أرشيف المقالات

تفسير الربع الثالث من سورة طه

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]
تفسير الربع الثالث من سورة طه

 
• الآية 83، والآية 84: ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ﴾ (يُخبر تعالى أنه سأل موسى عليه السلام - وهو أعلم -: (ما الذي جعلك تترك قومك يا موسى وتأتي قبلهم؟)، (وقد كان هذا بعد أن نَجّى اللهُ بني إسرائيل من فرعون وجنوده، فأمَرَ اللهَ موسى أن يأتي مع بني إسرائيل إلى جبل الطور - وهم في طريقهم إلى أرض القدس - لإنزال التوراة، ولكنّ موسى استعجل في المسير إلى الموعد، فاستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، ليسير بهم ببطء حتى يلحقوا بموسى عند جبل الطور).
 
♦ واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأل موسى عن سبب استعجاله ليُخبره بما جرى لقومه مِن بعده، فـ ﴿ قَالَ ﴾ موسى - مُجِيباً ربه سبحانه وتعالى -: ﴿ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي ﴾: يعني إنهم ليسوا ببعيدينَ مِنِّي، وسوف يَلحقونَ بي، ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ أي: واستعجلتُ المجىء إليك ربي، طلباً لرضاك عني.
(وفي هذا دليل على مشروعية طلب رضا اللهِ تعالى، ولكنْ بما شَرَعه الله، لأنّ اللهَ تعالى لم يأمر موسى بهذا الاستعجال، ولم يأمره بترك قومه وراءه، ولذلك تَرَتَّبَ على استعجال موسى شَرٌ كبير، كما سيأتي).
 
• الآية 85، والآية 86: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لموسى: ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ﴾ أي اختبرنا قومك بعد فِراقك لهم، ﴿ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ﴾ بصُنع العجل ودَعْوتهم إلى عبادته وترْك المسير ورائك.
♦ وانتهت المُناجاة، وأعطى اللهُ الألواح التي فيها التوراة لموسى، ﴿ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ ﴾ عليهم، ﴿ أَسِفًا ﴾ أي شديد الحزن على فِعلهم، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم:  ﴿ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ بإنزال التوراة (التي فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم، لتَسعدوا بها في الدنيا والآخرة)؟ ﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ﴾ يعني هل استبطأتم وَعْدَ ربكم، فلم تُتِمّوا ميعاده الذي حَدَّدَهُ لكم، وبدَّلتم دينه وعبدتم العجل؟!، ﴿ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ - بسبب هذا الفعل القبيح - ﴿ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ﴾ بترْككم المجيء بعدي وعبادة العجل؟!
 
• من الآية 87 إلى الآية 91: ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ أي لم يكن ذلك بإرادتنا واختيارنا، وما تجرّأنا على فِعل ذلك ﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا ﴾ أي حَمَلنا معنا - مِن مصر -  ﴿ أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ﴾ أي أثقالا مِن ذهب وحُليِّ قوم فرعون (وهو الذهب الذي استعاره نساء بني إسرائيل من جاراتهنّ المِصريات، بقصد الفرار به)، فشَعَرنا بالذنب مِمّا فعلناه وأردنا التخلص منه ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ في حفرة فيها نار بأمر السامري، (لأن السامري قال لنساء بني إسرائيل: (هذا الذهب الذي عندكنّ لا يَحِلّ لَكُنَّ أخْذه)، ثم حَفَرَ لهنّ حفرة، وأوقد فيها النار، وأمَرَهنّ أن يُلقوا فيها الذهب للتخلص منه، وهو في نيّته أن يَصُوغ الذهب ليَصنع منه العِجل)، ﴿ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ يعني: فكما ألقينا الذهب في الحفرة، فكذلك ألقى السامري التراب الذي أخَذَه من تحت حافر فرس جبريل عليه السلام، فألقاهُ على الذهب ﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴾: أي فصنع لبني إسرائيل عجلاً له جسم من الذهب، وله صوت كخُوار البقر (فتنةً واختباراً من الله تعالى لهم)، ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي فقال المفتونون به منهم للآخرين: ﴿ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴾ أي قد نَسِيَهُ موسى وأخطأ الطريق إليه، فاعبدوه حتى يأتي موسى، (واعلم أنّ السامري قال لهم: (هذا إلهكم وإله موسى)، ولم يقل لهم: (وإله هارون)، لأن هارون كانَ معهم، فخاف السامري أن يُكَذِّبه هارون، فلم يَنسب العجل إليه).
♦ قال تعالى - مُنكِراً عليهم -: ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ﴾: يعني أفلا يرى الذين عبدوا العجل أنه لا يُكلمهم ابتداءً، ولا يَرُدُّ عليهم إذا كَلَّموه، ﴿ وَ ﴾ أنه ﴿ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾؟ (إذاً فكيف عبدوه وهو لا يُجيبهم إذا سألوه، ولا يُعطيهم إذا طلبوا منه؟!) (ولكنه الجهل والضَلال واتّباع الهوى).
♦ وقال الذين لم يعبدوا العجل لموسى: ﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ ﴾ - أي مِن قبل رجوع موسى إليهم -: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ ﴾ يعني إنما اختبركم اللهُ بهذا العجل؛ ليَظهر المؤمن منكم من الكافر، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ﴾ هو ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ الذي شاهدتم آثار رحمته عندما نجَّاكم من فرعون وجنوده، ﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾ فيما أدعوكم إليه من عبادة اللهِ وحده، ﴿ وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾ ولا تطيعوا أمْر السامري، فإني خليفة موسى فيكم، فـ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال عُبَّاد العجل لهارون: ﴿ لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ﴾ يعني: لن نزال مُقيمين على عبادة العجل ﴿ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾.

• الآية 92، والآية 93، والآية 94، والآية 95: ﴿ قَالَ ﴾ موسى لأخيه هارون: ﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ ﴾ يعني أيُّ شيء مَنَعَك - حينَ رأيتهم ضلُّوا - مِن أن تلحق بي أنت ومَن معك مِن المُوَحِّدين وتترك هؤلاء المشركين؟ ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ حينَ قلتُ لك: ﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ؟
♦ ثم أمسَكَ موسى بلحية هارون ورأسه يَجرُّه إليه، فـ﴿ قَالَ ﴾ له هارون: ﴿ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ يعني: يا ابن أمي لا تمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي، فـ ﴿ إِنِّي خَشِيتُ ﴾ أي خِفتُ إنْ أنا جئتُك ببعض القوم - وهم المُوَحِّدين - وتركتُ الآخرين - وهم عُبَّاد العجل - ﴿ أَنْ تَقُولَ ﴾ لي: ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ فجئتَني ببعضهم وتركتَ الآخرين، ﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ أي وخفتُ أن تقول لي: (لم تحفظ وصيتي بحُسن رعايتهم مِن بعدي).
♦ وبعد أن عاتَبَ موسى أخاه: التفت إلى السامري المنافق - الذي كان مِن عُبَّاد البقر، وأظهر الإسلام في بني إسرائيل، ولمَّا أُتِيحت له الفرصة، عادَ إلى عبادة البقر فصَنَعَ العجل وعَبَده ودعا إلى عبادته - فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى في غضب: ﴿ فَمَا خَطْبُكَ ﴾ يعني: فما شأنك ﴿ يَا سَامِرِيُّ ﴾؟ وما الذي دعاك إلى ما فَعَلته؟
 
• الآية 96: ﴿ قَالَ ﴾ السامري: ﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾: أي رأيتُ ما لم يروه (وهو جبريل عليه السلام راكباً على فرس)، وذلك وقت نَجاتهم من البحر، ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾: أي فأخذتُ بكَفي ترابا مِن أثر حافر فرس جبريل ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾: أي فألقيتُ حفنة التراب على العجل الذي صنعتُه من الذهب، فأصبح له صوت كخُوار البقر، ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ يعني: وكذلك زيَّنت لي نفسي هذا الصنيع.

• الآية 97، والآية 98: ﴿ قَالَ ﴾ موسى للسامري: ﴿ فَاذْهَبْ ﴾ تائهاً في الأرض طوال حياتك، ﴿ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ﴾: يعني فإنّ لك في حياتك أن تعيش ذليلاً حقيراً مهجوراً، تقول لمن أراد أن يَقربك: (لا يَمَسَّني أحد ولا أَمَسُّ أحداً)، فحينئذٍ تَفرّ من الناس ويَفرّ الناس منك عقوبةً لك على جريمتك، فهذا هو بعض عذاب الدنيا، ﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ﴾ يعني: وإنّ لك عذاباً آخر يوم القيامة، لن يُخْلفك اللهُ إياه، فهو آتٍ وواقع لا مَحالة، ﴿ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ ﴾ المزعوم ﴿ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ﴾: أي الذي ظللتَ مقيماً على عبادته: ﴿ لَنُحَرِّقَنَّهُ ﴾ بالنار، ﴿ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ أي ثم لَنُلقِيَنّ به في البحر -بعد أن نحرقه - حتى لا يُعثَر له على أثر، (وذلك لأنّ قلوب بني إسرائيل كانت متعلقة بعبادة العجل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وحَرْقه وهم يَنظرون إليه، ليزول ما في قلوبهم مِن حُبِّه كما زالَ شَخْصه، ولأنّ في إبقائه فتنة).
♦ ثم قال موسى للذين عبدوا العجل:  ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ ﴾ الحق - الذي تجب له العبادة والطاعة - هو ﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾: أي وَسِعَ عِلمه كل شيء، (وفي هذا ردٌّ على السامري الذي عَبَدَ جماداً لا يَعلَم شيئاً ولا يَقدر على شيئ).
 
• من الآية 99 إلى الآية 104: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾: يعني كما قصصنا عليك - أيها الرسول - خبر موسى وفرعون وقومهما، فكذلك نُخبرك بأخبار السابقينَ لك، ﴿ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ﴾ يعني: وقد أعطيناك مِن عندنا ذِكرى وموعظةً للناس، وهو هذا القرآن العظيم، الذي ﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ فلم يُصَدِّق به، ولم يَعمل بما فيه: ﴿ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴾: يعني فإنه يأتي ربه يوم القيامة يَحمل إثمًا عظيمًا ﴿ خَالِدِينَ فِيهِ ﴾ أي خالدين في ذلك الوزر في النار، حيثُ تُلقَى معهم ذنوبهم في النار، ﴿ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾: يعني وقَبُحَ ذلك الحِمل الثقيل من الذنوب، حيثُ أدخلهم النار يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾: أي يوم يَنفُخ الملَكُ في "القرن" لصيحة البعث، ﴿ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴾: أي ونَسُوقُ الكافرين في ذلك اليوم وهم زُرق العيون، سُود الوجوه (وذلك من شدة الأحداث والأهوال)، وهم ﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يَتهامسون فيما بينهم من شدة الخوف، فيقولون: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾: أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلا عشرة أيام، ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ سراً فيما بينهم ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أي يقول أعلمهم وأرجحهم عقلاً في الدنيا: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلا يومًا واحدًا (وذلك لقِصَر مدة الدنيا في نفوسهم يوم القيامة).
♦ واعلم أنه لا تعارُض بين قول اللهِ تعالى - حكايةً عن المجرمين -: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾، وذلك لأنّ فترة بقاء المجرمين في الدنيا لم تكن ساعة ولا يوماً ولا عشراً، ولكنهم عَبَّروا عن ذلك مُقارنةً بطول الوقوف يوم القيامة، ولقِصَر فترة تمتُّعهم في الدنيا، وإنما اضطربت أقوالهم لهَول الصدمة، فكُل واحدٍ منهم وَصَفَ الحالة التي يشعر بها.
 
• من الآية 105 إلى الآية 110: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ﴾: أي يسألك قومك - أيها الرسول - عن مصير الجبال يوم القيامة، ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴾: أي يَقتلعها ربِّي من أماكنها ويُفَتِّتها، ثم تُفَرِّقها الرياح، ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴾: أي فيَترك أماكن الجبال - بعد أن نُسِفَت - مستوية ملساء ﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ﴾ أي انخفاضًا ﴿ وَلَا أَمْتًا ﴾: أي: ولا ارتفاعًا (وذلك بسبب استوائها).
﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ ﴾ أي: في ذلك اليوم يتَّبع الناس صوت المَلَك الذي يدعوهم إلى الحساب، ﴿ لَا عِوَجَ لَهُ ﴾: أي لا يستطيعون الهروب من دعوة الداعي، ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ﴾: أي وسكنتْ الأصوات خضوعًا للرحمن ﴿ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ أي فلا تسمع منها إلا صوتًا خفيًا، ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ﴾ أحدًا من الخلق ﴿ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾: يعني إلا إذا أَذِنَ الرحمنُ للشافع، ورَضِيَ عن قوله وشفاعته إكراماً له (ولا تكون الشفاعة إلا للمؤمن المُخلِص)، ففي الحديث أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4/711)، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾: أي يَعلم اللهُ تعالى ما بين أيدي الناس مِن أمْر القيامة، إذ يَعلم سبحانه ما سيَحكم به عليهم مِن جنةٍ أو نار، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي: وكذلك يَعلم ما تركوه مِن أعمالٍ في الدنيا، ﴿ وَ ﴾ هم ﴿ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ سبحانه وتعالى.
 
• الآية 111، والآية 112: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ﴾ أي خضعتْ وجوه الخلائق، وذَلَّتْ ﴿ لِلْحَيِّ ﴾ الذي لا يموت، ﴿ الْقَيُّومِ ﴾ أي القائم على تدبير كلِّ شيء، والقائم على كل نفسٍ بما كسبتْ، والمُستغني عمَّن سواه، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾: أي خَسِرَ يوم القيامة مَن جاءَ يَحمل أوزار الشِرك (إذ الظلم المذكور في الآية هو الشِرك، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ﴾ بزيادة سيئاته، ﴿ وَلَا هَضْمًا ﴾ بنقص حسناته.

• الآية 113: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا ﴾ يعني: وكما أنزلنا عليك تلك الآيات المُشتملة على الوعد والوعيد، فكذلك أنزلنا هذا القرآن بلُغة العرب ليَفهمه قومك ويَهتدوا به، فيَهتدي على أيديهم خَلقاً كثيراً، ﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ﴾: أي نوَّعنا في هذا القرآن أصنافاً من العذاب الدُنيوي والأُخروي ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي: لعل قومك يتقونَ ما كان سببا في إهلاك الأمم السابقة (وهو الشرك والتكذيب والمعاصي) ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾: يعني أو يُحدِث لهم هذا القرآن تذكرةً، فيَتعظوا ويَعتبروا بهلاك الأمم السابقة، فيتوبوا ويُسلموا، ليَسعدوا في الدنيا والآخرة.
 
• الآية 114: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ ﴾: أي فتنزَّه اللهُ وتبرَّأ عن كل نقص، وتقدَّس عمَّا يقوله المُفترونَ وعمَّا يُشركه المشركون، فهو سبحانه ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ الذي قهر كل مَلِكٍ وجبار، وهو المالك لكل خلقه، المتصرف في كل شيء.
﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾: أي ولا تستعجل - أيها الرسول - بمسابقة جبريل في تَلَقِّي القرآن قبل أن يَفْرَغ هو مِن قراءته، ويُبَيِّن لك ما يَقصده اللهُ تعالى من الآيات المُنَزَّلة عليك، ﴿ وَقُلْ ﴾ داعياً ربك: ﴿ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢