فتاوى نور على الدرب [495]


الحلقة مفرغة

السؤال: كثير من أئمة المساجد يقنتون في صلاة الفجر في الركعة الثانية، ويدعون بدعاء: (اللهم اهدنا فيمن هديت) ويزيدون عليه أدعية أخرى مختلفة، ويجعلون هذا الدعاء مختصاً بصلاة الفجر دون الصلوات الأخرى وبشكل مستمر، وليس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو في دعاء النوازل لمدة معينة، وبعضهم إذا نسي هذا الدعاء سجد سجود السهو، ما حكم هذا القنوت؟ وماذا يفعل المؤتم إذا قنت الإمام هل يرفع يديه مع المؤتمين ويقول: آمين أم يبقي يديه إلى جنبيه ويبقى صامتاً ولا يشترك معهم في هذا القنوت؟

الجواب: القنوت في صلاة الفجر بصفة مستمرة لغير سبب شرعي يقتضيه مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت في صلاة الفجر على وجه مستمر لغير سبب شرعي، والذي ثبت عنه من القنوت في الفرائض أنه كان يقنت في الفرائض عند وجود سببه، كتسلط المشركين على المستضعفين من المسلمين ونحو ذلك، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يُقنت في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستدعي ذلك، ولا يختص هذا بصلاة الفجر بل في جميع الصلوات، ثم اختلفوا: هل الذي يقنت الإمام وحده -والمراد بالإمام: من له السلطة العليا في الدولة- أو يقنت كل إمام جماعة في مسجد، أو يقنت كل مصلٍّ ولو منفرداً؟

فمن أهل العلم من قال: إن القنوت في النوازل خاص بالإمام، أي: بذي السلطة العليا في الدولة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يقنت في مسجده، ولم ينقل أن غيره كان يقنت في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيه ممن يصلون في مساجدهم.

ومنهم من قال: إنه يقنت كل إمام جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت لأنه إمام المسجد وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ).

ومنهم من قال: إنه يقنت كل مصلٍ؛ لأن هذا أمر نازل بالمسلمين والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً.

على كل حال؛ القول الراجح بلا شك أنه لا يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة لغير سبب شرعي، وأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وأما إذا كان هناك سبب فإنه يقنت في جميع الصلوات الخمس على الخلاف الذي أشرت إليه آنفاً، ولكن القنوت كما قال السائل ليس هو قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، ولكن القنوت هو الدعاء بما يناسب الحال التي من أجلها شرع القنوت كما كان ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم إن السائل قال: إذا كان الإنسان مأموماً هل يتابع هذا الإمام فيرفع يديه ويؤمن معه أم يرسل يديه على جنبيه؟

والجواب على ذلك أن نقول: بل يؤمن على دعاء الإمام ويرفع يديه تبعاً للإمام وخوفاً من المخالفة، وقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- على أن الرجل إذا ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، مع أن الإمام أحمد -رحمه الله- لا يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر في المشهور عنه، لكنه رحمه الله رخص في ذلك -أي: في متابعة الإمام الذي يقنت في صلاة الفجر- خوفاً من الخلاف الذي قد يحدث معه اختلاف القلوب، وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في آخر خلافته كان يتم الصلاة في منى في الحج، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة، ومع ذلك فإنهم كانوا يتابعونه ويتمون الصلاة، ويذكر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن ، كيف تصلي مع أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أربعاً ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر يفعلون ذلك؟ فقال رضي الله عنه: الخلاف شر.

وبقي في قول السائل: (أو يرسل يديه على فخذيه) فإن ظاهر كلامه أنه يظن أن المشروع بعد الرفع من الركوع إرسال اليدين على الفخذين، وهذا وإن قال به من قال من أهل العلم فإنه قول مرجوح، والصحيح الذي دلت عليه السنة أن المصلي إذا رفع من الركوع فإنه يصنع بيديه كما صنع فيهما قبل الركوع، أي: يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر، ودليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ) وهذا ثابت في صحيح البخاري .

وقوله: ( في الصلاة ) يعم جميع أحوال الصلاة، لكن يخرج منه حال السجود لأن اليدين على الأرض، وحال الجلوس لأن اليدين على الفخذين، وحال الركوع لأن اليدين على الركبتين، فما عدا ذلك تكون فيه اليد اليمنى على ذراع اليد اليسرى كما يقتضيه هذا العموم. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

وبعض العلماء قال: إن السنة أن يرسل يديه بعد الركوع، والإمام أحمد رحمه الله قال: يخير بين أن يضع يده اليمنى على اليسرى أو يرسلهما، لكن اتباع ما دل عليه حديث سهل بن سعد أولى وهو أن يصنع في يديه بعد الركوع كما كان يصنع فيهما قبل الركوع.

وليس الشأن في أن هذا هو المشروع أو ذاك، لكن الشأن ما سلكه بعض الإخوة المجتهدين حول هذه المسألة وأشباهها من مسائل الخلاف حيث ظنوا أن الخلاف فيها كبير ورتبوا على ذلك الولاء والبراء، حتى كانوا ينكرون إنكاراً بالغاً على من خالفهم في هذا الأمر، ولا شك أن هذا مسلك مخالف لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ولما قاله أهل العلم في أن مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الاجتهاد لا ينكر فيها على المرء؛ لأن قول كل واحد من الناس ليس حجة على الآخرين إلا المعصوم محمداً صلى الله عليه وسلم.

ولهذا فإني بهذه المناسبة أوجه النصيحة لإخواني الذين وفقهم الله للاستقامة والاتجاه السليم والحرص على اتباع السنة أن لا يجعلوا من هذا الخلاف سبباً لاختلاف القلوب والتسلط بالألسن على غيرهم وأكل لحوم الناس وضرب آراء العلماء بعضها ببعض، فإن في ذلك شراً وفساداً كبيراً، نسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: لا شك أن الداعية إلى الله لابد أن يشترط فيه شروط معينة، حبذا لو بينتموها للإخوة الدعاة إلى الله؟

الجواب: من شروط الداعية إلى الله عز وجل: أن يكون مخلصاً لله في دعوته بأن يكون قصده في دعوته إقامة دين الله وإصلاح عباد الله، لا أن ينتصر لنفسه وأن يظهر قوله على قول الناس؛ لأنه إذا كان قصده أن ينتصر لنفسه وأن يظهر قوله على أقوال الناس صار داعياً لنفسه لا إلى سبيل الله عز وجل، فلابد من الإخلاص، والمخلص في دعوته إلى الله إذا تبين له أن الحق في خلاف قوله رجع إليه وانقاد له واستغفر الله تعالى من الخطأ الذي وقع فيه وإن كان مأجوراً عليه إذا كان قد صدر منه باجتهاد؛ لأنه قد يكون فرط في اجتهاده ولم يستقص.

ثانياً: أن يقصد بذلك إصلاح عباد الله وهو داخل في الإخلاص في الدعوة، وإذا كان قصده إصلاح عباد الله فإنه لابد أن يسلك الطريق الأمثل لحصول هذا المقصود الأعظم، بحيث يدعوهم إلى الله عز وجل على وجه لا ينفر، على وجه الرفق واللين والمداراة دون المداهنة؛ لأن المداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداهنة: ترك الحق للغير، أي: من أجل الغير، وأما المداراة فهي: إيصال الحق إلى الغير بالطريق الأسهل فالأسهل. وإن هذا الشرط قد يختل عند بعض الناس فيقصد بدعوتهم إلى الله: انتقاد ما هم عليه، وحينئذٍ تفسد دعوته وتنزع البركة منها؛ لأن الذي يقصد انتقاد غيره ليس داعياً له في الواقع ولكنه معير له وعائب عليه صنيعه، وفرق بين شخص يدعو الغير لإصلاحه وبين شخص يصب جام اللوم والعتاب على غيره بحجة أنه يريد إصلاحه.

الثالث من الآداب وهي من الآداب الواجبة: أن يكون لدى الداعية علم، علم بشريعة الله، فلا يدعو على جهل، لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فلابد من أن يكون عند الإنسان علم يدعو به، لأن العلم هو السلاح، والداعي إلى الله بلا علم قد يفسد أكثر مما يصلح، الداعي إلى الله بغير علم ربما يجعل الشيء حلالاً وهو حرام، وربما يجعل الشيء حراماً وهو حلال، يوجب على عباد الله ما لم يوجبه الله عليهم، فلا بد من العلم، العلم المتلقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إن كان الداعي قادراً على ذلك بنفسه وإلا فبتقليد من يثق به من أهل العلم، وفي هذه الحال -أي: فيما إذا كان مقلداً لغيره في الدعوة إلى الله- إذا ذكر حكماً من الأحكام فإنه ينسبه إلى مقلده فيقول: قال فلان كذا وقال فلان كذا إذا كان قد سمعه من فمه أو قرأه من كتاب بيده، أما إذا كان سمعه من شريط فإنه لا يقول: قال فلان، بل يقول: سمعت شريطاً منسوباً إلى فلان؛ لأن هذا أدق في التعبير.

ومن آداب الداعية: أن يكون على بصيرة فيمن يدعوه فينزله منزلته، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) وذكر تمام الحديث.

الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بحالهم ليكون على استعداد لمواجهتهم ولينزلهم منزلتهم اللائقة بما عندهم من العلم، وهكذا الداعية إلى الله. ومن هنا فإنه ينبغي للداعية إلى الله أن يكون على بصيرة بحال من يدعوهم حتى يكون مستعداً للحال التي هم عليها.

ومن آداب الداعية: أن يكون أول من يمثل دعوته، فيقوم بما يأمر به ويدع ما ينهى عنه؛ لأن هذا مقتضى العقل ومقتضى الشرع، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، وقال الله تعالى موبخاً بني إسرائيل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].

فلا بد للداعية من أن يكون متأدباً بهذا الأدب العظيم، أن يكون فاعلاً لما يأمر به، تاركاً لما ينهى عنه، ومع أن هذا مقتضى الشرع ومقتضى العقل فإنه أقرب إلى قبول الناس لدعوته؛ لأن الناس إذا رأوه يسبق غيره فيما دعا إليه فعلاً أو تركاً وثقوا به وقالوا: إن هذا صادق فيما دعا إليه وإنه أمين فتابعوه على ذلك وانقادوا له، وإذا رأوه بالعكس سقط من أعينهم ولم يتابعوه وشكوا في دعوته، فكان من أهم آداب الداعية: أن يكون أول سابق لما يدعو إليه، فعلاً لما دعا إلى فعله، وتركاً لما دعا إلى تركه.

السؤال: موظف يعمل بالورديات وقد تكون ورديته يوم الجمعة وتفوته صلاة الجمعة وقد يفوته أكثر من جمعتين متتاليتين، هل لهذا الموظف من رخصة مع أنه لا يستطيع أن يترك هذا العمل لقلة الوظائف وهي مصدر الرزق؟

الجواب: هذا العمل الذي أشار إليه لا شك أن فيه فائدتين: فائدة خاصة وفائدة عامة.

أما الفائدة الخاصة فهي ما ذكر أنه مصدر رزقه، والرزق على الله عز وجل لكنه سبب.

والثانية: أن فيه حفظاً للأمن وللمصلحة التي وجه إليها، ومعلوم أن الناس لو تخلوا عن هذه المصالح لحصل اختلال في الأمن وربما يحصل ضيق في الرزق إذا كانت مصادر الرزق قليلة في البلد، وعلى هذا فيكون معذوراً في ترك صلاة الجمعة، ولا يأثم بذلك، لكن ينبغي للمسئولين عن هؤلاء الذين يشتغلون كما قال السائل أن يجعلوا المسألة دورية بحيث تكون طائفة منهم يصلون الجمعة في هذا الأسبوع وطائفة أخرى يصلونها في الأسبوع الثاني وهكذا؛ لأن ذلك هو العدل، ولئلا يبقى الإنسان تاركاً لصلاة الجمعة دائماً.

السؤال: أيهما أفضل صيام التطوع وهو ستة أيام من شوال أو صيام يومي الإثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام عشرة من ذي الحجة ويوم عرفة أو تاسوعا وعاشوراء؟

الجواب: هذه أيام لكل واحد منها فضل، فصيام ستة أيام من شوال إذا صام الإنسان رمضان وأتبعه بها كان كمن صام الدهر، وهذا فضل لا يحصل بصوم يوم الإثنين والخميس، ولكن لو صام الإنسان يوم الإثنين والخميس من شهر شوال ونوى بذلك أنها للستة أيضاً حصل له الأجر؛ لأنه إذا صام الإثنين والخميس سيكمل الستة أيام قبل أن يتم الشهر، وأما صيام عشر ذي الحجة ويوم عرفة فله أيضاً مزية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) يعني: عشر ذي الحجة ( قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ).

وأما صوم يوم عرفة، فقال: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )، ولكن ليعلم أن صوم يوم عرفة لا يسن للحاج الواقف بعرفة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه مفطراً، وأعلن فطره للناس وشاهدوه من أجل أن يتبعوه في هذا، وهذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أظهره لأمته حتى يعلموا به ويتبعوه عليه مخصص لعموم الحديث الدال على فضل صوم يوم عرفة والذي ذكرته آنفاً.

وأما صوم تاسوعا وعاشوراء فهو أيضاً له مزية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صوم عاشوراء: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )، ولكنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يصام يوم قبله أو يوم بعده، وقال: ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع ) يعني: مع العاشر. فالسنة لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله اليوم التاسع، فإن لم يتمكن صام اليوم الحادي عشر وذلك من أجل مخالفة اليهود الذين كانوا يصومونه؛ لأن الله نجا فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه.

السؤال: هل تجوز صلاة الجنازة على العصاة إذا مات أحدهم على المعاصي مثل ترك الصلاة أو صيام شهر رمضان؟ أرجو الإفادة.

الجواب: الصلاة عن العصاة جائزة، بل هم أحق من غيرهم؛ لأن الصلاة على الميت شفاعة له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )، فأهل المعاصي محتاجون إلى من يشفع لهم عند الله عز وجل بالدعاء والمصلون على الأموات يدعون لهم بالمغفرة والرحمة، يقول الداعي في دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه. وهذا دعاء إذا استجيب صار فيه خير كثير للميت.

وأما تمثيل السائل بتارك الصلاة وتارك الصيام فإن تمثيله بتارك الصيام صحيح، فإن تارك الصيام عاص من العصاة ليس بخارج عن الملة، وأما تارك الصلاة فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أنه كافر مرتد خارج عن الملة، ولا يجوز أن يصلي عليه أحد من المسلمين وهو يعلم حاله؛ لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، ولأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار له وقد قال الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113].

والمرتد الذي كانت ردته ثابتة بدلالة الكتاب والسنة قد تبين لمن علم بذلك أنه من أصحاب الجحيم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في الذي لا يحافظ على الصلوات أنه يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف رؤساء الكفر والعياذ بالله، وعلى هذا فالتمثيل بتارك الصلاة على أنه من العصاة غير صحيح على القول الراجح، بل نقول: إن تارك الصلاة كافر مرتد لا تجوز الصلاة عليه لمن علم بحاله، ولا يجوز لأهله الذين يعلمون أنه لا يصلي أن يقدموه إلى المسلمين للصلاة عليه؛ لأنهم يغرون المسلمين بذلك، ولا يجوز لأهله كذلك أن يدعوا له بالمغفرة والرحمة وقد مات على هذا.

فنسأل الله تعالى لإخواننا الذين ابتلوا بترك الصلاة مع أنهم يفخرون بانتسابهم للإسلام نسأل الله تعالى أن يهديهم إلى الإسلام، وأن يعينهم على أنفسهم وعلى ما تمليه عليه شياطينهم.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع