فتاوى نور على الدرب [546]


الحلقة مفرغة

السؤال: البعض من المرضى يتذمر ويكثر من الشكوى ويتسخط مما فيه من مرض، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء وذلك بالاحتساب والصبر؟

الجواب: نصيحتي لإخواني هؤلاء المرضى ومن أصابهم مصائب في أموالهم أو أهليهم أن يصبروا ويحتسبوا، ويعلموا أن هذه المصائب ابتلاءٌ من الله سبحانه وتعالى واختبار، كما قال الله تبارك وتعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ، وإذا كان الله تعالى يبتلي العبد بالنعم ليختبره أيشكر أم يكفر فكذلك يبتلي عبده بما يضاد ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع ويتسخط، ويعين المرء على الصبر على هذه الأمور أمور:

الأمر الأول: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى رب كل شيء ومليكه، وأن الخلق كلهم خلقه وعبيده يتصرف فيهم كيف يشاء؛ لحكمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، فلا اعتراض عليه سبحانه وتعالى فيما فعل في ملكه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

الثاني: أن يؤمن بأن هذه المصائب التي تصيبه تحط عنه الخطايا ويغفر له بها الذنوب كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولقد أصيبت امرأةٌ من العابدات في إصبعها ولكنها لم تتسخط ولم يظهر عليها أثر التشكي، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها، ومن المعلوم أن الصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر الإنسان عليه حتى يكون من الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

ثالثاً: أن يتسلى بما يصيب الناس سواه فإنه ليس وحده الذي يصاب بهذه المصائب بل في الناس من يصاب بأكثر من مصيبته، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أشرف الخلق عند الله يصاب بالمصائب العظيمة، حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، ومع ذلك يصبر ويحتسب، وفي التسلي بالغير تهوينٌ على المصاعب.

رابعاً: أن يحتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على هذه المصيبة، فإنه إذا احتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على هذه المصيبة فإنه مع تكفير السيئات والخطيئات بها يرفع الله له بذلك الدرجات، بناءً على احتسابه الأجر على الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن كثيراً من الناس منغمرٌ في سيئاته، فإذا جاءت مثل هذه المصائب المرض أو فقدان الأهل أو المال أو الأصدقاء أو ما أشبه ذلك هان عليه الشيء بالنظر إلى ما له من الأجر والثواب على الصبر عليه واحتساب الأجر من الله، وكلما عظم المصاب كثر الثواب.

خامساً: أن يعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم، فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلاً وإن آجلاً، لكن كلما امتدت ازداد الأجر والثواب، وينبغي في هذه الحال أن نتذكر قول الله تبارك وتعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6]، وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).

سادساً: أن يكون لديه أمل قوي في زوال هذه المصيبة، فإن فتح الآمال يوجب نشاط النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وأن الإنسان كلما مضى عليه ساعة رأى أنه أقرب إلى الفرج وزوال هذه المصائب، فيكون في ذلك منشطاً نفسه حتى ينسى ما حل به، ولا شك أن الإنسان الذي ينسى ما حل به أو يتناساه لا يحس به، فإن هذا أمرٌ مشاهد إذا غفل الإنسان عما في نفسه من مرضٍ أو جرح أو غيره يجد نفسه نشيطاً وينسى ولا يحس بالألم بخلاف ما إذا ركز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم أو هذا المرض فإنه سوف يزداد، وأضرب لذلك مثلاً بالعمال تجد العامل في حال عمله ربما يسقط عليه حجرٌ يجرح قدمه، أو تصيبه زجاجة تجرح يده، أو ما أشبه ذلك، وهو مستمرٌ في عمله ولا يحس بما أصابه، لكن إذا فرغ من عمله ثم توجهت نفسه إلى هذا الذي أصابه حينئذٍ يحس به، ولهذا لما شكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الوساوس التي يجدها الإنسان في نفسه قال عليه الصلاة والسلام: ( أو إذا وجد ذلك فليستعذ بالله ثم لينته ) يعني: يعرض عن هذا ويتغافل عنه، فإنه يزول، وهذا شيء مشاهد ومجرب، ففي هذه الأمور الستة يحصل للمريض الطمأنينة والخير الكثير.

الأمر السابع: أن يؤمن بأن الجزع والتسخط لا يزيل الشيء بل يزيده شدة وحسرة في القلب كما هو ألمٌ في الجسد، وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الناس تجاه المصائب التي تقع بهم ينقسمون إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: من جزع وتسخط ولم يصبر، بل دعا بالويل والثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ونتف الشعور، وصار قلبه مملوءاً غيظاً على ربه عز وجل، فهذا خاسرٌ في الدنيا والآخرة؛ لأن فعله هذا حرام، والألم لا يزول به فيكون بذلك خسر الدنيا والآخرة وربما يؤدي ذلك إلى الكفر بالله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] .

الحال الثانية: الصبر، بمعنى أن هذا المصاب لا يحب أن تقع المصيبة بل يكرهها ويحزن لها، لكنه يصبر فيمنع قلبه عن التسخط ولسانه عن الكلام وجوارحه عن الفعال، ولكنه يتجرع مرارة الصبر ولا يحب أن ذلك وقع، فهذا أتى بالواجب وسلم ونجا.

الحال الثالثة: أن يقابل هذه المصيبة بالرضا وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى كأنها لم يصب بها لقوة رضاه بالله عز وجل، فالفرق بينه وبين الأول الذي قبله أن الأول عنده كراهة لما وقع ويتجرع مرارة الصبر عليه، أما هذا فلا.. ليس عنده كراهة ولا في نفسه مرارة، يقول: أنا عبد والرب رب ولم يقدر لي هذا إلا لحكمة، فيرضى تماماً، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الرضا هل هو واجب أو مستحب، والصحيح أنه مستحب، لكنه صبرٌ وزيادة، والصبر سبق أنه واجب، وأما ما زاد على الصبر فإنه مستحب، فالراضي أكمل من الصابر.

الحال الرابعة: الشكر لله عز وجل على ما حصل، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه المصيبة، ولكن قد يقول قائل: إن هذا أمرٌ لا يمكن بحسب الفطرة والطبيعة أن يشكر الإنسان ربه على مصيبة تقع عليه، فيقال: نعم، لو نظرنا إلى مطلق المصيبة لكانت الفطرة تأبى أن يشكر الله على ذلك، لكن إذا نظر الإنسان إلى ما يترتب على هذه المصيبة من مغفرة الذنوب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات شكر الله سبحانه وتعالى أن ادخر له من الأجر والثواب خيراً مما جرى عليه من هذه المصيبة، فيكون بذلك شاكراً لله سبحانه وتعالى، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه إذا أصابه ما يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أصابه خلاف ذلك قال: الحمد لله على كل حال ) وهذا هو الذي ينبغي أن يقوله الإنسان.

أما ما اشتهر على لسان كثيرٍ من الناس حيث يقول إذا أصيب بمصيبة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهي عبارةٌ بشعة ولا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ لأن هذا يعلن إعلاناً صريحاً بأنه كارهٌ لما قدر الله عليه وفيه شيء من التسخط وإن كان غير صريح، ولهذا نقول: ينبغي لك أن تقول ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقوله وهو: ( الحمد لله على كل حال ).

وفي النهاية أوصي إخواني المرضى ومن أصيبوا بمصيبة أن يصبروا على ذلك، وأن يحتسبوا الأجر من الله عز وجل، والله تعالى مع الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

السؤال: ما هي المساقاة وما هي المزارعة؟

الجواب: المساقاة: هي أن يدفع صاحب النخل نخله إلى شخصٍ يقوم عليه بالسقي وغيره وتكون الثمرة بينهما، أي: بين صاحب النخل وبين العامل إما أنصافاً أو أثلاثاً ثلثٌ للعامل وثلثان لصاحب الأصل أو بالعكس على حسب ما يتفقان عليه، فإذا أعطى صاحب الملك هذا الفلاح نخله ليقوم عليه بجزءٍ مشاع معلومٍ منه فهذه هي المساقاة، أما المزارعة فهي أن يدفع أرضه لشخصٍ يزرعها ويقوم على الزرع ويكون الزرع بينهما حسب ما يتفقان عليه أنصافاً أو أرباعاً أو أثلاثاً، لكن لابد أن يكون السهم جزءاً مشاعاً معلوماً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه عامل أهل خيبر حين فتحها بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع، ولا يصح في المساقاة ولا المزارعة أن يشترط لأحدهما جزء معين بالقدر أو معيناً بالمكان، بمعنى: أنه لا يصح أن يقول: أعطيتك نخلي مساقاةً على أن يكون لي من ثمره طنٌ ولك الباقي، أو في الزرع كذلك أو يقول: لك زرع الجهة الشرقية من الأرض ولي زرع الجهة الغربية من الأرض، أو يقول: لك زرع الشعير ولي زرع البر، أو يقول في المساقاة: لك ثمر السكري ولي ثمر البرحي، أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز، لا بد أن يكون السهم جزءاً مشاعاً معلوماً للطرفين.

السؤال: ما حكم الصلاة في الطائرة إذا خشي الإنسان فوات الوقت؟

الجواب: الصلاة في الطائرة إذا كان الإنسان يمكنه أن يأتي بالواجب فيصلي كما يصليها في الأرض، أما إذا كان لا يمكن كحال الطائرات الموجودة اليوم فإن كان في صلاةٍ تجمع إلى ما بعدها فلينتظر حتى يهبط إلى المطار ويؤخر الصلاة الأولى ليجمعها مع الثانية جمع تأخير، وإن كانت لا تجمع إلى ما بعدها كصلاة العصر وصلاة الفجر مثلاً فإنه يصليها على حسب حاله قبل أن يخرج الوقت، ويجب عليه أن يأتي بكل ما يستطيع من شروطها وأركانها وواجباتها.

السؤال: أخي مولع بصيد الطيور حيث يترك عمله لمدة أسبوع ويذهب إلى البر بحثاً عن الصيد، فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟

الجواب: لا يحل للإنسان أن يدع عمله الواجب الوظيفي ليتمتع باللهو والصيد أو غير ذلك مما يصده عن القيام بالواجب؛ لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، والوظيفة تعتبر عقداً بين الإنسان وبين الجهة المسئولة، ولقوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34]، فالواجب على الإنسان أن يقوم بوظيفته حسب ما يقتضيه النظام، كما أنه يطالب بالراتب الذي له على وجه الكمال، وكثيرٌ من الناس يفرط فيما يجب عليه من عمل الوظيفة ويطالب بكل حقه من الراتب، وهذا داخلٌ في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6]، نسأل الله لنا ولإخواننا الهداية، وأن يعيننا جميعاً على أداء ما أوجب علينا إنه على كل شيء قدير.

السؤال: عند سفر المرأة مع طفل عمره في السابعة أو الثامنة في الطائرة هل يعتبر هذا الطفل محرم؟

الجواب: يقول العلماء -رحمهم الله-: إنه يشترط في المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن هذا هو الذي يمكنه صيانة المرأة وحمايتها والمدافعة عنها، وهو الذي يوجب هيبتها عند الناس، أما الطفل الصغير فإنه لا يغني شيئاً، ولهذا لا يجوز للمرأة أن تسافر مع محرمٍ صغير، بل عليها أن تختار محرماً بالغاً عاقلاً كما قال ذلك أهل العلم رحمهم الله.

والعجب أن بعض النساء اليوم يتهاون بالسفر في الطائرة بحجة أن الطائرة مملوءة بالركاب، وأن المسافة قريبة، وأنها سوف تشيع من البلد الذي سافرت منه وتستقبل في البلد الذي توجهت إليه، ولكن هذا تهاون وتساهل في حدود الله عز وجل؛ وذلك لأن هذه المرأة سوف يودعها من يشيعها من المطار إذا دخلت صالة الاجتماع، فإذا دخلت صالة الاجتماع فقد تتأخر الطائرة عن السفر في الموعد المحدد وربما تلغى الرحلة للأحوال الجوية أو لعطلٍ فني أو لما أشبه ذلك، فمن الذي يردها إلى أهلها؟

ثم إذا قدرنا أن الطائرة أقلعت فهل نضمن مائة بالمائة أن تهبط في المطار الذي قصدته، ربما لا تهبط، ربما يعتريها خلل فني ترجع الطائرة من أثناء الطريق أو تذهب إلى مطارٍ أقرب من المطار الذي قصدته، وربما تحدث أحوالاً جوية تمنع الطائرة من الهبوط في المطار المقصود، وإذا قدرنا أن هذا قد انتفى وأنها هبطت الطائرة في المطار المعين المقصود، فهذا المحرم الذي كان بصدد أن يقابلها هل نحن نضمن أن تتم المقابلة مائة بالمائة، ربما يصيب هذا المحرم مرض لا يستطيع معه الحضور إلى المطار، ربما ينام، ربما تتعطل السيارة في أثناء الطريق، ربما يحصل زحام في الطريق وأشياء كثيرة يحتمل أن تقع وتمنع وصوله إلى المطار.

ثم إذا قدرنا أن كل هذا انتفى فمن الذي يكون إلى جانبها في الطائرة؟ قد يكون إلى جانبها رجلٌ غير مأمون، فالمسألة خطيرة، وإذا قدرنا أن مثل هذا لا يقع إلا واحد في العشرة يعني: عشرة في المائة فإن الشرع له نظرٌ بعيد في حماية الأعراض واجتناب الأخطار، لا سيما في مثل هذه الأمور التي تعتبر فتنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء )، وأخبر أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا وفتنة الكفار في النساء، وفتنة بعض المسلمين كذلك في النساء، فالمسألة خطيرة، وإنني أحذر أخواتي وأولياء أمورهن من التهاون بهذا الأمر العظيم، وأقول: وإن رخص بعض العلماء في مثل ذلك فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة قال فيها: ( لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجة، قال: انطلق فحج مع امرأتك )، هكذا أعلن ولم يستثن شيئاً.

فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم أن تحدث مثل هذه الوسائل في المواصلات السريعة التي أمنها كثير، قلنا: إن قدرنا أنه لم يعلم بذلك فإن الله تعالى قد علم به ولم ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وحياً يستثني مثل هذه الحالات، على أن قول الله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:8] توحي بأن هناك أشياء ستحدث لا نعلمها تركب، وهذا هو الواقع، فإذا كنا نحن نفهم هذا الفهم من كلام الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى منا فهماً وأسد.

السؤال: ما حكم شراء الأثاث والسيارات بالتقسيط؟

الجواب: شراء الأثاث والسيارات إذا كانت عند البائع وكان المشتري يقصدها بعينها لا بأس به؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]. وأما إذا لم تكن عند البائع ولكنه يعينها المشتري أي: الطالب ثم يذهب البائع ويشتريها ثم يبيعها عليه فهذا لا يجوز؛ لأن هذا حيلةٌ على الربا، إذ أن هذه المعاملة تعني: أنه أقرضه الثمن بربا، بزيادة ربوية؛ لأن التاجر اشتراها مثلاً بمائة وباعها على هذا بمائة وعشرين، وإن كانت عند البائع وفي ملكه واشتراها المشتري لا يريدها بعينها وإنما يريد أن يبيعها وينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وفيها خلافٌ بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والاحتياط ألا يتعامل الإنسان بها لا سيما إذا كان تعامله من أجل التجارة؛ لأن الإنسان قد يربح وقد لا يربح، مع أنه قد خسر بزيادة الثمن عليه من أجل التأجيل.

السؤال: بعض الموظفين يخرجون من العمل للصلاة في أقرب مسجد لهم، مع أنه يوجد مصلى يصلي فيه أكثر من خمسين شخصاً من الموظفين، فهل يحق لهؤلاء الأشخاص الذهاب إلى المسجد المجاور أو يصلون مع زملائهم؟

الجواب: إذا كان القائم على هذه المصلحة ينهاهم أن يخرجوا ويقول: صلوا معنا فإنهم يصلون معه مع الجماعة ولا يخرجون إلى المسجد؛ وذلك لأن الصلاة في المسجد إذا كان يترتب عليها فوات مصلحة أو حصول مضرة مع وجود جماعةٍ أخرى في مكان العمل، ثم إن بعض الناس يخرج من مكان العمل إلى المسجد بحجة أنه يريد أن يصلي مع الجماعة ولكنه يتلاعب فيذهب إلى بيته ولا يصلي مع الجماعة، أما لو كان المقر -مقر العمل- قريباً وحوله المسجد ولا يختل العمل بخروجهم إلى المسجد فإنه يجب عليهم أن يخرجوا إلى المسجد ويصلوا جميعاً فيه.