فتاوى نور على الدرب [444]


الحلقة مفرغة

السؤال: لقد حججت أكثر من مرة وكنت مرتدية الحجاب الشرعي الكامل إلا أنني لم ألبس قفازين؛ وذلك لعلمي بأنه من محظورات الإحرام علي، وذلك وأنا محرمة، وإنما أخفيت اليدين داخل العباءة وغطيت وجهي كاملاً، فهل في تغطية وجهي محظور أرجو الإفادة مأجورين؟

الجواب: لبس القفازين في حال الإحرام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من محظورات الإحرام كما قالت السائلة، وأما تغطية الوجه فالمشروع في حق المحرمة أن تكشفه إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها، ففي هذه الحال يجب عليها أن تغطيه كما حكت ذلك عائشة رضي الله عنها: أنهم كانوا إذا مر بهم ركبان وحاذوهم فإنهن يغطين وجوههن، فإذا جاوزهن كشفن وجوههن. وليس على المرأة حرج فيما لو مس حجابها وجهها خلافاً لقول بعض أهل العلم الذين يقولون: لا بد أن يكون الحجاب غير مماس لوجهها؛ لأن هذا الشرط ليس له دليل من السنة.

السؤال: لقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله النامصة والمتنمصة )، فهل إزالة شعر اللحية والخدين والشارب بالنسبة للمرأة حرام خاصةً إذا كان الشعر ليس بالكثيفٍ المؤذي أو المشوه للمنظر وأرجو بهذا الإفادة مأجورين؟

الجواب: النمص يقول أهل العلم إنه: هو نتف شعر الوجه، وهو من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن النامصة والمتنمصة )، وأما إذا خرج للمرأة عارضان أو شارب أو لحية وكان هذا ظاهراً بيناً فلها أن تزيله بشيء من المزيلات المعروفة؛ لأنه من المعلوم أن المرأة لا يصلح أن يكون وجهها كوجه الرجل في الشعر فإن ذلك يشوهها من وجه وإذا كانت ذات زوج ينفر زوجها عنها.

السؤال: شاب يبلغ من العمر السابعة والعشرين، نشأ في أسرة متمسكة بدينها، ونشأ سليم العقل والبدن يحمد الله على ذلك، ولكن يقول: يجب الإيمان بالقضاء والقدر حيث أنني أصبت بمرض نفسي، ولا يوجد لهذا المرض أسباب إلا في حالة واحدة وهي أنني كنت أرهق نفسي في أيام الامتحانات وأنا بالمرحلة الثانوية حيث كنت أسهر الليل ولا أنام إلا قسطاً قليلاً من الليل، وبعد نهاية الامتحانات فوجئت برسوبي في مادة الرياضيات، وأخيراً ضغطت على نفسي أيام العطلة الصيفية في الدراسة وأتممت الامتحان في الدور الثاني والحمد لله وتم النجاح، وبعد ذلك بفترة بسيطة جداً أصبت بمرض في نفسي مثل الأرق أحاول في الليل أن أقاوم هذا المرض فلم أفلح ولكن بدون جدوى. يقول: أحس بضيق وهلوسة. بعد ذلك راجعت كثيراً من العيادات النفسية، وكثير من الأطباء شخصوا هذا المرض بأنه وسواس قهري، والبعض منهم قال لي: إن هذا المرض ناتج عن مرض وراثي. وأنا الآن ما زالت غير مقتنع بكلام الأطباء لأنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة.

سؤالي: أولاً: بماذا تنصحونني أثابكم الله يا فضيلة الشيخ، ثانياً: أحياناً يحصل لي عدم التركيز وأنا في الصلاة، ثالثاً: في بعض الأحيان يصدر مني كلام خارج عن إرادتي مثل سب أو شك هل يكتب عليّ شيء في ذلك أرجو النصح والتوجيه مأجورين؟

الجواب: إن هذه الحال التي قصها هذا السائل قد تعرض لكثير من الشباب بسبب الإرهاق الفكري أو البدني، والدواء لذلك أن يعطي الإنسان نفسه من الراحة ما تستريح به، وأن يكثر من ذكر الله وقراءة القرآن، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائماً، وأن يلزم الاستغفار؛ لأن الاستغفار من أسباب حصول الخير واندفاع الشر، وأن يحرص على مصاحبة الأخيار من بني جنسه، فإن الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وليُعرض عن تذكر هذه الحال؛ لأن تذكر الشيء ينتقل به الذاكر أو المتذكر من الخيال إلى الحقيقة، فإذا أعرض عنه وتناساه فإنه بأذن الله يزول عنه.

وأما مسألة الصلاة فإنه ينبغي له إذا أحس بما يشغله عن صلاته من الهواجس أن يتفل عن يساره ثلاث مرات مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم ثم بعد ذلك يزول بإذن الله، أما الشك فلا يكتب على الإنسان إثم مادام لم يقتنع به ولم يمل إليه ولم يقرره في نفسه، بل هذا الشك يكون من الشيطان يلقيه في قلب الإنسان الموقن لعله يزول إيقانه وينتقل من اليقين إلى الشك، ولهذا ينبغي إذا أحسست به بل يجب إذا أحسست به أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تنتهي عنه وتعرض عنه.

وأما السب والشتم فإن الإنسان يؤاخذ به؛ لأن الذي ينبغي للإنسان إذا غضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن لا يستأسر لغضبه، فإن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان حتى تنتفخ أوداجه ويحمر وجهه ويقول ما لا ينبغي، فإذا أحس بذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن كان قائماً فليقعد، وإن كان قاعداً فليضطجع وليتوضأ أيضاً، فإن ذلك كله مما يزيل الغضب عنه، وأما استئسار الإنسان للغضب وكونه ينخدع له فإن هذا خلاف الحزم، وقد ( سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: أوصني قال: لا تغضب. فردد مراراً قال: لا تغضب ).

السؤال: توفي والدي وترك أربعة من الأولاد الذكور وثلاث بنات، وتقدمت الوالدة بطلب للإصلاح الزراعي، واستلمت قطعة أرض زراعية مقابل إيجار سنوي، ولم تستطع سداد الإيجار، وأيضاً لم تستطع زراعة الأرض لأنها مستجدة، ولم يكن لدينا القدرة على زراعتها، ونفيدكم علماً بأن البنات متزوجات قبل استلام الأرض ونحن في ذلك الوقت صغار السن، وتنازلت الوالدة عن الأرض للإصلاح، وبعد مرور ثمان سنوات جمعنا مبلغاً من المال وسددنا الإيجار وجميع الديون التي تخص الأرض واستلمنا الأرض مرة أخرى، علماً بأنه عند سداد الديون أخذنا مبلغاً من البنات بقصد السلفة، وبعد فترة رجعنا المبلغ إلى البنات، وأيضاً يوجد لنا أخ أكبر منا من الأم لكن من رجل آخر وما زالت الأرض باسم الوالدة. نرجو منكم الإفادة هل الأخوات البنات لهم استحقاق في الأرض أم لا أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب: نحن من عادتنا وطريقنا أن المسائل التي فيها خصومة لا نتكلم فيها؛ لأن الكلام المبني على قول الخصم الواحد قد يعتريه نقص وخلل، إذ قد يكون عند خصمه ما يدفع به قوله، وعلى هذا فنرجو من الأخ المعذرة ونحيله إذا شاء إلى المحكمة هناك، فلعل الله أن ييسرها للعمل بشريعة الله.

السؤال: بالنسبة للشعوذة والدجل توجدان رغم ثقافة المواطنين بكثرة، وما زال الناس يرزحون تحت وطئتها والإيمان بها عند ضعاف العقول، هل من نصيحة أو توجيه حول هذا السؤال؟

الجواب: نعم النصيحة هو أن نلتزم بما دلت عليه السنة النبوية التي صدرت عن أنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بما ينفع الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهانة، وحذر من إتيان الكهان وقال: ( من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، ومن أتى كاهناً فصدقة فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )، ونهى عن الطيرة وهي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، ونهى عن السحر وقال: ( ليس منا من تكهن أو تكهن له أو سحر أو سُحر له )، كل هذا من أجل أن يسير الناس في حياتهم على حياة الجد وعدم التعلق بالمخلوقين وأن يكلوا أمرهم إلى الله عز وجل، وأن يكون تعلقهم به وحده حتى يكونوا في سيرهم راشدين مرشدين، والله الموفق.

السؤال: ما حكم الإسلام في نظركم في صلاة الجمعة وراء خطيب يمجد نفسه في خطبته. أرجو بهذا الإفادة جزاكم الله خيراً، ووفقكم إلى العمل الصالح؟

الجواب: لا شك أن هذا الخطيب إذا صح ما نسبت إليه من أنه يمجد نفسه في خطبة الجمعة لا شك أنه أخطأ الطريق، والخطيب الذي يكون ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم هو الذي يركز مواضيع خطبته على ما ينفع الناس في أمور دينهم ودنياهم، أما من جهة تمجيد النفس فإنه يعتبر من السفه ومن ضعف الشخصية؛ لأن قوة الإنسان وسمعته عند الناس لا تعتمد على كونه يمجد نفسه أو يعظم نفسه، والناس ينظرون بعضهم إلى بعض بأعين ويسمعون بأذان، ويعرفون من يستحق التعظيم والإكرام ومن لا يستحق، ولا يزيد هذا الخطيب إذا صح ما نسبته إليه من تمجيد نفسه إلا مهانة وذلاً عند الناس، والواجب عليه أن يعدل عن هذا وأن تكون خطبته خطبة توجيه وإرشاد لما فيه خير العباد.

السؤال: لقد فهمت من برنامجكم أن حجاب المرأة واجب عليها وهو مفروض في القرآن الكريم عندما نزلت سورة تحث الرسول صلى الله عليه وسلم وتأمره أن يأمر نساءه بالحجاب، لكن العادة عندنا في قريتنا وفي كثير من قرى دول المسلمين لا يوجد حجاب شرعي للمرأة فيظهر وجهها لكل الناس، فما حكم هذا الأمر؟ علماً بأنني أستر كامل جسمي عدا وجهي وكفي، وأتمنى من قلبي أن ألبس الحجاب الشرعي الكامل، ولكن ذلك صعب جداً في قرية مثل قريتنا. أرجو أن تفيدونني في هذا الموضوع وتوضحوا لي يا فضيلة الشيخ ولكافة المسلمين بشيء من التفصيل وخاصة فيما يتعلق في الحجاب الكامل أرجو بهذا إفادة مأجورين.

الجواب: يبدو أن هذه المرأة وفقها الله وجزاه خيراً تحاول أن تحتجب الحجاب الشرعي المتضمن لتغطية الوجه وما يحصل به الفتنة، وعلى هذا فإني أقول لها: إذا عزمت على هذا الأمر وصدقت الله عز وجل واتقت الله فإن الله سيجعل لها من أمرها يسراً وسيكف عنها أعداءها: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38] ، ولكن ينبغي أن تؤتي البيوت من أبوابها، فينبغي أن تتصل بنساء مثلها غيرها في الغيرة والحرص على الحجاب الشرعي حتى يخرجن متحجبات حجاباً شرعياً، ومن المعلوم أنه إذا حصلت الكثرة فإن الكثرة -كما يقولون- تغلب الشجاعة، فإذا حصلت كثرة بين النساء في لزوم الحجاب الشرعي فإن ذلك يهون ويسهل، كما أن على أهل القرية من الوعاظ والدعاة إلى الله عز وجل وخطباء المساجد أن يبينوا للناس الحق في هذا الأمر، وأن لا يخضعوا للعادات التي تخالف الشرع، ومن المعلوم أن بعض أهل العلم السابقين يرون جواز كشف المرأة وجهها وكفيها ولكن هذا القول ضعيف، ثم إن العمل به في هذه الأزمان يؤدي إلى ما هو أعظم من توسع النساء في هذا اللباس كما هو في الواقع، فإن البلاد الإسلامية التي أفتى علماؤها بجواز كشف الوجه واليدين أصبح النساء فيها لا يكشفن الوجه واليدين فحسب بل يكشفن الوجه والرأس والرقبة واليدين والذارعين والقدمين، وتوسع النساء في هذا، فالذي ينبغي للإنسان العالم أن يكون حكيماً فيما يصدر عنه من الأحكام الشرعية وأن يتلافى كل ما فيه الخطر.

وخلاصة ما أقول: أن تعزم هذه الأخت على الحجاب الشرعي وأن تدعو من يسر الله لها من النساء، فإذا خرجن إلى السوق على هذا الوجه فإن ذلك سيكون له أثر كبير مع ما ينضم إليه ذلك من كلام الدعاة والوعاظ والخطباء.

مداخلة: لذلك المسلم يا فضيلة الشيخ مطلوب منه أن يعتز بإسلامه؛ لأن هذه المرأة تقول: هذه من العادات فتوجيهكم لهذا؟

الشيخ: يعني: أنها لا لتقر بأن هذا مقتضى الشرع بل هو عادة، والإنسان ينبغي له أن يدع العادات المخالفة للشرع، وكما أشرت إليه أن بعض العلماء رحمهم الله أجازوا كشف الوجه والكفين، ولكن المسألة لم تقتصر على هذا فقد توسع النساء في ذلك، والشيء المباح إذا كان ذريعة إلى محرم صار محرماً.

السؤال: سمعت مرة من أستاذ التربية الدينية أن من أكل لقمة واحدة من حرام فإن الله لا يستجيب دعاءه أربعين نهاراً فهل هذا صحيح وأرجو إفادتنا مأجورين؟

الجواب: لا أعلم صحة هذا الحديث، ولكن له أصل وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب لذلك؟!)، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان مطعمه حراماً وملبسه حراماً وغذاؤه حراماً فإنه يبعد أن الله يستجيب دعاءه، وهذا يدل على أنه يجب الحذر من أكل الطعام الحرام والتغذي به ولباسه؛ لأنه حري أن تمنع منه بسببه إجابة الدعاء.

السؤال: من العادات التي أظن أنها سيئة في قريتنا أن المرأة تجلس في منزلها مع الأجانب الذين يدخلون البيت سواء من أصدقاء زوجها أو والدها أو أبناء عمها أو أبناء خالها وكثير من الأجانب كالجار وزوج الأخت، تقول: ما حكم ذلك بارك الله فيكم؟

الجواب: الحكم في ذلك أنه لا ينبغي للمرأة أن تختلط بالرجال ولو كانوا من أقاربها؛ لأن ذلك سبباً للفتنة، وما أحسن أن يكون للرجال مجلس خاص وللنساء مجلس خاص بالعوائل حتى يكون الرجال على حدة والنساء على حدة، وتبعد الفتنة التي تخشى من الاختلاط.

السؤال: رجل متزوج من امرأتين، ويسأل عند سفره في منزل إحداهن وعند رجوعه، هل يعود للتي كان عندها أثناء سفره أم الأخرى؟ يرجو الإفادة.

الجواب: العدل أن يعود إلى من كانت الليلة عندها حين سفره، فمثلاً: إذا كانت الليلة التي سافر بها عند زينب، وكان قد بات عند عائشة في الليلة السابقة ولم يبيت عند زينب، فإنه إذا رجع تكون بيتوتته عند زينب، هذا هو العدل، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الجور في معاملة الزوجات فقال: ( من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )، بل منع الله تعالى من التعدد إذا خاف الإنسان الجور فقال عز وجل: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3].