فتاوى نور على الدرب [432]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حال هذا الحديث: ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً

الجواب: هذا القول المشهور لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من الأحاديث الموضوعة، ثم إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور الدنيا والتهاون بأمور الآخرة، بل معناه على العكس، وهو المبادرة والمسارعة في إنجاز أعمال الآخرة، والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا؛ لأن قوله: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) يعني: أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غداً، والذي لا ينقضي غداً ينقضي بعد غدٍ، فاعمل بتمهل وعدم تسرع، لو فات اليوم فما يفوت اليوم الذي يأتي غداً وهكذا، أما الآخرة فاعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، أي: بادر بالعمل ولا تتهاون، وقدر كأنك تموت غداً، بل أقول: قدر كأنك تموت قبل غد؛ لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

هذا هو معنى هذا القول المشهور.

إذاً: فالجواب أن هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن معناه ليس كما يفهمه كثير من الناس من إحكام عمل الدنيا، وعدم إحكام عمل الآخرة، بل معناه المبادرة في أعمال الآخرة وعدم التأخير والتساهل فيها، وأما أعمال الدنيا فالأمر فيها واسع، ما لا ينقضي اليوم ينقضي غداً وهكذا.

السؤال: تسأل عن آية كريمة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:2]؟

الجواب: هذه الجملة قسم، معطوفة على جملة سابقة هي قسم أيضاً: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، ومعنى الآية أن الله تعالى يقسم بالنفس اللوامة، وهي: النفس التي تلوم الإنسان على فعل الخير، وهذه هي النفس الأمارة بالسوء، أو تلوم الإنسان على فعل الشر، وهي النفس المطمئنة، وذلك أن للإنسان نفسين: نفس أمارة بالسوء ونفس مطمئنة، فالنفس المطمئنة تأمره بالخير وتنهاه عن الشر، والنفس الأمارة بالسوء تأمره بالسوء وتلح عليه، والنفس اللوامة جامعة بين هذا وهذا، وصف للنفسين جميعاً، فالنفس المطمئنة تلوم الإنسان على ترك الخير وفعل الشر، والنفس الأمارة بالسوء تلومه على فعل الخير وعلى ترك الشر، فاللوم وصف للنفسين جميعاً، فيقسم الله بالنفس اللوامة، لأن النفس اللوامة هي التي تحرك الإنسان وتغير اتجاهاته إلى خير أو شر.

السؤال: ما معنى هذه الآية الأخرى: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [الإسراء:13]؟

الجواب: الطائر هنا بمعنى العمل، يعني: أن كل إنسان ألزمه الله عز وجل عمله، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وفي يوم القيامة يخرج الله له كتاباً يلقاه منشوراً، أي: مفتوحاً يقرأه ويسهل عليه قراءته، هذا الكتاب قد كتبت فيه أعماله كما قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:9-12]، وقال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80]، فهذا المكتوب يخرج يوم القيامة في كتاب يقرأه الإنسان، ويقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، قال بعض السلف: والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك. يعني أنه قال للإنسان: هذا الكتاب كتب عليك، حاسب نفسك أنت، هل عملت خيراً فتجازى به أو عملت شراً فتجازى به؟ إذاً: المراد بالطائر هو العمل.

السؤال: نستشيركم فضيلة الشيخ محمد بالكتب التالية: مروج الذهب للمسعودي ؟

الجواب: مروج الذهب للمسعودي كغيره من كتب التاريخ يكون فيه الضعيف والصحيح، ويحتاج إلى أن يحترز الإنسان منه فيما إذا ورد على سمعه أو على بصره ما يستنكر، فإنه يجب عليه أن يتوقف فيه، ويبحث عنه، ويحققه.

مداخلة: الحصن الحصين لـيوسف البدري ؟

الشيخ: لم أقرأ فيه شيئاً.

مداخلة: المأثورات والدعاء المستجاب؟

الشيخ: كتاب الدعاء المستجاب فيه أشياء بدعية لا صحة لها، فلا أشير أن يقرأه إلا شخص طالب علم يعرف ما فيه من البدع حتى يتجنبها، وفيه أشياء مفيدة.

مداخلة: المأثورات يا فضيلة شيخ؟

الشيخ: ما قرأته.

مداخلة: العواصم من القواصم لـأبي بكر بن العربي ؟

الشيخ: هذا كتاب جيد ينبغي للإنسان قراءته .

السؤال: شيخ محمد! هناك كثير من بعض الإخوة لا يفرق بين ابن عربي وابن العربي ؟

الجواب: يجب أن يفرق؛ لأن ابن عربي معروف بأن له شطحات تصل إلى حد الكفر والعياذ بالله، وابن العربي من علماء المالكية طيب، ومن أهل السنة كما نعلم، فالفرق بين الرجلين كالفرق بين المشرق والمغرب، أو بين السماء والأرض.

السؤال: إذا أحرمت المرأة للعمرة، ثم أتتها العادة الشهرية قبل الطواف وبقيت في مكة ثم طهرت، وأرادت أن تغتسل، فهل تغتسل من مكة أم تذهب لتغتسل من التنعيم؟

الجواب: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض، أو أحرمت بالعمرة وهي حائض فعلاً، ثم طهرت، فإنها تغتسل في مكان إقامتها في بيتها، ثم تذهب وتطوف وتسعى وتؤدي عمرتها، ولا حاجة إلى أن تخرج إلى التنعيم، ولا إلى الميقات؛ لأنها قد أحرمت من الميقات، لكن بعض النساء إذا مرت بالميقات وهي حائض وهي تريد عمرة لا تحرم، وتدخل مكة، وإذا طهرت خرجت إلى التنعيم فأحرمت منه وهذا خطأ؛ لأن الواجب على كل من مر بالميقات وهو يريد العمرة أو الحج أن يحرم منه، حتى المرأة الحائض تحرم، وتبقى على إحرامها حتى تطهر.

ويشكل على النساء في هذه المسألة أنهن يظنن أن المرأة إذا أحرمت بثوب لا تغيره، وهذا خطأ؛ لأن المرأة في الإحرام ليس لها لباس معين كالرجل، الرجل لا يلبس القميص والبرانس والعمائم والسراويل والخفاف، والمرأة يحل لها ذلك، تلبس ما شاءت من الثياب، فإذا أحرمت بثوب وغيرت إلى ثوب آخر فلا حرج، لذلك نقول للمرأة: أحرمي إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة والحج، وإذا طهرت فاغتسلي، ثم اذهبي إلى الطواف والسعي والتقصير، وتغيير الثياب لا يضر، ولا أثر له في هذا الأمر أبداً.

السؤال: ما حكم الأقراط التي تغطي جزءاً من الأذن، وكذلك المشابك التي توضع على الشعر، هل تعتبر حائلاً يمنع الوضوء؟

الجواب: لا تعتبر حائلاً يمنع الوضوء، لا سيما وأن الأقراط التي بالأذن والمشابك التي تمسك الشعر، إنما هي في شيء ممسوح وهو الرأس، والشيء الممسوح يهون فيه الحائل، ولهذا جاز المسح على العمامة، وجاز المسح على خمر النساء عند كثير من أهل العلم، فهذا لا يضر ولا يمنع من صحة الوضوء، لكن إذا جاء الغسل فلابد أن يصل الماء إلى أصول الشعر كما يصل إلى ظاهر الشعر.

السؤال: ما هي صلاة الإشراق؟ وما حكم قول البعض: ما صدقت على الله إني حصلت كذا وكذا؟

الجواب: صلاة الإشراق هي التي يصليها الإنسان إذا أشرقت الشمس، يعني: ارتفعت وبرزت وظهرت، وهي ما يعرف بصلاة الضحى، ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح، ويساوي اثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة بعد طلوع الشمس إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، كل هذا وقت صلاة الإشراق أو صلاة الضحى.

وأما قول القائل: ما صدقت على الله كذا وكذا، فالمعنى ما ظننت أن الله تعالى يقدره، وهي كلمة لا بأس بها؛ لأن المقصود باللفظ هو المعنى، وهذا اللفظ نعلم من استعمال الناس له، أنهم لا يريدون أنهم لم يصدقوا الله، أبداً، والله تعالى لم يخبر بشيء حتى يقولوا: صدقوه أو لم يصدقوه، ولكن يظن أن الله لا يقدر هذا الشيء، فيقول: ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا، أي: ما ظننت أن الله يقدر هذا الشيء، والعبرة في الألفاظ بمعانيها ومقاصدها.

السؤال: كنت أعمل لإحدى الوحدات الريفية من حوالي عشر سنوات، وأثناء عملي بها جاء إلى الوحدة معونة لفقراء البلد، وللأسف قام المسئول عن هذه المعونة بتوزيع النصف على أصحابها، أي: فقراء البلد، والنصف الآخر قام بتوزيعه على الموظفين في الوحدة، وأنا كنت من ضمن الموظفين في هذه الوحدة، وأنا نفسي دائماً تحاسبني على هذا الموضوع، الرجاء من فضيلة الشيخ الإجابة على رسالتي؟

الجواب: إذا كان المقصود أن تصرف هذه المبالغ إلى الفقراء؛ فإن صرفها على موظفي الوحدة خطأ؛ لأن موظف الوحدة يأخذون نصيبهم من الرواتب التي جعلت لهم وخصصت لهم، وعليك أن تدفع إلى الفقراء مقابل ما أخذت من هذه الدراهم، أو تضعها في أعمال خيرية، ولكن صرفها على الفقراء ولا سيما في ذلك المكان أحسن وأولى.

السؤال: هل يجوز النحر للميت أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب: لا ندري ماذا يريد من النحر للميت، إن أراد بالنحر للميت التقرب إلى الميت بالذبح له، فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، ومن فعله فعليه أن يتوب إلى الله من شركه، فإن لم يفعل ومات على ذلك فإن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

وأما إن أراد بالنحر للميت أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها عن الميت، فهذا جائز؛ لأن الصدقة عن الميت باللحم أو بطعام آخر أو بالدراهم جائزة، فينظر في مراد السائل، هل أراد النحر للميت تقرباً إليه وتعظيماً، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بتوبة، وإن أراد بذلك أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها، فهذا لا بأس به.