فتاوى نور على الدرب [511]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل شحوم البقر والغنم محرمة على الإنسان بالرغم أن كثيراً من الناس تأكل هذه الشحوم، أرجو من فضيلة الشيخ بيان ذلك بالتفصيل؟

الجواب: شحوم البقر والغنم ولحومها كله حلال؛ لقول الله تبارك وتعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1] ، ويعني بما يتلى علينا قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3] .

ولا فرق بين لحومها وشحومها؛ لأن الشريعة الإسلامية ولله الحمد شريعةً مطردة لا تنتقض، ولم يحرم الله عز وجل جزءاً من حيوان دون جزء، بل الحيوان إما حلالٌ كله وإما حرامٌ كله، بخلاف بني إسرائيل، فإن الله تعالى قال في حقهم: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الأنعام:146] .

وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم شيئاً مما أحله من بهيمة الأنعام أو غيرها، فقال الله تبارك وتعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117].

وقال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] .

وبهذا عرف أن الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أن لحم البقر داءٌ ولبنها شفاء حديثٌ باطل لا صحة له؛ لأنه لا يمكن أن يحل الله لعباده ما كان داءً ضاراً بهم، بل قاعدة الشريعة الإسلامية: أن ما كان ضرراً فإنه محرم لا يحل للمسلمين تناوله؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أن اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] .

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( لا ضرر ولا ضرار ).

السؤال: تقول: لقد سمعت من برنامجكم بأنه لا يجوز للمصلية الزواج من غير المصلي، وفي عائلتنا لا يجوز للفتاة أن تتزوج إلا من أبناء عمومتها، ولكن لا تجد صفات الرجل المستقيم المؤمن الذي يقوم بكافة العبادات المطلوبة، بل يشرب الخمر، والعياذ بالله، مع العلم بأن الكثير من الفتيات عندنا يقمن بكافة العبادات المطلوبة، فهل ترفض الزواج من ابن عمها وتبقى على ما هي عليه، أم ترضخ لذلك على أمل أن تغيره في المستقبل أفيدونا؟

الجواب: لا يحل للمرأة المسلمة أن تتزوج برجلٍ لا يصلي؛ لأن الرجل الذي لا يصلي كافرٌ كفراً مخرجٌاً عن الملة، وقد ذكرنا في عدة حلقات دليل ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، ولا حاجة لإعادة هذه الأدلة لإمكان السامع أن يعود إليها في حلقات سابقة، وإذا كان تارك الصلاة كافراً مرتداً خارجاً عن الإسلام فإنه لا يحل للمرأة المسلمة أن تتزوج به؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].

وهذه العادة التي أشارت إليها السائلة في قبيلتها -أنهم لا يزوجون إلا من كان منهم- عادةٌ غير سليمة، بل هي مخالفة لما تقتضيه النصوص الشرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).

فمتى وجد الرجل الطيب المرضي في دينه وخلقه فإنه إذا خطب لا يرد؛ لهذا الحديث الذي ذكرناه.

وأما إذا خطب المرأة من ليس كفئاً لها في دينه بحيث يكون متهاوناً في الصلاة، أو شارباً للخمر، أو ما أشبه ذلك من المعاصي العظيمة، فإن لها الحق في أن ترده ولا تقبل النكاح به.

والحاصل أن الخاطب ينقسم إلى قسمين: قسم لا يصلي فهذا كافر، لا يجوز تزويج المسلمة به بأي حال من الأحوال، ورجلٌ فاسق منهمك في المعاصي والكبائر فهذا أيضاً لها الحق في أن ترفض الزواج منه.

وأما قول السائلة: إنها تتزوج به لعل الله أن يهديه، فالمستقبل ليس إلينا، فإنه قد يهتدي وقد لا يهتدي، وربما يكون سبباً في ضلال هذه المرأة الصالحة، ونحن معنيون بما بين أيدينا، وأما المستقبل فلا يعلمه إلا الله عز وجل، وكم من امرأة منتها الأماني مثل هذه الأمنية ولكنها باءت بالفشل، فلم يستقم الزوج بل كان سبباً للنكد مع الزوجة الصالحة.

السؤال: تقول: سبق لي أن صمت في السنوات الماضية قضاء كان علي، فأفطرت متعمدة، وبعد ذلك قضيت ذاك الصيام بيومٍ واحد، ولا أدري هل سيقضى بيومٍ واحد كما فعلت أم بصيام شهرين متتابعين؟ وهل تلزمني كفارة أرجو الإجابة؟

الجواب: إذا شرع الإنسان في صومٍ واجب كقضاء رمضان، وكفارة اليمين، وكفارة فدية الحلق في الحج إذا حلق المحرم قبل أن يحل، وما أشبه ذلك من الصيام الواجب، فإنه لا يجوز له أن يقطعه إلا لعذرٍ شرعي، وهكذا كل من شرع في شيء واجب فإنه يلزمه إتمامه، ولا يحل له قطعه إلا بعذرٍ شرعيٍ يبيح القطع، وهذه المرأة التي شرعت في القضاء ثم أفطرت في يومٍ من الأيام بلا عذر، وقضت ذلك اليوم ليس عليها شيءٌ بعد ذلك؛ لأن القضاء إنما يكون يوماً بيوم، ولكن عليها أن تتوب وتستغفر الله عز وجل مما وقع منها من قطع الصوم الواجب بلا عذر.

السؤال: في أحد شهور رمضان الماضية وأنا صائمة قمت بدهن شعري، ولم أكن أعلم أن هذا يبطل الصوم، ونبهتني إحدى الأخوات بأن صومي غير صحيح، وقمت بالإفطار في ذلك اليوم، علماً بأنني قضيت ذلك اليوم بعد انتهاء رمضان، وكان ذلك الشهر أول صيام لي، فهل علي إثمٌ فيما فعلت؟

الجواب: الجواب على هذه الفقرة من الأسئلة التي قدمت من وجهين:

الوجه الأول: هذه التي أفتتها أفتتها بلا علم، فإن دهان المرأة وهي صائمة لا يبطل الصوم، وإذا كانت هذه الفتوى بلا علم فإني أوجه نصيحةً لكل الناس بأنه لا يحل للإنسان أن يفتي بلا علم؛ لأن الفتوى معناها أن الإنسان يقول عن الله عز وجل، ويعبر عن الله سبحانه وتعالى في شرعه بين عباده، وهذا محرم ومن أعظم الإثم، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:144] .

وقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] .

أحذر كل إنسانٍ يتكلم عن الشرع ويفتي عباد الله أحذره أن يتكلم بما لا يعلم، وأقول: إنه يجب على الإنسان أن يتأنى في الفتوى حتى يعلم إما بنفسه إن كان أهلاً للاجتهاد، وإما بسؤال أهل العلم عن حكم الله في هذه المسألة.

أما الوجه الثاني: فهو من جهة هذه المرأة التي أفتيت بغير علم فأفطرت بناءً على هذه الفتوى ثم قضت اليوم الذي عليها فإنه لا شيء عليها الآن؛ لأنها أدت ما يجب عليها.

السؤال: هل يجوز لنا الكلام أو التحدث مع الآخرين داخل دورات المياه، علماً بأننا نقوم ببعض الأشغال داخل هذه الدورات كغسل الثياب مثلاً نظراً لظروفنا أرجو بهذا إفادة؟

الجواب: لا حرج على الإنسان أن يتكلم في داخل دورات المياه إذا كان ليس على قضاء حاجته، أما إذا كان على قضاء حاجته وهو كاشفٌ عورته فإنه لا يتحدث، وكذلك أيضاً لا يتحدث بكلام الله عز وجل، فلا يقرأ القرآن وهو في هذه الأماكن؛ لأن القرآن أكرم وأجل من أن يقرأه الإنسان في هذه الأماكن التي هي موضع الأذى والقذر.

السؤال: يوجد عندنا عادة غير محمودة وهي أنه إذا حدث خصامٌ بين الرجل وأخيه المسلم لا يكلمه بفترةٍ طويلة، وإذا قابله في طريقٍ آخر يرجع من طريقٍ آخر ولا يكلمه، ولا يلقي عليه السلام، وإذا ذهب إلى المسجد للصلاة فوجد الرجل الذي يخاصمه يصلي إماماً، يترك المسجد ويخرج، فما نصيحتكم لمثل هؤلاء أفيدونا؟

الجواب: هؤلاء الذين تصل بهم الحال إثر الخصومات إلى ما ذكره السائل من الهجر والقطيعة والبغضاء والكراهية، نصيحتنا لهم: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن هذا من نزغات الشيطان، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91] ، وكذلك في غيرهما.

فعلى العبد أن يتقي الله عز وجل، وألا يهجر أخاه المؤمن لعداوةٍ شخصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )، نعم للإنسان أن يهجر أخاه ثلاثة أيامٍ فأقل؛ من أجل إعطاء النفس شيئاً من الحرية في معاملة هذا الذي أساء إليه.

أما ما زاد على ثلاث فإنه لا يحل هجره إلا لسببٍ شرعي، مثل أن يكون هذا الرجل معلناً بالمعاصي والفسوق فيهجر لعله يتوب إلى الله ويرجع إذا رأى أن المسلمين قد هجروه، والواجب على العبد أن يصبر على طاعة الله، وأن يصبر عن محارم الله، وأن يضغط على نفسه في إقامة شرع الله عز وجل، حتى لو قالت له نفسه: لا تصل خلف هذا، لا تلق السلام عليه، لا تكلمه، إذا وجدته في طريق فانصرف إلى طريقٍ آخر، وما أشبه ذلك، فليعص نفسه وليقم بما أوجب الله عليه، وإذا علم الله منه حسن النية وقصد الحق، فإن الله تعالى يعينه على ذلك، ويخفف عليه الأمر.

السؤال: ذهبت إلى الحج في العام الماضي وكانت نيتي أن أكمل مناسك الحج على أكمل وجه، غير أنني رميت الجمرات في اليوم الثاني بعد صلاة الفجر، فوجدت الناس يرمون الجمرات فرميت مثلهم، ولكن سمعت من بعض الإخوة بأنهم يقولون: رمي الجمرات بعد الزوال، ونظراً لأنني لم أستطع الرمي مرةً أخرى في هذا اليوم من الإرهاق والزحام فأفيدوني في حكم حجي؟

الجواب: ما أفتاك به الإخوة من أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، وكذلك في الثاني عشر، وكذلك في الثالث عشر فهو صحيح؛ لأن الرمي في هذه الأيام الثلاثة لا يدخل وقته إلا بعد الزوال، وعلى هذا فرميك بعد صلاة الفجر في غير وقته، فيكون مردوداً غير مقبول؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وكان ينبغي عليك عندما أخبروك بأن رميك بعد صلاة الفجر غير صحيح أن تذهب في آخر النهار أو في الليل فترمي، ولكن لما لم يحصل ذلك، فإن عليك الآن أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء، ويكون ذلك بدلاً عن الواجب الذي تركته.

وإنني بهذه المناسبة أنصح أخي هذا السائل وسائر إخواننا المسلمين ألا يفعلوا العبادة إلا وقد عرفوا ما يجب فيها، وما يحرم فيها، حتى لا يتركوا واجباً، ولا يقعوا في محرم، وما أكثر الذين يحصل لهم خطأ في الحج، ثم يأتون إلى العلماء يسألونهم بعد ذلك، وربما يكون قد فات الأوان ولا يمكن تداركه، وكل ذلك بسبب أن كثيراً من الناس لا يهتمون في عباداتهم، بل يخرجون مع هذا العالم، ويفعلون كما يفعل الناس، وإن كانوا على جهل، وحينئذٍ يندمون، فأنت إذا أردت أن تعبد الله عز وجل على بصيرة فتعلم أحكام العبادة التي تريد أن تفعلها قبل أن تقوم بفعلها، حتى يكون فعلك مبنياً على أساسٍ صحيح.

السؤال: ما معنى هذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والملح بالملح، يداً بيد، سواءً بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث، هل إذا اشتريت براً أو تمراً يشترط علي أن أدفع القيمة في الحال؛ لأنه في حديثٍ آخر يقول: ( إذا اختلفت هذه الأنواع فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )، أرجو توضيح هذه المسألة بأدلة واضحة حتى نفهم الجواب؟

الجواب: الأمر كما قال الأخ السائل: وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح -هذه ستة أشياء- مثلاً بمثل سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ).

وتفصيل ذلك: أنك إذا بعت براً ببر وجب عليك أمران:

الأمر الأول: التساوي في المكيال، بأن يكون كيلهما سواءً.

والأمر الثاني: التقابض قبل التفرق؛ لقوله: ( مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد ).

وإذا بعت براً بشعير وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق، ولا يجب التماثل لاختلاف الجنس، وهذا معنى قوله: ( فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم ) يعني بزائدٍ أو ناقص إذا كان يداً بيد، وإذا بعت ذهباً بذهب وجب عليك أمران: التساوي في الميزان، والتقابض قبل التفرق، وإذا بعت ذهباً بفضة وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق، وأما التساوي فلا يجب عليك.

بقي ما لو اشتريت براً بذهب فإن ظاهر الحديث أنه لا بد من التقابض قبل التفرق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )، وشراء البر بالذهب فيه اختلاف صنفين، وعلى هذا فيجب التقابض قبل التفرق، هذا ظاهر عموم الحديث، ولكن هذا الظاهر غير مراد، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز السلم في الثمار، وهو أن يشترى من الفلاح تمراً بدراهم منقودة مع تأخر قبض التمر، قال: ابن عباس رضي الله عنهما: ( قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أسلم في شيء فليسلم في كيلٍ معلوم، ووزنٍ معلوم، إلى أجلٍ معلوم ).

ففي هذا الحديث نصٌ صريح على جواز شراء التمر المؤجل بنقدٍ معجل، وعلى هذا فيكون هذا النص مقدماً على ظاهر العموم في الحديث الذي ذكرناه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ).

السؤال: هل الرسل معصومون من الخطأ في التشريع فقط أم في كل الأمور؟

الجواب: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله سبحانه وتعالى، وهم معصومون من كل خطأ يخل بصدقهم وأمانتهم، وهذا هو محل الثقة فيهم.

وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطئون فيه، فإن نوحاً عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن ينجي ابنه، فقال الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] .

ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهاداً منه، فقال الله له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2].

وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43] .

لكنهم معصومون من الإقرار على الخطأ، يعني لو حصل منهم خطأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه بخلاف غيرهم، فإنهم لا يعصمون من ذلك.

السؤال: ما المقصود بالآية الكريمة سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى [الأعلى:6]؟

الجواب: المراد بها ما هو معلومٌ من ظاهرها أن الله سبحانه وتعالى وعد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرئه القرآن ولا ينساه، والمراد: لا تنسى نسياناً دائماً، وإلا فقد وقع منه صلى الله عليه وسلم النسيان في بعض الآيات التي يقرؤها، ولكنه صلى الله عليه وسلم يتذكرها إما بسماعها من أحد، وإما بتنبيهه إياه بعد ذلك؛ ولهذا قال: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى [الأعلى:6-7].