فتاوى نور على الدرب [169]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما معنى قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] إلى آخر الآية؟

الجواب: معنى قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] هو أن اليهود لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً وكان يحب صلى الله عليه وسلم أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة فيقلب وجهه في السماء ترقباً لنزول جبريل بذلك، فأنزل الله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] إلى آخر ما ذكره الله سبحانه وتعالى في هذا الموضوع. فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فكان اليهود ينتقدون ذلك وهو أنه اتجه أولاً إلى بيت المقدس ثم اتجه ثانياً إلى الكعبة، فبين الله تعالى أن الاتجاه إلى المشرق أو إلى المغرب ليس هو البر ولكن البر طاعة الله سبحانه وتعالى والإيمان به، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] والمعنى: ولكن البر هو بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، الإيمان الذي يستلزم امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه، فهذا هو حقيقة البر.

السؤال: ما الفرق بين الغيبة والبهتان؟ وما حكمهما؟ وماذا يفعل من عزم على التوبة منهما؟

الجواب: الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ذكرك أخاك بما يكره ) مما يتصف به من العيوب الخلقية أو الخلقية، فهذه هي الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكره في غيبته، ولهذا قيل لها: غيبة، وأما إذا ذكرته بما يكره في مقابلته فإنه يسمى سباً وشتماً، وهذا إذا كان المذكور متصفاً بما قلت فيه، أما إذا كان غير متصف فإنه يكون بهتاناً، أي: كذباً، ولهذا قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: ( أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ).

إذاً: فالفرق بين الغيبة والبهتان: أن الغيبة أن يكون الرجل الذي وقعت عليه الغيبة متصفاً بما ذكر فيه. وأما البهتان بأن يكون غير متصف بما فيه، بل يبهت به ويكذب عليه فيه، فتكون إذاً مركبة من غيبة وبهتان.

مداخلة: ماذا يعمل من أراد التوبة منهما؟

الشيخ: أما من أراد التوبة منهما فإنه يستغفر لأخيه الذي اغتابه، ويكثر من الثناء عليه بما يستحق في الأماكن التي اغتابه فيها؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات.

وهل يجب عليه أن يتحلله فيذهب إليه ويخبره بما جرى منه في حقه أو لا؟

قال بعض أهل العلم: إنه يجب عليه أن يذهب إليه ويتحلله؛ لأنه يخشى أن يصل إليه العلم فيما بعد، يطلب منه السماح.

وقال بعض أهل العلم: إنه إن كان أخاه قد علم باغتيابه فإنه يجب عليه أن يذهب إليه ويتحلله، أي: يطلب منه السماح، وإن كان لم يعلم فإن الأولى أن لا يخبره؛ لأنه ربما لو أخبره لركب رأسه ولم يسمح له وحصل بينهما عداوة وبغضاء، فيكون هو السبب في إثارة هذه العداوة والبغضاء. وهذا القول هو الراجح أنه لا يخبره، بل يستغفر له ويثني عليه بما يستحق في المجالس التي اغتابه فيها، اللهم إلا إذا كان يخشى أن يصل إليه العلم أو نحو ذلك من الأمور التي تحتاج إلى استحلال فإنه لابد أن يستحله.

السؤال: بعد عقد القران وقبل الدخول على زوجتي حلفت بالطلاق للإقلاع عن عادة سيئة كنت أمارسها بقولي: تكون امرأتي طالقاً إذا عدت إليها ولكنني رجعت إليها مرة أخرى واستمرت حياتنا الزوجية كالعادة، فما الحكم في هذه اليمين مع العلم أنه كان بيني وبين نفسي دون علمها ولا علم وليها، وعند البداية للحلف بالطلاق هذا كانت النية ليست بغرض الطلاق ولكن للإقلاع عن هذه العادة، وسبب استمراري في حياتنا الزوجية أنني أجبت بأن اليمين ما دامت ليس أمامها فلا يقع؟

الجواب: هذا السؤال نقدم له بمقدمة وهي: أنه قد كثر من الناس في الآونة الأخيرة الحلف بالطلاق، فصار الإنسان منهم يرسل لسانه في هذا الأمر في أتفه الأمور، وربما يجعله طلاقاً بائناً بالثلاث، وهذا أمر ينبغي للمرء أن ينزه لسانه عنه؛ لأن الحلف المشروع إنما يكون بالله سبحانه وتعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فإذا أردت أن تحلف فاحلف بالله سبحانه وتعالى، فقل: والله لأفعل كذا أو والله لا أفعلن كذا أو باسم آخر من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته، أما أن تحلف بالطلاق أو بالعتق أو بغير ذلك فإنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

فنصيحتي لإخواننا: أن لا يرسلوا ألسنتهم بمثل هذا اليمين.

ثم أعود لأجيب السائل عن سؤاله فأقول: غريب منك أيها الأخ أن يكون مبادرتك لزوجتك التي عقدت عليها ولم تدخل بها محاولة الطلاق لها فتحلف بالطلاق، فهلا صبرت على الأقل إلى أن تدخل بها ويمضي وقت، فالطلاق ليس أمراً هيناً يتلاعب به المرء عند أتفه الأمور، ولهذا نجد كثيراً من الناس الذين لا يهتمون بهذا الأمر والذين يطلقون طلاقاً منجزاً غير معلق ولا مقصود منه اليمين نجدهم دائماً يندمون ويذهبون إلى عتبة كل عالم لعلهم يجدون الخلاص، ولو أنهم رجعوا إلى أنفسهم وملكوها عند الغضب لكان ذلك أولى بهم وأجدر.

أما بالنسبة لمسألتك فإنه ما دمت قاصداً الامتناع من هذا العمل السيئ فإن هذا الطلاق المعلق حكمه حكم اليمين، إذا خالفت ما حلفت عليه وجب عليك كفارة اليمين، وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.

ولا فرق بين أن تقول ذلك وزوجتك لم تسمع أو تقول ذلك وهي أمامك تسمع، لا فرق، وإفتاء من أفتاك بأنه حيث كان بينك وبين نفسك لم تواجه به الزوجة فإنه يكون يميناً، هذه الفتوى فيها نظر؛ لأنه لا فرق إذا قصدت اليمين بين أن تقولها لزوجتك مواجهة، أو تقولها في مكان لا يسمعك أحد، أو تقولها في مكان سمعك غير الزوجة.

مداخلة: هذا الحكم فيما إذا كان كلامه مع نفسه كلاماً منطوقاً نطق به؟

الشيخ: نعم نطق به، وأما ما حدث به نفسه فإنه لا يؤاخذ به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ).

السؤال: هل إذا أوقع زوج على زوجته بما يحمل معنى الطلاق بأن قال لها مثلاً وهو يؤكد لها بأنه سوف يرسل لها ورقتها، ومفهوم لديها أن الورقة تعني ورقة الطلاق، فهل يعد هذا طلاقاً أم لا؟

الجواب: إذا قال الزوج: سأرسل ورقة الطلاق أو سأطلقكِ أو الورقة التي يفهم منها ورقة الطلاق فإن هذا وعد بالطلاق وليس إيقاعاً له، ولا يقع عليه بذلك طلاق، فلو أراد أن يرجع عن نيته هذه فلا حرج عليه.

أما إذا قال لزوجته: قد طلقتكِ وتأتيكِ ورقة الطلاق فيما بعد فإن الطلاق يقع، وإذا كتب الطلاق عند المأذون أو غيره ممن تعتمد كتابته وقال له: اكتب بأني طلقت زوجتي فلانة بنت فلان؛ فإن هذا الأمر بكتابة الطلاق لا يعد طلقة ثانية، لأنه يراد به كتابة طلاق قد وقع منه ومضى، فهو خبر عن أمر قد وقع، فلا تكون إلا طلقة واحدة، إذ أنه يفرق بين الإخبار عن الطلاق وبين إنشاء الطلاق.

السؤال: هل يشترط في الوضوء تسمية الصلاة التي سيصلى به أم له أن يصلي به حتى ينتقض وضوءه ولو كان لأكثر من صلاة؟

الجواب: لا يشترط أن يسمي الصلاة التي توضأ لها، يعني: لا يشترط أن ينويها وكذلك لا ينطق بها بلسانه كما هو المعروف أن النطق بالنية ليس من الأمور المستحبة، لكن إذا توضأ لصلاة الظهر مثلاً فله أن يصلي الظهر ويتنفل بهذا الوضوء، وله أن يصلي العصر والمغرب والعشاء ما دام على وضوئه ولا حاجة إلى تعيين الصلاة، كما أنه لو توضأ بنية رفع الحدث بدون أن ينوي صلاة أو غيرها فإنه يرتفع حدثه وله أن يصلي به ما شاء.

مداخلة: ولو سمى لا يتقيد بالتسمية؟

الشيخ: نعم، ولو سمى لا يتقيد بالتسمية.

السؤال: امرأة تشكو من زوجها الذي تزوجها منذ خمس وثلاثين سنة تقريباً وقد أنجبت له الأولاد والبنات، ولكنه بعد هذه العشرة الطويلة تنكر لها وأصبح يعاملها معاملة سيئة وهجرها من الكلام والمجالسة ومن كل شيء، وقد حاولت أن تكسب رضاه ولكنه يرفض كل تودد منها وتقرب إليه، ويصر على رفضه لها وعدم تلبيته لطلباتها، فهي تسأل عن الحكم فيما لو تركته وذهبت إلى أهلها علماً أنه تزوجها وهي يتيمة وبدون رضاها أيضاً ولكنها صبرت عليه وعاشت معه رغم كل تلك السنين الطويلة، وترجو أيضاً إسداء نصيحة إلى هذا الزوج وأمثاله لعل الله أن يهديه؟

الجواب: النصيحة لهذا الزوج أن يتذكر قول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ).

وعليه إذا كان قد هجرها لسبب يظنه مبيحاً للهجر أن يحاول إصلاح الأمر ببيان السبب لها من أجل معالجته، وأما أن يكف عنها هكذا فليس هذا من العشرة بالمعروف.

أما بالنسبة لها فإنه يجب عليها أن تصبر على ما حصل من زوجها، وأن تتقي الله سبحانه وتعالى في أولادها، والذي أرى لها أن تبقى في بيت الزوج صابرة محتسبة للأجر حتى لا يتفرق الأولاد وتتشتت العائلة، ولكل شيء غاية ونهاية، ودوام الحال -كما قيل­- من المحال.

السؤال: لقد رضعت ابنة خالتي من أمي في يوم واحد مرتين أو ثلاث مرات مع أخي الذي هو أكبر مني بفارق أربعة أولاد، وقد تزوجت ابنة خالتي على رجل آخر وأنجبت بنتاً فتزوجت أنا ابنتها، أي: ببنت البنت، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟

الجواب: ينبغي أن يعلم بأن الرضاع المحرم الذي يثبت به كون الرضيع ابناً من مرضعة يشترط فيه أن يكون خمس رضعات فأكثر قبل الفطام. وحسب سؤال السائل فإن هذه الطفلة التي صارت أماً لم ترتضع من أمه إلا ثلاث رضعات فقط، وعلى هذا فلا تكون أختاً له، بل هي بنت خالته، ويجوز له أن يتزوج ابنتها لعدم ثبوت الرضاع المحرم.

وقبل إنهاء الجواب أذكر المستمعين: أن كثيراً من العامة يظنون أن البنت إذا ارتضعت من أم الإنسان مع ولد أكبر منه فإنها لا تكون أختاً له، وهذا خطأ عظيم، فإن أي طفل رضع من أمك فإنه يكون أخاً لك سواء ارتضع من اللبن الذي نشأ من الحمل بك أو ارتضع من لبن سابق أو لاحق، المهم أنه متى ارتضع رضاعاً معتبراً من أمك قبلك أو بعدك أو معك فإنه يكون أخاً لك من الرضاعة، ويكون كذلك أيضاً أخاً لأولاد زوجها الذي نشأ لبنها منه، يكون أخاً لهم من الأب لأن أباهم واحد.