خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [266]
الحلقة مفرغة
السؤال: قال الله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، من هم حاضرو المسجد الحرام، هل هم أهل مكة أم أهل الحرم، وما رأيكم من قال: إن للمسلم أن يتمتع ويقرن بدون أهله؟
الجواب: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع، فقال: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، وحاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة، ومن كان دون مسافة القصر على اختلاف العلماء في تحديدها، فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي، مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة، مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام، فإنه لا هدي عليه هنا، لأنه من حاضري المسجد الحرام، ولو أن أحداً فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده، وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا، ويمكن أن يقرنوا، ولكن لا هدي عليهم، فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفاً، أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرماً بعمرة ناوياً أن يحج من سنته ثم يحج، فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، ومثال القران: أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة، ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما، فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام.
السؤال: بالنسبة للقارن هل يكفيه عمل الحج فيطوف طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً للحج والعمرة، مثل المفرد أم أنه لا بد من طوافين وسعيين؟
الجواب: الصحيح أنه -أي: القارن- ليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه -أي: القارن- أول ما يقدم إلى مكة يطوف طواف القدوم، ثم يسعى بين الصفا والمروة للحج والعمرة، ويبقى على إحرامه، فإذا كان يوم العيد ورمى جمرة العقبة ونحر وحلق نزل إلى مكة فطاف طواف الإفاضة بنيته للعمرة والحج، فإذا أراد أن يسافر إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يطوف طوافان وسعيان، لأن العمرة في هذه الصورة دخلت في الحج، فهي كما لو نوى الجنب الغسل فإنه يكفيه عن الغسل وعن الوضوء.
السؤال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ )، ما معنى هذا؟
الجواب: معنى هذا: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن المنازل، وقال: هنّ لهنّ )، أي: هذه المواقيت لأهل هذه البلاد، ( ولمن مر عليهنّ )، أي: على هذه المواقيت من غير أهلهنّ، فأهل المدينة يحرمون من ذي الحليفة إذا أرادوا الحج أو العمرة، وإذا مر أحدهم من أهل نجد عن طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، لأنه مر بالميقات، وكذلك إذا مر أحد من أهل الشام عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة لأنه مر بها، وكذلك لو أن أحداً من أهل المدينة جاء من قبل نجد ومر بقرن المنازل فإنه يحرم منها، هذا معنى قوله: ( ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ )، ومن تأمل هذه المواقيت تبين له فيها فائدتان:
الفائدة الأولى: رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، حيث جعل لكل ناحية ميقاتاً عن طريقهم، حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد.
والفائدة الثانية: أن تعيين هذه المواقيت من قبل أن تفتح هذه البلاد فيه آية للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث إن ذلك يستلزم أن هذه البلاد ستفتح، وأنه سيقدم منها قوم يؤمون هذا البيت للحج والعمرة، ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة:
وتوقيتها من معجزات نبينا بتعيينها من قبل فتح معدد
فصلوات الله وسلامه عليه.
السؤال: ما رأيكم فيمن كان طريقه لا تمر بشيء من هذه المواقيت، وإذا أحرم الحاج قبل الميقات ما حكم ذلك؟
الجواب: إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذاء الميقات الأقرب إليه، فإذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل، فينظر أيهما أقرب إليه، فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته، ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق، وقالوا: يا أمير المؤمنين! إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقنا، يعني: فيها ميول وبعد عن طريقنا؟ فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم، فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرمون، هكذا جاء في صحيح البخاري ، وفي حكم عمر رضي الله عنه هذا فائدة جليلة، وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج والعمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو عن يسارها، يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت، ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة، كما يفعله كثير من الناس، فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، فعلى الإنسان الناصح لنفسه إذا كان جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة، فإذا حاذت أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم، أي: أن ينوي الدخول في النسك، ولا يحل له أن يؤخر ذلك حتى يهبط في مطار جدة.
السؤال: ما حكم الشرع في نظركم فيمن يبيع ويشتري ويتكسب وهو يؤدي الحج والعمرة؟
الجواب: جواب هذا السؤال بينه الله عز وجل في قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، فإذا كان الإنسان قد أتى بنية الحج، ولكنه حمل معه سلعة يبيعها في الموسم، أو اشترى سلعة من الموسم لأهله أو ليبيعها في بلده، فإن هذا لا بأس به ما دام القصد الأول هو الحج أو العمرة، وهو من توسيع الله عز وجل على عباده، حيث لم ينعتهم جل وعلا بمنعهم من الاتجار والتكسب، ومثل ذلك إذا كان الإنسان صاحب سيارة وأراد أن يحج ثم حمل عليها أناساً بالأجرة، فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه، لدخوله في عموم قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198].
السؤال: كيف كان الاستقبال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة، ومن هم الذين كانوا بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: كان استقبال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم إلى المدينة مهاجراً من مكة استقبالاً عظيماً يدل على فرح الصحابة رضي الله عنهم بمقدمه، وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا لما علموا بخروجه من مكة كانوا يخرجون إلى الحرة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام خرجوا ينتظرونه حتى ضربهم حر الشمس ثم رجعوا، وإذا رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة ينظر إلى حاجة له، فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنادى بأعلى صوته أيها العرب هذا جدكم الذي تنتظرون، أي: هذا حظكم، فخرج المسلمون يستقبلون النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل المدينة فرحوا به فرحاً عظيماً، وأما أصحابه فكان الذي معه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي أشار الله تعالى إلى صحبته في كتابه، حيث قال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وكان معهما رجل يقال له: عبد الله بن أريقط يدلهما الطريق.
السؤال: ما هي الأدعية الواردة في يوم عرفة؟
الجواب: الأدعية الواردة في يوم عرفة منها ذكر الله عز وجل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )، وفيه أدعية أخرى يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث وأهل الفقه، ولكن المهم أن يكون الإنسان حين الدعاء والذكر حاضر القلب، مستحضراً عجزه وفقره إلى الله تبارك وتعالى، محسن الظن بالله، فإن الله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وينبغي أن يكون في حال دعائه مستقبلاً القبلة، ولو كان الجبل خلف ظهره، وأن يكون رافعاً يديه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف عند الصخرات، وقال: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف )، ولا ينبغي للإنسان أن يتعب نفسه في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، مع شدة الحر وبعد المسافة واختلاف الأماكن، فربما يلحقه العطش والتعب، وربما يضيع عن مكانه، فيحصل في ذلك عليه ضرر، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: ( عرفة كلها موقف )، وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا القول إلى أنه ينبغي للإنسان أن يقف في مكانه، إذا كان يحصل عليه التعب والمشقة في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال: ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن أو العاشر خطأ، هل يجزئهم وما معنى: ( الحج عرفة )؟
الجواب: نعم، لو وقف الحجاج في اليوم الثامن أو في اليوم التاسع خطأ، فإن ذلك يجزئهم، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5].
وأما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة )، فمعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج، المبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج، وأن من لم يقف بعرفة فلا حج له، ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج.
السؤال: ما حكم من أدى العمرة فقط ولم يؤد فريضة الحج؟
الجواب: حكمه أن أداءه للعمرة واقع موقعه، وقد برئت ذمته من العمرة، وأدى الواجب عليه فيها، ولكن بقيت عليه فريضة الحج التي هي فرض بالنص والإجماع، فعليه إذا أدرك وقت الحج أن يحج البيت إذا كان مستطيعاً، لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وأما ظن بعض الناس أن من أتى بالعمرة قبل الحج فإنه لا عمرة له، فهذا لا أصل له، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد هجرته قبل أن يحج.
السؤال: سمعت من إمام الجمعة بأنه يقول: حرام على المسلم أن يصلي صلاة الجمعة في بيته، وأنا في بعض الأحيان أصلي الجمعة في البيت وبقية الفروض فهل صلاتي صحيحة أم لا؟
الجواب: لا يحل للإنسان أن يصلي الجمعة في بيته، بل الواجب عليه حضور المسجد مع الجماعة، فإن كان لا يستطيع فإنه يصلي في بيته صلاة الظهر، لأن الجمعة لا بد فيها من حضور الجماعة في المسجد، ولا بد فيها من الخطبة، ولا يمكن أن يصلي الإنسان وحده في بيته صلاة الجمعة، وأما بقية الصلوات فإنه يجب عليه أيضاً أن يحضر الجماعة في المساجد، إلا أن يكون معذوراً بعجز أو نحوه فإنه يصلي في بيته.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |