فتاوى نور على الدرب [391]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما قولكم في التصوف والصوفية، مع العلم أن التاريخ الإسلامي قد حفظ لنا من خريجي التصوف من غير حصرٍ رجالاً لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى مزيدٍ من البحث؟

الجواب: خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، ولعل هذه الخطبة كافيةٌ في الجواب عن هذا السؤال، وذلك أن الطريق الصوفي طريقٌ مبتدع ما أنزل الله به من سلطان، فليس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة المهديون، وهو -أي: الطريق الصوفي- على درجاتٍ متفاوتة، منها ما يوصل إلى الكفر الصريح، ومنها ما يوصل إلى الفسق، ومع ذلك فهو يتفاوت تفاوتاً كبيراً، ولا يمكن أن نحكم عليه حكماً عاماً يشمل جميع درجاته، ولكني أقول: بدلاً من أن يتعب الإنسان نفسه في هذا الطريق الصوفي، وتصوره، والعمل بمصطلحاته، ليتعب نفسه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والأئمة المهديين؛ حتى يتبين له الحق ويتبعه ويعبد الله على علم وبصيرة، لأن الطريقة الصوفية مبنية إما على جهل بالشريعة، فتكون عمى وضلالاً، وإما على إصرارٍ وعناد فتكون استكباراً واستنكافاً، وكل ذلك لا يرضاه المسلم في دينه.

وإنني أشير بل أنصح أخي السائل أن يتجنب هذه الطريق، وأن ينظر إلى الطريق السليم المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه كفاية وهداية، وما سواه من الطرق فإنه ضلالٌ وعماية، نسأل الله السلامة.

السؤال: عرفونا بالاجتهاد والتقليد، ما هو التقليد؟ وما هو الاجتهاد؟ وهل التقليد كان موجوداً في زمن الصحابة والتابعين فيقلد بعضهم بعضاً أم لا؟

الجواب: الاجتهاد: هو بذل الجهد في الوصول إلى حكمٍ شرعي من الأدلة الشرعية؛ الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، ومن المعلوم أنه لا يصلح للاجتهاد إلا من كان عارفاً بطرقه، وعنده علم ودراية حتى يتمكن من الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها التي أشرت إليها، وأما التقليد فهو الأخذ بقول مجتهد من غير معرفة دليله، بل يقلده ثقةً بقوله، والتقليد في الواقع حاصلٌ من عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإن الله تعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، ولا شك أن من الناس في عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى عهدنا هذا، من لا يستطيع الوصول إلى الحكم بنفسه لجهله وقصوره، ووظيفة هذا أن يسأل أهل العلم، وسؤال أهل العلم يستلزم الأخذ بما قالوا، والأخذ بما قالوا هو التقليد.

وعلى هذا؛ فنقول: من لا يتمكن من الوصول إلى الحق بنفسه، فليتمكن من الوصول إليه بتقليد غيره من أهل العلم الذين أمر بسؤالهم إذا لم يكن عالماً، ولكن إذا سألنا سائل: من أقلد؟

فالجواب: أن الواجب أن تقلد من تراه أقرب إلى الحق، لأن أهل العلم كالأطباء، فهم أطباء القلوب، وإذا كان الواحد منا إذا مرض، وكان في البلد أطباء كثيرون، فإنه سوف يختار من كان أحذق وأعرف بالطب والأدوية والعلاج، ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى طبيبٍ قاصر مع وجود من هو أحذق منه إلا عند الضرورة، فكذلك في التقليد اختر من تراه أقرب إلى الحق لكونه أعلم وأتقى لله عز وجل، وفي هذه الحال تكون قد امتثلت أمر الله تعالى في قوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

السؤال: هل هناك شروط للمجتهد أو للاجتهاد؟

الجواب: العلماء ذكروا للاجتهاد شروطاً، أهمها: أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة، علمٌ بأدلة الشرع، وملكةٌ يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها، لأن من ليس عنده علمٌ من الشرع كيف يكون مجتهداً في شيء لا علم له فيه؟! ومن عنده علم لكن ليس عنده ملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام صار كمن بيده سيف لكن لا يعرف أن يقتل به، فلا بد من أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة، فإذا كان عند الإنسان علمٌ وملكة صار من أهل الاجتهاد، ولا فرق بين أن يكون مجتهداً اجتهاداً عاماً، أو اجتهاداً خاصاً، فإن بعض الناس قد يكون مجتهداً في مسألةٍ معينة يعلم أدلتها، ويتمكن من التطبيق على هذه الأدلة، لكنه في مسائل أخرى جاهل بمنزلة الأمي، فيوجد من طلبة العلم من يكون عنده علمٌ في مسائل العبادات يمكن أن يجتهد به، ولكن في المعاملات ليس عنده علم، أو يكون عنده علم في المعاملات العقدية، كالبيوع والإجارة والرهن والوقف وما أشبه ذلك، وليس عنده علم في مسائل المواريث والفرائض، فعلى كل حال قد يتجزأ الاجتهاد، فيكون الإنسان مجتهداً في مسألةٍ أو بابٍ من أبواب العلم دون المسائل الأخرى في الأبواب الأخرى.

السؤال: هل الميت يسمع السلام والكلام ويشعر بما يفعل لديه أم لا؟

الجواب: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، والسنة فيها قد بينت بعض الأشياء، فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الرجل إذا دفن في قبره، وانصرف الناس عنه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فامتحناه، فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أنه يسمع قرع النعال، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من رجلٍ مسلم يمر بقبر رجلٍ مسلم فيسلم عليه وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام، وهذا الحديث صححه ابن عبد البر وذكره ابن القيم في كتاب الروح، ولم يتعقب، وربما يؤيد هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج إلى المقابر قال: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين )، فإنه قد يشعر بأنهم يسمعون ذلك ويردون، من أجل أنه وجه هذا الدعاء إليهم بالخطاب.

وعلى كل تقدير مهما قلنا: بأن الميت يسمع، فإن الميت لا يسمع غيره ولو سمعه، يعني أنه لا يمكن أن ينفعك الميت إذا دعوت الله عند قبره، كما لا ينفعك إذا دعوته نفسه، ودعاؤك الله عند قبره معتقداً أن في ذلك مزية، بدعةٌ من البدع، ودعاؤك إياه شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، فإن قال قائل: إن بعض الذين يدعون الأموات قد ينتفعون بدعائهم؟ فالجواب على ذلك: أن هذا الانتفاع لم يكن بدعائهم الميت، ولكن كان عند دعائهم الميت، وفرق بين حصول الانتفاع بدعاء الميت وعند دعاء الميت، لأنك إذا قلت: حصل الانتفاع عند دعاء الميت كان دعاء الميت هو السبب بهذا الانتفاع، وإذا قلت: عنده لم يكن هو السبب ولكن كان قريباً منه في الوقت، فنحن نقول: إن الله قد يبتلي الإنسان الذي يدعو أصحاب القبور بحصول ما يدعو به عند دعائه؛ امتحاناً له واختباراً له، وإلا فنحن نعلم أن كل من دعا غير الله فإنه من أضل الناس، بل قد قال الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6].

ولا عجب أن يبتلي الله الإنسان بمثل هذه البلوى، فهاهم أصحاب السبت قومٌ من بني إسرائيل من اليهود، كانوا في قريةٍ على شاطئ البحر، وكان العمل -صيد الحوت- محرمٌ عليهم يوم السبت، فابتلاهم الله عز وجل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعاً على سطح الماء كثيرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي الحيتان، فطال عليهم الأمد، وقالوا: كيف نحرم من هذه الحيتان؟ وما الحيلة في الحصول عليها؟ فزين لهم الشيطان حيلةً بأن يضعوا شبكاً يوم الجمعة في الماء، فإذا أتت الحيتان يوم السبت وقعت في هذا الشبك ولم تستطع الخروج منه، فإذا كان يوم الأحد جاءوا فأخذوها، تحيلوا على محارم الله بأدنى الحيل، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:163-166]، فقلب الله هؤلاء القوم قردةً خاسئة ذليلة.

والمهم من سياق هذه القصة أن الإنسان قد يبتلى بما يكون فتنةً له في دينه إن اتبعه، فهؤلاء الذين يدعون الأموات ربما يفتنون، فيحصل لهم المطلوب عند دعائهم الأموات فتنةً لهم، وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن الأموات لا ينفعون أحداً مهما كان الأمر، لو دعاهم بالليل والنهار ما نفعوه، كيف وهم أمواتٌ جثث هامدة؟! ولكن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف يديها وقدميها في الصلاة في بيتها في حالة عدم وجود أجانب؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: هل كف المرأة وقدماها عورةٌ في الصلاة أو لا؟ وليس هناك شيء صريحٌ صحيح من السنة يبين ذلك، ولكن الاحتياط أن تستر المرأة كفيها وقدميها، إلا أنها لو لم تفعل وصلت فصلاتها صحيحة، لأنه ليس هناك دليل على أن الكفين والقدمين عورةٌ في الصلاة.

السؤال: نحن نسافر أسبوعياً تقريباً إلى مناطق تبعد أكثر من مائة كيلو، هل يجوز لنا القصر في هذه الحالة؟ وهل يجوز أداء صلاة العشاء حين وصولنا إلى المنزل؟

الجواب: إذا سافر الإنسان هذه المسافة فإنه يقصر؛ لقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]، إلا إذا كان في بلد فإنه يلزمه حضور الجماعة، وإذا حضر الجماعة فسوف يتم، لأن المسافر إذا ائتم بمن يتم لزمه الإتمام، سواءٌ كان هذا المسافر الذي ائتم بمن يتم قد أدرك الصلاة من أولها أم من آخرها، وعلى هذا إذا أدرك المسافر مع الإمام ركعتين وجب عليه أن يأتي بعد سلام الإمام بركعتين؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وهذا يعم المسافر والمقيم، ولأن ابن عباس رضي الله عنه عنهما سئل: ما بال الرجل يصلي مع الإمام أربعاً، ويصلي وحده ركعتين، يعني: المسافر؟ فقال: تلك هي السنة.

وبناءً على ذلك؛ نقول: إن المسافر إذا وصل إلى بلد تقام فيها الجماعة وجب عليه حضور الجماعة، حتى ولو كان معه أصحاب يمكن أن يصلي معهم جماعة، فإن الواجب عليهم جميعاً حضور الجماعة، إلا أن يكون في ذلك مشقة، بأن يكون المسجد بعيداً، أو يكون المسجد غير معلوم المكان عندهم، فحينئذٍ يصلون جماعة.

وأما قول السائل: هل يصلي إذا وصل إلى منزله؟ فلا أدري ماذا يريد بهذا السؤال؟ فإن كان يريد أنه إذا وصل إلى منزله وهو لم يصلٍ الرباعية، هل يصليها قصراً أو يصليها تامة؟

الجواب أن نقول: إذا وصل الإنسان إلى بلده وهو لم يصلِ فإن الواجب عليه الإتمام، لأن السفر انقطع، مثال ذلك: رجل أتى عليه الظهر في السفر، فنوى أن يجمع جمع تأخير فأخر الظهر حتى وصل إلى البلد بعد آذان العصر، فيجب عليه في هذه الحال أن يصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، لأن السفر قد انتهى، والقصر إنما يجوز حال كون الإنسان مسافراً، ولذلك كان الراجح من أقوال أهل العلم أن الرجل إذا دخل عليه الوقت وهو في بلده، ثم خرج مسافراً قبل أن يصلي فإنه يصليها قصراً، يعني: لو أذَّن الظهر وأنت في بلدك ثم سافرت قبل أن تصلي الظهر، فإنك تصليها ركعتين، والعكس بالعكس، فلو أذَّن عليك الظهر وأنت بالسفر ثم قدمت إلى بلدك، فالواجب عليك أن تصلي أربعاً، لأن العبرة بفعل الصلاة.

السؤال: في رمضان الماضي اشتد علي العطش حتى أشرفت على الهلاك، فشربت قليلاً من الماء، هل يلزمني القضاء فقط أم أن علي الكفارة؟ وإذا كان علي كفارة أرجو أن توضحوها مأجورين؟

الجواب: نعم. ليس عليك كفارة في هذه الحال، لكن الشأن كل الشأن في جواز الإفطار، ولكن السائل يقول: إنه خشي الهلاك، وإذا كان خشي الهلاك فإنه يجوز له أن يفطر، وليس عليه إثم، وليس عليه كفارة، وإنما عليه القضاء فقط.