فتاوى نور على الدرب [303]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما تفسير قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]؟

الجواب: تفسير هذه الآية الكريمة: أن الله أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتلو على الناس قصة هذا الرجل، الذي آتاه الله آياته، أي: علمه أحكام شريعته وبينها له، ولكنه والعياذ بالله انسلخ منها وتركها، فتبعه الشيطان فأغواه، قال الله عز وجل: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] ، أي: ولو شئنا لرفعناه بآياتنا فجعلناه يعمل بها ويقوم بواجبها، فإذا فعل ذلك رفعه الله تعالى بها، (ولكنه) أي: هذا الذي آتاه الله الآيات ليس أهلاً لأن يرفعه الله بها؛ لأنه أخلد إلى الأرض ومال إليها، وصار أكبر همه أن ينال حظوظه من الدنيا، سواء كان يريد الجاه أو المال أو المرتبة أو غير ذلك، واتبع هواه فيما أخلد إليه، فمثله كمثل الكلب يلهث دائماً، سواء حملت عليه أم لم تحمل.

فمن هذا الرجل الذي له هذا المثل؟ قال الله تعالى: ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176] ، فهذا هو الكافر الذي آتاه الله تعالى العلم وبين له الشرع على أيدي رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولكنه أبى إلا أن يتبع هواه ويخلد إلى الأرض، فصار هذا مآله نسأل الله العافية.

السؤال: أملك قطعاً من المواشي من البقر في جمهورية مصر العربية، هل يجوز لي وأنا هنا في الجمهورية العراقية أن أخرج الزكاة المفروضة على هذه المواشي وأنا في العراق، أم أنتظر حتى رجوعي إلى بلدي مصر؟

الجواب: بل يجب عليك أن تخرج زكاتها كلما تم الحول، فتوكل من يخرجها هناك في مصر، والتوكيل في إخراج الزكاة جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة والعمال على الزكاة، فيأخذونها من أهلها ويأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه وكل علي بن أبي طالب في ذبح ما بقي من هديه في حجة الوداع.

فوكل أحداً ممن تثق به في بلدك في مصر على أن يخرج زكاة هذه المواشي، ولا يحل لك أن تؤخرها حتى ترجع؛ لأن في ذلك تأخيراً للزكاة، متضمناً لحرمان أهلها منها في وقتها، ولا تدري فلعلك لا تصل إلى مصر بعد.. لعلك تموت قبل أن تذهب إلى مصر، وحينئذٍ تتعلق الزكاة بذمتك، ولا تدري فلعل الورثة بعدك لا يؤدون ما أوجب الله عليك من هذه الزكاة فبادر يا أخي.. بادر بارك الله فيك بإخراج الزكاة ولا تتأخر.

السؤال: هل يجوز إخراج زكاة المال أو خلاف ذلك في أي شهرٍ من شهور السنة، أم يتحتم إخراج الزكاة في شهر رمضان المبارك؟

الشيخ: لا يتحتم إخراج الزكاة في رمضان، بل يخرج الإنسان زكاته إذا تم حوله -أي: حول ماله- أخرج الزكاة، ولا يجوز أن يؤخرها، اللهم إلا شيئاً يسيراً يؤخرها لينظر من هو أحوج، أو لزمان فاضلٍ غير بعيد، وأما أن يؤخرها إلى زمانٍ بعيد فإن ذلك لا يجوز، لأن الزكاة يجب إخراجها على الفور لأنها من الواجبات، والأصل في كل الواجبات أن يقوم الإنسان بها فوراً، إلا ما قام الدليل على جواز التراخي فيه.

السؤال: إن زوج ابنتي يشتغل في أعمالٍ متنوعة، وإني أعرف ومتأكدة أنه يحصل على الفلوس عن طريق الحرام، وإني لأذهب إلى بيتهم وأنا لا أذهب إلى بيتهم إلا في المناسبات عندما يكونون مرضى أو غير ذلك، وأتناول معهم بعض الأطعمة خوفاً من ابنتي من الزعل، هل في ذلك إثم علي؟

الجواب: لا إثم عليك في هذه الحال؛ لأن زوج ابنتك له مورد حلال ومورد حرام، وإذا كان للإنسان مورد حلال ومورد حرام فلا حرج على غيره أن يأكل من طعامه أو يشرب من شرابه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير اشتراه لأهله، وهذا يدل على أن من كان ماله فيه حلال وفيه حرام، فإنه لا يحرم على الإنسان أن يتناول شيئاً منه.

السؤال: جيراني لا يصلون، وهمهم الكبير التحدث عن فلان وفلان غيبة، ودائماً في شجارٍ فيما بينهم ويشتمون بعضهم البعض بأسوأ الألفاظ، سؤالي: ماذا علي أن أفعله تجاههم: هل أقاطعهم ولا أسلم عليهم، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على الوقوف إلى جانب الجار في أحاديث كثيرة؟

الجواب: لا شك أن للجار حقاً على جاره أوجبه الله عز وجل في قوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36] ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من لم يأمن جاره بوائقه ) ، أي: من لا يأمن جاره غشمه وظلمه.

فالجار له حق، فإن كان جاراً مسلماً قريباً فله ثلاثة حقوق: حق القرابة، وحق الإسلام، وحق الجوار، وإن كان جاراً مسلماً فقط فله حقان: حق الإسلام، وحق الجوار، وإن كان جارًا غير مسلم، فله حق واحد: وهو حق الجوار، وإذا كان جيرانك بهذه المثابة التي قلت، فلا حرج عليك أن تذهب إليهم، بل قد يكون من الأولى بك أن تذهب إليهم وأن تنصحهم، وأن تعينهم على ترك هذه الأمور والمشاكل حتى يستقيموا على ما ينبغي أن يكونوا عليه من الصفاء والمودة.

السؤال: أنا شاب مسلم سافرت من بلدي إلى دولة العراق بحثاً عن الرزق، ولم أكن في ذلك الوقت مسلماً كما ينبغي، بمعنى لم أكن أخشى الله حق خشيته، فعملت في شركةٍ تصنع البيرة - وهذا طبعاً فيه معصية لله عز وجل - ولكن بعد فترة من عملي فيها تقدر بشهر تعرفت على شاب مسلم، بمعنى: مسلمٍ حقاً، فصادقني وعرفني أمور ديني جيداً.

وكان لزاماً علي أن أترك هذه الشركة فوراً، لأن وجودي فيها فيه معصية لله سبحانه وتعالى، فقدمت استقالتي منها، ولكن المسئول في هذه الشركة رفض قبول الاستقالة، فحاولت أكثر من مرة دون جدوى، علماً بأني لا أستطيع العمل في مكان آخر إلا بعد موافقة الشركة على الاستقالة، ويعلم الله كم أنا أحاول بكل إخلاص أن أخرج من هذا المكان الذي يعصى الله، ولكنهم يرفضون، ويعلم الله كم أنا كاره لهذا العمل، ولذا أريد أن أعرف هل عملي فيها الآن يعتبر مضطراً، وهل أنا على وزرٍ، علماً بأنني أحاول الخروج منها بشتى الطرق، فأريد أن أعرف هل أنا في هذا ما زلت عاصياً، أم ينطبق علي: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ [البقرة:173]؟

الجواب: الذي أشير به عليك أن تبقى في هذه الشركة إذا كان في بقائك خير، بحيث تؤثر على من فيها فيقلعون عما هم عليه من بيع هذه الأمور المحرمة، فإن لم يمكن ذلك، فإن الواجب عليك تركهم والخروج منها، وذلك لأن بقاءك عندهم إقرار لما هم عليه من الباطل، وقد قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140] ، فلا يحل لك أن تبقى عند قوم يعصون الله عز وجل أمامك، لا تستطيع أن تعدلهم، ولا تستطيع أن تنصحهم، وإذا تركت هذا العمل لله فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

وأما قولك: إن هذا من باب الضرورة، وقد قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ [البقرة:173] ، فإن هذا ليس من الضرورة، لأن الضرورة معناها: أن الإنسان إذا لم يتناول المحرم هلك ومات، وما أنت عليه لا يقتضي ذلك، ولكن لا شك أنك محتاج إلى البقاء، والحاجة لا تبيح البقاء على المحرم.

السؤال: نسأل عن الناس الذين يعطون الناس العهود، مثل: الطرق الشاذلية والصوفية والرفاعية والبيومية، ويقيمون الأذكار في موالد أولياء الله الصالحين، مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي والكثير من أولياء الله الصالحين، ما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟

الجواب: الذي نرى في هذه الطرق وغيرها من الطرق والنحل والمذاهب، أنه يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منها حقاً قبل، وما كان منها باطلاً وجب رده وطرحه وعدم الاعتماد عليه والتمسك به.

وهذه الطرق التي عددها السائل تنبني على ما أشرنا إليه من وجوب عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا اشتملت هذه الطرق على دعاء الأولياء وتقديم محبتهم على محبة الله ورسوله والتعلق بهم ودعائهم، كان ذلك داخلاً في الشرك، وقد يكون شركاً أكبر مخرجاً عن الملة فلا ينتفعون بهذه الطرق، وإن نصيحتي لهم ولغيرهم أن يرجعوا في أمرهم وشئون دينهم إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن ذلك هو الخير وهو الذي ينفعهم عند الله، وأما هذه الأمور التي يتعلقون بها فإنه لا أصل لها.

السؤال: ما حكم قراءة القرآن على القبر بعد دفن الميت، وقراءة القرآن للميت في البيوت، ونسميها: رحمية للأموات، ونعطي القراء الفلوس، ما حكم الشرع أيضاً في عملنا هذا؟

الجواب: الراجح من أقوال أهل العلم: أن القراءة على القبر بعد دفنه بدعة، لأنها لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هو نفسه يفعلها، بل غاية ما ورد في ذلك أنه إذا دفن الميت وقف عليه، وقال: ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل ) ، ولو كانت القراءة عند القبر خيراً وشرعاً لأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أو فعلها حتى تعلم الأمة ذلك.

وكذلك إذا اجتمع الناس في البيوت على القراءة على روح الميت فإن هذا أيضاً لا أصل له، وما كان السلف الصالح رضي الله عنهم يفعلون هذا، والواجب على الإنسان إذا أصيب بمصيبة أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله ويقول ما قاله الصابرون: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، وأما الاجتماع عند أهل الميت وقراءة القرآن وصنع الطعام وما أشبه ذلك، فكله من البدع التي لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فالواجب الحذر منها والبعد عنها.

السؤال: أنا امرأة أبلغ من العمر ما يقارب من الخامسة والستين، وقبل عشرين عاماً قدر الله أن وضعت وعاءً كبيراً على ثلاثة من أولاد الغنم الصغار، وكان ذلك ليلاً في بردٍ شديد، وفي الصباح وجدنا هذه الغنم الصغيرة قد ماتت، يظهر أنه قد انقطع عنها الهواء، مع العلم أنني عندما وضعت عليها الوعاء الكبير أريد أن أحفظهم وأحميهم من البرد، سؤالي: هل يلزمني دفع كفارة أو نحو ذلك وهل علي إثم في هذا؟

الجواب: لا يلزمك دفع كفارة لهذه الغنيمات التي ماتت، وليس عليك إثم أيضاً في فعلك هذا، لأنك إنما فعلتيه تريدين الإحسان، وقد قال الله تعالى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91] ، ولو علمت أن ذلك يخنقهن حتى يمتن لعملت سبباً آخر، ولكن هذا هو أعلى ما تقدرينه في ذلك الوقت، فلا إثم عليك وأنتِ محسنة، والله سبحانه وتعالى يحب المحسنين.

السؤال: إنني شاب في السابعة والعشرين من العمر، عقدت قراني على فتاة قبل فترة أكثر من سنة، وأخرت موعد الزواج لظروفٍ لا مجال لذكرها، ثم ما لبثت أن ظهرت مشاكل أعاقت الزواج، وعلى إثر مكالمة هاتفية كان والدها قد قال فيها بأن كل شيء قد انتهى بيننا وبينهم، فقمت بكتابة طلاقها في ورقة وكنت في حالة عصبية نوعاً ما، وأنا الآن نادم على ما فعلت، ولم ألفظ كلمة الطلاق شفوياً حتى الآن، بل كتبت بالنص: أنت طالق يا فلانة، وأخذت الرسالة بنفسي إلى والدها، فهل هذا الطلاق صحيح ويقع أم لا؟

علماً أني كتبت طلقة واحدة فقط، وهو طلاق الغير مدخول بها، وإذا كان الطلاق يقع هل يشترط لإعادة الاقتران: أنها تتزوج بآخر ثم تتطلق، أم أن حكمها يختلف عن حكم المدخول بها؟

الجواب: هذا الطلاق الذي وقع منك وكتبته بيدك في ورقة على وجهٍ يقرأ يكون طلاقاً شرعياً، وحيث إنه قد وقع قبل الدخول فإن المرأة تبين به، بمعنى: أنها لا تحتاج إلى عدة، لقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49] ولكنه يعتبر طلقة واحدة، فلك الآن أن تراجعها وإن لم تتزوج بغيرك، ولكنك لا تراجعها إلا بعقد جديد بشروط تامة، وفي هذه الحال لابد أن تبذل المهر، وأي مهر اتفقتم عليه كان جائزاً.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع