خطب ومحاضرات
حقوق الإنسان الزائفة
الحلقة مفرغة
الحمد لله سبحانه، أنعم على العباد بدينه القويم ودعوته، ومنَّ عليهم بشرعته وصبغته، وأكرمهم بتوضيح الطريق إلى مرضاته: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:84-85] لا إله إلا هو سبحانه: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] يسبح له الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، قائد المجاهدين، وإمام المتقين، قضى دهره لله عابداً، وأفنى عمره فيه مجاهداً، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البررة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
مهما يكن من شيء بعد فوصيتي لكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فهي عماد المؤمن في الدنيا، وأنيسه في قبره، وسلوانه في وحشته، ودليله في الأخرى، يوم يلقى الله سبحانه في جنات النعيم.
الحق في اتباع شرع الله
لم تترك أحكام الله إلا ببواعث الهوى، غير أنه منظم مُزَوَّق، وكأنه منطق العقل الرشيد، وهدي المصلحة الزائفة التي لا تتصل بحنايا القلوب: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة:147] إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ * لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:87-88].
إن الشريعة الإسلامية ضمانة للصالح العام، وهي مبنية على الرحمة والعدل، والخير الذي يأمر الله عباده به -وما يأمر إلا بخير، تعود غايته لإسعاد الناس في عاجلهم وآجلهم- والشر الذي نهاهم عنه، وما ينهى إلا عن شر، ليس إلا وقاية لهم من أذىً قريب أو بعيد، أو من سوء مغبة جلية أو خفية.
تكريم الإسلام للإنسان
يقول ابن القيم رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرّمه وفضّله وشرّفه، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسله وأرسل إليه، فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات؟
ومِن ثَمَّ عباد الله! فإن الناس في هذه القضية طرفان:
فالماديون التحرريون: قالوا: إن الإنسان يعيش لنفسه، ومتاع الدنيا، فإذا كان الأحمق منهم يعيش ليأكل؛ فإن العاقل منهم يأكل ليعيش.
وأما المؤمنون الموحدون: فقالوا: إنما يعيش الإنسان لربه الأعلى، ولحياته الباقية الأخرى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
عباد الله: إننا لنعلم بالضرورة، أنه لا يجوز للناس أن يتخذوا غير الله رباً أو حكماً، وأن من فعل ذلك أو همَّ به فهو جاحد للحق، خائن للنعمة، وكذا من اتبع غير ما شرعه الله، أو حكم بغير ما أنزله الله، إنما هو مهمل للتشريع الإلهي، ومعتنق للقوانين البشرية، في عبث شائن، وجاهلية منكرة: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام:114].
لم تترك أحكام الله إلا ببواعث الهوى، غير أنه منظم مُزَوَّق، وكأنه منطق العقل الرشيد، وهدي المصلحة الزائفة التي لا تتصل بحنايا القلوب: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة:147] إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ * لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:87-88].
إن الشريعة الإسلامية ضمانة للصالح العام، وهي مبنية على الرحمة والعدل، والخير الذي يأمر الله عباده به -وما يأمر إلا بخير، تعود غايته لإسعاد الناس في عاجلهم وآجلهم- والشر الذي نهاهم عنه، وما ينهى إلا عن شر، ليس إلا وقاية لهم من أذىً قريب أو بعيد، أو من سوء مغبة جلية أو خفية.
ولذا سما الإسلام بالإنسان روحاً وجسداً، عقلاً وقلباً، ولم يضع في عنقه غلاً، ولا في رجله قيداً، ولم يحرم عليه طيباًً، كما أنه لم يدعه كالكرة تتخطفها مضارب اللاعبين، فتتهادى في كل اتجاه، بل خاطبه ربه خطاباً صريحاً: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8] يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6].
يقول ابن القيم رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرّمه وفضّله وشرّفه، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسله وأرسل إليه، فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات؟
ومِن ثَمَّ عباد الله! فإن الناس في هذه القضية طرفان:
فالماديون التحرريون: قالوا: إن الإنسان يعيش لنفسه، ومتاع الدنيا، فإذا كان الأحمق منهم يعيش ليأكل؛ فإن العاقل منهم يأكل ليعيش.
وأما المؤمنون الموحدون: فقالوا: إنما يعيش الإنسان لربه الأعلى، ولحياته الباقية الأخرى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
بَيْد أن أهل الكفر -عباد الله- قد بذلوا غاية وسعهم في الدعوة إلى قضية كبرى، وراءها ما وراءها من الخطورة على الفكر، والوعورة في المسلك، ألا وهي ما أسموها "مبادئ حقوق الإنسان" وجعلوا الحريات حسب مفهومهم العلماني الرافض للفطرة السليمة -التي فطر الله الناس عليها- سبباً يبيحون به تدمير الأخلاق، ويشيعون به فوضى الغرائز في ديارهم، والبلاد التي تشبهها أو تقتدي بها، حتى تتلبس بلباس العلمانية المخيط من جراء التحرر من الدين، وتنحيته عن واقع الحياة، وهم يزعمون أنها مبادئ الحضارة، والتقدم والرقي، من خالفها وكابر فيها رموه بأنه مخالف لمبادئ حقوق الإنسان، وليست من الحق في وَرْدٍ ولا صَدَر، ولا هي من دابَتِه، حيث إن حلوها مر، وسهلها صعب، ودماثتها دميمة.
ولقد صدقوا ظنهم؛ فاتبعهم أَغْرارٌ ولهازم من مفكرين وكُتّاب في العلوم السياسية والاقتصادية والقانونية وعلم الاجتماع، وأخذوا في الدعوة إلى حقوق الإنسان على ما يريده الغرب الحاقد، ومن عامة الناس أشياع لهذه الدعوات والواردات، يتنكرون لأصول دينهم، إبَّان سِنَةٍ من ذوي الإصلاح والتوجيه، ويظنون أن في مبادئ حقوق الإنسان النضج والخروج من المأزق.
وأن ما يأتي من ديار الإسلام قديم بالٍ؛ حتى وقعت مواقع بين الطرفين، وكان سلاحها من أولئك قذائف الزندقة والكفر، ومن أولاء دروع الاستكانة، والتخاذل عن القيام بالواجب.
شعارات حقوق الإنسان الزائفة
أهي في الفكر أم الاقتصاد؟
أم الصحافة؟
أم الاجتماع؟
وإذا سلمنا جدلاً أنها تعني هذه المعايير كلها، فمن الذي يحدد نسب هذه الحريات وحدودها؟ أهو السلطان؟ أم الشعوب؟ أم الشعار نفسه؟
والواقع المشاهَد -عباد الله- أن منشئي معاني هذه المبادئ لم يصلوا إلى تحديد الوِجهة، ولا زالوا يعانون بمشكلات هذه الطروحات.
والحق عند من كان خصب الحدس، واسع العلم أن هذا كله كان ألفاظاً ورسوماً لمقررات اليهود وحكمائهم، والتي قالوا فيها: كنا أول من اخترع كلمات الحرية والمساواة والإخاء، التي أخذ العميان يرددونها في كل مكان، دون تروٍّ، بل إنها جلبت لنا أعواناً من جميع أنحاء الدنيا.
والحق -عباد الله- أنه مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً.
هذه المبادئ التي أرادوها، تمثلت في شعار الحرية والمساواة والإخاء، ويا لله! إلى أي مدىً بلغت هذه المبادئ من تضليل الشعوب؟! بَيْد أن الجميع غير قادرين على أن يصلوا إلى نقطة ارتكازٍ ينبثق منها هذا المبدأ المزعوم، فماذا تعني عندهم كلمة الحرية والمساواة والإخاء؟
أهي في الفكر أم الاقتصاد؟
أم الصحافة؟
أم الاجتماع؟
وإذا سلمنا جدلاً أنها تعني هذه المعايير كلها، فمن الذي يحدد نسب هذه الحريات وحدودها؟ أهو السلطان؟ أم الشعوب؟ أم الشعار نفسه؟
والواقع المشاهَد -عباد الله- أن منشئي معاني هذه المبادئ لم يصلوا إلى تحديد الوِجهة، ولا زالوا يعانون بمشكلات هذه الطروحات.
والحق عند من كان خصب الحدس، واسع العلم أن هذا كله كان ألفاظاً ورسوماً لمقررات اليهود وحكمائهم، والتي قالوا فيها: كنا أول من اخترع كلمات الحرية والمساواة والإخاء، التي أخذ العميان يرددونها في كل مكان، دون تروٍّ، بل إنها جلبت لنا أعواناً من جميع أنحاء الدنيا.
والحق -عباد الله- أنه مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً.
أيها المسلمون: إن الكثيرين يسمعون ويشاهدون في صحف العالم تارة، وفي المنتديات المقنعة تارة، لَغَطاً جهولاً، مصحوباً بقلم متعثر، وفكر في كل وادٍ منه شعبة، حول قسوة القيود التي جاء بها الشارع الحكيم، ورميها بأحد العبارات المُسِفَّة، ودهماء الناس مشغولون بالجدل والحوار، حول ما يثيرونه، ويتوهمون أنها مشكلات حقيقية لا بد لها من حلول، فيقدحون في التشريع، ويهوِّسون في الحدود، ويفتحون ملف المرأة على أنها مهضومة الحق، أسيرة الكبت، لا حظ لها في الحد من الفوضى، ولا قدم لها في المنتديات أو الدوائر المكشوفة، وأنها متى رغبت في أخذ حقها المزعوم، أو التعبير عن رأيها الفاضح، فليس لها إلا أن تتسلل لواذاً على تخوُّف، لا يزيله إلا تقادم الأيام ومر الليالي.
ونظن أن خطورة مثل هذه القضية قد تبدت خطوطها، ولا يُظن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله، فمواقعوها صنف من الناس، يتمددون بالحرية، وينكمشون بالإسلام، وكفاكم مِن شرٍ سماعُه، وتلكم عمالة نعيذكم بالله من غائلتها ، يشوشون حق المرأة، ويطلبون إنصافها، فطبوا بذلك زكاماً، في حين إنهم ما أحدثوا إلا جذاماً، وحلوا بزعم منهم عُقداً، وبالذي وضعوه زادت العقد، ولا غرو أن يحصل هذا -عباد الله- إذا نطقت الرويبضة، ولا جرم أنه:
لا يصل العطّاش إلى ارتواءٍ إذا استَقَتِ البحار من الركايا |