فتاوى نور على الدرب [218]


الحلقة مفرغة

السؤال: كان لي أخ وأتى إلي بقصد الزيارة؛ لأني كنت أشتغل في مدينة غير التي نحن فيها وعائلتنا، وأعطيته مبلغاً من المال على سبيل المساعدة، ولم أكن أقصد أنها سلفة، ولن أطالبه بها في يوم من الأيام وهو كان يعرف ذلك، وأخذ المال وعاد إلى بلدتنا حيث يقيم هو وأهلنا، واستعان بهذا المبلغ على زواجه وعاشت زوجته معه مدة من الزمن، وفيما بعد نشزت الزوجة بعد أن حصل بينهما خلاف، وبعد ذلك كتب أخي وصية، ومن ضمنها ذلك المبلغ كدين عليه لي وأشهد على ذلك شهوداً، وعاش بعد ذلك مدة من الزمن ثم توفاه الله، ولما عدت بعد وفاة أخي أبلغت بالوصية وطالبتني زوجته بإبراز حصتها من التركة وطالبتها بالوصية التي أوصى بها لي أخي وهو المبلغ الذي سبق وأن أعطيته على سبيل الإحسان، وفعلاً قامت بتسليم نصيبها من الوصية من الدين الذي أوصى به أخي لي واستوفيته منها، واقتسمت حصتها من التركة بعد ذلك، فهل يجوز لي هذا التصرف مع أنني أخشى أن يكون الدافع لأخي لكتابة هذه الوصية هو الإضرار بزوجته الناشز؟

الجواب: مادمت قد بذلت مالك السابق على أنه مساعدة ومعاونة لأخيك، وهو قبَضه على هذا الوجه فإنه لا شيء لك عليه في ذمته، وعلى هذا فالوصية به لاغية؛ لأنه لا حق لك عليه، وما ذكرته من خوف الإضرار بهذه المرأة التي نشزت عنه وأتعبته فهو وارد، والذي أرى أن ترد ما أخذت من المرأة إليها، إبراءً لذمتك وإبراءً لما يخاف من وصية أخيك عليه، وهذا أولى وأحوط، والذي يظهر أن حالك -والحمد لله- ميسورة، وأنك لست في حاجة إلى هذا، بل ولو كنت في حاجة إلى هذا فإني أرى أن ترد إلى المرأة ما أخذت منها.

السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] من سورة الرحمن، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]؟

الجواب: الآية الأولى: معناها أن الله سبحانه وتعالى يخبر إخباراً يعد به من خاف مقام ربه بأن له جنتين، وهاتان الجنتان بين الله تعالى ما فيهما من النعيم المقيم، من المأكول والمشروب والمنكوح ترغيباً لخوف الإنسان مقام ربه، أي: لخوفه من المقام الذي يقف فيه بين يدي الله عز وجل، هذا الخوف الذي يوجب له الاستقامة على دين الله وعبادة الله تعالى حق عبادته؛ لأن من خاف الله عز وجل راقبه وحذر من معاصيه والتزم بطاعته، وثواب من أطاع الله سبحانه وتعالى واتقاه الجنة، كما قال الله تبارك وتعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134] إلى آخر ما ذكر الله من أوصافهم.

وأما الآية الثانية: وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] فمعناها: أن الإنسان إذا استقام على طاعة الله فإن الله تعالى ينعم عليه ويزيده من نعمه؛ لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، وأما إذا انحرف عن طاعة الله سبحانه وتعالى فإن الله تعالى يقول: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، ويقول سبحانه وتعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] ، فمادام الإنسان على طاعة الله قائماً بأمره مجتنباً لنهيه فليبشر بالخير وبكثرة النعم وبتحقيق قول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] ، فأما إذا غير ما بنفسه من الإنابة إلى الله والإقبال عليه وبارز الله تعالى بالعصيان بفعل المحظورات وترك المأمورات فإن الله تعالى يغير عليه هذه النعمة.

السؤال: امرأة كانت متزوجة وبعد أن عاشت حوالي سنتين مع زوجها طلقها، وفي خلال مدة شهر من طلاقها تزوجت برجل آخر قبل نهاية العدة، وقبل مضي تسعة أشهر من زواجها الثاني وضعت مولوداً، فما الحكم في هذا الزواج الثاني؟ وما الحكم في المولود لمن يلحق بالزوج الأول أم بالثاني؟ وماذا يجب على الزوجة أن تفعل؟

الجواب: تضمن هذا السؤال فقرتين:

الفقرة الأولى: أن هذه الزوجة تزوجت قبل انتهاء عدة زوجها الأول، فالنكاح هذا باطل؛ لأنه منهي عنه بقوله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235] ، وعلى هذا فيجب التفريق بينهما لبطلان النكاح.

أما الفقرة الثانية: فهي أن هذه المرأة أتت بمولود قبل تسعة أشهر من زواجها الثاني، فهذا المولود: إن كانت أتت به قبل مضي ستة أشهر من وطء من تزوجها في عدتها فهو للزوج الأول؛ لأنه لا يمكن أن تأتي بولد يعيش بأقل من ستة أشهر، فالولد الذي أتت به في أقل من ستة أشهر من الوطء الثاني يكون للأول، وإن أتت به لأكثر من أربع سنين من فراق الأول فهو للواطئ الثاني، وإن أتت به فيما بين ذلك فإنه يحتمل أن يكون منهما، أي: أن كل واحد منهما يحتمل أن يكون منه، فإذا ادعياه فإنه يعرض على القافة فمن ألحقته به لحقه.

وقال بعض أهل العلم: إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من فراق الأول فإنه يكون للواطئ الثاني الذي تزوجها في عدتها والله أعلم.

السؤال: إذا كان الإنسان لا يصلي ثم ذبح ذبيحة وذكر اسم الله عليها فهل يجوز الأكل منها أم لا؟ وإذا كنت في بلد غلب على أهلها ترك الصلاة فما حكم أكل ذبائحهم الموجودة في أسواقهم؟

الجواب: أما عن ذبيحة الإنسان الذي لا يصلي تكون حلالاً إذا ذكر اسم الله عليها على قول من يقول: إنه لا يكفر بترك الصلاة، أما على قول من يقول: إن تارك الصلاة يكفر وهو القول الصحيح فإن ذبيحته لا تحل؛ لأن ذبيحة غير المسلم لا تحل إلا أن يكون من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، والمرتد ليس من أهل الكتاب، لا من اليهود ولا من النصارى، وعلى هذا فذبيحته لا تحل على القول الراجح.

أما الجواب عن الفقرة الثانية من السؤال: وهو ما إذا كان الإنسان في بلد ليس فيه مسلمون فهل يأكل من ذبيحتهم؟

فنقول: إن كان هذا البلد أهله من أهل الكتاب فإن ذبائحهم حلال، لقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: طعامهم: ذبائحهم، وهو كذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أتت بها له اليهودية في خيبر وأكل من طعام يهودي دعاه وفيه إهالة سنخة، والإهالة السنخة: هي الشحم المتغير، وأما إذا كان أهل هذه البلاد من غير أهل الكتاب فإنه لا يجوز الأكل من ذبائحهم؛ لأنهم ليسوا بمسلمين ولا من أهل الكتاب، فتكون ذبائحهم حراماً لا تؤكل.

السؤال: شائع في بلدنا أن الجزارين لا يسمون اسم الله على كل ذبائحهم بل يسمون على الأولى ويذبحون البقية من غير تسمية، والذي أخبرنا بهذا أحدهم، فما حكم الأكل من مثل هذه الذبائح؟

الجواب: الأكل من هذه الذبائح إذا كان من الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها فهو حلال ولا بأس به، وإن كان من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها فهي حرام، لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )، وإذا اشتبه الأمر فلا ندري: هل هذه الذبيحة مما ذكر اسم الله عليه أم من الذبائح الأخرى فإنها لا تحل؛ لأنها اشتبهت بمحرم ولا يمكن اجتناب المحرم إلا باجتناب الجميع، فوجب أن يجتنب الجميع، ولكني أوجه نصيحة إلى هؤلاء الجزارين أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي إخوانهم المسلمين، وأن يسموا الله تعالى على كل ذبيحة إلا إذا كان الفعل واحداً والذبائح متعددة فلا حرج أن يسموا تسمية واحدة، مثل: أن يجمعوا عدة دجاج مثلاً ثم يذبحونها بفعل واحد ويقولون: بسم الله فهذا لا حرج فيه.

مداخلة: يعني: بحركة واحدة تذبح الجميع.

الشيخ: نعم بفعل واحد يذبحون الجميع، فإن هذا لا بأس به؛ لأنهم سموا على هذا الفعل، وكلها حاضرة بين أيديهم، وقد سمي عليها فلا بأس بها.

السؤال: إذا كان هناك بيت مغصوب واضطر شخص فسكن في هذا البيت، فهل صلاته في هذا البيت تكون صحيحة أم لا؟

الجواب: البيت المغصوب اختلف أهل العلم في صحة الصلاة فيه:

فمنهم من قال: إن الصلاة فيه صحيحة؛ لأن النهي إنما هو عن سكنى البيت وليس عن الصلاة، فالنهي لا يختص بهذه العبادة، وكل نهي لا يختص بالعبادة فإنه لا يبطلها؛ ولهذا إذا اغتاب الصائم أحداً فإن هذا الفعل محرم ولا يبطل به الصوم؛ لأنه ما حرم من أجل الصوم، ولو أنه أكل أو شرب لفسد صومه؛ لأن النهي يختص بالصوم، فهنا الصلاة في المكان المغصوب ليس منهياً عنها لذاتها، بل لكونه استولى على هذا البيت وغصبه، ولهذا فالمكث في هذا البيت لصلاة أو غيرها يكون حراماً، وهذا رأي كثيرٍ من أهل العلم: أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة، ولكنه آثم بمكثه واستيلائه على هذا بغير حق.

والقول الثاني لأهل العلم في هذه المسألة: أن صلاته تكون باطلة؛ لأنها وقعت في مكان مغصوب، فكانت كالصلاة التي تقع في زمان يحرم فيه فعل الصلاة، وكصلاة النفل المطلقة إذا وقعت في وقت النهي تكون باطلة؛ لأن الزمن يحرم فيه إيقاع هذه الصلاة، فكذلك هذا المكان المغصوب لما كان يحرم المكث فيه مطلقاً، فالمكث فيه للصلاة يكون مكثاً في مكانٍ يحرم المكث فيه فتقع الصلاة محرمة باطلة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، لكن من حبس في مكان مغصوب ولم يتمكن من الخلاص منه وصلى فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه.

السؤال: هل ثبت في السنة الصحيحة أن المولود يحلق رأسه في اليوم السابع من ميلاده ويتصدق بوزنه ذهباً، وإذا كان صحيحاً فهل هذا يفعل مع الولد فقط أم الولد والبنت ويستويان في ذلك؟

الجواب: نعم، ورد هذا الحديث في السنن، واعتمده أهل العلم أنه يحلق في اليوم السابع ويتصدق بوزنه ورقاً، ولكنه خاص بالولد فقط.

مداخلة: يتصدق بوزن الشعر؟

الشيخ: يتصدق بوزن الشعر ورقاً -يعني: فضةً- وأما الأنثى فلا يحلق رأسها.

السؤال: ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج، فقد كنت قرأت حديثاً بما معناه: ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )، وقرأت قولاً آخر للسيدة عائشة رضي الله عنها وهي في الحج، تقول: كنا إذا ساوى بنا الرجال أسدلنا على وجوهنا وإذا سبقناهم كشفنا وجوهنا، فكيف الجمع بين القولين وأيهما أصح؟ ولا سيما إذا طبقنا قول عائشة ، ففي هذه الأيام دائماً أو كثيراً ما تختلط المرأة بالرجال في أثناء سيرها في الحج وفي صلاتها فهل تغطي وجهها دائماً أم ماذا تفعل؟ وهناك قول سمعته عن الإمام أبي حنيفة أن المرأة إذا غطت وجهها فعليها دم فما الصواب في هذا؟

الجواب: الصواب في هذا ما دل عليه الحديث وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المرأة، فالمرأة المحرمة منهية عن النقاب مطلقاً، سواء مر بها الرجال الأجانب أو لم يمروا بها، وعلى هذا فيحرم على المرأة المحرمة أن تنتقب سواء كانت في حج أو في عمرة، والنقاب معروف عند النساء، وأما حديث عائشة فلا يعارض النهي عن الانتقاب؛ لأن حديث عائشة إنما كان النساء يفعلنه إذا مرَّ بهن الرجال، وهذا أمر لابد منه، فإذا مر الرجال بنساء وهن محرمات فإنه يجب عليهن أن يسترن وجوههن؛ لأن ستر الوجه عن الرجال الأجانب واجب، وعلى هذا فنقول للمرأة: لبس النقاب حرام عليها مطلقاً، وأما فتح وجهها فالأفضل لها كشف الوجه ولكن إذا مر الرجال قريباً منها، فإنه يجب عليها أن تغطيه لكن بغير النقاب.

السؤال: سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس، فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف؟ وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟

الجواب: ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء النجس، وعلى هذا فنقول: إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة - يعني أثر البقعة - فإنها لا تطهر بذلك؛ لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا؛ لأن النجاسة عين يجب التخلي منها والتنزه منها، فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة، وأما الفرش فلابد أن تغسل، الفرش التي تفرش بها الأرض سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة لابد أن تغسل، وغسلها بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج، ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة.

السؤال: أنا أب لستة أبناء، وقد كنت أعمل في مهنة حرة أكسب منها القليل؛ ولكن لأنه كسب حلال بارك الله لي فيه، فكنت أصرف منه، وقد سعيت على هؤلاء الأبناء أنا ووالدتهم بما يمليه علينا الواجب وتميله الفطرة الأبوية إلى أن كبروا واستقلوا بأنفسهم، فمنهم الموظف، ومنهم صاحب العمل الحر، ومنهم المدرس ولكنهم للأسف الشديد لم يوفقوا لبرنا والإحسان إلينا، وليت الأمر كذلك فحسب ولكنه تعداه إلى العقوق، فهم يشتمونا ويسبونا وقد يضربونا أيضاً دون خوف من الله أو حياء، وقد قاطعونا من كل وسيلة اتصال حتى في أعياد المسلمين لا نراهم، ولم أكن أنا بتلك الحالة مع والدي حتى أقول: هذا جزائي في الدنيا، بل على العكس فقد كنت باراً بهما حتى في آخر لحظة في حياتهما، وتوفيا وهما راضيان عني، أما أنا فإني أحمل لهؤلاء الأبناء العاقين كل كراهية وبغض، إلى درجة أنني أضرع إلى الله بالدعاء عليهم بالهلاك، فهل علي شيء في ذلك؟ وهم ماذا عليهم في عقوقهم هذا؟

الجواب: لاشك أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر والعياذ بالله، وأن هؤلاء الأولاد وقعوا في شر كبير، وعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يرجعوا إليه وأن يقوموا ببر والديهما، وقد أعظم الله حق الوالدين حتى جعله بعد حقه وحق رسوله، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:23-25]، أما بالنسبة لك فإن ما أصابك من عقوقهم أمر يجب عليك فيه الصبر واحتساب الأجر من الله، وأنت إذا صبرت واحتسبت الأجر من الله نلت بذلك حسنات كما ينالها الصابرون: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، ولا ينبغي أن تدعو عليهم بما يضرهم، بل ادعوا الله بما ينفعهم وينفعك، فادع الله لهم بالرجوع إلى برك وعدم العقوق، حتى تكون بذلك محسناً إليهم وبالتالي محسناً إلى نفسك أيضاً، فالإنسان قد يصاب بالمصائب وإن لم يكن يظن أنه هو السبب، فقد تكون هناك أسباب لا تعلمها، وقد يبتلي الله الإنسان بمصيبة لا جزاءً له على عمل سيء وقع منه، ولكن من أجل أن ترتفع بذلك درجته وينال مقام الصابرين؛ لأن الصبر مرتبة عالية لا تنال إلا بوجود الأسباب التي يصبر عليها حتى يتحقق الإنسان من الاتصاف بها.