فتاوى نور على الدرب [224]


الحلقة مفرغة

السؤال: سألت أحد العلماء عن مدى جواز تخصيص زوجتي بنصيب من تركتي، فقال لي: إن كنت تريد ذلك بقصد مكافأتها على خدمتها وعشرتها الطويلة فلا حرج في ذلك، ولكن إذا أردت ذلك بقصد الإضرار بباقي الورثة فإن هذا لا يجوز، وفي تقديري مع ضعف علمي أن المرأة نصيبها معروف حسب ما قرره الشرع، والقول هذا يتعارض في نظري مع ما ورد في الكتاب والسنة، فما رأيكم في ذلك، وإن كان كلام العالم صحيحاً فهل يمكن أن نقيس على ذلك أنه يمكن أن أخص أحد أولادي بنصيب من التركة من بين إخوته بدعوى أنه وقف معي مواقف جيدة دون إخوته وخدمني أكثر منهم؟

الجواب: أحب أن أحذر من أن يتكلم الإنسان بغير علم فيما شرعه الله تعالى؛ لأن المتكلم حينما يقول في الشريعة معبراً عن الله ورسوله، فعليه أن يحترز وأن يتحرى الصواب بقدر ما أمكن قبل أن يتكلم، والجرأة على الفتيا ليس بالأمر الهين، فإن الإنسان سوف يسأل وربما تساهل الإنسان في فتيا من الإفتاءات فضل بها كثير من الناس، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال جل ذكره: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36] ، وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة بأن يقول من استفتى ولا علم عنده: لا أعلم، فيما لا يعلمه، فإن ذلك أبرأ لذمته وأعز له وأرفع له عند الله عز وجل، فإن من قال فيما لا يعلم: إنه لا يعلم، فقد تواضع، ومن تواضع لله رفعه، وبهذا يثق الناس في علمه واستفتائه؛ لأنهم إذا عرفوا أنه يقول فيما لا يعلم: لا أعلم وثقوا فيه وعرفوا أنه لا يقدم على الفتوى إلا عن علم، وما أفتى به في هذه المسألة من أنه يجوز أن توصي لزوجتك بشيء من مالك نظراً لمعاملتها الطيبة معك، فإنها فتوى معارضة لما دل عليه الكتاب والسنة، فإن الله تعالى فرض للزوجة من مالك بعد موتك شيئاً محدوداً: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12]، وقد قال الله تعالى في آيات المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14]، الحد الذي حده الله للزوجة بعد موت زوجها من ماله إما الربع وإما الثمن ولا زيادة على ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث )، وعلى هذا فإذا كنت تريد أن تبرّ امرأتك بشيء نظراً لمعاملتها الطيبة معك، فبإمكانك أن تبرها في حال صحتك، فتعطيها ما تكافئها به من مالك، أما بعد موتك فإن الأمر محدود ومقدر من قبل الشرع فلا يجوز أن يتعدى فيه الإنسان.

وأما بالنسبة لما ذكرت أنه يمكن أن يقاس عليه الوصية لأحد من أولادك بشيء، حيث كان يبرك أكثر من إخوانه فإن هذا كما عرفت من بطلان الأصل، وإذا بطل الأصل بطل الفرع، أي: أنه إذا بطل المقيس عليه بطل المقاس، على أن الأولاد يختصون بخصيصة أخرى، وهي: أنه إذا كان هذا الولد البار له إخوة فإنه لا يجوز أن تعطيه شيئاً زائداً على إخوانه ولو كان ذلك في حياتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان بن بشير قال له عليه الصلاة والسلام: ( أكل ولدك نحلت مثل ذلك؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )، ولم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام لماذا أعطى النعمان هل هو لبره به أكثر من غيره أم لا؟

فإذاً: لا يجوز للوالد أن ينحل أحداً من أولاده دون الآخرين، ولو كان أبر منهم، وبر هذا البار أجره على الله عز وجل، والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي لزوجته بأكثر من ميراثها نظراً لقيامها بواجبها نحوه، ولا يجوز لأحدٍ أن يخص أحداً من أولاده بشيء دون إخوته نظراً لكونه أبر منهم بل يجب عليه العدل بين أولاده، والعدل: هو أن يؤتي كل إنسان ما يحتاجه، وليس معناه أن يسوي بينهم، فإذا أعطى هذا عشرة أعطى الآخر عشرة مثلاً لا، قد يحتاج هذا الإنسان حاجة تبلغ ألفاً، والثاني يحتاج حاجة تبلغ مائة، فإذا أعطى كل واحد منهما حاجته فقد عدل بينهما، وإن كان هذا تبلغ حاجته ألفاً والثاني تبلغ مائة، والمهم أن القيام بالواجب بالنسبة للأولاد عدل ولو كان واجب أحدهم يتطلب أكثر من الآخر.

مداخلة: وهذا في حال الحياة أما بعد الموت فكل ذلك يدخل تحت عموم ( لا وصية لوارث

الشيخ: نعم.

السؤال: ما حكم الاختلاف في رؤية هلال رمضان أو هلال شوال بين بلدان المسلمين، وكيف يفعل المسلم إذا حصل اختلاف قد يصل إلى يومين بزيادة أو نقص فمن بدأ الصيام مثلاً في بلد متأخر بيومين ثم صادف في نهاية الشهر أن سافر إلى بلد آخر كان متقدماً في الصيام، وعلى هذا فسيكون العيد عندهم مبكراً، فماذا يفعل هذا القادم وما الحكم إن كان الفرق أيضاً في رؤية هلال ذي الحجة، فكيف يكون الحكم والعمل بالنسبة ليوم عرفة وما قبله وما بعده؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: فمنهم من يرى توحيد المسلمين تحت رؤية واحدة، بمعنى: أنه إذا ثبت رؤية الهلال بمكان من بلاد المسلمين ثبت حكمه في جميع بلاد الإسلام شرقيها وغربيها، فإذا رُئي مثلاً في المملكة العربية السعودية وجب على جميع المسلمين في جميع أقطاب الدنيا أن يعملوا بتلك الرؤية صوماً وإفطاراً، ومنهم من يرى أن الحكم يختلف باختلاف العمل -يعني: باختلاف الولايات- فإذا ثبت في مكان أو في ولاية واحدة ولو تباعدت أقطارها، فإنه يجب العمل به في جميع تلك الولاية أو تلك الدولة دون بقية الدول الأخرى، ومنهم من يرى أن المعتبر في ذلك مطالع الهلال، فإذا اختلفت مطالع الهلال فإنه لا يلزم الاتفاق في الحكم، أما إذا اتفقت المطالع فإنه يلزم الاتفاق في الحكم، فإذا رُئي في بلد ما وكانت البلاد الأخرى توافقها في مطالع القمر، فإنه يلزمهم الصوم وإن كانت تخالفها فإنه لا يلزمه، وهذا هو القول الراجح من حيث الدليل ومن حيث التعليل، أما الدليل فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يعني: ومن لم يشهده فلا يلزمه الصوم، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا )، فمفهوم هذه الجملة الشرطية أننا إذا لم نره لا يلزمنا صوم ولا فطر، والمعنى والقياس يقتضيه، فإنه كما اختلفنا في الإمساك والإفطار اليومي كذلك يجب أن يكون خلاف في الإمساك والإفطار الشهري، ففي اليوم تغرب الشمس على أهل المشرق قبل غروبها على أهل المغرب ومع ذلك فإن أهل المشرق يفطرون وأهل المغرب صائمون، وكذلك أهل المشرق يمسكون قبل أهل المغرب فيكون أهل المشرق قد أمسكوا لطلوع الفجر عندهم وأهل المغرب يأكلون ويشربون لعدم طلوع الفجر عندهم، فإذا كان هذا الاختلاف ثابتاً بالإجماع في الإمساك والإفطار اليومي فمثله بلا شك الإفطار والإمساك الشهري، إذ لا فرق، ولكن مع ذلك نقول: إن الرجل إذا كان في مكان فإنه يتبع ذلك المكان، إذا أمر ولاة الأمور بالصوم فليصم وإذا أمروا بالإفطار فليفطر، فإذا قدم إلى بلد قد سبق برؤية الهلال، يعني: أنه قدم من بلد كانوا قد صاموا قبل هذا البلد الذي قدم إليه بيومين، فإنه يبقى حتى يفطر أهل البلد الذي قدم إليهم، وإذ كان الأمر بالعكس بأن قدم من بلاد قد تأخروا في الصوم إلى بلاد قد تقدموا، فإنه يفطر مع أهل هذه البلاد ويقضي ما بقي عليه من أيام الشهر؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يخالف الجماعة بل يوافقهم، وإذا بقي عليه شيء أتى به كالصلاة مثلاً: يدرك الإمام في أثناء الصلاة فيصلي معه ما أدرك ويقضي ما فاته، والحاصل أن هذا هو حكم هذه المسألة أن العلماء اختلفوا فيها، وعلى كل حال فإذا كنت في بلد فصم معهم وأفطر معهم.

أما بالنسبة لرؤية هلال ذي الحجة فإن المعتبر بلا شك البلد التي فيها إقامة المناسك، فإذا ثبت الهلال فيها عمل به ولا عبرة ببقية البلدان؛ وذلك لأن الحج مخصوص بمكان معين لا يتعداه، فمتى ثبتت رؤية هلال ذي الحجة في ذلك المكان وما ينسب إليه، فإنه يثبت الحكم حتى لو خالفه بقية الأقطار.

مداخلة: إذاً: العبرة بالعيد في نفس المكان الذي فيه؟

الشيخ: نعم ولهذا قلنا: لو قدم من بلد متأخر فإنه يفطر مع هؤلاء ويقضي ما فاته، وإذا شئت نظيراً لهذا فاعتبره باليوم، لو أن الإنسان مثلاً سافر من منطقة شرقية إلى منطقة غربية وهو صائم وقد أمسك في المنطقة الشرقية، فمعنى ذلك أنه سيزيد عليه ساعات اليوم والعكس بالعكس.

السؤال: ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات؟

الجواب: هذه ثلاث مسائل في هذا السؤال:

السؤال الأول: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟

هذا محل نظر، فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار كما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت صغيرة والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينهها، قال: إن أخذنا بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها، قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في النار ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملاً، وحينئذٍ يلعب بها الصبيان، على أن خيراً من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى كالسيارات والطيارات والحمالات وما أشبهها مما يلعبون به بدون أي شبهة.

أما المسألة الثانية: فهي تعليق أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة )، فعلى المرء أن يتقي ربه وأن يبتعد عن هذه السفاسف، ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الطرابيزات للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رءوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها.

أما المسألة الثالثة: فهي بيع هذه الصور المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضياً إلى محرم فإنه محرم، كما أن وجودها في المكان ولو لعرضها للبيع والشراء يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة.

مداخلة: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسماة بالعرائس مثلاً؟

الشيخ: نعم يدخل في ذلك؛ لأن العلماء اختلفوا في جوازها نظراً لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقالوا: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية، يمنع من إلحاقها بالبنات التي تلعب بها عائشة ، وما دامت المسألة في هذه الحال فإنا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع.

السؤال: بجواري مزرعة لأولاد أحد أقارب المتوفى نزحوا عنها وتركوها بلا راعي، الأمر الذي حملني على إحيائها وسقيها حتى أثمرت وأصبحت من المزارع المعدودة، وقد صرف هؤلاء اليتامى النظر عنها وتركوها لي، ولكني أخشى الله ورسوله وأخاف يوم الحساب إن أنا أخذت ثمارها وحدي، علماً بأنها تكلفني كثيراً من الجهد والمال ولو حاسبت هؤلاء الأيتام عن التكلفة بما يرضي الله ورسوله لما بقي منها لهم شيء يذكر، أرجو إفادتي عن الحكم في ذلك علماً بأني لم أطلب منهم شيئاً؟

الجواب: الحكم في هذه المسألة يرجع إلى القاضي الذي عندكم، فارجعي للقاضي في بلدكم وأخبريه بما جرى لينظر فيه ويطبقه على القواعد الشرعية.

السؤال: حينما كنت في بلدي قلت لزوجتي: إن ذهبت إلى المكان الفلاني فأنت محرمة علي ولم أتلفظ بالطلاق، وبعد أن سافرت بلغني أنها ذهبت إلى ذلك المكان فماذا علي أن أفعل؟

الجواب: أحب أن أنصحك ومن يسمع بأنه لا ينبغي للإنسان إذا أراد منع أهله شيئاً أن يطلق عليهم لفظ التحريم أو لفظ الطلاق أو لفظ الظهار وما أشبه ذلك، فقد يكون عنده من قوة الشخصية ما لا يحتاج معه إلى تأكيد الأمر بمثل هذه الكلمات، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1]، فاحبس لسانك عن مثل هذه الكلمات وكن قوي الشخصية، بحيث يكون كلامك مؤثراً على زوجتك بدون أن تؤكده بمثل هذه الأمور.

أما ما وقع منك على زوجتك: فإن كانت الزوجة بقيت على ما تريد فلا شيء عليك، وإن خالفتك فإنه يلزمك كفارة يمين لتحريمك إياها، وكفارة اليمين هي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة، وإطعام المساكين في كفارة اليمين يكون على وجهين: فإما أن يصنع غداءً أو عشاء ويجمع المساكين إليه ليتعشوا أو يتغدوا، وإما أن يعطيهم غير مطبوخ عشرة أمداد من الرز، ويحسن أن يكون معها شيء من لحم أو غيره ليتم بذلك الإطعام، والمراد بالأمداد: الأمداد النبوية التي يكون المد فيها ربع صاع نبوي، والصاع النبوي بالكيلو: كيلوان وأربعون غراماً من البر الجيد، فما كان يسع هذا الوزن من البر الجيد فهو صاع نبوي.

مداخلة: الصاع النبوي يطعم به مسكيناً واحداً؟

الشيخ: الصاع النبوي يطعم به أربعة مساكين.

السؤال: لزوجتي عندي مبلغ من المال وأريد أن أودي الحج منه فهل يجوز لي ذلك؟

الجواب: إذا أذنت لك في هذا -أي: زوجتك- بأن تحج من مالها الذي عندك لها فلا حرج عليك في هذا، ولكن إن خفت أن يكون عليك في ذلك غضاضة، وأن تمن عليك به في المستقبل، وأن ترى لنفسها مرتبة فوقك من أجل هذا فلا تفعل، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يذل نفسه لأحد إلا لله عز وجل.

السؤال: إذا كانت المرأة صائمة ثم أتتها الدورة الشهرية فقطعت صيامها وبعد أن طهرت استأنفت الصيام، وبعد يوم من صيامها رجعت عليها العادة فأفطرت، فهل ذلك اليوم الذي صامته يكون صيامه صحيحاً أو عليها أن تقضيه؟

الجواب: مادامت المرأة قد رأت الطهر قبل أن تصوم هذا اليوم وقد صامت هذا اليوم وهي متيقنة الطهر فإنه يصح صوم هذا اليوم؛ لأن النقاء طهر والحكم معلق بالحيض، فمتى وجد الحيض ثبتت أحكامه، ومتى طهرت انتفت أحكامه.

مداخلة: لكن لو كانت استعجلت مثلاً في التطهر، ربما لم تكن قد أوفت عادتها التي هي معتادة عليها؟

الشيخ: لا عبرة في العادة، العبرة في الطهر فإذا كانت قد تعجلت قبل أن ترى الطهر فإن هذا اليوم في حكم الحيض فتعيد صومه، أما إذا كانت قد رأت الطهر وعرفت أنها طاهرة فإنه يجزئها صوم هذا اليوم.

مداخلة: حتى لو كانت بيوم أو يومين مثلاً؟

الشيخ: نعم إن كان يومين أو ثلاثة ما دامت رأت الطهر فهي طاهر.

السؤال: هل يجوز لمن عليها قضاء أيام من رمضان أن تصوم تطوعاً قبل أن تقضي، وهل يجوز الجمع بين نيتي القضاء والتطوع، مثل: أن تصوم يوم عرفة قضاء عن يوم من رمضان وتطوعاً لفضله؟

الجواب: صيام التطوع قبل قضاء رمضان إن كان بشيء تابع لرمضان كصيام ستة أيام من شوال فإن ذلك لا يجزئها، وقد كثر السؤال في أيام شوال عن تقديم صوم ستة أيام من شوال من أجل إدراك الشهر قبل القضاء، ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كأنما صام الدهر )، فقال: (من صام رمضان ثم أتبعه) ومن عليه قضاء من رمضان لم يكن قد صام رمضان، وعلى هذا فصيام ستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان لا يتبع الصيام ست من شوال؛ لأنه لابد أن تكون هذه الأيام تابعة للشهر وبعد تمامه، أما إذا كان التطوع بغير الأيام الستة من شوال فإن للعلماء كذلك قولين: فمنهم من يرى أنه لا يجوز أن يتطوع من عليه قضاء رمضان بصوم نظراً لأن الواجب أهم فيبدأ به، ومنهم من قال: إنه يجوز التطوع؛ لأن قضاء الصوم موسع إلى أن يبقى من شعبان بقدر ما عليه، وإذا كان الواجب موسعاً فإن النفل قبل فعله جائز، كما لو تطوع بنفل قبل صلاة الفريضة مع سعة وقتها، وعلى كل حال حتى مع هذا الخلاف فإن البداءة بالواجب هي الحكمة؛ لأن الواجب أهم، ولأن الإنسان قد يموت قبل قضاء الواجب، فحينئذٍ يكون مشغول الذمة بهذا الواجب الذي أخره، وأما إذا أراد أن يجمع بين صوم الواجب، وصوم ما يشرع صومه من الأيام كصيام عشر ذي الحجة وصيام عرفة وصوم يوم عاشوراء أداء للواجب فإننا نرجو أن يثبت له أجر الواجب والنفل، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن صوم يوم عرفة قال: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )، فأرجو أن يحقق الله له الأجرين: أجر الواجب وأجر التطوع، وإن كان الأفضل أن يجعل للواجب يوماً وللتطوع يوماً آخر.