، لم يفكر أحد منهم في أن يسأل: كيف يكون جريان الشمس في هذا اليوم؟ وهل الشمس تحبس، أو يضعف سيرها أم ماذا؟ مع أنه ربما ينقدح في أذهان كثير من الناس هذا السؤال قبل السؤال الذي سأله الصحابة، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يهتموا بهذا الأمر، اهتموا بالأمر المهم الأهم، وهو السؤال عن دينهم، ولهذا ينبغي للإنسان في هذه الأمور وأشباهها أن يكون موقفه منها موقف المسلم المستسلم بدون إيراد ولا تشكيك.
ثانياً: الصحابة رضي الله عنهم لما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث لم يشكوا في ذلك طرفة عين، وصار كأنه أمر واقع بين أيديهم الآن، ولهذا سألوا عن الصلاة، ولم يستبعدوا وقوع هذا، بل جعلوه كأنه رأي عين، فدل ذلك على قوة استسلام الصحابة رضي الله عنهم لأمر الشرع، وأنهم رضي الله عنهم لا يتوقفون في تنفيذ أمر الله ورسوله، ولا يهتمون بشيء كما اهتمامهم بأمور دينهم، واعتبر هذا أيضاً بما جرى لنساء الصحابة رضي الله عنهم حيث وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم ذات عيد وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار )، فماذا فعلن، جعلن يتصدقن بحليهن الذي بأيديهن وآذانهن وصدورهن، فجعلت الواحدة تخلع خاتمها أو خرصها أو قرطها ثم تلقيه في ثوب بلال رضي الله عنه، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا اتباع هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، والأخذ بمنهجهم القويم، فإنه الصراط المستقيم.
والخلاصة أن الجواب على سؤال السائل أن نقول لهؤلاء القوم: اقدروا قدر الأيام والليالي في أقرب بلاد إليكم يكون فيها ليل ونهار في خلال أربع وعشرين ساعة.
السؤال: يحدث من بعض المصلين الجهر بتكبيرات الإحرام في الصلاة الجماعية، ومنهم أيضاً من يجهر بدعاء الاستفتاح، لكن بصوت منخفض، لكنه يسمع فما حكم الجهر ولو بصوت منخفض في الصلاة الجماعية بالنسبة لدعاء الاستفتاح، وتكبيرة الإحرام من المأموم والمنفرد، نرجو بهذا الإفادة؟
الجواب: أما المأموم فحقه الإسرار في التكبير والاستفتاح والدعاء في السجود والتسبيح وغير ذلك، وليس له أن يرفع صوته؛ لأن رفع صوته إخلال بالمتابعة؛ ولأن رفع صوته يوجب التشويش على من حوله، ولهذا كره العلماء رحمهم الله أن يبلغ أحد مع الإمام التكبير إلا لحاجة، يعني كرهوا أن يتابع الإنسان الإمام في رفع صوته بالتكبير إلا لحاجة، مثل أن يكون المسجد كبيراً لا يسمعون تكبير الإمام، فيبلغ أحد عنه، فهذا لا بأس به للحاجة، كما صنع أبو بكر رضي الله عنه حين جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي بالناس، فوقف أبو بكر عن يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكمل بهم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، لكنه بصوت منخفض، فجعل أبو بكر يكبر بتكبير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والناس يتبعون صوت أبي بكر .
فالحاصل أنه ينهى المأموم عن الجهر بالتكبير أو الاستفتاح أو الدعاء في السجود أو التسبيح أو غير ذلك، ومن عجب أن بعض الناس فهم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسمعهم الآية أحياناً في صلاة الظهر أو العصر )، فظن أن هذا -أعني: جهر المأموم في القراءة أحياناً- من السنة، وهذا فهم خاطئ، فإن المأموم ليس إماماً، ولا يتم الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة إلا إذا كان الإنسان إماماً، أما إذا كان مأموماً فإنه لو جهر لكان مخالفاً لهدي الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني طلبة العلم الذين لم يصلوا إلى حد الرسوخ في العلم من أن يتعجلوا في فهم النصوص من القرآن والسنة، ثم أن يتعجلوا في إفتاء الناس بمقتضى هذا الفهم الذي بني على علم قليل، وأقول لهم: لا تستعجلوا السؤدد، انتظروا، فستكون لكم السيادة إذا منّ الله عليكم بالاستمرار في طلب العلم، والاستفادة منه، ولهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: تفقهوا قبل أن تسودوا، يعني افقهوا العلم أولاً قبل أن يجعلكم الناس أسياداً يرجعون إليكم، وهذا هو عين البصيرة، وعين الحكمة، فاصبر يا أخي طالب العلم، اصبر حتى تبوأ منزلك من العلم بالعلم الواسع والفهم الثاقب، ولا تتعجل، قد تفتي الناس في أمر ضللت فيه، فيضل كثير من الناس على يدك، وربما ترجع إلى الصواب في يوم من الأيام فلا يمكنك مداواة الجرح الذي حصل بفتواك الأولى، واعلم بأنك قادم على ربك، وسائلك لم أضللت عبادي قبل أن تبذل الجهد في الوصول إلى العلم، ثم في تحقيق الفهم؛ لأن المفتي يعبر عن الله ورسوله، فأهل العلم ورثة الأنبياء يدلون الناس على الخير ويأمرون الناس بالخير، فسوف تلاقي ربك يوم القيامة، وسيسألك: لم أضللت عبادي قبل أن تبلغ من العلم مكاناً تستحق أن تكون فيه من أهل الفتوى؟
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا وإخواننا من الزلل، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل.
السؤال: لقد أديت فريضة الحج قبل سنوات مضت، وكنت متمتعاً، وبعد أن أديت مناسك العمرة تحللت وخلعت ملابس الإحرام، وذهبت إلى المدينة المنورة لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعدت قبل يوم التروية بيوم تقريباً.
المهم بأنني عندما أردت الدخول إلى مكة في المرة الثانية من المدينة لم أحرم، ورأيت الناس يحرمون من الميقات، واعتبرت في نفسي بأنني قد أديت العمرة قبل أيام فلا داعي لها مرة ثانية، فما حكم دخولي مكة دون إحرام، أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
الجواب: قبل أن نجيب على سؤاله، أود أن أنبه على ملاحظة قالها في سؤاله، يقول أنه بعد أن أدى العمرة ذهب إلى المدينة ليزور قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأقول: الذي يذهب للمدينة ينبغي له أن ينوي شد الرحل إلى المسجد النبوي؛ لأن هذا هو المشروع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )، فالذي ينبغي لقاصد المدينة أن ينوي بشد الرحل المسجد النبوي ليصلي فيه، فإن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، يعني مسجد الكعبة، هذه ملاحظة ينبغي الاهتمام بها.
أما ما صنعه من كونه حج متمتعاً ثم أدى العمرة تامة، ثم خرج إلى المدينة بنية الرجوع إلى مكة للحج، ثم رجع إلى مكة ولم يحرم إلا يوم التروية مع الناس، فلا أرى في ذلك بأساً عليه؛ لأنه إنما مر بميقات أهل المدينة قاصداً مكة التي هي محط رحله، والتي لا ينوي الإحرام إلا منها، لكونه متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ولكن هنا سؤال يطرح نفسه وهو: هل يسقط عنه هدي التمتع لفصله بين العمرة والحج بسفر، أو لا يسقط؟ في هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، والراجح من أقوال أهل العلم أن دم الهدي لا يسقط عنه إذا لم يكن من أهل المدينة، فإن كان من أهل المدينة سقط عنه، لكنه إذا كان من أهل المدينة فلا يتجاوز الميقات حتى يحرم منه؛ لأنه أنشأ سفراً جديداً للحج، وأما إذا لم يكن من أهل المدينة فإن التمتع لم ينقطع لكون السفر واحداً، ويبقى عليه الهدي كما لو لم يسافر إلى المدينة، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن المتمتع إذا رجع إلى بلده ثم أنشأ سفراً جديداً للحج فإنه غير متمتع، وإن سافر إلى غير بلده فإنه لا يزال متمتعاً.