فتاوى نور على الدرب [356]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما معنى الحديث الشريف: ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا الحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ).

يأرز: بكسر الراء، ويجوز فيه الفتح والضم، فأي حركة تقولها في الراء فإنك لست غلطان فيها.

ومعنى يأرز: أي يرجع ويثبت في المدينة، كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه، وهذا إشارةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى، كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها.

وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضاً، فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة، ومكة هي المهبط الأول للوحي، لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة؛ فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً إلى المدينة، وسيرجع إليها في آخر الزمان.

وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمرٍ سبق، وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية، ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث، وهو الأصح.

السؤال: هل تصح الوصية لوارث؟ وهل تجوز الوصية شفاهةً أمام محام وبعض الورثة الموصى إليهم؟

الجواب: الوصية للوارث وصية باطلة غير صحيحة، ولا يجوز تنفيذها، ولبقية الورثة الذين لم يوص لهم أن يبطلوا هذه الوصية، ودليل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له، ففي القرآن الكريم لما ذكر ميراث الأصول والفروع قال: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]، فأفاد قوله: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) أنه يجب التمشي بمقتضى هذا التقسيم الذي تولاه الله تعالى بنفسه.

وقال سبحانه وتعالى في آيات المواريث الزوجين والإخوة من الأم، قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14].

فبين الله تعالى أن هذه الفرائض حدود الله عز وجل، وتوعد من تعدى هذه الحدود.

وقال تعالى في آية الحواشي الإخوة الأشقاء أو لأب، قال في آخرها: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].

وهذا يدل على أن من خالف هذه القسمة فهو ضال.

وأما السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا وصية لوارث )، لكن يوصي الإنسان لأقاربه الذين لا يرثون لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180] ، فبين الله تعالى أنه فرض الوصية للوالدين والأقربين وأن ذلك حق وأنه من علامات التقوى، ولكن خرج من هذه الوصية من كان وارثاً من الوالدين أو الأقربين فإنه لا يوصى لهم، وبقي من سواهم على حكم هذه الآية الكريمة.

والوصية لمن لا يرث من الأقارب أفضل من الوصية في أعمالٍ أخرى؛ لأن بعض أهل العلم قال في هذه الآية الكريمة: إنها لم تنسخ وإنما هي مخصصة فقط، وأن حكمها باقٍ على الوجوب في الأقارب والوالدين غير الوارثين، ويمكن ويتصور أن يكون الوالدان غير وارثين فيما لو وجد مانعٌ من موانع الإرث بين الولد والوالد أو الوالدة.

المهم أن الورثة لا تجوز الوصية إليهم أبداً، وأما غير الورثة من الأقارب فالوصية إليهم مستحبة، بل واجبة على قول بعض أهل العلم استناداً إلى الآية الكريمة.

السؤال: الوارث الذي لا يصلي بانتظام كأن يصلي الجمعة ورمضان، هل يرث أم يحرم مطلقاً، أم يحبس له نصيبه حتى يتوب إلى الله وينتظم في صلاته؟

الجواب: هذا مبنيٌ على اختلاف العلماء في تارك الصلاة، فمن قال: إن تارك الصلاة كافرٌ مرتد فإنه لا يرث من قريبه المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )، ومن قال: إنه لا يكفر، فإن تركه الصلاة لا يمنعه من ميراثه من قريبه المسلم.

ولكن الصحيح أن تارك الصلاة يكفر كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه يكون مرتداً إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإن تاب ورجع إلى الإسلام قبل موت مورثه ورث منه وإلا فلا، ولكن هل يكفر الإنسان إذا ترك صلاةً أو صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو لا بد من الترك المطلق؟

الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق، بحيث لا يصلي أبداً، وأما من يصلي أحياناً فإنه لا يكفر؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، ولم يقل: ترك صلاةٍ، قال: (ترك الصلاة)، وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق، وكذلك قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها -أي الصلاة- فقد كفر ).

وبناءً على هذا نقول: إن الذي يصلي أحياناً ويدع أحياناً ليس بكافر، وحينئذٍ له أن يرث من قريبه المسلم.

السؤال: يقام في بلدنا كل يوم خميس حلقات دينية في بيوت المشايخ، يقوم صاحب الزاوية أو الشيخ الذي تقام في داره الحلقة بتعليم الناس الذين يأتون لحضور هذه الحلقة، ويقومون بمدح الرسول والصحابة والشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي وغيرهم، كما يضربون على الدفوف ويتحركون حركات هادئة تشبه الركوع ولكنها كثيرة وسريعة، ماذا تقولون في مثل هؤلاء بارك الله فيكم؟

الجواب: نقول في مثل هؤلاء: إن عملهم هذا بدعة، وربما يكون فيه مدائح تصل إلى الكفر، فإن أصحاب المدائح النبوية أحياناً يصلون بمدائحهم إلى درجةٍ يجعلون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الله سبحانه وتعالى، بل ربما يرتقون فوق ذلك، منهم من يردد قول القائل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، فهو الذي يدعى عند حلول الحادث العمم، ويلاذ به عز وجل، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجيب دعوة المضطرين، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يملك مثل ذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام يسأل ربه ويستغيثه ويستعينه، وهو أعبد الناس لربه في هذا المقام، ولهذا لما دخل الرجل إليه والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس شكا إليه قلة المطر، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء يدعو الله يقول: (اللهم أغثنا)، فهو عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك ذلك لغيره؟! إنما هو عليه الصلاة والسلام هادٍ يهدي إلى صراط الله عز وجل.

مثل هذه الأبيات التي أنشدتها لا شك أنها لم تجعل لله تعالى شيئاً؛ لأنه إذا كان من جود النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا وضرتها وهي الآخرة، فإنه لم يبقَ لله شيء! فأقول: هذا العمل الذي يعمله هؤلاء القوم عند هذا الشيخ عملٌ بدعيٌ، وقد يتضمن أشياء منكرةً نكارةً عظيمة، وقد يشتمل على أشياء تكون كفراً وشركاً أكبر، ولو أن هذا الشيخ جمعهم على العلم على تعلم كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان هذا خيراً وأفضل وأكمل حتى ينتفع وينفع.

كذلك ذكر السائل أنهم كانوا يركعون ويسجدون ويضربون الدفوف بصفةٍ خفيفة سريعة، وهذا أيضاً منكر لا يجوز لأحدٍ أن يتعبد به لله عز وجل، فإن العبادة مبناها على التوقيف وليست على الذوق ولا على الهوى، ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه ولا عن أحدٍ من سلف الأمة وأئمتها أن تعبدوا لله تعالى بمثل هذه العبادة، بل هذا منكرٌ بنفسه فضلاً على أن يكون عبادة.

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا شابٌ كنت في ضلالٍ كبير، ولكن الحمد لله الذي هداني إلى الطريق المستقيم وأنار لي طريق الحق إنه على كل شيء قدير، ولكنني بعض الأوقات عندما أكون أصلي يحاول الشيطان أن يذكرني بأيام الجاهلية، وعندما أكون في مكانٍ خالٍ مع نفسي، ماذا أصنع؟ وبماذا تنصحونني مأجورين؟

الجواب: يقول الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]، فنقول لهذا الأخ: كلما أصابك شيء من هذه الأمور التي تخاف على نفسك أن تضل وتنحرف، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

أما إذا كان تذكرك لما حدث منك في الجاهلية لتذكر نعمة الله عليك بالاستقامة التي من بها الله عليك، فإن هذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أصحابه أنهم كانوا ضلالاً فهداهم الله به، وكانوا متفرقين فجمعهم الله تعالى به، وكانوا عالةً فأغناهم الله به، فتذكر الإنسان بما كان عليه من الفسوق ومخالفة الشرع على سبيل تذكر نعمة الله سبحانه وتعالى بالهداية فهذا لا بأس به ولا حرج، أما إذا كان يتذكره ويخشى أن ينحرف بهذا التذكر ويرى من نفسه دافعاً إلى العودة إليه، فلا يتذكره لما يخشى فيه من الشر والفتنة.

السؤال: نذرت في إحدى السنوات جهلاً مني بالنذر، وحين نذرت ذلك كنت بالغة حيث قلت: عندما أنجح في هذه السنة أنذر لله بأنني سأصوم -ولا أدري إن قلت- شهرين أو ثلاثة متتالية أو غير متتالية، وظناً مني أنها كلمة فقط تقال ولا أهمية لها، فأرجو منكم يا فضيلة الشيخ أن توجهوني؟

الجواب: أولاً ما زلنا نكرر من هذا البرنامج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير )، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النذر لا يأتي بخير ولا يجلب نفعاً ولا يدفع ضرراً ولا يرد قضاءً، وما أكثر الناذرين الذين ينذرون ولا يوفون! وما أعظم عقوبة الناذرين الذين لا يوفون يقول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]!

فتأمل هذه القصة عاهدوا الله إن آتاهم من فضله أن يتصدقوا مما آتاهم وأن يصلحوا في أنفسهم؛ ولكن لما آتاهم الله من فضله بخلوا وتولوا فلم يتصدقوا ولم يصلحوا؛ فكانت العقوبة أن أعقبهم الله تعالى نفاقاً في قلوبهم إلى الممات إلى يوم يلقونه! وهذا وعيدٌ شديد يخشى الإنسان منه إذا خالف ما عاهد الله عليه.

وما أكثر الذين يقولون: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أتصدق بكذا، أو أن أصوم كذا، أو يقول: إن نجح فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا، فيعطيه الله تعالى ما نذر عليه ولا يأتي لله، فيكون قد أخلف الله ما وعده وكذب فجمع بين نقض العهد والغدر وبين الكذب والعياذ بالله.

والإنسان إذا كان الله قد قدر له الخير فإن الخير يأتيه وإن لم ينذر، وإذا قدر الله له رفع السوء فإن رفع السوء يرتفع وإن لم ينذر، فليصبر ويسأل الله تعالى ما يرجوه من الخير، وليسأل الله تعالى أن يرفع عنه ما يخافه من السوء.

هذه المرأة التي تسأل تقول: إنها نذرت إذا نجحت أن تصوم، ولا تدري ماذا قالت في عدد الصوم: هل هو شهر أو شهران أو ثلاثة؟ ثم هي لا تدري ما معنى النذر؟

فنقول: إذا كانت لا تدري ما معنى النذر ولا تدري هل النذر التزام أو غير التزام فإنه ليس عليها شيء؛ لأن الله تعالى لا يكلفها شيئاً لم تلتزم به، على أنني أستبعد أن تنذر وهي لا تدري ما معنى النذر؛ لأن كل إنسان يقصد قولاً فالغالب أنه يعرف معنى هذا القول وأنه لم يقل لغواً لا يدري ما معناه، وعليه فهي حسيبة نفسها في هذا الأمر إن كانت تلك الساعة لا تدري ما النذر: هل هو التزام، هل هو كذا، هل هو كذا، فليس عليها شيء، وإن كانت تدري أنه التزام، ولكن أشكل عليها الآن كم شهراً عينت فإنه لا يلزمها إلا أقل تقدير؛ لأن الأصل براءة ذمتها، فإذا كانت تقول: لا تدري أشهرٌ هو أم شهران أم ثلاثة، قلنا: لا يلزمها إلا شهر واحد؛ لأن هذا هو المتيقن وما عداه مشكوكٌ فيه، والأصل براءة الذمة.

وأخيراً: أنصح إخواني المستمعين أن لا ينذروا، وإذا نذروا طاعة فليوفوا بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ).

السؤال: هل يصح للمرأة قراءة القرآن قراءة صامتة، أم الواجب عليها الترتيل بالقراءة، أرشدونا إلى الطريقة الصحيحة جزاكم الله خيراً.

الجواب: الترتيل في القراءة ليس بواجبٍ لا على المرأة ولا على الرجل لكنه من آداب القراءة، ومن حسن القراءة أن يرتل الإنسان ويتدبر المعنى ويتفهمه، وله أن يقرأ قراءةً سريعة بشرط أن لا يكون فيها حذفٌ للحروف أو بعضها.

وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها فهذا على حسب حال الإنسان، إن كان إذا جهر يكون أنشط وأخشع فليجهر ما لم يؤذِ أحداً، وإن كان إذا أسر صار أخشع فليكن مسراً، وإن تساوى الأمران فهو مخير هذا بالنسبة للرجل والمرأة، لكن بشرط أن لا يؤذي أحداً، كما لو كان بالمسجد وجهر جهراً يشوش به على الناس في صلاتهم وقراءتهم فلا يجهر، وكذلك أيضاً إذا كانت المرأة حولها رجال فإنه من الأفضل أن تسر؛ لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر بصوتها عند الرجال إلا عند الحاجة.

السؤال: إذا أخطأ الإمام أثناء خطبة الجمعة في آيةٍ خطأ جليا، هل للمأموم أن يرد عليه؟

الجواب: إذا أخطأ الإمام -يعني: الخطيب- في خطبة الجمعة خطأً يغير المعنى في القرآن خاصة، فإن الواجب أن يرد عليه؛ لأنه لا يجوز أن يغير كلام الله عز وجل إلى ما يتغير به المعنى، فلا يجوز الإقرار عليه فليرد على الخطيب.

أما إذا كان خطأً في كلامه، فكذلك يرد عليه مثل لو أراد الخطيب أن يقول: هذا حرام، فقال: هذا واجب، فيجب أن ترد عليه؛ لأنه لو بقي على ما قال إنه واجب لكان في ذلك إضلال الخلق، ولا يجوز أن نقر الخطيب على كلمة تكون سبباً لإضلال الخلق.

أما الخطأ المغتفر الذي لا يتغير به المعنى فلا يجب عليه أن يرد، مثل لو رفع منصوباً، أو نصب مرفوعاً على وجهٍ لا يتغير به المعنى، فإنه لا يجب أن يرد عليه، سواءٌ كان ذلك في القرآن أو في غير القرآن.

السؤال: أولاً: أود أن أخبركم بأنني أحبكم في الله وأحب كل من ينتفع بعلمه المسلمين، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورزقكم الدرجات العليا من الجنة إن شاء الله، وأقول لكل من يساهم في هذا البرنامج جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

ثانياً: أرسل لفضيلتكم برفقة هذا الخطاب صور من كتاب (كيفية الصلاة)، وفي هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن كيفية الصلاة، حيث تناول من ضمن ذلك الحديث عن الغسل، حيث ذكر الأحوال التي يجب فيها الغسل، كما ذكر فرائض الغسل وذكر من ضمن الفرائض النية، حيث ذكر الكاتب بأنه عندما يريد الإنسان أن يغتسل عليه أن ينوي بقلبه لفرض وأن يتلفظ بالنية بأن يقول: نويت فرض الغسل، فلا مانع ويجوز منه ذلك، فهل يجوز التلفظ بالنية مع أننا نعرف بأن التلفظ بالنية بدعة؟ فهل هذا صحيح؟ وذلك موضح لديكم بالصورة المرفقة بالخطاب، وأيضاً ذكر الكاتب بأن الفرض الثاني هو تعميم الجسد بالماء؟

الجواب: هذا السؤال مطول كما استمع إليه من يستمع هذا البرنامج، وفيه تقول: إنها تحبنا في الله، فأسأل الله تعالى الذي أحبتنا فيه أن يحبها.

وفيه أيضا حينما دعت بالتوفيق ورفعة الدرجات قالت في نهاية دعائها: إن شاء الله، ولا ينبغي للإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى أن يقول: (إن شاء الله) في دعائه، بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فإن الله سبحانه وتعالى لا مكره له، وقد قال سبحانه وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فوعد بالاستجابة، فحينئذٍ لا حاجة لأن يقال: إن شاء الله، فإن الله سبحانه وتعالى إذا وفق الإنسان للدعاء فإنه يجيبه، إما بمسألته أو بأن يرد عنه شراً أو يدخرها له يوم القيامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقول أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا مكره له ).

فإن قال قائلٌ: ألم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان يقول للمريض: لا بأس طهورٌ إن شاء الله )؟ فنقول: بلى، ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء، وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاءً، فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء، وهذا التعبير يقع من كثيرٍ من الناس.

وأما ما ذكرته من أن الرجل إذا دخل مغتسله فإنه يستقبل القبلة عند الغسل فهذا ليس بصحيح، فإن جميع الذين نقلوا صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يستقبل القبلة حين اغتساله، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته إما بقوله وإما بفعله، فلما لم نجد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود سببه لو كان مشروعاً علم أنه ليس بمشروع، وهذه القاعدة تنفع الإنسان في هذا المقام وغيره، وهو أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يشرع له قول أو فعل فإنه ليس بمشروع، أي فإنه لا يشرع له قول ولا فعل، ومن ذلك النية نية العبادة، أي التلفظ بها، فإن العبادات كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعلها ولا يتلفظ بالنية لها، ولو كان هذا مشروعاً لفعله، ولو فعله لنقل إلينا، كذلك استقبال القبلة حين الغسل نقول: هذا وجد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الغسل ولم ينقل عنه أنه كان يتجه إلى القبلة حين اغتساله، ولو كان مشروعاً لفعله ولو فعله لنقل إلينا.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع