فتاوى نور على الدرب [375]


الحلقة مفرغة

السؤال: عندما أصوم رمضان في المملكة هل يصح لي أن أخرج عن أهلي زكاة الفطر في بلدي لوجود أكثر من محتاج هناك، أم لا بد من إخراجها في مكان صيامي؟

الجواب: الأفضل إخراج الزكاة في البلد الذي وجبت فيه، سواءٌ كانت هذه الزكاة زكاة الفطر أو زكاة المال، لكن إذا لم يكن في البلد محتاجٌ، فلا بأس أن تنقل إلى بلدٍ آخر، واختلف العلماء رحمهم الله فيما لو نقلها لمصلحةٍ راجحة إلى بلدٍ آخر، فمنهم من قال: إن ذلك جائز، ومنهم من قال: لا يجوز، إلا إذا عدم المستحق في بلد المال، أو بلد الصائم الذي تجب عليه زكاة الفطر، وحيث إن الأمر واسع، فإن الذي ينبغي للإنسان أن يحتاط لدينه، وأن يؤدي الزكاة في المكان الذي هو فيه، إن كانت زكاة فطر، وفي المكان الذي فيه مال إن كانت زكاة مال، هذا هو الأولى والأحسن.

السؤال: عندما كانت والدتي على قيد الحياة وهبت لي ولأخي الأكبر قطعة أرض مساحتها ما يقارب عشرين قيراطاً، لكنها اشترطت أن ندفع لأخواتنا -وهن أربع من النساء- مبلغ ستمائة جنيهاً مصرياً، وعندما توفيت دفعنا لكل واحدة مائة وخمسين جنيهاً كما اشترطت والدتنا، فهل هذا الإجراء صحيح، أم أنه مخالفٌ للشريعة، علماً بأن الأختين الكبيرتين كانتا موافقتين على هذا الإجراء؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يهب أحداً من أولاده أكثر مما وهب الآخر، أو أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين، وأمكم قد خصتكم بعطيةٍ دون أخواتكم، فيجب عليكم التحلل من أخواتكم، وأن تعطونهن ما تطيب به نفوسهن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبشير بن سعد حين نحل ابنه النعمان بن بشير نحلةً لم يعط إخوانه مثلها، قال عليه الصلاة والسلام: (أشهد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور )، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم جوراً، والجور ظلمٌ لا يجوز للإنسان أن يستمر عليه، فمن بركم لأمكم أن تتفقوا مع أخواتكن، وتتحللوا منهن، ولا يكفي أن تبذلوا لكل واحدةٍ منهن مائة وخمسين جنيهاً، بل لا بد أن ترضونهن بما تطيب به نفوسهن إذا كنتم تريدون إبراء ذمة والدتكم.

وإنني بهذه المناسبة أقول: إنه لا يجوز للإنسان أن يعطي أحداً من أولاده أكثر من الآخرين، ولا أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين، هذا في التبرع المحض، أما في الأمر الذي يكون من باب سد الحاجة والنفقة، فإن العدل أن يعطي كل إنسانٍ ما يحتاجه، فمثلاً البنت تحتاج إلى حلي، والولد يحتاج إلى غترة طاقية، ومعلومٌ أن الحلي أكثر قيمةً من الغترة والطاقية، فإذا أعطى البنات حلياً ولم يعطِ الأولاد الذكور ما يقابل ذلك، فإنه لا حرج عليه؛ لأن هذا من باب النفقة وسد الحاجة، وكذلك لو احتاج أحد الأولاد الذكور إلى زواج فأعطاه من ماله وزوجه، فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مقابل ما أعطى هذا المتزوج، وإنما يلزمه إذا بلغ الآخرون سن الزواج أن يزوجهم كما زوج أخاهم الكبير، وقد ذهب بعض الناس إلى عملٍ محرم ويظنه جائزاً، وهو أنه يوصي لأولاده الذكور الصغار إذا زوج الأولاد الكبار، يوصي للصغار بشيء يتزوجون به بعد موته، وهذا حرامٌ عليه، والوصية غير صحيحة، إلا إذا أجازها بقية الورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث )، فإذا قال: أنا قد زوجت الأبناء الكبار، قلنا: نعم أنت زوجتهم في وقت تزويجهم، وأما الصغار فإنه لم يحن وقت تزويجهم، فإعطاؤك إياهم أو وصيتك لهم بمثل ما زوجت به الكبار، يعتبر تبرعاً لا يحل، فهذه النقطة أود من إخواني المستمعين أن ينتبهوا لها، فإنهم إذا أوصوا للصغار بشيء صاروا آثمين، وإن لم يوصوا بشيء لهم كانوا سالمين من الإثم.

السؤال: خطبني من أبي وخالي شابٌ ذو خلقٍ ودين ومحافظ على شريعة الله، تقول: ولكن قبل أن تتم المشورة بين الأهل سافر هذا الشاب ولم يحضر، ولقد مضت ثلاث سنوات بقيت خلالها مخطوبة له، وبعد ذلك تقدم شابٌ آخر ذو خلقٍ ودين، وأخبرني شخصياً ولم يخبر أبي ولا أهلي حيث قال لي: أريد أن أعرف رأيك أولاً ثم أتقدم إلى أبيك، وأنا الآن حائرة، هل أنتظر الذي خطبني من أبي أم أوافق على من تقدم لي أنا؟ أرجو أن توجهوني إلى الحل الصحيح وفق الشريعة الإسلامية السمحاء.

الجواب: الحل الصحيح أن تقبلي بخطبة هذا الخاطب الجديد؛ لأن بقاءك في انتظار رجل قد ذهب منذ ثلاث سنوات لا وجه له، فلك أن تختاري هذا الخاطب الجديد، وليتقدم إلى ولي أمرك بالخطبة، ونسأل الله أن يقدر لنا ولكم ما فيه الخير والصلاح.

السؤال: بعض الناس يقولون بأن الله في السماء، وعندنا في السودان علماء التوحيد يقولون بأن الله كان ولا مكان، وهو منزهٌ عن الجهات الست، طبعاً شرق وغرب وشمال وجنوب وفوق وتحت، نرجو منكم التوجيه حول هذا؟

الجواب: علو الله عز وجل على خلقه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فأدلته متنوعة، كل الأدلة الممكنة في إثبات الشيء كلها موجودة تدل على أن الله تعالى فوق عباده، أما من القرآن فأدلة ثبوت علو الله على خلقه كثيرةٌ جداً متنوعة، مثل قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وكذلك الآيات الدالة على أن الأشياء تصعد إليه، كما في قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، وكذلك الآيات الدالة على أن الشيء ينزل من عنده، كما قال الله تعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، والآيات في هذا كثيرة جداً.

وأما السنة فقد دلت بجميع أنواعها على علو الله، دلت بالقول والفعل والإقرار، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وخطب الناس في يوم عرفة وقال: (هل بلغت؟ قالوا: نعم، فأشار إلى السماء يقول: اللهم اشهد )، وسأل جاريةً فقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: اعتقها فإنها مؤمنة )، فاجتمع من السنة القول والفعل والإقرار على علو الله عز وجل، وأنه فوق كل شيء.

وأما الإجماع فقد أجمع الصحابة وأئمة الهدى من بعدهم على أن الله تعالى فوق كل شيء، ولم يرد عنهم حرفٌ واحد في نفي علو الله عز وجل، بل كانوا مجمعين على أن الله تعالى فوق كل شيء.

وأما العقل فإن كل إنسان يعلم بعقله أن العلو صفة كمال، وأن الرب عز وجل له صفة الكمال المطلق، فإذا كان العلو صفة كمال، فإن فوات العلو صفة نقص، والله عز وجل منزهٌ عن النقص، فوجب أن يثبت له العلو؛ لأنه صفة كمال.

وأما الفطرة، فما من أحدٍ يقول: يا رب! إلا وجد من قلبه ضرورةً بطلب العلو، ولهذا يرفع يديه إلى السماء، واسألوا الذين يسألونه ويدعونه أين يوجهون أيديهم؟ هل يوجهونها إلى الأرض أو إلى السماء أو إلى اليمين أو إلى الشمال؟ إنهم يوجهونها جميعاً إلى السماء، وهذا أمرٌ فطري لا يختلف فيه اثنان إلا من اجتالته الشياطين عن الفطرة، وأنكر هذا الأمر الذي فطر عليه الخلق.

وإذا كان كذلك؛ فإننا نقول: إن الله كان عز وجل ولم يكن شيء قبله، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وكان عالياً عز وجل قبل أن يخلق العرش، ولما خلق السموات والأرض استوى على العرش، كما قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فكان استواء الله على عرشه بعد خلقه، وهنا نقول: استواء الله على عرشه حين خلق السموات والأرض تدل الآية الكريمة أنه لم يكن، أما قبل ذلك فالله أعلم، وأما بعد ذلك، أي: بعد خلق السماوات والأرض، فإن الآية تدل على أن الله استوى على عرشه.

وأما قولهم: إن الله تعالى منزه عن الجهات الست، فهذا غاية التعطيل والعياذ بالله، لأنهم إذا قالوا: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف، فإن هذا هو العدم المحض والتعطيل المحض، أين يكون؟! وإذا قلنا: إن الله تعالى في جهة العلو، العلو الذي ليس فوقه شيء، فليس في هذا من نقصٍ في حق الله عز وجل، لأن العلو على جميع المخلوقات ليس فيه شيء من المخلوقات يمكن أن نقول: إنه محاذٍ لله عز وجل، بل كل شيء من المخلوقات، فإن الله عز وجل فوقه، وليس يحاذي الله عز وجل شيئاً من مخلوقاته، وعين النقص في إثبات مثل ذلك، وأين الوجود إذا قلنا: إن الله تعالى خالٍ من الجهات الست؟ نعم نقول: إنه لا يمكن لجهة أن تحيط بالله، لأن الله تعالى محيطٌ بكل شيء، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، فإذا كان فوق كل شيء، فإن ما فوق الأشياء ليس أمراً وجودياً حتى نقول: إن هذا يقتضي أن يشارك المخلوق الخالق في علوه عز وجل، والواجب على الإنسان أن يؤمن إيماناً قطعياً بأن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه العلي الأعلى، وأنه سبحانه وتعالى له العلو المطلق، علو الذات وعلو الصفات، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على ذلك.

السؤال: وقع بيني وبين أخي خلافٌ عقائدي حيث قلت له: إن الإنسان مسير وليس مخيراً، فقال: هذا ليس بصحيح، بل الإنسان مسير ومخير أيضاً، وطال الجدال، فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟

الجواب: القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير، وأن له اختياراً كما يريد، كما قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، وقال عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير:28]، وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة، فأنت الآن حين قدمت لنا هذا الكتاب، هل قدمته على وجه الإكراه وأنك تشعر بأن أحداً أكرهك على تقديمه، أو أنك قدمته على سبيل الاختيار، فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب، أو أرسلت الكتاب؟ لا شك في أن هذا هو الواقع، ولكننا نقول: كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله عز وجل، معلومٌ عنده، أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير، وأن نهرب عن فعل الشر، وليس في هذا إشكالٌ أبداً، نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلاً أو إلى الجامعة، فمنهم من يختار كلية الشريعة، ومنهم من يختار كليه أصول الدين، ومنهم من يختار كلية السنة، ومنهم من يختار كلية اللغة، ومنهم من يختار كلية التاريخ، المهم أن كلاً منهم يختار شيئاً، ولا يرى أن أحداً يكرهه على هذا الاختيار، كيف نقول: مسير ومخير؟! لو كان الإنسان مجبراً على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلماً، والله عز وجل منزهٌ عن الظلم، فالإنسان يفعل باختياره بلا شك، لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مقدر عليه من قبل، لكنه لم يعلم بأنه مقدر إلا بعد وقوعه، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا )، فأثبت لهم عملاً مراداً، (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10] ).

فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ مخير، ومعنى مخير أن له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله، وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب.

السؤال: هل تارك الصلاة يخرج من الملة، أعني: الذي تركها تهاوناً وتكاسلاً، هل يخرج من الملة أم لا يخرج؟ وإذا كان يخرج من الملة فماذا يترتب على ذلك؟ وهل هو مجمعٌ عليه من العلماء، أم أن هناك من خالف ذلك وقال بعدم خروجه؟

الجواب: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وقد ذكرنا من هذا المنبر أدلة ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم، والمعنى الصحيح المناسب للحكم، وإذا قلنا بالكفر ترتب عليه أمور دنيوية وأمور أخروية، أما الأمور الدنيوية فإن ولايته على أولاده وأهله تزول وترتفع، وليس له ولايةٌ عليهم؛ لأنه كافر، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وكذلك لا يصح تزويجه، فلا يعقد له النكاح ما دام تاركاً للصلاة، وإذا تركها بعد تمام العقد فإن النكاح ينفسخ، إلا أن يتوب إلى الله ويرجع للإسلام، وإذا مات له أحد من أقاربه فإنه لا يرث منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )، يعني: لو أن رجلاً لا يصلي فمات ابنه وله عم، فإن ميراث الابن لعمه وليس لأبيه؛ لأن أباه كافر حيث كان لا يصلي، وعمه مسلم فيكون الميراث له.

وأما أحكام الآخرة فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإنما يخرج به إلى البر ويحفر له حفرة يدفن فيها بدون مراسم الجنازة المعتادة للمسلمين، وفي الآخرة يكون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر والعياذ بالله، كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما سؤال السائل: هل في ذلك خلاف أم هو مجمعٌ عليه؟ فنقول: المسألة فيها خلاف بين المتأخرين، وأما الصحابة فظاهر ما نقله عبد الله بن شقيق أنهم مجمعون على أنه كافر؛ لقوله -أعني: عبد الله بن شقيق-: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وقد نقل إجماع الناس على ذلك الإمام إسحاق بن راهويه المشهور المعروف، لكن اختلف المتأخرون بعد هذا في تارك الصلاة، ولم يأتِ أحدٌ ممن خالف بدليل، وقد تأملت أدلتهم فوجدتها على أربعة أنحاء: منها ما لا يدل على عدم الكفر أصلاً، ومنها ما يكون مقيداً بصفة يمتنع معها أن يدع الصلاة، ومنها ما يكون مقيداً بحال يعذر فيها من ترك الصلاة، ومنها ما يكون عاماً مخصوصاً بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، ولم يجيء في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تارك الصلاة مؤمن ولا أن تارك الصلاة في الجنة، ولا نحو ذلك من الأشياء التي تقتضي أن نحمل الكفر الوارد في تارك الصلاة على أن المراد به كفر النعمة.

السؤال: أعرف أنه يشرع للمؤذن عند الحيعلتين الالتفات يميناً ويساراً، ولكن عندما انتشرت مكبرات الصوت ولله الحمد، هل يشرع ذلك؛ وذلك بأنه عندما يلتفت المؤذن يضعف الصوت في الميكرفون؛ لأنه ابتعد عنه؟

الجواب: هذه المسألة عندي فيها توقف؛ لأن أصل مشروعية الالتفات من أجل أن يشترك الذين عن يمين المؤذن والذين عن يساره في سماع الأذان، وإذا كان الإنسان يؤذن بمكبر الصوت، فإن مخرج الأذان من السماعات العليا واحد، سواءٌ التفت أو لم يلتفت، بل إنه إذا التفت قد ينخفض الصوت كما قال السائل، فالمسألة عندي محل توقف، وأصل ذلك هل هذا الالتفات للتعبد أو من أجل إيصال الصوت إلى اليمين والشمال؟ فإن كان للتعبد كان الالتفات باقياً، وإن كان من أجل إيصال الصوت لليمين والشمال، فإنه لا يحتاج إلى الالتفات في هذه الحال.

السؤال: لقد سمعت بيتاً لأحد السلف الصالح، ولكنه التبس علي الشطر الأخير، وشككت فيه من الناحية العقائدية، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي معنى هذا البيت، وهل هو صحيح من ناحية الاعتقاد أم لا؟ والبيت هو:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

حتى قال:

ولا تحسبن الله يغفل طرفة ولا أن ما يخفى عليه يغيب

الجواب: هذان البيتان صحيحان، فإن الإنسان إذا خلا يوماً من الدهر فلا يقل: إني خلوت؛ لأن عليه رقيباً من الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، فالإنسان مهما اختفى عن الناس، فإنه لن يخفى على الله، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، ولا تظن أنك إذا اختفيت فإن الله سبحانه وتعالى يغفل عنك أو لا يعلم بك، فإن الله تعالى يقول: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74]، وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42] ، فهو سبحانه وتعالى محيط بكل شيء علماً، يعلم ما كان وما يكون لو كان كيف يكون، ويعلم ما ظهر وما بطن.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع