أرشيف المقالات

أصحاب رسول الله شركاء النضال - مدحت القصراوي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أصحاب رسول الله، شركاء النضال والكفاح بشهادة القرآن..
عندما تقرأ كتاب الله تعالى تجد الخطاب الرباني تارة يوجه إلى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة ينتقل الخطاب لخطاب جماعي، هذا في الخطاب المكي، كما هي في الخطاب المدني..
لكن نركز هنا على الجانب المكي لدلالة نريد إبرازها هنا..

عند خطاب الله تعالى ومحاجته تعالى بكتابه للمشركين، يذكر تعالى أن المشركين يوجّهون كلامهم وتحديهم تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحيانًا يخبر تعالى أنهم يوجهون خطابهم لجماعة أصحابه صلى الله عليه وسلم، كما يذكر تعالى عند توجيهه للمحاجة توجيها منفردًا لشخص رسول الله، وأحيانًا أخرى لجماعة أصحابه أو ينتقل من هذا لذاك..

فمثل الخطاب المنفرد {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ .
لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
[الحجر:6-7]، وعلى مثل هذا كان خطاب المشركين قبل النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء، فأغلب الخطاب لهم فردي، قالوا لنوح: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأعراف من الآية:60]، وقالوا لهود: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف من الآية:66]، وقالوا لصالح: {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف من الآية:77]، ومع موسى يجعلون أصل العداء معه وكذلك المواجهة: {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ} [الأعراف من الآية:131].

أما مع محمد صلى الله عليه وسلم فقد ربى رجالاً صاروا قادة خرجوا من تحت يده، وهذا من عظمته صلى الله عليه وسلم، حتى أن المشركين عند المواجهة صاروا يوجهون خطابهم ومحاجتهم تارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة لأصحابه، وصار القرآن يوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانًا منفردًا، وأحيانًا أخرى يوجهه مع أصحابه، وهذا من عمق تربيته صلى الله عليه وسلم أن رفع أصحابه لدرجة أن يخاطبهم القرآن معه ويخوض بهم الصراع..

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ .
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ .
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ .
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}
[النمل:67-72]، فالخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أثنائه يذكر توجه المشركين للصحابة بالمحاجة فيما يعِدون به المشركين من البعث، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يواجه إذًا وحده، بل كان معه رجال قاموا وواجهوا المشركين، وسجل القرآن مواجهاتهم في مثل هذا {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.

في موطن آخر يقول تعالى في أحد المواجهات فيبدأ بخطاب فردي ثم ينتقل إلى خطاب جماعي {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
[هود:12-13].

ومحل الشاهد في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} بعد قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} فعُلم أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يستجيب للتوجيه الرباني وحده، بل كان يستجيب معه أصحابه فيقومون بما يأمره الله تعالى به، فهكذا رفعهم الله برسوله، وهكذا رفعهم رسول الله بهذا القرآن، وهكذا كانت نوعياتهم وخامتهم البشرية التي ارتقت وارتفعت مع التوجيه والتربية..

ومثل هذا كثير {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [السجدة:28]، ولم يقولوا إن كنت صادقًا أو إن كنت من الصادقين! ومثله قوله تعالى {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ .
وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}
[هود:121-122]، فوُجه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم إلى أن يواجه بأصحابه، ويخوض بهم وهو مطمئن واثق لربه تعالى، وطمأنه ربه إلى فضل أصحابه..
هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، رفعهم القرآن وخاطبهم وواجه بهم بقيادة نبيهم صلى الله عليه وسلم..
إنه لهو الفضل المبين.

ودرسهم الكبير أن هذا الدين لا بد له من جماعة واتجاه وفئة مؤمنة ترتفع لدرجة الاستجابة لهذا الدين وهذا الكتاب، وخوض قضاياه وتبني صراعه، مع الالتزام بتوجيهه وأوامره وأحكامه وحقائقه التي كشفها لأهله.

والدرس التالي بيان خبث الرافضة وخسارتهم حينما يبغضون من خاطبهم هذا الكتاب ورفعهم لهذا المستوى..
وعلى هذا التحذير من تمكنهم على بلاد المسلمين فهي أسوأ فترات تاريخ الأمة ودلالة على ضعفها الشديد.

والآن..
أين نحن إن لم نستجب لهذا الكتاب بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنكمل صراعه ونخوض قضاياه ونحمل رايته ونقف نفس موقف أصحابه؟ وإنه ليرجى من الطائفة المنصورة على تنوع مجالاتها وبلادها ووظائفها أن تقوم بهذا الدور، فيبني عليه خير كثير لهذه الأمة..
إن هذا الكتاب مفتوح للخلق ليأخذ به من أراد الله تعالى له الخير..

فاللهم ألحقنا بالنبي الكريم، وأبي بكر وعمر، وبالصحب الكرام، والمهاجرين والأنصار، واجمعنا مع الآل والأصحاب.. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١