فتاوى نور على الدرب [542]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم صلاة المرأة خارج بيتها؟

الجواب: صلاة المرأة في غير بيتها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تصلي في مجامع الرجال كصلاتها في المساجد.

القسم الثاني: أن تصلي في بيت من ذهبت إليه لزيارة أو نحوها، فأما الأول وهي صلاتها في مجامع الرجال كالمساجد فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الحكم فيها بياناً شافياً، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خيرٌ لهن ) فالأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها لا في المساجد مع الرجال، إلا في صلاةٍ واحدة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر النساء أن يخرجن إليها وهي: صلاة العيدين، وعيد الأضحى، وعيد الفطر، وأما صلاة المرأة في بيتٍ غير بيتها كبيتٍ قصدته لزيارةٍ أو نحوها فإنه لا حرج عليها في ذلك، وصلاتها فيه كصلاتها في بيتها تماماً، أي: أنها ليست مأزورة ولا مأجورة، بل صلاتها في البيت الذي ذهبت إليه لزيارةٍ أو غيرها كصلاتها في بيتها الذي هو سكنها.

السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحج المبرور لا جزاء له إلا الجنة )، بعض المراجع من كتب الفقه تقول بأنه لا يغفر بالحج إلا الصغائر وتأخير الفروض عن أوقاتها، أما الكبائر فلا تغفر بالحج، والبعض الآخر يقول: يغفر بالحج كل شيء حتى الكبائر والتبعات، لكن بشرط التوبة من الكبائر وسداد التبعات، فما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟

الجواب: الحج المبرور هو الذي جمع عدة أوصاف:

الوصف الأول: أن يكون خالصاً لله عز وجل بحيث لا يريد الإنسان بحجه ثناءً من الناس، أو استحقاق وصفٍ معين يوصف به الحاج أو شيئاً من الدنيا دون عمل الآخرة أو ما أشبه ذلك.

ثانياً: أن يكون متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحيث يأتي بالحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أذن فيه، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ( خذوا عني مناسككم )، ومن ثم يتبين ضرورة الإنسان إذا أراد الحج إلى أن يقرأ مناسك الحج قبل أن يحج حتى يحج على بصيرةٍ وبرهان، وإذا كان لا يستطيع القراءة فليشترِ ما يستمع إليه من أشرطة العلماء الموثوق بهم، وإن لم يتيسر له ذلك فليسأل علماء بلده كيف يحج، ولا أظن العلماء يقصرون في بيان ذلك عند سؤالهم عنه.

ثالثاً: أن يكون من نفقاتٍ طيبة، أي: من كسبٍ طيب؛ لأن الكسب الخبيث خبيث، فليتحر الإنسان أن تكون نفقاته في الحج من كسبٍ طيب؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.

الرابع: أن يتجنب فيه المآثم، سواءٌ كانت هذه المآثم من خصائص الإحرام كمحظورات الإحرام أو من المآثم العامة كالغيبة والنميمة والكذب وما أشبه ذلك؛ لقول الله تعالى: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]. ومن هذا أن يجتنب أذية الناس في المزاحمة عند الطواف أو السعي أو الجمرات أو غير ذلك؛ لأن هذا -أعني: أذية الناس- من الأمور المحرمة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58]، فلا يجوز أن يأتي لرمي الجمرات بانفعال وغضب وشد عضلات وكأن بني آدم الذين أمامه خراف لا يهتم بهم، فإن هذا مما ينافي أن يكون الحج مبروراً.

ومن ذلك -أي: مما يشترط للحج أن يكون مبروراً- أن يتجنب شرب الدخان؛ لأن شرب الدخان محرم كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة العامة، وإذا كان محرماً كان الإصرار عليه كبيرةً من كبائر الذنوب، ولو أن المسلمين الحجاج تجنبوا شرب الدخان في مواسم الحج لاعتادت أبدانهم على تركه ثم منَّ الله عليهم بالإقلاع عنه إقلاعاً تاماً، فالحج المبرور قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس له جزاءٌ إلا الجنة )، وهذا لا يقتضي أن يغفر للإنسان التبعات التي لبني آدم، فالتبعات التي لبني آدم لا بد من إيصالها إليهم، فمن أخذ مالاً للناس وحج وإن حج بغير هذا المال الذي أخذه أو أتقن حجه تماماً في الإخلاص والمتابعة فإنه لا يغفر له الذنب حتى يرد الحق إلى أهله، وإذا كانت الشهادة في سبيل الله وهي من أفضل الأعمال وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، إذا كانت الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدّين فالحج من باب أولى، ولهذا نقول: إذا كان على الإنسان دين فلا يحج حتى يقضي هذا الدين، إلا إذا كان ديناً مؤجلاً وهو واثقٌ من قضائه إذا حل الأجل فهنا لا بأس أن يحج، أما إذا كان الدين حالاً غير مؤجل أو كان مؤجلاً لكنه لا يثق من نفسه أن يوفيه عند أجله فلا يحج، وليجعل المال الذي يريد الحج به وفاءً للدين، وبهذا علم أن الحج المبرور لا يسقط حقوق الآدميين، بل لابد من إيصالها إليهم إما بوفاء أو إبراء.

السؤال: فتاة تبلغ من العمر السابعة عشرة، تقول: أنا ملتزمة والحمد لله، وأحب النصح والإرشاد، ولكن الوالد سامحه الله يكرهني ويمنعني من مواصلة تعليمي، فأصبحت أكرهه وأصبت بانهيارٍ عصبي، فنصحه الأقارب فأكملت تعليمي، وأنا الآن أريد أن أدخل الجامعة، علماً بأني سوف أتخصص تربية إسلامية إن شاء الله وأكون داعية لله عز وجل، وهو يرفض ذلك؛ بحجة أنه يقول التعليم حرام؟

الجواب: إن قول الوالد: إن التعليم حرام أمرٌ يستغرب منه، فمن الذي حرم التعليم؟! من الذي حرم تعلم الشرع؟ من الذي حرم تعلم الوسائل التي يستعين بها على معرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! فتعلم المرأة في المدارس أو في الكليات الجامعية والمنفردة لا بأس به إذا لم يكن فيه محذور، بل هو مما يطلب، فإن النساء شقائق الرجال، فكما أن الرجال عليهم لازم في تعلم شريعة الله، بل فكما أن الرجال يجب عليهم أن يتعلموا من شريعة الله ما يقوم به دينهم، فكذلك النساء عليهن أن يتعلمن من شريعة الله ما يقوم به الدين؛ لأن الرجل والمرأة سواء في وجوب تعلم ما يحتاجون إليه في دينهم، نعم لو تضمن هذا التعلم شيئاً محرماً مثل أن تذهب المرأة إلى المدرسة مع السائق وحده وليس محرماً لها، فحينئذٍ نقول: يجب أن تمنع هذه من الذهاب وحدها مع السائق الذي ليس بمحرمٍ لها، ولكن مع ذلك لا نقول: إنه يحرم عليها أن تتعلم إذا اتخذت وسيلةً مباحة.

أما بالنسبة لك فنقول: اصبري على ما حصل من الوالد، وقد يفرج الله تعالى الأمر من وجهٍ آخر بحيث يتبصر الوالد في أمره، ويستشير ذوي الرأي والدين، فيغير الله الحال إلى حالٍ أخرى، والإنسان إذا صبر واحتسب وانتظر الفرج من الله عز وجل يسر الله له ذلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ) فلا تنهار أعصابك، ولا يلحقك القلق، بل استعيني بالله واصبري، إن الله مع الصابرين.

السؤال: هل الأضحية تجزئ عن الحي والميت إذا اشتركوا فيها؟

الجواب: إذا كان المضحي واحداً بمعنى أن رجلاً اشترى أضحية وجعلها لنفسه ولأبيه الميت أو أمه الميتة أو أقاربه الميتين فلا حرج، وأما إذا اشترك إنسان حي مع وصيةٍ لميت، مثل: أن يشتري أضحيةً بأربعمائة ريال منها مائتان من الوصية ومائتان من عنده فإن هذا لا يجوز؛ لأن الاشتراك في الأضحية الواحدة ممنوع إلا في الإبل والبقر، فإنه يشترك في الإبل سبعة أنفار وفي البقرة سبعة أنفار، وأما الغنم من ضأنها ومعزها فإنه لا يشترك فيها اثنان، أما التشريك في الثواب فلا بأس، لو جعل الإنسان هذه الأضحية لعدة أناس فلا حرج، ولكن التشريك في الملك والاشتراك على الشيوع هذا لا يجوز.

السؤال: إذا صلت المرأة في بيتها قبل أذان المؤذن بدقائق، أو وافقت المؤذن في منتصف الصلاة، هل تعيد صلاتها أم لا؟

الجواب: العبرة في الصلاة بدخول الوقت لا بأذان المؤذن؛ وذلك لأن بعض المؤذنين قد يتقدم قليلاً قبل الوقت لظنه أن الوقت قد دخل، إما بالنظر إلى الساعة أو لغير ذلك من العلامات وهو لم يدخل، وبعض المؤذنين قد يتأخر بعد الوقت بدقيقتين أو ثلاث أو خمس أو عشر كما هو مسموع الآن، فالعبرة بدخول الوقت، إذا صلت المرأة أو الرجل قبل دخول الوقت ولو بدقيقة واحدة فصلاته غير مقبولة، أي: لا يسقط بها الفرض، حتى لو أنه كبر للإحرام ثم دخل الوقت بعد تكبيرة الإحرام مباشرة فإن الصلاة لا تنعقد فرضاً ولا تبرأ بها الذمة، مثال ذلك: رجل يشاهد الشمس عند الغروب وقد غرب أكثر قرصها، فقام يصلي المغرب، فلما كبر تكبيرة الإحرام غاب بقية القرص، فنقول لهذا الرجل: إن صلاتك لا تقبل لا فريضة ولا نافلة، أما كونها لا تقبل فريضة فلأنه كبر للإحرام قبل دخول الوقت، وأما كونها لا تقبل نافلة فلأنه كبر للنافلة في وقت النهي فلا تقبل؛ لأن أوقات النهي لا يصح فيها النفل المطلق الذي لا سبب له، هذا إذا كان عن جهل، أما إذا كان متعمداً، يعني: يعلم أنه لا تصح صلاة المغرب إلا إذا غاب قرص الشمس كله ثم كبر تكبيرة الإحرام لصلاة المغرب قبل أن يغيب القرص كله فإن هذا يكون آثماً؛ لأن فعله هذا استهزاءٌ بالله عز وجل، أي: بشريعة الله، وخلاصة الجواب أن نقول لهذه المرأة: انتظري لا تصلي قبل أن يؤذن، ولا تعتدي بأذان يكون قبل الوقت، وإذا شككت في كون هذا الأذان قبل الوقت أو في الوقت فانتظري حتى تتيقني أو يغلب على ظنك أن الوقت قد دخل.

السؤال: هل يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثالثة أو الرابعة ما يتيسر من القرآن، أم تجزئ سورة الفاتحة ولا يقرأ بعدها شيء؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: لا يشرع قراءة شيءٍ سوى الفاتحة فيما بعد التشهد الأول، أي: في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر، أو من المغرب والعشاء، أي: في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر والعشاء وفي الركعة الثالثة من المغرب، ومنهم من قال: لا بأس بالقراءة أحياناً، والأرجح عندي أنه لا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر والعصر والعشاء، أو في الركعة الثالثة من المغرب؛ لأن هذا مقتضى حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أما حديث أبي سعيد الخدري الذي فيه ما يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر فقد أجيب عنه بأن حديثه أقل رتبةً في الصحة من حديث أبي قتادة ، وبأنه ليس بصريح بل هو ظنٌ وتخمين.

وعلى هذا؛ فيقتصر على الفاتحة فيما كان بعد التشهد الأول في الصلاة، أي: في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر والعشاء والركعة الثالثة من المغرب.

ولكن إذا كان الإنسان مأموماً وانتهى من قراءة الفاتحة قبل أن يركع الإمام فلا حرج عليه أن يقرأ ما تيسر من القرآن حتى يركع إمامه.

السؤال: يوم العيد عيد النحر ذهبنا إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي عند العصر، وتأخرنا بها بعد الطواف حتى الساعة الثانية والنصف مساءً ليلاً، بلا إرادةٍ منا، حيث فقدت أبي من شدة الزحام، وظليت أبحث عنه حتى التقينا، وركبنا السيارة لندرك المبيت في منى ليلة الحادي عشر، ووصلنا قبل الفجر بنصف ساعة فقط، فهل بذلك نكون أدركنا المبيت؟

الجواب: لا حرج عليكم في هذا وليس عليكم إثمٌ ولا فدية؛ لأن هذا التأخر بغير إرادةٍ منكم، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أسقط المبيت في منى عن الرعاة وعن السقاة لحاجة الناس إلى ذلك، فإن هذا الذي وقع منكم ضرورة والضرورة أولى بالعذر من الحاجة، وعلى هذا فحجكم إن شاء الله تامٌ صحيح وليس عليكم إثمٌ ولا فدية.

السؤال: ما حكم من فقد حذاءه بالحرم، ثم أخذ واحداً مكانه من نفس النوع، علماً بأنه تحفظ أكثر من مرة وكان يشتري غيره، إلا أن ذلك تكرر معه أكثر من مرة تقريباً، فاضطر إلى أن يأخذ غيره؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يأخذ غير نعاله إذا فقد نعاله في مجمع النعال في المساجد العادية أو في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي؛ لأنه لا يتيقن أن النعال التي أخذها هي نعال التي أخذ نعاله، قد تكون نعلاً لغيره، نعم لو فرض أنه دخل المسجد رجلان ووضعا نعالاهما في مجمع النعال ثم خرج أحدهما قبل الآخر فأخذ نعل صاحبه، ثم خرج الثاني ولم يجد نعله وإنما وجد نعل الذي أخذ نعله، فحينئذٍ لا بأس أن يأخذ هذه النعال إذا أيس من رجوع صاحبها إليها، وكيف يعلم ذلك؟

يعلم هذا إذا مر هذا الوقت والوقت الثاني علم أن صاحبها لن يرجع إليها، وقد يقال له أن يأخذ هذه النعال التي بقيت إذا كانت دون نعاله، يعني: أن نعاله جديدة وهذه قديمة أو ما أشبه ذلك، يعني: أقول: قد يقال إنه يأخذها فوراً ولا يحتاج إلى أن ينتظر حتى ييأس من صاحبها.

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟

الجواب: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئاً، مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به؛ لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئاً.

والقسم الثاني: أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة، فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به، فمنهم من قال بجواز ذلك وقال: بأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به، وقال أيضاً: إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه، واستدل لذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة:90-91]، وقال: إن هذا هو تعليل الحكم، أي: حكم التحريم، وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الذكر، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقال: إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب منه الإنسان.

ومن العلماء من قال: لا يتطيب به؛ لعموم قوله: (فَاجْتَنِبُوهُ)، والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم، ولكن الاحتياط أن لا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله، هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه.

أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها؛ لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة، وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة، ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فقد يحرم الشيء وليس بنجس، فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة، فالسم مثلاً حرام وإن لم يكن نجساً، وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليست بنجسة، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الطعام الحلال إذا كان الإنسان يخشى من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيراً أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حراماً، والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، فالخمر لا شك في تحريمه، لكن ليس بنجس؛ لأنه لا دليل على نجاسته، وقد علم السامع والمستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجساً، بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس، أي: هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم : ( أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها حرمت والمحرم لا يجوز قبوله، بل يجب إتلافه، فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بم ساررته؟ قال: قلت: بعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم )، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر، ولو كانت نجسة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها أن يغسلها، هذا دليل، ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة، ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها.