فتاوى نور على الدرب [278]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الضيافة عند رجل ماله مختلط حرام مع حلال, حيث إنه يعمل في محل بيع الدخان -مثلاً-: وأشياء محرمة, وبعض الأشياء الأخرى الحلال كبيع كتب وكراسات وأقلام وغير ذلك, ما حكم عمله في ذلك, حيث إن هذا الرجل يهدي إليّ بعض الأشياء؟ هل أقبلها أم أرفضها؟

الجواب: حكم عمل هذا الرجل في هذا المحل جائز, ولكن بشرط: أن يبتعد عن المعاملات المحرمة كالربا وبيع الدخان وغيره مما حرم الله عليه؛ ليكون كسبه طيباً حلالاً, وأما بالنسبة لهداياه إليك ونزولك عليه ضيفاً فإن هذا لا بأس به ولا حرج عليك في ذلك, فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل الهدية من المرأة اليهودية, حينما أهدت إليه شاة في غزوة خيبر, وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة يهودي دعاه في المدينة على خبز شعير وإهالة سنخة, وعامل اليهود بيعاً وشراء, حتى إنه عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير اشتراه لأهله, وهذا يدل على جواز معاملة من اختلط ماله بحرام؛ لأن اليهود كما وصفهم الله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42].

السؤال: هل يجوز الأكل مع تارك الصلاة؟ وإذا كانت الإجابة: لا, ماذا نعمل مع من تجمعنا معه ظروف وأوقات مثل: الأفراح، والسراء والضراء, والجار, والصديق والذي يحضر لك أكله, عندما يأتي الضيوف والإخوان؟

الجواب: إن تارك الصلاة تركاً مطلقاً, لا يصليها في بيته ولا في المساجد كافر كفراً مخرجاً عن الملة, كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والمعنى والاعتبار.

أما الدلالة من كتاب الله تعالى على كفر تارك الصلاة, ففي قوله تعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] فجعل الله ثبوت الأخوة في الدين مشروطاً بهذه الأمور الثلاثة: التوبة من الشرك, وإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, وإذا كانت الأخوة في الدين لا تثبت إلا بهذه الأمور الثلاثة, فإن فقدها أو فقد واحداً منها, يخرج الإنسان من الأخوة في الدين, ولا يخرج الإنسان من الأخوة في الدين إلا الكفر, وإلا فإن المؤمنين إخوة, وإن جرى منهم معاص, بل وإن حصل منهم الكبائر ما عدا الكفر, فإذا تاب المشركون من الشرك ولم يقيموا الصلاة, فليسوا إخوة لنا في الدين, وإن أقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين, وإذا لم يكونوا إخوة لنا في الدين فهم كفار, وهذا دلالته واضحة من الآية الكريمة, إلا إن منع الزكاة بخلاً وتهاوناً, فقد دلت السنة على أنه ليس بكفر, وذلك فيما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها, إلا إذا كان يوم القيامة, صفحت له صفائح من نار, وأحمي عليها في نار جهنم, فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره, كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, حتى يقضى بين العباد, ثم يرى سبيله إما إلى الجنة, وإما إلى النار )، وكون هذا الذي لا يؤدي حقها يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة, دليل على أنه ليس بكافر, إذ أن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة.

ومن أدلة القرآن أيضاً قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم:59-60].

ووجه الدلالة: أن الله قال: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ), وهذا يدل على أنهم كانوا غير مؤمنين حين إضاعتهم للصلاة.

وأما الدلالة من السنة فمنها: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن من حديث بريدة : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فاصلاً بين الكفر والإيمان, وبين المسلمين والكفار, والفاصل بين شيئين يستلزم أن يكون كل واحد منهما سوى الآخر.

وأما الآثار عن الصحابة, فمنها ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة, وقد نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة, ونقل إجماعهم أيضاً إسحاق بن راهويه الإمام المشهور ونقله غيره أيضاً.

وأما المعنى فإنه لا شك في كفر تارك الصلاة، وأن كل مؤمن بما جاء في الصلاة, من العناية, والرعاية, والحث عليها, وتخصيصها بخصائص لا توجد في غيرها من العبادات, لا يمكنه مع هذا أن يدع الصلاة وفي قلبه شيء من الإيمان, فالتلازم بين الإيمان القلبي وبين فعل الصلاة أمر ظاهر, ولا يعرفه إلا أرباب القلوب, وبهذه الأدلة الأربعة: الكتاب, والسنة, وأقوال الصحابة, والمعنى, يتبين أن القول الراجح في تارك الصلاة: أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة, وأنه يجب أن يستتاب, فإن تاب ورجع إلى الإسلام بالصلاة, وإلا قتل كافراً مرتداً, لا يغسل ولا يكفن, ولا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين, والله يعلم أنني قد بحثت كثيراً في هذه المسألة, ونظرت في أدلة القائلين بأن تارك الصلاة لا يكفر, فلم أر لهم دليلاً يمكن أن يعارض الأدلة التي ذكرناها في كفر تارك الصلاة, وكل الأدلة التي استدلوا بها لا تعدو واحداً من أربعة أمور: فإما أن لا يكون فيها دليل أصلاً, وإما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من لم يصل, كما في حديث حذيفة فإن هؤلاء القوم الذين كفتهم كلمة لا إله إلا الله, أدركوا الإسلام وهم لا يعلمون عنها شيئاً, وإما أن تكون مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة, كحديث عتبان بن مالك : ( إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، وإما أن تكون عامة, مخصصة بأدلة كفر تارك الصلاة, وأما أن يوجد نص بأن تارك الصلاة لا يكفر, أو أن تارك الصلاة يدخل الجنة, أو أن تارك الصلاة مؤمن, أو ما أشبه ذلك, فإن هذا متعذر, ولو وجد نحو هذا الدليل, لطلب الجمع بينه وبين الأدلة التي تدل على كفره أو الترجيح, لكن هذا النوع من الأدلة لم يوجد أبداً, ولا يمكن أن تحمل أدلة كفر تارك الصلاة على من تركها جحوداً؛ لأننا لو حملناها على ذلك لألغينا الوصف الذي اعتبره الشرع -وهو الترك- وأتينا بوصف جديد من عندنا -وهو الجحود- فيكون في ذلك جناية على النص من وجهين:

أحدهما: إلغاء ما اعتبره الشرع.

والثاني: اعتبار وصف لم يعتبره الشارع.

ثم إن الجحود مكفر وحده, وإن لم يحصل معه ترك, ولهذا لو أن أحداً من الناس حافظ على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة وهو يعتقد أنها ليست مفروضة بل هي تطوع وللإنسان الخيرة في تركها, لو أن أحداً كان على هذه الحال لكان كافراً وإن لم يترك الصلاة, فدل ذلك على أن تقييد هذه النصوص بمن ترك الصلاة جاحداً لوجوبها, تقييد لا وجه له, ونحن حين نكفر تارك الصلاة بمقتضى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم, لم نعدو ما يلزمنا نحو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الحكم بالتكفير وعدمه راجع إلى الشرع, كما أن الحكم بالحل والحرمة والإيجاب والاستحباب في الأحكام الشرعية راجع إلى الشرع أيضاً, فكذلك الحكم بالتكفير, فإذا دلت النصوص على كفر أحد من الناس بعمل من الأعمال أو بترك عمل من الأعمال فليس لنا إلا التسليم بما دل له النص؛ لأن الكل عبيد لله عز وجل, وهو الذي يحكم بينهم وفيهم بما تقضيه حكمته، قال الله عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال تعالى: أَلا لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام:62]، وقال: لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه ليس للعباد أن يخرجوا عن ما تقتضيه أدلة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الحكم بما دلت عليه متعين, سواء كان ذلك بما يستنكره الناس ويستغربونه, أو لأمر لا يستنكرونه بل يألفونه.

السؤال: ما العمل إذا نزلنا ببلاد الكفار والهندوس والمجوس؟ هل نأكل من مطاعمهم؟ أو كيف نعمل؟ وهل علينا إثم في ذلك؟

الجواب: أما الطعام الذي لا يحتاج إلى تذكية كالخبز والرز ونحوه فهذا يؤكل من طعامهم ولا يسأل عنه, وكذلك الحوت؛ لأن الحوت لا يشترط فيه التذكية, وأما ما يحتاج إلى تذكية كاللحم, فإن كان هؤلاء الذين قدموا لنا ذلك الطعام من أهل الكتاب -وهم اليهود والنصارى- فإنه يحل لنا أن نأكل ما ذبحوه؛ لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (طعامهم: ذبائحهم), وكما أن هذا مقتضى كتاب الله, فهو ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً, فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم من شاة أهدتها له يهودية في خيبر حين فتحها, وكذلك أكل من طعام اليهودي الذي دعاه إلى خبز شعير وإهالة سنخة, وكذلك أقر عبد الله بن مغفل على أخذ الجراد من الشحم الذي رمي به حين فتح خيبر, فقد دل كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والإقرارية, بل لقد دل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية والإقرارية على حل ذبائح أهل الكتاب, ولا ينبغي لنا أن نسأل كيف ذبحوها؟ ولا هل سموا الله عليها أم لا؟ لأن الأصل في الفعل الذي فعله من هو أهل لفعله, الأصل فيه السلامة وعدم المنع, وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ( أن قوماً جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم, لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا ). أي: سموا على أكلكم, ولا تبحثوا عن فعل غيركم, قالت عائشة : وكانوا حديثي عهد بكفر, فإذا كان النبي صلى الله عليه أرشد إلى عدم السؤال لهؤلاء القوم الذين كانوا حديثي عهد بكفر, والغالب عليهم أن تخفى عليهم مثل هذه المسألة كان في ذلك دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلف وأن يتعمق, وأن الذي ينبغي له أن يأخذ الأمور على ظاهرها بدون إشقاق ولا إعنات على نفسه.

أما إذا كان هؤلاء الذين يقدمون لكم الطعام من غير أهل الكتاب, وفيه شيء مما لا يحل إلا بالتذكية, فإنه لا يحل لكم أن تأكلوا منه؛ لأن ذبائح غير اليهود والنصارى محرمة لا تحل؛ لقوله: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، فإن مفهوم هذا القيد: أُوتُوا الْكِتَابَ [البقرة:101] يدل على أن غيرهم من غير المسلمين لا تحل ذبائحهم, وهو محل إجماع بين أهل العلم.

السؤال: في يوم من الأيام ذهبت إلى منزل عمي, وقد حصل بيننا خلاف, ثم حلفت ألا أدخل بيته مرة ثانية, ثم بعد أيام (شاءت الظروف) ودخلت البيت, فماذا يجب عليّ في مثل هذه الحالة؟

الجواب: قبل أن أذكر الإجابة على سؤاله, أحب أن أنبهه وغيره على أن قوله: شاءت الظروف كلمة منكرة, فإن الظروف هي الأزمنة، والأزمنة لا تشاء وليس لها من الأمر شيء, بل الأزمنة أوقات مخلوقة لله, مدبرة بأمره, مسخرة بإذنه تبارك وتعالى, والمشيئة إنما هي لله تعالى, ثم للإنسان الفاعل باختياره, والواجب على المؤمن أن يتجنب مثل هذه الكلمات, وأن لا يتكلم بكلمة إلا وهو يعلم معناها, وهل هي خير أو شر وهل هي حق أو باطل, حتى يكون متزناً في تصرفه القولي والفعلي, والمهم أن التعبير بمثل هذه العبارة: شاءت الظروف أو شاءت الأقدار أو ما أشبه ذلك لا يجوز؛ فعلى المرء أن يكف عنه.

وأما الإجابة عن سؤاله الذي أراد الإجابة عنه, فإننا نقول له: إن عدم دخوله بيت عمه من قطيعة الرحم, وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب, والخير أن يدخل بيت عمه, وأن يكفر عن يمينه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن سمرة : ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير )؛ وعلى هذا فليدخل السائل على عمه, وليكفر عن يمينه؛ فيطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة, فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعةٍ.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها من غير إذن زوجها؟ ثم هل يجوز لها أن تخرج من غير حجاب حتى وإن كان لبيت أبيها؟ ثم أيضاً هل يجوز لزوج أختها أن ينظر إليها وهي من غير حجاب؟ وفي يوم من الأيام اطلعنا على هذه الأشياء, ومنعناها من الذهاب إلى بيت أبيها أو منزل أختها, ثم قالت لنا: إن هؤلاء من الأرحام, فأفيدونا بارك الله فيكم من هم الأرحام؟ ومن هم الذين لا يجوز الذهاب إليهم؟

الجواب: أما خروج المرأة من بيت زوجها, فإنه لا يجوز إلا بإذنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه )؛ فإذا منع النبي عليه الصلاة والسلام من الصيام وهو طاعة وقربة, فإن منعها من الخروج من منزله بلا إذنه أولى, والإذن قد يكون لفظياً بأن يأذن الرجل لزوجته لفظاً فيقول: إذا شئت إن تزوري أهلك فلا حرج, وقد تكون عرفية بحيث يدل العرف على الإذن بها, كما لو كان من عادة هؤلاء القوم أن تخرج المرأة لقضاء الحوائج كشراء الخبز ونحوه, فهذا إذن عرفي.

وأما كون المرأة تخرج بغير حجاب فإن هذا حرام أيضاً, والواجب على المرأة إذا خرجت إلى السوق أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا كاشفة لوجهها؛ لأن ذلك من الفتن العظيمة, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منع المرأة من حضور المسجد إذا كانت متطيبة, فقال صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء ) وإظهار المرأة وجهها في الأسواق من أعظم الفتن, ومن أعظم المصائب التي حلت في مجتمعات بعض المسلمين, فإن هذه الفتنة العظيمة لم تقتصر على إخراج الوجه فقط, بل صار النساء يخرجن الرءوس والرقاب والنحور والأذرع ولا يبالين بذلك, حتى اتسع الخرق على الراقع, وصار ضبط النساء متعذراً أو متعسراً غاية العسر.

وأما كشف المرأة لزوج أختها أو لغيره من الرجال الأجانب غير المحارم, فإنه حرام ولا صلة بينها وبين زوج أختها بخلاف أم الزوجة, فإن أم الزوجة محرم لزوج ابنتها, فيجوز لها أن تكشف له.

والمحارم هم: كل من تحرم عليه المرأة تحريماً مؤبداً؛ لقرابة أو رضاع أو مصاهرة؛ فأما المحرمات بالقرابة فهنّ سبع ذكرهن الله تعالى في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23]، وأما المحرمات بالرضاع فقد قال الله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، فالأم من الرضاعة, والبنت, والأخت, والعمة, والخالة, وبنات الأخ, وبنات الأخت, كلهن محارم؛ لأنهنّ يحرمنّ من النسب وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، وأما المحرمات من المصاهرة, فهن أربع: زوجات الآباء وإن علوا, وزوجات الأبناء وإن نزلوا, وأم الزوجة وإن علت, وبنتها وإن نزلت, قال الله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، وقال الله تعالى في جملة المحرمات: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، فهؤلاء الأربع محرمات بالصهر, ويحرمن بمجرد العقد إلا بنات الزوجة -وإن نزلنّ- فلا يحرمن إلا إذا جامع أمهاتهنّ, لقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].

فهؤلاء سبع من النسب, وسبع من الرضاع, وأربع من الصهر كلهنّ محارم؛ لأنهنّ محرمات إلى الأبد, لنسب ورضاع ومصاهرة.