فتاوى نور على الدرب [369]


الحلقة مفرغة

السؤال: رجل لديه قطعة أرض ينوي بناءها، ولكن بعد فترة لا يدري مقدارها، ويسأل: هل عليها زكاة أم لا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأرض التي عند هذا السائل أعدها للبناء عليها ليس فيها زكاة؛ وذلك لأن الزكاة إنما تجب في الأراضي إذا أعدت للتجارة، أي إذا كان الإنسان ينتظر بها الربح والمكسب، يشتريها اليوم ويبيعها غداً وهكذا، كما يبيع التجار ما عندهم من الأثاث والأمتعة والأواني وغيرها، فأما الأراضي التي أعدت للبناء عليها فليست فيها زكاة، سواءٌ أعدها للبناء عليها ليسكن أو أعدها للبناء عليها ليؤجر، فإنه لا زكاة فيها.

وبناءً عليه نقول: لا حاجة إلى أن تعرف مقدار قيمتها أو لا تعرف، لأنه ليس فيها زكاة.

السؤال: رجل لدى زوجته ذهب للاستعمال الشخصي تبلغ قيمته حوالى ثلاثة آلاف ريال، يقول: هل عليه زكاة أيضاً؟ وإذا كان عليه زكاة فما مقداره؟

الجواب: القول الراجح في هذه المسألة والصواب أن الحلي المعد للبس فيه الزكاة، إذا بلغ نصاباً، وهو من الذهب خمسةٌ وثمانون جراماً، فإذا بلغ هذا المقدار وجبت زكاته.

ودليل ذلك عموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35].

وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، ويكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )، وهذه المرأة التي عندها هذا الحلي صاحبة ذهب، ولا دليل على إخراجها من العموم.

وهناك أدلة خاصة تدل على وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة، مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ورسوله ).

وله شاهدٌ في حديث عائشة وأم سلمة، قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام عن حديث عمرو بن شعيب: إن إسناده قوي.

وعلى هذا فيجب عليها أن تزكيه، وكيفية الزكاة أنه إذا حال الحول تقدر قيمته بما يساوي وقت وجوب الزكاة وتخرج ربع عشر القيمة، فإذا كان يساوي ثلاثة آلاف ففيه خمسةٌ وسبعون ريالاً.. إذا كان يساوي ثلاثين ألف ريال ففيه سبعمائة وخمسون ريالاً؛ لأن زكاة الذهب والفضة ربع العشر.

السؤال: أنا شابٌ مؤمنٌ بالله سبحانه وتعالى، ومصدق لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومحافظ على الصلوات المكتوبة، وأكثر من قراءة القرآن ولله الحمد، ولكن عندما أقارن بين قراءتي وبين قراءة المقرئين من خلال المذياع أجد أنني أرتكب أخطاءً كثيرة، فهل علي إثمٌ لما أرتكبه من أخطاء من غير قصد؟

الجواب: أقول: إن الله سبحانه وتعالى أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب بلسانٍ عربيٍ مبين، كما قال الله تبارك وتعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].

فيجب على الإنسان أن يقرأ هذا القرآن باللسان العربي، فيرفع المرفوع، وينصب المنصوب، ويجر المجرور، ويجزم المجزوم، ولا يجوز له أن يغير الحركات، فإذا كان يغيرها فالواجب عليه أن يتعلم، وأن يكرر بقدر استطاعته، ولا يجوز أن يتهاون في هذا الأمر ويقول: سأبقى على ما أنا عليه من الخطأ.

وأما ما لا تتغير به الحركات من صفات الحروف، فهذا ليس بواجب، مثل المد والقصر وما أشبه ذلك، إلا أن يؤدي ترك المد إلى إسقاط حرف، أو يؤدي القصر إلى إسقاط حرف، فهذا لا يجوز لأن إسقاط الحرف كتغيير حركته، والمصاحف ولله الحمد متوفرة، وبالإمكان أن يأخذ الإنسان مصحفاً يقرؤه كلمةً كلمة حتى يأتي به على وجه الصواب.

السؤال: فتاة متزوجة، ولزوجها أم، وقد تزوجت من رجلٍ غير أبيه، تكشف وجهها له وتقبله، فهل هذا حرام؟ نرجو الإفادة.

الجواب: هذه المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تكشف إلا لأب زوجها وجده، وأما زوج أم زوجها الذي ذكرت فإنه لا يجوز لها أن تكشف له؛ لأنها ليست من محارمه، وإذا لم يجز لها أن تكشف له فإنها لا يجوز لها أن تقبله من باب أولى.

وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن المحرمات بالصهر أربع: وهن زوجات الأبناء وإن نزلوا، وزوجات الآباء وإن علوا، وأمهات الزوجات، وهذه الثلاث يثبت التحريم فيهن بمجرد العقد، وأما بنات الزوجة فهن محارم للزوج، بشرط أن يكون قد دخل بأمهن، أي: جامعها.

إذن: فأصول الزوج وفروعه محارم للزوجة بمجرد العقد، وأصول الزوجة وهن أمهاتها محارم للزوج بمجرد العقد، وأما فروع الزوجة وهن بناتها، فلسن محارم إلا إذا كان قد وطئ أمهن في العقد.

السؤال: رجل صاحب محل تجارة يقوم بالبيع عن طريق النقد وعن طريق الدين، فيعطي للذي يأخذ بالنقد بسعر أقل من الذي يأخذ بالدين، ما حكم الشرع في نظركم في هذا التعامل؟ وهل هو حلال أو حرام؟

الجواب: هذا التعامل حلال ولا بأس به، يعني إذا كان عند الإنسان سلعة وكان يبيعها بالنقد بمائة وبمؤجل بمائة وعشرين، فإن هذا لا بأس به، ومثل هذا جائز بالإجماع، لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275].

وقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282].

ولأن هذا نظيره السلم الذي كان حلالاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الله بن عباس: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ).

ومعلوم أن السلم -وهو تقديم الثمن وتأخير السلعة- لا بد أن يكون فيه تفاوت بين سعر السلم وسعر الحاضر، والمسألة التي ذكرها السائل هي عكس صورة السلم لكنها بمعناه حقيقة.

السؤال: قرأت مرة عن صلاة التسابيح بأنها ذات فائدة ومن أعظم القُربات إلى الله سبحانه وتعالى، فما هي الصيغة الخاصة بها؟ وهل هي واردة في الأحاديث النبوية؟

الجواب: صلاة التسبيح جاءت فيها أحاديث تروى عن رسول الله صلى الله علية وسلم بأن يصليها الإنسان كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو كل حول أو في العمر مرة، ولكن هذه الصلاة لم تصح عن النبي صلى الله علية وسلم، وحديثها كذب كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: ولم يستحبها أحد من الأئمة، ولو كانت هذه الصلاة من شريعة الله ومشروعة لكانت معلومة للأمة ومشهورة بينهم، وذلك لأنها مما تتوافر الدواعي على نقله.

فهي صلاة غريبة، وعادة الغريب أن يكون متداولاً منقولاً بين الناس، وهي أيضاً صلاة فيها فائدة لو صحت، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يكون على حال الخفاء الذي لا يدري به أو لا يشعر به إلا طائفة قليلة من الناس، ولأنها صلاة شاذة عن بقية الصلوات.

ثم هي أيضاً تكون في اليوم أو في الأسبوع أو في الشهر أو في السنة أو في العمر، ولم يعهد أن الصلاة تكون هكذا بهذا الترتيب، فالصحيح أن صلاة التسبيح غير مشروعة، ولا ينبغي للإنسان أن يفعلها.

السؤال: قرأت عن صلاة الحاجة في أكثر من كتاب، ما رأيكم -يا فضيلة الشيخ- في هذه الصلاة؟ نرجو الإفادة.

الجواب: صلاة الحاجة هي أخت صلاة التسبيح أيضاً، لم يصح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، والإنسان إذا احتاج إلى ربه في حاجة -وهو محتاجٌ إلى ربه دائماً- فليسأل الله سبحانه وتعالى على الصفات المعروفة الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمعروفة بين الأمة.

أما هذه الصلاة فلا أصل لها صحيح يرجع إليه، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يقوم بها.

السؤال: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر؟ أي: عمل له سحر، وسبب له تعباً وإعياءً، فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر، أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر، وخاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين.

الجواب: حل السحر يكون بأمرين.

الأمر الأول: بالقراءات والتعوذات الشرعية واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:1-2]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2] إلخ، فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل.

وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر: فهو أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه، ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن النشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان )، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].

وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومن الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر.

السؤال: رجل ظلم رجلاً آخر باختلاق أقاويل وإشاعات لا أساس لها من الصحة، وذلك لتشويه صورته في العمل بين الزملاء، وذلك لأنه ينافسه على منصب في العمل، ويريد أن يضعف من قوته بين الزملاء، فهل يحق له أن يعامله نفس المعاملة باختلاق أشياء ليس لها أساس من الصحة ويلصقها به، أم يفوض أمره إلى الله تعالى لينتقم منه؟ مع العلم بأن عامة الناس تحكم بالمظاهر ولا يهمها معدن الإنسان من الداخل، هل هو صالح أم طالح، وهل يجوز الدعاء عليه عقب كل صلاة أم لا؟

الجواب: لا يجوز للإنسان إذا اعتدى عليه أحد بالكذب والافتراء أن يعتدي عليه بمثل ذلك بالكذب والافتراء؛ لأن الكذب والافتراء حرامٌ وباطل، ولكن له أن يدعو الله تعالى عليه أن يكف شره عنه، وأن لا يسلطه عليه، وله أيضاً أن يستعين بولاة الأمور على كف شره.

وهو إذا ترك الشيء لله عز وجل عوضه الله تعالى خيراً منه، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اتقِ دعوة المظلوم! فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).

فأنا أوجه النصيحة لهذا الأخ الذي يقول السائل إنه معتد عليه، بأن يكف شره عن عباد الله؛ خشية أن يدعو عليه مظلوم دعوةً توبقه وتهلكه، فإن دعوة المظلوم لا ترد!

السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يمكن أن نفرق بين الحديث الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وغير الصحيح؟

الجواب: يمكن أن نفرق بينهما بما ذكره أهل العلم، فإن أهل العلم رحمهم الله بينوا الصحيح من الضعيف، ويمكن أن نقرأ في الكتب المعروفة بالصحة، كصحيح البخاري ومسلم والجمع بين الصحيحين للحميدي وغيرها من الكتب المعروفة بالصحة.

ويمكن أيضاً أن نعرف ذلك بتتبع هذا الحديث بمعرفة رجاله وإسناده ومتنه، إذا كان عند الإنسان قدرة على هذا فيمكن أن يعرف الصحيح من الضعيف، وإذا لم يكن له قدرة فيقلد في هذا أهل العلم في هذا الفن.