شرح عمدة الأحكام [11]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[باب استقبال القبلة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه) وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعله، وفي رواية: (كان يوتر على بعيره) ، ولـمسلم : (غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة) ، وللبخاري : (إلا الفرائض) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة) .

وعن أنس بن سيرين قال: استقبلنا أنساً حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب -يعني: عن يسار القبلة- قلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته].

استقبال القبلة من شروط الصلاة

استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة دل عليه القرآن، قال تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] يعني: إذا أردت الصلاة، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144].

أمر الله باستقبال البيت الحرام في سورة البقرة في ثلاث آيات، وكرر ذلك بالتأكيد، وقد كان صلى الله عليه وسلم لما فُرضت عليه الصلاة وهو بمكة يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس، فكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ وذلك لأن بيت المقدس قبلة الأنبياء من بني إسرائيل، والكعبة هي قبلة أبينا إبراهيم، ولما هاجر أُذن له أن يستقبل بيت المقدس؛ تأليفاً وبياناً أنه على ملة الأنبياء قبله، ولكن بعد أن مضى عليه ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ولم يُفد ذلك في تأليف بني إسرائيل ولم يزدهم إلا عصياناً وتمرداً، أعاده الله ورجّعه إلى قبلة أبيه إبراهيم، فقال تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:142]، واستقبل الكعبة وترك القبلة الأولى فاستنكر ذلك السفهاء والمنافقون واليهود ونحوهم؛ لذا أمر الله نبيه أن يخبرهم بأن له المشرق والمغرب: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:142] فأمره بأن يستقبل الكعبة التي هي بيت الله، ولا شك أن استقبالها فيه تعظيم لها، ولتلك المناسك، وبيان لأهميتها، وحثٌ للناس على أن يأتوا إليها ويتعبدوا بالعبادات التي لا تصح إلا بها من الحج والعمرة والطواف والاعتكاف.. ونحو ذلك.

والمسلمون يستقبلون الكعبة في أي مكان وفي أي قطر من أقطار الأرض، يتوجهون في صلواتهم كل يوم خمس مرات في الفرائض وما شاء الله من نوافل، ويستقبلون هذه الكعبة، ولا شك أن هذا الاستقبال يحفز هممهم ويشوقهم ويبعث اشتياقهم إلى تلك الرحاب، حيث إنهم إذا كانت هي قبلتهم انبعثت الهمم إلى أن ينظروا إليها، وأن يأتوا إليها رجالاً وركباناً ليقرءوا، وليتعبدوا، وليقيموا العبادات التي يتعبد بها هناك.

والحاصل: أن استقبال الكعبة ركن واجب وشرط من شروط الصلاة، فالفرائض لابد فيها من استقبال الكعبة، فمن كان قريباً فلابد حينئذٍ أن يصيب عينها، وإن كان بعيداً اكتفى بأن يستقبل جهتها، وأما النافلة فإن أمرها أخف، فله والحال هذه أن يصلي وهو راكب، ويتنفل ولو كان وجهه لغير القبلة؛ حرصاً من الشارع على أن يكثر الناس من النوافل، وألا يعوقهم عنها عائق؛ وذلك لأن الإنسان قد يكثر سفره، وقد تطول مدة سفره، فينقطع عن النوافل مدة؛ وذلك لعدم تمكنه منها لكثرة مسيره، وكثرة تطوافه فهو دائماً راكب أو ماش على الراحلة أو نحو ذلك، فلو منع من التنفل إلا مستقبلاً القبلة لانقطع عن كثير من النوافل، فلا جرم أبيح له أن يصلي على الراحلة ولو لم يأت بالأركان كلها.

ولو لم يأت بالشروط كلها، وقد جعل العلماء استقبال القبلة من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها، فإن كانت فريضة فلابد أن يستقبلها بكل جسده، إما أن يستقبل عينها إذا تمكن، وإما أن يستقبل جهتها؛ لأنه قد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) يخاطب أهل المدينة، وكانت قبلته في جهة الجنوب، فقوله: (ما بين الشرق والمغرب قبلة) أي: هذا الجانب الجنوبي، ولو ملتم يميناً أو يساراً وأنتم قد استقبلتم جهة الكعبة، فأنتم على خير، ونقول: في هذه البلاد (الرياض) ما بين الشمال والجنوب قبلة، ولو قُدّر أنه مال يميناً أو يساراً، وإن كان الأفضل أن يستقبل الشطر للآية: شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144].

التخفيف في ترك استقبال القبلة في النافلة حال الركوب في السفر

النافلة التي يُخفف فيها، ويسقط فيها الاستقبال، يدخل فيها الرواتب التي تصلى قبل الفرائض وبعدها، ويدخل فيها صلاة التهجد لمن يريد أن يتهجد بالليل وهو مسافر، ويدخل فيها صلاة الوتر، وصلاة الضحى، ونحوها من النوافل، فكلها يصح أن يصليها على راحلته ولو كان وجهه لغير القبلة؛ وذلك لأنه قد يسير إلى جهة مخالفة للقبلة، حتى تكون القبلة خلف ظهره إذا توجه مثلاً إلى جهة الشرق من هذه البلاد إلى الأحساء أو إلى البحرين أو إلى الهند أو السند أو نحو ذلك، فتكون الكعبة وراءه فيصلي على جهته، وإذا توجه إلى الجنوب إلى نجران أو إلى اليمن صارت القبلة عن يمينه، فيصلي إلى الجهة التي هو سائر إليها، وهكذا إذا توجه إلى الشمال، كما لو توجه إلى العراق أو ما وراءه صارت القبلة عن يساره فيصلي إلى جهته.

وذكر بعض العلماء أنه يُستحب أن يستقبل القبلة في الاستفتاح، ولكن لم يرد دليل، بل الظاهر أنه يجوز أن يستقبل جهته من أول صلاته، فيستفتح ويكبر ويركع ويسجد وهو إلى تلك الجهة، وكل ذلك لأجل أن يُكثر من النوافل حتى يغتنم نوافل الصلوات ولا تفوته؛ لأنه لو اشترط أن يستقبلها لما تمكن؛ وذلك لأنه مجد يستغرق أكثر وقته؛ ولأنه قد يتعب إذا نزل وقد سار على البعير عشر ساعات متوالية أو أكثر أو أقل، فإذا نزل وقد أجهده السير وقد تعب تعباً كثيراً، فإنه يتمنى أن يضطجع على الأرض ولا يتمكن من التهجد، ولا من الإتيان بالنوافل ونحو ذلك، فلا جرم أن أبيح له أن يكثر من النوافل وهو راكب على دابته.

وفي هذه الأزمنة قد يقال: إن الأمر فيه شيء من التحسن، وفيه شيء من التغير؛ وذلك لقُرب المسافات وقلة المدة، فإن المسافر وهو سائر مجد قد يواصل سيره خمس ساعات أو أقل أو أكثر، ومع ذلك لا يلقى المشقة التي يلاقيها من هو راكب للدابة كالحمار والبعير، وكذلك أيضاً قد يريح نفسه، فإذا سار ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة يقف ويريح نفسه، ويتمكن في وقوفه من أن يتنفل أو نحو ذلك، ومع ذلك إذا أراد أن يتنفل إذا كان مستعجلاً فيجوز له ذلك، فإذا كنت سائراً إلى مكة أو إلى الأحساء، فتصلي الفريضة على الأرض مطمئناً، ثم تركب سيارتك أنت ورفقتك وتأتون بالنوافل وأنتم راكبون، ولو كانت وجوهكم لغير القبلة، ولو كانت القبلة خلفكم أو عن يمين أو عن يسار، فيكبر الراكب ثم يقرأ ويركع ويومئ بالركوع حيث إنه قد لا يستطيع أن يركع قائماً، ويومئ بالسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.

هكذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة، لا يتمكن من القيام ولا من الركوع ولا من السجود، وإنما يتمكن من التحريم والتسليم، ويقرأ، ويسبح، ويحرك يديه، ويضعها على صدره في حالة القيام، وعلى ركبتيه في حالة الركوع، وعلى رحله في حالة السجود، وعلى فخذيه في حالة الجلسة بين السجدتين أو التشهد تشبهاً بالصلاة، وهكذا أيضاً إذا كان راكب سيارة أو نحوها.

كيفية صلاة راكب القطار والسفينة والطائرة

إذا كان راكباً في قطار، فالقطار قد يكون أمره أسهل، وكذا إذا كان راكباً في باخرةٍ أو في سفينةٍ، فإن فيها شيئاً من التوسعة؛ وذلك لأنه يتمكن غالباً من الوقوف، فقد يتمكن من استقبال القبلة راكب الباخرة ونحوها، ويتمكن من الاستدارة نحو القبلة إن استدارت الباخرة أو انحرفت يميناً أو يساراً، فنقول: متى قدرت على استقبال القبلة فلتأت منه ما تستطيع، وإذا شق ذلك عليك وخشيت من القيام دوراناً أو سقوطاً إذا جاءت للسفينة أمواج أو مر القطار في انحرافات أو نحو ذلك مما يكون فيه شيء من الحركة؛ فلك أن تصلي جالساً ولو لغير القبلة، وإن استطعت استقبال القبلة فاستقبلها مهما تستطيع.

أما راكب الطائرة ونحوها من المراكب الجوية فمعلوم أنه قد يحتاج إلى أن يتنفل، فقد تطول المدة في بعض الأحيان، وفي داخل المملكة قد لا تطول أكثر من ساعة ونصف أو نحوها، ولكن إلى خارج المملكة قد يتمادى بهم السير سبع ساعات أو عشر ساعات متواصلة كما في بعض الرحلات الطويلة، ففي هذه الحال قد يحتاج إلى التنفل، فيتنفل وهو على كرسيه ولو لغير القبلة.

أما الفرائض فقد سمعنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصليها إلا على الأرض، ولا يصليها على الراحلة، وذلك لأهميتها؛ ولأنه لابد من استقبال القبلة فيها، فينزل ويصليها بأصحابه جماعة ويصفهم خلفه صفوفاً.

ويشتكي كثير من الذين يرحلون في الطائرة، ويستمر سيرهم ساعات، أنه قد يدخل عليهم الوقت ويخرج وهم في رحلة واحدة، فيفتيهم المشايخ ويقولون: إذا كان الوقت متسعاً فأخر الأولى إلى أن تنزل، كما لو كانت رحلة في الضحى ودخل عليك وقت الظهر ولم تستطع أن تصلي، وخشيت أن يفوت فأخره إلى العصر، فإذا نزلت في آخر النهار، وما بقي إلى الليل إلا ساعة أو نصف ساعة أمكنك أن تصلي قبل الغروب، فتجمع الفرضين في وقت واحد.

فإذا كنت تعرف أنك تنزل قبل غروب الشمس فأخر الظهر وصلها مع العصر قبل أن تغرب الشمس، وإذا دخل عليك وقت الظهر قبل الانطلاق، وأنت تعرف أنك ستستمر خمس ساعات أو نحوها، جاز لك أن تصلي الظهر وتقدم معه العصر قبل الرحلة، ثم بعد ذلك تواصل السير.

وإذا دخل عليك وقت المغرب وأنت سائر فلك أن تؤخره وتجعله مع العشاء ولو لم تنزل إلا قُبيل الفجر، فإن وقت المغرب والعشاء لا يخرج ولا ينتهي إلا بطلوع الفجر الثاني، أي: بطلوع ضياء الصبح، فإذا وصلت وما بقي على الفجر إلا ساعة أو نصف ساعة نزلت وصليت العشاء، وأجزأك ذلك إن شاء الله؛ وذلك لأنك أدركت آخر الوقت فهو أولى من أن تصلي على السرير.

أما إذا خشيت خروج الوقت في الصبح، لأن وقتها ضيق -من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس- ففي هذه الحال لك أن تصليها إن وجدت متسعاً في الطائرة، فتصل وأنت على تؤدة تقوم وتركع وتسجد، وإن لم تجد فصلي وإن كنت على كرسيك جالساً، وأومئ واستقبل ما أنت مستقبل له؛ وذلك اغتناماً للوقت حتى لا يخرج وأنت لم تصل؛ لأن الوقت شرط والشرط مقدم على الأركان التي منها الركوع والسجود وما أشبه ذلك، وكل ذلك حرصاً على إيقاع الصلاة في وقتها، والإتيان بها على هيئتها دون أن يختل شيء منها؛ وذلك لعظم شأن هذه الصلاة، وأهمية المحافظة عليها.

استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة دل عليه القرآن، قال تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] يعني: إذا أردت الصلاة، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144].

أمر الله باستقبال البيت الحرام في سورة البقرة في ثلاث آيات، وكرر ذلك بالتأكيد، وقد كان صلى الله عليه وسلم لما فُرضت عليه الصلاة وهو بمكة يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس، فكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ وذلك لأن بيت المقدس قبلة الأنبياء من بني إسرائيل، والكعبة هي قبلة أبينا إبراهيم، ولما هاجر أُذن له أن يستقبل بيت المقدس؛ تأليفاً وبياناً أنه على ملة الأنبياء قبله، ولكن بعد أن مضى عليه ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ولم يُفد ذلك في تأليف بني إسرائيل ولم يزدهم إلا عصياناً وتمرداً، أعاده الله ورجّعه إلى قبلة أبيه إبراهيم، فقال تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:142]، واستقبل الكعبة وترك القبلة الأولى فاستنكر ذلك السفهاء والمنافقون واليهود ونحوهم؛ لذا أمر الله نبيه أن يخبرهم بأن له المشرق والمغرب: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:142] فأمره بأن يستقبل الكعبة التي هي بيت الله، ولا شك أن استقبالها فيه تعظيم لها، ولتلك المناسك، وبيان لأهميتها، وحثٌ للناس على أن يأتوا إليها ويتعبدوا بالعبادات التي لا تصح إلا بها من الحج والعمرة والطواف والاعتكاف.. ونحو ذلك.

والمسلمون يستقبلون الكعبة في أي مكان وفي أي قطر من أقطار الأرض، يتوجهون في صلواتهم كل يوم خمس مرات في الفرائض وما شاء الله من نوافل، ويستقبلون هذه الكعبة، ولا شك أن هذا الاستقبال يحفز هممهم ويشوقهم ويبعث اشتياقهم إلى تلك الرحاب، حيث إنهم إذا كانت هي قبلتهم انبعثت الهمم إلى أن ينظروا إليها، وأن يأتوا إليها رجالاً وركباناً ليقرءوا، وليتعبدوا، وليقيموا العبادات التي يتعبد بها هناك.

والحاصل: أن استقبال الكعبة ركن واجب وشرط من شروط الصلاة، فالفرائض لابد فيها من استقبال الكعبة، فمن كان قريباً فلابد حينئذٍ أن يصيب عينها، وإن كان بعيداً اكتفى بأن يستقبل جهتها، وأما النافلة فإن أمرها أخف، فله والحال هذه أن يصلي وهو راكب، ويتنفل ولو كان وجهه لغير القبلة؛ حرصاً من الشارع على أن يكثر الناس من النوافل، وألا يعوقهم عنها عائق؛ وذلك لأن الإنسان قد يكثر سفره، وقد تطول مدة سفره، فينقطع عن النوافل مدة؛ وذلك لعدم تمكنه منها لكثرة مسيره، وكثرة تطوافه فهو دائماً راكب أو ماش على الراحلة أو نحو ذلك، فلو منع من التنفل إلا مستقبلاً القبلة لانقطع عن كثير من النوافل، فلا جرم أبيح له أن يصلي على الراحلة ولو لم يأت بالأركان كلها.

ولو لم يأت بالشروط كلها، وقد جعل العلماء استقبال القبلة من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها، فإن كانت فريضة فلابد أن يستقبلها بكل جسده، إما أن يستقبل عينها إذا تمكن، وإما أن يستقبل جهتها؛ لأنه قد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) يخاطب أهل المدينة، وكانت قبلته في جهة الجنوب، فقوله: (ما بين الشرق والمغرب قبلة) أي: هذا الجانب الجنوبي، ولو ملتم يميناً أو يساراً وأنتم قد استقبلتم جهة الكعبة، فأنتم على خير، ونقول: في هذه البلاد (الرياض) ما بين الشمال والجنوب قبلة، ولو قُدّر أنه مال يميناً أو يساراً، وإن كان الأفضل أن يستقبل الشطر للآية: شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144].