فتاوى نور على الدرب [297]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم صيام اليوم الخامس عشر من شهر شعبان؟ وهل يجوز صيام يوم الشك تمام الشهر؟

الجواب: صيام النصف من شهر شعبان وردت أحاديث في فضله، وفي فضل قيام ليله لكنها أحاديث ضعفها أكثر أهل العلم, والأحاديث الضعيفة لا تثبت بها حجة لا سيما في المسائل العملية, وبناء على ذلك فإن تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام غير مشروع لعدم صحة الأحاديث الواردة في ذلك عند أكثر أهل العلم, ولم يثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في فضلها.

أما إذا صام الإنسان الأيام البيض من شهر شعبان، وهي: اليوم الثالث عشر، واليوم الرابع عشر، واليوم الخامس عشر فإن هذا لا بأس به؛ لأنه يسن للإنسان أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام, والأفضل أن يجعلها في هذه الأيام البيض، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله ).

وأما صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت ليلة الثلاثين مغيمة، أو فيها ما يمنع رؤية القمر، فإنه منهي عنه؛ لقول عمار بن ياسر رضي الله عنه: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ), وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ).

السؤال: لماذا خص الله سبحانه وتعالى الصيام بقوله: ( الصوم لي وأنا أجزي به

الجواب: هذا الحديث حديث قدسي رواه النبي صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له, الحسنة بعشر أمثالها, إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) وخصه الله تعالى بنفسه؛ لأن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله, فإن العبادات نوعان: نوع يكون ظاهراً لكونه قولياً أو فعلياً, ونوع يكون خفياً لكونه تركاً, فإن الترك لا يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل, فهذا الصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله عز وجل في مكان لا يطلع عليه إلا ربه, فاختص الله تعالى الصيام لنفسه لظهور الإخلاص التام فيه بما أشرنا إليه.

وقد اختلف العلماء في معنى هذه الإضافة, فقال بعضهم: إن معناها تشريف الصوم وبيان فضله, وأنه ليس فيه مقاصة, أي: أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحداً فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة، إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به لنفسه, فيتحمل الله عن الظالم ما بقي من مظلمته, ويبقى ثواب الصوم خالصاً له.

السؤال: كيف نوفق بين قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] والآية الأخرى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]يقول: وهل الرواية التي عن ابن عباس رضي الله عنه في قراءة: (وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين) واردة؟

الجواب: نوفق بين الآيتين اللتين أشار إليهما السائل؛ وهي قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، وبين قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] بأن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية, كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن الصيام أول ما فرض كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم أو يفدي, ثم أنزل الله تعالى الصيام عيناً, وبقي الفداء لمن لا يستطيع الصيام على وجه مستمر, فإن العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه يكون عليه بدلاً عن الصوم فدية طعام مسكين.

وأما ما أشار إليه السائل من قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين) فهذه لا أعلمها عن ابن عباس ولكنه قول لبعض المتأخرين, وتفسير الآية به تفسير ضعيف جداً؛ لأنه يقتضي تفسير الشيء المثبت بشيء منفي, وهذا ضد التفسير تماماً, وإنما جاء عن ابن عباس في الآية الكريمة: (وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين) أي: يبلغون طاقتهم فيشق عليهم.

ولكن الصحيح في الآية ما أشرنا إليه أولاً لصحة الحديث به, وهو أنه كان الصوم حين فرض أولاً يخير فيه الإنسان بين أن يفدي أو أن يصوم؛ ويدل لذلك قوله تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] وهذا دليل على أن الآية نزلت فيمن يستطيع الصوم فيخير بين أن يصوم ويفدي ثم تعين الصيام بعد ذلك.

خلاصة لما سبق يكون في الآية الكريمة ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أنها فيمن يطيقون الصوم فلهم أن يصوموا ويفدوا, ولكن الصوم خير لهم, وهذا القول, وهذا الوجه هو الصواب لدلالة الحديث الصحيح عليه.

والوجه الثاني: أن معنى الآية: (وعلى الذين يطوِّقونه) أي: يبلغوا طاقتهم ويشق عليهم, وهذا الوجه مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

والوجه الثالث: أن معنى الآية: (وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين) وهذا الوجه قاله بعض المتأخرين, وهو وجه ضعيف لا يتناسب وتفسير القرآن, والوجه الأول هو الصحيح لثبوت الحديث به.

السؤال: يقول: أصيبت والدتي بمرض في الكبد وهو مرض الاستسقاء أو تليف جزء من الكبد, وقد قال الطبيب المعالج لها وهو طبيب مسلم: إن الصيام قد يكون ضرراً عليها, وقد يسبب زيادة المرض ألماً أيضاً, ونصحت بعدم الصيام, فما حكم الشرع في نظركم في هذه الحالة؟ وهل علينا أن نسمع كلام الطبيب؟ ثم إذا أفطرت الوالدة هل نطعم عنها عن كل يوم مسكين؟ وما صفة الإطعام؟ وإذا منّ الله عليها بالشفاء في المستقبل بإذن الله تعالى هل عليها إعادة الصيام؟

الجواب: الذي يظهر لي من هذا المرض أنه مرض يستمر مع الإنسان وقد يشفيه الله عز وجل منه, فإذا قرر الطبيب المسلم أن الصوم يضر بهذا المريض، إما بطول المرض، وإما بشدة الألم فإن له الفطر بذلك, ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لكون المرض من الأمراض المستمرة.

وكيفية الإطعام أن يدفع شيئاً من الرز أو نحوه من الطعام الذي يعتبر من أوسط الأطعمة لدى الناس، فيدفع من الرز ستة آصع يوزعها على الفقراء بعدد أيام الشهر, ولا فرق بين أن يكون الفقراء في بيت واحد أو في بيوت متفرقة, وفي هذه الحال يحسن أن يجعل معها لحماً بقدر ما يؤدمها, وإن شاء صنع طعاماً في آخر الشهر ودعا إليه بعدد أيام الشهر مساكين يأكلونه كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل ذلك حين كبر.

وقول السائل: إذا شفاها الله بعد ذلك فهل تصوم؟ نقول: لا, لا يجب عليها أن تصوم؛ لأنها قد برئت ذمتها بالإطعام, ونظير هذه المسألة ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في الرجل العاجز عن الحج إذا كان عجزه مستمراً وكان لم يحج من قبل فاستناب من يحج عنه, ثم بعد أن حج عنه شفاه الله فإنه يجزئه الحج السابق, ولا يلزمه إعادته.

السؤال: هل وردت أحاديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تحث على الاعتكاف في رمضان؟ وهل هناك شروط معينة للمعتكف؟

الجواب: نعم وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الترغيب في الاعتكاف في رمضان, وقد أشار الله تعالى إلى الاعتكاف في كتابه حيث قال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] والاعتكاف هو أن يلزم الإنسان مسجداً من المساجد لإقامة طاعة الله عز وجل, فيشتغل بقراءة القرآن وذكر الله والصلاة وغير ذلك, وليس الاعتكاف كما يفعله بعض الناس يبقى في المسجد, ويأتي إليه أصحابه فيشغلونه دائماً بالكلام اللغو الذي لا فائدة منه, وربما يكون كلاماً محرماً يشتمل على الغيبة, فإن الأصل في الاعتكاف أن يكون الإنسان منقطعاً عن الناس في بيتٍ من بيوت الله لطاعة الله عز وجل, لكن لا حرج أن يتحدث إلى بعض أصحابه أو إلى أحد من أهله حديثاً غير طويل، ولا مشغلاً عما اعتكف من أجله, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان طلباً لليلة القدر, واعتكف أزواجه من بعده, وهذا دليل على أن هذه السنة باقية لم تنسخ.

ومن أهم شروط الاعتكاف أن يبقى الإنسان في المسجد فلا يخرج منه إلا لحاجة لا بد منها, وقد قسم أهل العلم خروج المعكتف إلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز له بدون شرط. وقسم يجوز له بشرط، وقسم لا يجوز له بشرط ولا بغير شرط.

أما الذي يجوز له بدون شرط, فهو أن يخرج الإنسان بما لا بد منه, مثل أن يخرج لقضاء الحاجة؛ حاجة البول أو الغائط إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته, أو أن يخرج للطعام أو الشراب إذا لم يكن له أحد يأتيه بهما.

وأما ما يجوز بشرط فمثل أن يشترط إن مات قريبه المريض فإنه يشيع جنازته, أو يشترط أن يعود مريضاً، أو نحو ذلك مما يخرج إليه وهو في طاعة الله عز وجل؛ لأن هذه عبادة لا تنافي الاعتكاف, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ضباعة بنت الزبير وقد أرادت الحج وهي مريضة, قال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( حجي واشترطي, فإن لك على ربك ما استثنيتي ).

وأما القسم الثالث: وهو الخروج الذي لا يجوز بشرط ولا بغير شرط, فهو أن يخرج الإنسان لأمر ينافي الاعتكاف, مثل أن يخرج للبيع والشراء أو يخرج للتمتع بأهله أو ما أشبه ذلك من الأمور المنافية للاعتكاف, فهذه لا يجوز الخروج لها بشرط ولا بغير شرط.

السؤال: مريم العذراء هل عندما حملت كان حملها كالحمل العادي تسعة أشهر أم ماذا؟

الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن مثل هذه الأسئلة التي قد يكون الجواب عليها عديم الفائدة لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بها, فالإنسان لديه مسؤوليات لله عز وجل ولعباد الله, لديه مسؤوليات لله تعالى عقيدة وقولاً وعملاً, فعليه أن يهتم بذلك دون مثل هذه الأمور التي هي من فضول العلم, فلا ينبغي للإنسان أن يتشاغل بما ليس له فيه فائدة, ويدع ما له فيه فائدة, لا ينبغي أن يسأل عن لون كلب أصحاب الكهف, ولا ينبغي أن يسأل عن اسم الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه, ولا ينبغي أن يسأل عن قومية الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف, ولا ينبغي أن يسأل عن البعض الذي أمر الله سبحانه وتعالى أن يضرب به القتيل من بني إسرائيل, وما أشبه ذلك من الأمور التي الجهل بها لا يضر, ولو كان العلم بها نافعاً لبينه الله عز وجل لعباده.

ومن ضمن ذلك هذا السؤال الذي أورده السائل: هل كان حمل مريم رضي الله عنها الحمل المعتاد عند النساء أم كان له صفة أخرى؟ نقول: من المعلوم أن الذي يهمنا من ذلك أن حملها رضي الله عنها لم يكن بواسطة رجل كغيرها من النساء, وإنما بين الله تعالى ذلك مفصلاً في سورة مريم ، فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً فَحَمَلَتْهُ [مريم:16-21] وقد بين الله عز وجل في آية أخرى أن ذلك بواسطة نفخه من روحه، فقال عز وجل: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:91] وحملت بالولد وذكر الله تعالى آخر القصة, فالذي يهمنا كيف نشأ هذا الحمل, أما كم بقي في بطنها هل كانت مدة كثيرة أو قليلة؟ فإن هذا لا يعنينا, ولذلك لم يبينه الله تعالى لنا في كتابه لنا.

السؤال: يسأل عن قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]؟

الجواب: معنى هذه الآية أن الله تعالى أباح لنا أن نأكل ونشرب كل الليل, حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, والخيط الأبيض هو بياض النهار, والخيط الأسود هو سواد الليل, أي: أن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل ونشرب حتى نرى الفجر بأعيننا, فإذا رأيناه متبيناً ظاهراً وجب علينا الإمساك حينئذ من ذلك الوقت إلى الليل, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في قوله: ( إذا أقبل الليل من هاهنا, وأدبر النهار من هاهنا, وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) هذا هو معنى الآية الكريمة.

وقد ثبت في الحديث الصحيح حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه فهم الآية على أن المراد بالخيط الأبيض الحبل الأبيض, وبالخيط الأسود الحبل الأسود, فجعل رضي الله عنه عقالين تحت وسادته, وجعل يأكل ويشرب, فلما تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود أمسك, فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل ).

السؤال: عند الوضوء وأثناء الصيام إذا دخل الماء أثناء التمضمض هل يعني ذلك أنني أفطرت؟ وكيف يتم التمضمض في هذه الحالة؟

الجواب: يتم التمضمض للصائم كما يتم لغيره, بمعنى أنه يدخل الماء في فمه ويمره عليه ثم يلفظه, وفي هذه الحال لو أن الصائم دخل إلى جوفه شيء من هذا الماء بغير قصده لم يفطر بذلك؛ لأن شروط الفطر بالمفطرات ثلاثة:

الأول: أن يكون الإنسان عالماً.

والثاني. أن يكون ذاكراً.

والثالث: أن يكون مختاراً قاصداً.

فأما العلم فإن ضده الجهل, فلو تناول الإنسان شيئاً من المفطرات جاهلاً أنه يفطر, أو جاهلاً أنه في النهار, ثم تبين له بعد ذلك, فإن صومه صحيح, مثل أن يحتجم الإنسان وهو لا يعلم أن الحجامة مفطرة للصائم, فإنه في هذه الحال لا يفسد صومه؛ لأنه جاهل, ومثل أن يأكل الإنسان ويشرب وهو يظن أن الفجر لم يطلع, ثم يتبين له أن الفجر قد طلع, فإنه لا قضاء عليه, ومثل أن يكون في مكان لا يسمع فيه النداء والسماء مغيمة, فيظن أن الشمس قد غربت فيفطر, ثم يتبين له بعد ذلك أن الشمس لم تغرب فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه جاهل.

وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ( أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم, ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ) ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به, ولو أمرهم به لنقل, لأنه إذا أمر به صار من شريعة الله, وشريعة الله تعالى لا بد أن تحفظ وتنقل إلى عباد الله.

وأما قولنا: إنه يشترط لفساد الصوم بالمفطرات أن يكون الصائم ذاكراً, فإن الذكر ضده النسيان, فلو أكل الإنسان أو شرب وهو صائم ناسياً فإن صومه صحيح؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه, فإنما أطعمه الله وسقاه ).

وأما اشتراط أن يكون الصائم مختاراً قاصداً فلأن غير المختار القاصد لا إثم عليه, وإذا انتفى الإثم انتفى حكم الفعل, ودليل ذلك قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل:106] فإذا انتفى حكم الكفر وهو أعظم الذنوب بالإكراه فما دونه من باب أولى؛ وذلك لأن المكره غير قاصد للشيء, فإذا حصل المفطر للإنسان بدون قصد منه مثل أن يتمضمض فينزل الماء إلى جوفه فلا قضاء عليه؛ لأنه بغير اختياره.