فتاوى نور على الدرب [205]


الحلقة مفرغة

السؤال: كان لي عم وقد توفاه الله، وبعد مضي مدة على وفاته قام أحد الأشخاص يقول: إن لي على عمك ديناً فأوفنيه، فطلبت منه ما يثبت ذلك الدين من وثيقة ونحوها، فلم يكن عنده شيء، ثم طلبت منه أن يحلف بالله أن له ديناً على عمي، فرفض أن يحلف بحجة أنه لن يحلف على حق له، فليس في هذا داع للقسم، فما العمل في هذه الحالة؟ هل أعطيه ما ادعاه من الدين أم لا؟

الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أجيب عن سؤال سبق من بعض المستمعين عن مقدار نصاب الحبوب والثمار، وقد سبق أن قلنا: إنه ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدنا بتحرير ذلك، وقد حررناه والحمد لله، فكان صاع النبي صلى الله عليه وسلم كيلوين وأربعين جراماً أو غراماً من البر الجيد الذي زنته زنة العدس، فالصاع النبوي كيلوان وأربعون غراماً بالعدس، وهو معروف عند الجميع، أو بالبر الجيد الدجن، ويكون النصاب على هذا ستمائة واثني عشر كيلو على حسب الوزن الذي ذكرناه الآن.

وأما بالنسبة لجواب الأخ السائل؛ فإن هذا الذي ادعى أن له ديناً على عمك لا يلزمك وفاؤه إلا إذا أقام بينة، فإن لم يقم بينة فإنه لا يلزمكم أن توفوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البينة على المدعي)، ويكون هو المفرط، حيث لم يثبت هذا ببينة، وليس عليكم شيء، اللهم إلا إذا علمتم أن هذا الرجل ثقة لا يمكن أن يدعي ما ليس له، فحينئذٍ يجب على من وثق بقوله أن يؤديه ما ينال نصيبه من الميراث، وأما من لم يثق بقوله فإنه لا يلزمه أن يؤديه شيئاً.

وكونك طلبت منه اليمين فلم يحلف بناء على أنه يعتقد أن الحق له، فإنه يكون هو الذي أسقط حقه، لأنه لا يستحق شيئاً إلا بيمين، ولكن كما قلت: إذا كنت تثق بصدق هذا الرجل، وقد ورثت من مال عمك شيئاً، فأد له نصيب أو قسط ما يكون من نصيبك في ميراث عمك، وهكذا كل من صدقه من الورثة، فإنه يلزمهم أن يعطوه قسط نصيبهم من التركة، مثال ذلك: لنفرض أن عمك له بنت، وأن العاصب أنت، فيكون للبنت النصف ولك الباقي وهو النصف، فإذا كان صاحب هذا الدين يدعي عشرة آلاف ريال، وأنت تثق من صدقه، فإنك تعطيه من الذي ورثت من عمك خمسة آلاف ريال؛ لأنها مقابل نصيبك، ثم البنت إن صدقته أيضاً دفعت الباقي، وإن لم تصدقه فإنه لا يلزمها شيء، هذا هو حكم هذه المسألة.

السؤال: عندي ستون رأساً من الغنم أعلفها ستة أشهر من السنة بأنواع من العلف، فمنها التبن والحشيش والشعير، فهل عليها زكاة أم لا؟ وإذا كان عليها زكاة فما مقدارها؟

الجواب: هذه الغنم التي تعلفها نصف السنة كاملاً ليس عليك فيها زكاة، لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة، والسائمة هي التي ترعى المباح، أي: ترعى ما أنبته الله تعالى في الأرض السنة كاملة أو أكثر السنة، فأما ما يعلف أكثر السنة أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه، إلا إذا كنت قد أعلفتها للتجارة، بحيث تكون تاجراً تتاجر بهذه المواشي، تبيع هذه وتشري هذه، فهذه لها حكم زكاة العروض، وإذا كانت هذه حالك، أي: أنك تتاجر بها وتبيع وتشتري ولست مبقيها للتنمية، فإن عليك زكاتها بحيث تقدرها كل سنة بما تساوي، ثم تخرج ربع عشر قيمتها، أي: اثنين ونصف في المائة من قيمتها، هذا هو حكم هذه المواشي التي ذكرت.

السؤال: لي أرض زراعية وقد سلمتها إلى أحد الفلاحين ليزرعها لنفسه مقابل عشرين ليرة في المائة آخذها منه، فهل هذا جائز؟ وبماذا يسمى هذا النوع من التعامل الزراعي شرعاً؟

الجواب: نعم يجوز لك أن تعطي أرضك من يزرعها بسهم مشاع من منتوجها كعشرين في المائة، وهو الخمس، أو أربعين في المائة وهو الخمسان، أو خمسين في المائة وهو النصف، وهكذا، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عامل أهل خيبر حين فتحها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، أي: بنصفه، فيجوز لمن عنده أرض أن يعطيها من يزرعها بسهم مشاع من منتوجها، ويسمى هذا معاملة، ويسمى أيضا مزارعة.

السؤال: أنا متزوج من امرأتين، وكل واحدة منهما قد أنجبت البنين والبنات، ولكنهما لا تصليان، وأما الصيام فإنهما تصومان، ولكن الصلاة ترفضان تأديتها حتى بعد أن علمتهما وبينت لهما أنها فرض، ولا يجوز تركها إلا بأعذار شرعية بالنسبة للنساء، ولكن دون جدوى، فماذا يجب علي نحوهما؟

الجواب: يجب عليك نحوهما أن تفارقهما؛ لأن تركهما للصلاة موجب للكفر المخرج عن الملة، فتكونا كافرتين بتركهما الصلاة، والكافرة لا تحل للمؤمن؛ لقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] ، وقال تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] ، وقال تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10] ، فالواجب عليك ألا تمسك بعصمة هاتين المرأتين، لأنهما كافرتان، وليس لهما حق في حضانة أولادهما، فأنت أخرجهما من بيتك وأولادهما عندك ليس لهما حق في حضانتهما، لأنه لا ولاية لكافر على مسلم.

وإني أقول لهما ولعلهما تسمعان: إن صيامكما رمضان غير مقبول، وليس لكما منه إلا التعب والعناء، ذلك لأن الكافر لا يقبل منه أي عمل صالح، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] ، فإذا كانت النفقات ونفعها متعد لا تقبل، فكيف بالعبادات الخاصة التي لا تتعدى فاعلها؟

والحاصل أن هاتين المرأتين قد انفسخ نكاحهما منك إلا أن تتوبا إلى الله وترجعا إلى الإسلام وتصليا، فإن رجعتا وصليتا فهما زوجتاك، وإلا فأخرجهما من بيتك، وأبق أولادك عندك، ونسأل الله لنا ولهما الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.

السؤال: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جداً من مرض بأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ ولو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا؟

الجواب: ربما يكون بعض المنازل أو بعض المركبات أو بعض الزوجات مشئوماً، يجعل الله سبحانه وتعالى بحكمته مع مصاحبته إما ضرر أو فوات منفعة أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الشؤم في ثلاث: -وذكر منها- الدار).

مداخلة: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟

الشيخ: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيها شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر.

السؤال: نذرت أختي أن تصوم يوم الجمعة، فهل يجوز لها أن توفي بنذرها أم لا؟ وإن لم يجز فهل تلزمها كفارة تدفعها؟

الجواب: نعم نقول لها: تصوم يوم الجمعة وتضيف إليه يوم السبت، أو تصوم معه يوم الخميس، وبذلك يكون وفاؤها بالنذر على وجه لا كراهة فيه، أما إفراد يوم الجمعة بالصوم لخصوصه لا لسبب آخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه إلا أن يصوم الإنسان يوماً قبله أو يوماً بعده، وحينئذ نقول لهذه الناذرة: صومي يوم الجمعة، وصومي قبله يوماً أو بعده يوماً.

السؤال: كثيراً ما نقرأ سورة الفلق، ومنها قوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] فما معنى هذه الآية؟ وما معنى قوله: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] ؟ ولماذا نسب النفث إلى النساء؟ فهل هو فعل خاص بهن أم يفعله حتى الرجال؟

الجواب: الغاسق إذا وقب هو الليل، كما قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] ، وإنما أمر بالاستعاذة منه لأن الهوام والسباع وغيرها تنتشر في الليل أكثر من انتشارها في النهار، فلذلك استعاذ الإنسان بربه من هذا الغاسق إذا وقب، أي: إذا دخل.

وأما النفاثات في العقد فهن النساء اللاتي ينفثن في العقد سحراً يسحرن به الناس، وخصت النساء بذلك؛ لأن الغالب أنه يقع منهن، وإلا فالرجال مثلهن، ولكن الخطاب قد يخص أحياناً بمن يغلب وقوعه منه، وليس معنى ذلك أنه لا يتعدى إلى غيره ممن يشاركه في العلة.

السؤال: أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم، ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون: إنه لحراسة منزلهم، وكثيراً ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم أيضاً، فهل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط؟ وهل يؤثر لمسه في اليد على صحة الوضوء، أم يعتبر ناقضاً؟ وما حكم استعمال الآنية التي قد يعطى طعامه وشرابه فيها؟

الجواب: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا في ما رخص به الشارع، والنبي عليه الصلاة والسلام رخص في ذلك في ثلاثة أمور: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب، وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها، والثالث: كلب الصيد ينتفع به الصائد، هذه الثلاث التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب، وما عداها فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذا الحال محرماً لا يجوز، وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه.

أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد، فإنه يجوز أن يقتنى لحراسة البيت ومن فيه، وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث.

وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد، وان كان مسه برطوبة بحيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أو يده أو يد الماس رطبة، فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم، ويجب غسلها، أي: غسل اليد بعده سبع مرات إحداها بالتراب.

وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء -أي: شرب منه- يجب غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب).

السؤال: أنا شاب أبلغ الثلاثين من العمر الآن، وقد ظللت مدة تسع عشرة سنة بلا صلاة ولا صيام، وقد تزوجت بزوجة لا تصلي ولا تصوم، والآن والحمد لله قد تبت إلى الله توبة نصوحاً، فما الحكم فيما مضى من عمري؟ وما الحكم في زواجي من تلك المرأة التي لا تصوم ولا تصلي إلى الآن؟

الجواب: سؤالك هذا يتضمن شيئين؛ الشيء الأول: بالنسبة إليك، حيث كنت لا تصلي ولا تصوم في أول عمرك بعد بلوغك، ولكنك تبت إلى الله الآن توبة نصوحاً، فإني أبشرك بأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70] فمتى تبت إلى الله توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبتك، وما مضى من تركك للواجب فإن الله يعفو عنه، فإن الإسلام يهدم ما قبله، ولا يجب عليك قضاء شيء مما مضى، لا صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا غيره.

وأما بالنسبة لزواجك من هذه المرأة، فإن هذه المرأة كافرة لا يحل للمسلم أن يبقيها عنده، ويجب عليك مفارقتها، إلا إن هداها الله للإسلام ورجعت وتابت إلى الله سبحانه وتعالى، فإنك تجدد عقد نكاحها وتتزوجها من الآن، ونسأل الله تعالى لكما التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يهديها إلى الإسلام حتى تتم الحياة بينكما على ما يرام، وهذا هو الشيء الثاني الذي تضمنه سؤالك بالنسبة إلى مشكلة الزوجة.

مداخلة: ماذا عليه لما فاته من الصلاة والصيام في السنين الماضية التي ذكرها؟

الشيخ: لا قضاء عليه فيه؛ لأن الله يقول: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، فما دام تركها فإنه يكفر بترك الصلاة، والكافر لا يجب عليه قضاء ما فاته من العبادات كما في هذه الآية التي ذكرت.