أرشيف المقالات

يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
 
قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 31 - 33].
 
سببُ النزول: أنَّ أهل الجاهلية كانوا يطوفون بالبيت عُراة؛ الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكان بعضهم يحرم الطعام الدسم في الحج، فأنزل الله هذه الآيات.
 
والغَرَض الذي سِيقَتْ له: هو الرد على المشركين فيما كانوا يتعبدون به من الطواف بالبيت عراة وترك أطايب الطعام.
 
ومناسبتها لما قبلها: أنه لَمَّا حكى عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشةً؛ كالشرك، والطواف عراة، قالوا: وجدنا عليها آباءنا، واللهُ أَمَرَنا بها، ولما رد الله باطلهم أَمَرَ جميع بني آدم أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وإنما افتتح بقوله: يا بَني آدم، ليذكِّر بني آدم بما فعله الشيطان بأبيهم؛ حتى لا ينخدعوا بغروره في التحليل والتحريم ونحوه، وليعم الخطاب.
 
والمراد بـ(الزينة): ما يتزين به الناس من الملبوس وما يستر العورة، والتعبير بـ(الزينة) لتهجين عمل المشركين.
 
والمراد بـ(المسجد) قيل: وقت السجود، وقيل: مكان السجود، وليس المراد خصوص المسجد الحرام، وإن كان هو السبب، بل يعم كلَّ مسجد؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا سُتِرَت العورة عند كل مسجد دخل في ذلك الصلاة والطواف.
 
والأمر في قوله: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ ﴾ للوُجوب إن قلنا: إن المراد بـ(الزينة) ستر العورة، وللندب إن قلنا: إن المراد بـ(الزينة) ما يؤخذ من زيادة اللباس للتجمُّل، وسببُ النزول يشهد للأول، وقوله: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾ لإباحة ما كان يحرِّمه الجاهلون على أنفسهم في الحج من أطايب الطعام.
 
وقوله: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا ﴾؛ أي لا تتجاوزوا الحد بتحليل الحرام وتحريم الحلال، أو لا تُفرِّطوا في الأكل والشرب لما فيه مِن الضرر، قال بعض السلَف: جمع الله الطب في نصف آية ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾.
 
وقوله: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ استئناف لتعليل النهي.
 
والاستفهام في قوله: ﴿ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ ﴾ للإنكار على مَن حرَّم هذه الأشياء.
 
وقد أضيفت الزِّينة في الآية الأولى لبني آدم لانتفاعهم بها؛ وأضفيت (الزينة) هنا لله تعالى؛ لأنه مُوجدها ومُخرجها، وهذا التعبير لتوبيخ مَن تعدَّى على الله مالكها، فحرم شيئًا منها لم يُحرمه.
 
ومعنى ﴿ أَخْرَجَ ﴾؛ أي من النبات كالقطن والكتان، ومن الحيوان كالصُّوف والوبَر، ومن المعادن كالدروع والجواهر التي لم يَرِدْ نهيٌ عن التزيُّن بها.
 
والتعبير بقوله: ﴿ لِعِبَادِهِ ﴾ لإفادة أنها حل لهم.
 
و(الطيبات) المستلذات مِن الطعام والشراب، وقيل: (الطيبات) اسم لكلِّ ما طاب كسبًا ومطعمًا.
والضمير في قوله: ﴿ قُلْ هِيَ ﴾ للزينة والطيبات.
 
وقوله: ﴿ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ يعني أنها خُلقت من أجلهم في الدنيا، وإنْ شاركهم فيها الكفار تبعًا، ولم يقل: للذين آمنوا وغيرهم ليشعر أنها أصلًا للمؤمنين.
 
وقوله: ﴿ خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾؛ أي خاصة بهم في الآخرة لا يشاركهم فيها الكفار.
 
وانتصاب ﴿ خَالِصَةً ﴾ على الحال، وقرئ بالرفع على أنها خبر بعد خبر، والتقييد بخلوصها لهم يوم القيامة لوعيد المشركين.
 
والإشارة في قوله: ﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ للتفصيل الذي تقدَّم في شأن الزينة والطيبات، و(التفصيل) التبيين، وإنما قال: ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ لتهجين الجاهلين.
 
وقوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ إلى آخر الآية، استئناف لبيان ما حرمه الله حقًّا، وقد دل بمنطوقه على حصر المحرمات فيما ذكر، ودلَّ بمفهومه على إباحة ما سواها.
 
و(الفواحش) جمع فاحشة، وهي كلُّ ما قبح وزادتْ شناعته من الذنوب كالزنا ونحوه، وقيل: هي الزنا خاصة.
 
وقوله: ﴿ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ بدل من الفواحش؛ أي جهرها وسرها، وقد مَرَّ نظيرُه في قوله: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ [الأنعام: 120].
 
وقوله: ﴿ وَالْإِثْمَ ﴾ يعني: المعصية مطلقًا، وهو من عطف العام على الخاص، وقيل: المراد بـ(الإثم) الخمر، والظاهر الأول، والمراد بـ(البغي) الظلم أو الكبر، وتخصيصُه بالذِّكر للمبالغة في الزجر عنه، والتقييد بقوله: ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ ليس للاحتراز، وإنما هو للتشنيع والتنفير من مواقعته، والجار والمجرور متعلق بـ(البغي) لتأكيد معناه، و(السلطان) الحجة والبرهان، والتقييد بالمفعول - أعني: ﴿ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ - ليس للاحتراز، وإنما هو للتهكم بالمشركين، والتنفير من اتباع ما لا حجة عليه.
 
وقد وضع الظاهر في قوله: ﴿ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ﴾ موضع الضمير، فلم يقل: وأن تشركوا به؛ للإشارة إلى أنه لا ينبغي اتخاذ شركاء مع الله؛ لأن اسم الجلالة يتضمن جميع صفات الكمال المنافية للشُّرَكاء.
 
وقوله: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾؛ يعني: وأن تفتروا على الله الكذب، كتحليل ما لم يحل، وتحريم ما لم يحرِّم.
 
الأحكام:
1 - وجوب ستر العورة في الصلاة والطواف.
2 - استحباب التجمُّل عند الذهاب إلى المساجد.
3 - النهي عن الإسراف في الطعام والشراب واللباس.
4 - لا يجوز تحريم شيء من الزينة والطيبات بغير دليل خاص.
5 - تحريم الزنا وجميع المعاصي العلَنية والسرية، وبخاصة البغي.
6 - تحريم الشرك.
7 - تحريم القول على الله بلا علم.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن